السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
قال الشيخ صالح الفوزان في كتابه اعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد, في باب الخوف من الشرك:
لا يكفي أن الإنسان يعرف التوحيد ويعمل به، بل لا بد أن يعرف ضده وهو الشرك؛ خشية أن يقع فيه، ويفسد عليه توحيده؛ لأن من لا يعرف الشيء يوشك أن يقع فيه، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- " يوشك أن تنقضي عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية " ؛ لأنه لا يدري عن أمور الجاهلية أو يحسبها شيئا طيبا وهي من أمور الجاهلية، فبجهله بحقيقتها التبست، فصار يفعلها وهي من الجاهلية، فكذلك وأخطر من ذلك من لا يعرف الشرك ومداخله، وأنواعه، وأخطاره، فإنه حري أن يقع في الشرك من حيث لا يدري؛ لأن الجهل داء قاتل، والشاعر يقول:
والضد يظهر حسنه الضد وبضدهـا تتبيـن الأشـياء
فلا يعرف قيمة الصحة إلا من ذاق المرض، ولا يعرف قيمة النور إلا من وقع في الظلام، ولا يعرف قيمة الماء إلا من عطش، وهكذا، ولا يعرف قيمة الطعام إلا من مسه الجوع، ولا يعرف قيمة الأمن إلا من أصابه الخوف .
إذن لا يعرف قيمة التوحيد، وفضل التوحيد، وتحقيق التوحيد إلا من عرف الشرك وأمور الجاهلية حتى يتجنبها، ويحافظ على التوحيد، ومن هنا يظهر خطأ هؤلاء الذين يقولون: لا داعي أن نتعلم العقائد الباطلة ونعرف المذاهب الباطلة، ونرد على المعتزلة والجهمية ؛ لأنهم بادوا وذهبوا، علموا الناس التوحيد ويكفي، أو بعضهم يقول: لا تعلموهم التوحيد؛ لأنهم أولاد فطرة، ونشئوا في بلاد المسلمين، علموهم أمور الدنيا؛ الصناعات والاختراعات والأمور الحديثة، أما التوحيد فيحصلونه بفطرتهم وبيئتهم، نعم وجد من يقول هذا، وبعض الناس يقول: الناس تجاوزوا مرحلة الخرافات؛ لأنهم تثقفوا وعرفوا، فلا يمكن أن يشركوا بعد ذلك؛ لأن الشرك كان في الجاهلية، يوم كان الناس سذجا، ويسمون الشرك في العبادة شركا ساذجا، والشرك عندهم ما يسمونه بالشرك السياسي أو شرك السلاطين أو شرك الحاكمية .
ولذلك لا يهتمون بإنكار هذا الشرك الذي بعثت الرسل لإنكاره، وإنما ينصب إنكارهم على الشرك في الحاكمية فقط .
وكل هذه من حيل الشيطان لبني آدم ، والواجب أننا كما نعرف الحق يجب أن نعرف الباطل، من أجل أن نعمل بالحق، ونتجنب الباطل؛ ولهذه المناسبة العظيمة ذكر الشيخ " باب الخوف من الشرك " بعدما ذكر أبواب التوحيد وفضله، وما يكفر من الذنوب، وتحقيق التوحيد، وهذه نعمة عظيمة ، لكن إذا حازها الإنسان، فإنه يخشى من ضدها، فلا بد أن يعرف ضدها حتى يتجنبه، فلنتنبه لهذا الأمر .
فإن هناك أناسا الآن كثيرين يزهدون في تعلم هذه الأمور: تعلم التوحيد تعلم الشرك معرفة الشبه والضلال يزهدون في هذه الأمور، وهذا إما من جهلهم، وعدم معرفتهم، وإما لأنهم يريدون الدس على المسلمين، وإفساد عقيدة المسلمين، فلنحذر من هذا الأمر، سمعنا من يقول: إن الذي يدرس عقائد المعتزلة والرد عليهم مثل الذي يرجم القبر؛ لأنهم ماتوا، يقولون كذا، نقول: يا سبحان الله! هم ماتوا بأشخاصهم، لكن مذاهبهم باقية، وشبهاتهم باقية، وكتبهم تطبع الآن وتحقق، وينفق عليها الأموال، وتروج، فكيف نقول: نتركهم لأنهم ماتوا، والله -تعالى- ذكر شبهات المشركين من الأمم السابقة، فرعون وهامان وقارون وقوم نوح وعاد وثمود مع أنها أمم بائدة، ذكر شبهها ورد عليها، فالعبرة ليست بالأشخاص، العبرة بالمذاهب، والعبرة بالشبه الباقية ولكل قوم وارث .
ولهذا قال الشيخ: " باب الخوف من الشرك "؛ أي: أن الموحد يجب أن يخاف من الشرك، ولا يقول: أنا موحد وأنا عرفت التوحيد، ولا خطر علي من الشرك، هذا إغراء من الشيطان، لا أحد يزكي نفسه، ولا أحد لا يخاف من الفتنة ما دام على قيد الحياة، فالإنسان معرض للفتنة، ضل علماء أحبار ، وزلت أقدامهم، وختم لهم بالسوء، وهم علماء، فالخطر شديد، ولا يأمن الإنسان على نفسه أن تنزلق قدمه في الضلال، وأن يقع في الشرك، إلا إذا تعلم هذه الأمور من أجل أن يجتنبها، واستعان بالله، وطلب منه العصمة والهداية: رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا خافوا من الزيغ بعد الهداية، والمهتدي يكون أشد خوفا أن يزيغ، وأن تزل قدمه، وأن تسوء خاتمته، وأن يكون من أهل النار، نسأل الله العافية .