التذكير بطباعة كتاب (بيان تلبيس الجهمية) كاملاً
فقد كان طلبة العلم يتسامعون منذ مدة بتحقيق تام يوشك أن يظهر لكتاب (بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية) لشيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن تيمية الحراني عليه رحمة الله ، لكن الأمر طال حتى ظُن أن المشروع قد طُوي ، وأن الكتاب غير خارج ، فإذا بالكتاب يطبع -بحمد الله- قبل نهاية سنتنا هذه - 1427هـ - تاماً محققاً لتكون بشارة لطلبة العلم تستحق النشر والإذاعة ، والكتاب من طباعة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ويقع في ثمان مجلدات ، هي عبارة عن ثمان رسائل علمية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وذلك لنيل درجة الدكتوراة بإشراف الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي حفظه الله ، إضافة إلى مجلد تام في دراسة ما يتعلق بالكتاب ومؤلفه ، والكتاب المردود عليه ومؤلفه ، ومجلد للفهارس العلمية ، ليظهر الكتاب بطبعته هذه في عشر مجلدات ، والكتاب لا شك إضافة مهمة لتراث ابن تيمية المطبوع ، كما هو إضافة مهمة في المكتبة الإسلامية ، ذلك لجلالة الكتاب وجلالة مؤلفه ، فالكتاب (بيان تلبيس الجهمية)! والمؤلف (أحمد بن عبدالحليم بن تيمية)! وكفى! وتأمل ما قاله تلميذه البار -ابن عبدالهادي- في الثناء على الكتاب ، يقول عليه رحمة الله (العقود الدرية 22): (وهو كتاب جليل المقدار ، ومعدوم النظير ، كشف الشيخ فيه أسرار الجهمية ، وهتك أستارهم ، ولو رحل طالب العلم لأجل تحصيله إلى الصين ما ضاعت رحلته)أ.هـ ، وللكتاب طبعة مشهورة متداولة بتحقيق الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن قاسم رحمه الله لكنها ناقصة إذ هي تقارب نصف ما هو موجود في طبعتنا هذه ، وظل النظر في الكتاب بتمامه حكراً على بعض المهتمين من طلبة العلم والعلماء عبر مصورات من المخطوط تُداول ، وظل جمهور طلبة العلم في حرمان من النظر في الكتاب تاماً طيلة سنوات ، مع أهمية الكتاب وتفرده ببعض المسائل والتحقيقات التي لا يجدها طالب العلم في كتاب آخر ، وأذكر أني سألت الشيخ عبدالرحمن المحمود حفظه الله عن بعض ما يتعلق بحديث الصورة (خلق الله آدم على صورته) فأحالني على ما حققه ابن تيمية في هذه المسألة في كتابه بيان تلبيس الجهمية ، فلما سألته: هل كلامه في المطبوع من الكتاب؟ ، قال: لا بل هو في المخطوط وهو يحقق في رسائل وعسى أن يظهر قريباً ، ولهذا الكلام أكثر من تسع سنوات ، ومن تابع ما كان يُذاع في قناة المستقلة من مناظرات حول شيخ الإسلام ابن تيمية يجد فيها نصوص مقتبسة من الكتاب وإحالات على المخطوط من قِبل المهاجم والمدافع وجمهور طلبة العلم غير قادرين على التعرف على حقيقة كلام ابن تيمية وسياقه لعدم الوقوف على المخطوط ، فظهور الكتاب سيجلي مسائل كثيرة تهم المعتنين بأصول الدين ، وعلم الكلام ، ومذهب الأشاعرة ، ومن هنا تنبع أهمية هذا الكتاب ، إذ هو كتاب موسوعي ضخم في نقض مذهب الأشاعرة ، متمثلاً في الرد على كتاب مهم لإمام مهم عند الأشاعرة هو تأسيس التقديس لأبي عبدالله الرازي ، والذي قعد فيه الرازي لجملة من الأصول في مسلك الأشاعرة في مسائل أسماء الله وصفاته ، ثم ساق جملة واسعة من وجوه التأويل والتحريف لهذه الأسماء والصفات ، فجاء رد شيخ الإسلام هذا ليعتني بالأصول الكلية في هذا المبحث المهم ، تأصيلاً لمعتقد أهل السنة ، ورداً على المخالف ، وليعتني كذلك بجملة واسعة من الجزئيات المتعلقة بهذه الأصول تجلية لها وتوضيحاً للحق فيها وبيانا لخطأ المخالفين ، وذلك وفق منهج أهل السنة في التعاطي مع هذه المباحث باعتماد الكتاب والسنة وفق فهم سلف الأمة ، بالإضافة إلى النظر العقلي في إقامة الحجة واستعمال أدوات الخصوم في الجدل والمناظرة ، يقول الإمام ابن القيم في نونيته واصفاً حال شيخه:
ومن العجائب أنه بسلاحهم ** أرداهم تحت الحضيض الداني
ولئن كانت هذه عجيبة من عجائب ابن تيمية في الرد على الخصوم باستعمال أدواتهم وقلب الطاولة عليهم ، فكتابه هذا متشبع بهذا الأسلوب حتى غدا أعجوبة بحق ، يقول الإمام ابن القيم واصفاً الكتاب:
وكذلك التأسيس أصبح نقضه ** أعجوبة للعــالم الرباني
والكتاب يجمع شتات ما تفرق من كلام ابن تيمية في مسائل الأسماء والصفات ويزيد عليها ، ففيه من نفيس المباحث ما لا يجده طالب العلم في كتاب آخر ، كمسألة الصورة ، ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ، والحد والجهة والتركيب والجسم وغيرها من المباحث التي تبلغ مئات الصفحات ، وفي الجملة فهو كتاب موسوعي في معالجة مبحث الأسماء والصفات ، ببيان ما يتصل بالمنهج الحق في هذا الباب ، وما يتعلق بفروع هذا المنهج وثمراته ، والكتاب لا يخلو من مناقشة للمعتزلة والفلاسفة وأهل الوحدة وغيرهم لكن محور هذا الكتاب الرئيس (الرد على الأشاعرة) وهذه مزية لمن يعرف واقع الأشعرية اليوم ، ومن هو ابن تيمية ، وأي قيمة علمية لكتاب يكتبه ابن تيمية في الرد على الأشاعرة! وليس المقصود بهذه المقالة استيعاب الكلام في التعريف بهذا الكتاب وإنما المقصود نقل البشارة لطلبة العلم بظهور هذا الكتاب الجليل في طبعة أنيقة جميلة لائقة بقدره وقدر مؤلفه وبسعر يكاد يكون رمزياً ، فالمبادرة المبادرة لشراء الكتاب وتحصيله وقراءته ومدارسته ، وإني لأرجو أن يظهر الكتاب في المكتبات ودور النشر ليزداد انتشاره ويسهل على طلبة العلم تحصيله فإن الاقتصار على طباعة نسخ محدودة سيضيق من دائرة الانتفاع بالكتاب ، كما أرجو أن تظهر للكتاب نسخ إلكترونية وأن يُسعى في إدراجه في برامج الحاسب الآلي ليكون الانتفاع بها أكبر وأتم ، أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يرحم شيخ الإسلام ويعلي درجته ويجزيه عمن انتفع به خير الجزاء إنه سبحانه خير مسؤول.