بسم الله الرحمن الرحيم
هَلْ تَوحِيدُ الحَاكميّة قِسمٌ رابعٌ مِنْ أَقسَامِ التَّوْحِيد (!؟)
الشيخ أبو عبد الحليم عبد الهادي يُبيِّن المنهج الحق في المسألة
عبر اتّصالٍ لي معه –حفظه الله-.
الشيخ أبو عبد الحليم عبد الهادي يُبيِّن المنهج الحق في المسألة
عبر اتّصالٍ لي معه –حفظه الله-.
الحمد لله الذي وفّقنا لهداه، والصلاة والسلام على نبينا محمّد، وبعد:
فقد وفّقني اللهُ الاتصال بشيخنا أبي عبد الحليم عبد الهادي(1) –سلّمه الله-، وطلبتُ منه أن يتعرّض لمسألة (توحيد الحاكميّة) بشيءٍ من الشرح والبيان، خاصة وقد أكثر علينا المتشدّقون بها اللّغَط؛ فما كان إلا أن وافق بالتسجيل والنشر –ولله الحمد- قصد إفادة الإخوة.
_-°°° التفريغ °°°-_
- المُتّصِلُ –عبد الغني-: السلام عليكم ورحمة الله.
الشيخ –أبو عبد الحليم عبد الهادي -: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
- المتّصل: أهلاً وسهلاً شيخنا.
الشيخ: الله يسلمك، الله يبارك فيك.
- المتّصل: تفضّل شيخنا، الله يحفظكم.
الشيخ:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله –صلى الله عليه وآله وسلّم-.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}.
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (2).
ثم أمّا بعدُ: فهذه بعض الأسئلة التي طرحها أخونا الفاضل عبد الغني الجزائري يرجو الإجابة عنها، ومن هذه الأسئلة التي طرحها: مسألة تقسيم التوحيد إلى أربعة أقسام؛ وهو ما يُسمّى بتوحيد الحاكمية؛ قسمٌ رابع الذي يُسمّى بتوحيد الحاكمية.
فأقول –وبالله التوفيق-: من المعلوم عند علماء السلف أن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام؛ قد دلّ على هذا الكتاب والسنة، وذلك بالتّتبّعِ والاستقراء، كما جاء ذلك في سورة الفاتحة في قول الله –جلّ وعلا-: {الحمد لله ربّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين}؛ فـ: {الحمد لله ربّ العالمين} في توحيد الرُّبوبيّة؛ لأنّ الآيةَ أثبتت رُبوبيّة الله –جلّ وعلا- لجميع العالمين وهم كل ما سوى الله، والرب هو الخالق المالك المدبِّر –جلّ وعلا-، وقوله: {الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين} فيه توحيد الأسماء والصِّفات بإثبات وصْفِ الله –جلّ وعلا- في الآيتين بالرّحمةِ والمُلك، وإثبات أسمائه: الرحمن، الرحيم، المالك. وقوله: {إيّاك نعبدُ وإيّاك نستعين} فيه توحيدُ الأُلوهيّة بدلالة الآية على وُجوبِ إفرادِ الله -جلّ وعلا- بالعبادة والاستعانة؛ فهذا التقسيم الذي دلّ عليه كتابُ ربِّنا –جلّ وعلا- أنّ التوحيد ينقسِمُ إلى ثلاثة أقسام، ومن أهلِ العلم من قسّم التوحيد إلى قسمين؛ وذلك بإدخال توحيد الأسماء والصفات مع توحيد الرّبوبيّة؛ ولهذا يقولون (توحيد المعرفة والإثبات) ويعنونَ به توحيد الربوبيّة والأسماء والصفات. (توحيد القصد والطّلب) وهو توحيد الأُلوهيّة [ إفرادُ الله –جلّ وعلا- بالعبادة ] وهو معنى (لا إله إلاّ الله).
وأمّا تقسيم التوحيد إلى أربعة أقسام؛ فهذا خطأ؛ فهذا التقسيم من المُعاصرين. المُعاصرون يُقسِّمون التوحيد إلى أربعة أقسام وخاصّةً من يتَسمّوْنَ بالإخوان المفلسين، قد قسّموا التوحيد إلى أربعة أقسام:
توحيد الرّبوبيّة، - وتوحيد الألوهيّة، - وتوحيد الأسماء والصفات، - وتوحيد الحاكميّة (!!)
وقالوا بأن هذا التقسيم إصطلاحي وليس توقيفِيّاً؛ أي تقسيم التوحيد إلى أربعة أقسام إصطلاحي وليس توقيفيّاً؛ فلا مانع من الزّيادة على الثلاثة، ويُقالُ لهؤلاء: ليس التقسيم اصطِلاحيّاً، وإنّما يُرجع فيه إلى التقسيم من الكتاب والسنة؛ فالسّلف حينما قسّموا التوحيد إلى ثلاثة أقسام إستقرؤوها من الكتاب والسنة، ولا نخرج عن هذا التقسيم؛ فالسلف قسّموا التوحيد إلى ثلاثة أقسام أو إلى قسمين كما أشرنا آنفا. وأمّا الحاكمية فهي حق، يجب أن يكون التحاكم إلى شرع الله –عزّ وجل- لكن هذا داخِلٌ في توحيد العبادة؛ لأنّه طاعةٌ لله –عزّ وجل-، والسلف –رضوان الله تعالى عليكم أجمعين- ما أهملوا الحاكمية حتى يأتي واحد الآن متأخّر فيُضيفُه ويقول بأنّ هذا توحيد توحيد الحاكميّة؛ فتوحيد الحاكمية هو داخِلٌ في توحيد العبادة [ توحيد الألوهيّة ]؛ لأن من عبادة الله –جلّ وعلا- طاعَتُهُ بتحكيم شرعه؛ فلا يُجعَلُ قسماً مستقلاًّ، وإلاّ لَزِم مع ذلك -وإلاّ لَزِم من ذلك- أن تُجعل الصلاة قسما من أقسام التوحيد، وتُجعلُ الزكاة قسماً، والصيامُ قسماً، والحجُّ قسماً، وكلُّ أنواع العبادة أقساماً للتوحيد، ويُجعَلُ التوحيد أقساماً لا نهايةَ لها وهذا غلط؛ بل أنواعُ العبادة كلُّها تندرِج تحت قسمٍ واحد وهو (توحيد الألوهيّة)؛ فإنّه جامِعٌ لها، مانِعٌ من دخولِ غيرها معها.
وأيضا، توحيد الحاكميّة هو داخِلٌ –يعني- في توحيد الرُّبوبيّة؛ لأنّ هذا من خصائص الرَّبّ -جلّ وعلا-؛ هذه الأوامر والنّواهي... لأنّ الآمر هو الله –جلّ وعلا-؛ فلهذا هذا التقسيم الذي يُنادي به هؤلاء نقول: تقسمٌ بِدعِي، تقسمٌ بدعي ما أنزل اللهُ به من سلطان، الخير في الإتِّباع والشّرُّ في الابتداع. ومنهم من يزيد على الأقسام الأربعة قسماً خامساً ويُسمّيهِ (إتّباع الرّسول) –صلى اللهُ عليه وآله وسلّم- وهذا غَلَط؛ فإتباع الرّسول –صلى الله عليه وآله وسلّم- حق ولابُدَّ منه، لكن إتّباع الرسول –صلى الله عليه وسلّم- من لوازِم التوحيد؛ ولذلك لا تَصِحُّ شهادة (أن لا إله إلاَّ الله) إلاّ بشهادة (أنّ محمدا رسولُ الله)؛ فمن لازم الشهادة لله بالتوحيد الشهادةُ للرسول –صلى الله عليه وسلّم- بالرسالة وهذا من لوازم التوحيد، وليس قسماً مستقلاًّ من أقسام التوحيد، ومُخالفُ التوحيد يُقالُ له مشرِكٌ أو كافر، ومخالِفُ المتابعة يكون مبتَدِعاً.
هذه أقوالُ المخالفين لأهل السنة في تقسيم التوحيد وهم بين مُفرِط ومُفرِّط:
- المُفرِط هو الذي زاد على تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام.
- والمُفرِّط هو الذي اختصر على نوع واحد وأهمل البقيّة؛ بل أهملَ الأهَم؛ لأنّ الأشاعرة وغيرَهُم يُعرِّفون توحيد الألوهية بتوحيد الرّبوبيّة؛ فيكون معنى (لا إله إلاّ الله) = (لا خالِق إلاّ الله) وهذا هو توحيد الربوبيّة الذي أقرّ به المشركون (!!)
إذن؛ فتقسيمُ التوحيد إلى أربعة أقسام بِدعة، والتقسيم الحقيقي الذي دلّت عليه الآيات البيِّنات من كتابِ ربِّنا –جلّ وعلا- هو التقسيم الذي أشرنا إليه آنِفاً، أو أنّ التوحيد ينقسِم إلى ثلاث أقسام أو إلى قسمين، واللهُ أعلم بالصّواب، وصلى الله وسلّم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
- المُتّصِلُ: بارك الله فيكم شيخنا الفاضل.
...[ شيخنا حتّى نُثبِّت فقط –يعني- الإتصال ] وكان هذا الإتصال بشيخِنا أبي عبد الحليم عبد الهادي –حفظه الله- في ليلةِ الثالث من العيد الأكبر(3) -من شهر ذي الحجّة- من سنة 1430 للهجرة، الموافق بقدرِ الله –تبارك وتعالى- لـ: 29 نوفمبر 2009.
بارك الله فيكم شيخنا الفاضل، أسألُ الله –عزّ وجل- أن يبارك في عِلمكم وفي ما تقدِّمون.
الشيخ: أحسن الله إليك، جزاك الله خير.
________________
(1): هو الشيخ أبو عبد الحليم محمد عبد الهادي الجزائريُّ، إمام مسجد السُّنّة في مرسيليا، والمشرف العام لـ: (موقع الدّعوة السّلفيّة بفرنسا)، ومشرفٌ على منتديات (المورد العذب الزُّلال) –رعاه الله ووفّقه-.
(2): قال الشيخ الألباني –رحمه الله- في تخريجه لخطبة الحاجة:
وردت هذه الخطبة المباركة عن ستة من الصحابة وهم: عبد الله بن مسعود وأبو موسى الأشعري وعبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله و نبيط بن شريط وعائشة رضي الله عنهم وعن تابعي واحد هو الزهري -رحمه الله-. اهـ
ولتمام الفائدة انظر كتابه: (خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه).
(3): أقصد به عيد الأضحى، وقد قلتُ الأكبر لِعُرْفِ أهل الجزائر في تَسمِيتِه... والأوّلُ أولى.
... إنتهى