بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا التوحيد أولاً ؟
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ، وبعد : فقد طلب مني متصل عبر الهاتف كلمة بعنوان لماذا كان التوحيد أولاً ؟ وهذا يدل على أنَّ المتصل عرف أنَّ التوحيد هو أصل العقيدة الإسلامية ، وأساسها ، وشرط صحتها ، وقبولها ، وقد اقترح هذا الاقتراح ليفهم من لم يفهم أنَّ هذه منزلة التوحيد في الدين الإسلامي ؛ ذلك بأنَّ توحيد الألوهية هو الذي أمرت به الرسل جميعاًَ ؛ من أولهم نوح عليه الصلاة والسلام إلى آخرهم محمدٌ صلى الله عليه وسلم ؛ قال تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمةٍ رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) وقال سبحانه : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلاَّ نوحي إليه أنَّه لا إله إلاَّ أنا فاعبدون ) وما من نبي يبعث إلى قومه إلاَّ وهو يقول : ( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلهٌ غـيره ) ولما بعث الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى قومه مكث عشر سنوات لايدعو إلى شيءٍ غير التوحيد ، ثمَّ بعد العشر شرعت الصلاة ، وبقي ثلاث سنوات بمكة ، ثمَّ هاجر إلى المدينة ، وفي السنة الثانية من الهجرة شرعت الزكاة ، والصوم لذلك فإنَّ التوحيد هو أصل الدين وأساسه ، وقاعدته ؛ التي عليها يبنى لذلك فإنَّ من أفسد التوحيد بأن دعا مع الله إلهاً آخر فقد أفسد الدين كله ، وخرج من الإسلام ، وصار مرتداً ، وحبط عمله قال تعالى : ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنَّ عملك ولتكوننَّ من الخاسرين ) وقال عيسى عليه الصلاة والسلام : ( يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنَّه من يشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ) وقد حوت هذا الأصل العظيم شهادة أن لا إله إلاَّ الله ، وأنَّ محمداً رسول الله ؛ وهي تتكون من جزأين (( لا إله إلاَّ الله )) الجزء الأولى : نفي الألوهية عمَّا سوى الله عز وجل في قوله : (( أشهد أن لا إله )) أي لامعبود بحقٍّ في الوجود إلاَّ الله ، والجزء الثاني : في قوله : (( إلاَّ الله )) إثبات الألوهية لله وحده دون سواه ؛ لأنَّه هو الذي خلق هذا الكون قال تعالى : ( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين ) والآيات بعدها ، وقال تعالى : ( الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم ربكم فتبارك الله رب العالمين . هو الحي لا إله إلاًَّ هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين . قل إني نهيت أن أعبـد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين) والآيات في الاستدلال على توحد الله بالألوهية كثيرةٌ ؛ فمن نطق بهذه الشهادة شهادة أن لا إله إلاَّ الله ، وأنَّ محمداً رسول الله فقد حاز الفوز ، ونجـا من الخسـران ؛ قال تعـالى : ( والعصر . إنَّ الإنسان لفي خـسر . إلاَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) وقال تعالى : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) فمن قالها معتقداً معناها عاملاً بمقتضاها فقد حاز السعادة في الدارين ؛ فهي الكلمة التي أرسل الله بها رسله ، وأنزل بها كتبه ، ومن أجلها خلقت الدنيا والآخرة ، والجنـة والنـار وفي شأنها تكون السعادة والشقاوة فقائلها ومعتقدها يعطى كتابه بيمينه ، ويثقل ميزان حسناته ويمر على الصراط ، ويدخل الجنة وينجو من النار ، وعنها يكـون السـؤال ؛ قال تعـالى : ( فلنسألنَّ الذين أرسل إليهم ولنسألنَّ المرسلين ) وقال تعالى : ( ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين . فعميت عليهم الأنبـاء يومئذٍ فهم لايتساءلون . فأمَّا من تاب وآمن وعمل صالحاً فعسى أن يكون من المفلحين ) قال شيخنا حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله في معارج القبول جـ2 / 510 ط دار ابن الجوزي : " وهي أعظم نعمة أنعم الله بها على عباده أن هداهم إليه ولهذا ذكرها في سورة النحل التي هي سورة النعم قبل كل نعمة ، فقال : ( ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنَّه لا إله إلاَّ أنا فاتقون ) وهي كلمة الشهادة ومفتاح دار السعادة وهي أصل الدين وأساسه ، ورأس أمره ، وساق شجرته ، وعمود فسطاطه ، وبقية أركان الدين وفرائضه متفرعةٌ عنها ، ومتشعبة منها ، ومكملات لها ، ومقيدةٌ بالالتزام بمعناها والعمل بمقتضاها فهي العروة الوثقى التي قال الله عز وجل : ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميعٌ عليم ) وهي العهد الذي قال الله عز وجل : ( لايملكون الشفاعة إلاَّ من اتخذ عند الرحمن عهدا ) قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه في تفسير العهد : هو شهادة أن لا إله إلاَّ الله والبراءة من الحول والقوة إلاَّ بالله ؛ وهي الحسنى التي قال الله عز وجل : ( فأمَّا من أعطى واتقى . وصدَّق بالحسنى . فسنيسره لليسرى ( وهي كلمة الحق التي ذكرها الله عز وجل في قوله : ( إلاَّ من شهد بالحق وهم يعلمون ) وهي كلمة التقوى التي ذكرها الله عز وجل في قوله : ) وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها ) انتهى ما أردت نقله بتصرف ، ومن هنا نعلم لماذا كان التوحيد هو الأول في الإلتزام ، وهو الأول في الدعوة وهو أصل الدين وأساسه وقاعدته ؟ فإسلامٌ بلا توحيد بناءٌ بلا قاعدة ، ونعلم أيضاً ضلال من يدعون إلى خلافةٍ ، ويزعمون أنَّهم يدعون إلى إعادة الخلافة الضائعة فنقول : إنَّ الله أمرنا بالتوحيد الذي دعت إليه جميع الرسل ، وسيسألنا الله : ماذا كنتـم تعبـدون ؟ وماذا أجبتــم المرسلـين ؟ ويا خسارة من أفنى عمره في الدعوة إلى خلافة ، ويا خسارة من أجابه وتابعه على هذا الباطـل وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليماً كثيراً .
كتبه
أحمد بن يحيى النَّجمي
17 / 4 / 1426 هـ
كتبه
أحمد بن يحيى النَّجمي
17 / 4 / 1426 هـ