الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى،
وبعد:
وبعد:
فمن المعلوم أن الصحابة رضوان الله عليهم قد كتبوا المصحف غير منقوط ولا مشكول، ثم لما دخلت العجمة واختلط اللسان أدخل فيه النقط والشكل حتى لا يلتبس على القارئ.
ولكن هذا الأمر أثار تساؤلا مهما وهو: هل هذا التشكيل وهذه النقط المضافة للمصحف عند كتابته تعتبر من كلام الله؟
وأصبحت هذه المسألة الحادثة محل خلاف من قديم بين الناس!!
وأصبحت هذه المسألة الحادثة محل خلاف من قديم بين الناس!!
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن هذه المسألة فبين الحق فيها، وأصله على عقيدة أهل السنة والجماعة وفهم السلف الصالح،
ومما قرره رحمه الله أن هذه المسألة لا يطلق فيها القول بإثبات أو نفي، والواجب هو التفصيل فالنقطة والشكلة مكتوبة بالمداد،، وهذا المداد حكمه حكم المداد الذي كتبت به الحروف،، كله مخلوق وليس من كلام الله تعالى،،
أما نفس النقطة والشكلة فهي لا تستقل بنفسها بل هي تابعة للحرف، وإنما أتي بها لبيان الحرف وتمييزه عن غيره، ولبيان حركات الحروف وإعرابها، فتكون من تمام لفظ القرآن، وتأخذ حكمه إذا أثبتت في المصحف.
يوضح ذلك أن أهل السنة والجماعة يؤمنون أن القرآن المكتوب بين دفتي المصحف، هو جميعه كلام الله، فيدخل في ذلك ألفاظه وإعرابه ومعانيه، أما المداد والورق والجلد فهي مخلوقة، وليست من كلام الله.
فإذا كتب المصحف منقوطا مشكولا كان جميع ما بين دفتيه كلام الله، وإذا كتب غير منقوط ولا مشكول، كان أيضا جميع ما بين دفتيه كلام الله
هذا حاصل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وأرجو أني قد وفقت في فهمه وعرضه.
وإليكم الآن نص كلامه رحمه الله
قال رحمه الله في الوصية الكبرى ضمن مجموع الفتاوى4/404:
قال رحمه الله في الوصية الكبرى ضمن مجموع الفتاوى4/404:
وَكَذَلِكَ إفْرَادُ الْكَلَامِ فِي النُّقْطَةِ وَالشَّكْلَةِ بِدْعَةٌ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَإِنَّهَا حَدَثَتْ هَذِهِ الْبِدْعَةُ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ بِقَلِيلِ
فَإِنَّ مَنْ قَالَ : إنَّ الْمِدَادَ الَّذِي تُنَقَّطُ بِهِ الْحُرُوفُ وَيُشَكَّلُ بِهِ قَدِيمٌ فَهُوَ ضَالٌّ جَاهِلٌ
وَمَنْ قَالَ : إنَّ إعْرَابَ حُرُوفِ الْقُرْآنِ لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ فَهُوَ ضَالٌّ مُبْتَدِعٌ .
وَمَنْ قَالَ : إنَّ إعْرَابَ حُرُوفِ الْقُرْآنِ لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ فَهُوَ ضَالٌّ مُبْتَدِعٌ .
بَلْ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ : هَذَا الْقُرْآنُ الْعَرَبِيُّ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ ، وَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ حُرُوفُهُ بِإِعْرَابِهَا كَمَا دَخَلَتْ مَعَانِيهِ ،
وَيُقَالُ : مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ جَمِيعُهُ كَلَامُ اللَّهِ . فَإِنْ كَانَ الْمُصْحَفُ مَنْقُوطًا مَشْكُولًا أُطْلِقَ عَلَى مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ جَمِيعِهِ أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ .
وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُوطٍ وَلَا مَشْكُولٍ : كَالْمَصَاحِفِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي كَتَبَهَا الصَّحَابَةُ ؛ كَانَ أَيْضًا مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ .
فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُلْقَى الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَمْرِ مُحْدَثٍ وَنِزَاعٍ لَفْظِيٍّ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْدُثُ فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ مِنْهُ .
وَيُقَالُ : مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ جَمِيعُهُ كَلَامُ اللَّهِ . فَإِنْ كَانَ الْمُصْحَفُ مَنْقُوطًا مَشْكُولًا أُطْلِقَ عَلَى مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ جَمِيعِهِ أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ .
وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُوطٍ وَلَا مَشْكُولٍ : كَالْمَصَاحِفِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي كَتَبَهَا الصَّحَابَةُ ؛ كَانَ أَيْضًا مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ .
فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُلْقَى الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَمْرِ مُحْدَثٍ وَنِزَاعٍ لَفْظِيٍّ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْدُثُ فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ مِنْهُ .
وقال قبلها بقليل في4/401:
وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ بِحُرُوفِهِ وَنَظْمِهِ وَمَعَانِيهِ كُلُّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ اللَّهِ .
وَإِعْرَابُ الْحُرُوفِ هُوَ مِنْ تَمَامِ الْحُرُوفِ ؛
كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشَرُ حَسَنَاتٍ } وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حِفْظُ إعْرَابِ الْقُرْآنِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ حِفْظِ بَعْضِ حُرُوفِهِ
وَإِعْرَابُ الْحُرُوفِ هُوَ مِنْ تَمَامِ الْحُرُوفِ ؛
كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشَرُ حَسَنَاتٍ } وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حِفْظُ إعْرَابِ الْقُرْآنِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ حِفْظِ بَعْضِ حُرُوفِهِ
وقال أيضا في مجموع الفتاوى 12/586:
وَحُكْمُ " النَّقْطِ وَالشَّكْلِ " حُكْمُ الْحُرُوفِ فَإِنَّ الشَّكْلَ يُبَيِّنُ إعْرَابَ الْقُرْآنِ كَمَا يُبَيِّنُ النَّقْطُ الْحُرُوفَ .
وَالْمِدَادُ الَّذِي يُكْتَبُ بِهِ الْحُرُوفُ وَيُكْتَبُ بِهِ الشَّكْلُ وَالنَّقْطُ مَخْلُوقٌ وَكَلَامُ اللَّهِ الْعَرَبِيُّ الَّذِي أَنْزَلَهُ وَكُتِبَ فِي الْمَصَاحِفِ بِالشَّكْلِ وَالنَّقْطِ وَبِغَيْرِ شَكْلٍ وَنَقْطٍ لَيْسَ بِمَخْلُوقِ
وَحُكْمُ الْإِعْرَابِ حُكْمُ الْحُرُوفِ ؛ لَكِنَّ الْإِعْرَابَ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ بَلْ هُوَ تَابِعٌ لِلْحُرُوفِ الْمَرْسُومَةِ ؛ فَلِهَذَا لَا يُحْتَاجُ لِتَجْرِيدِهِمَا وَإِفْرَادِهِمَا بِالْكَلَامِ ؛ بَلْ الْقُرْآنُ الَّذِي يَقْرَؤُهُ الْمُسْلِمُونَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ : مَعَانِيهِ وَحُرُوفُهُ وَإِعْرَابُهُ
وَاَللَّهُ تَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يَقْرَءُونَهُ بِأَفْعَالِهِمْ وَأَصْوَاتِهِمْ .
وَالْمَكْتُوبُ فِي مَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَهُوَ الْقُرْآنُ الْعَرَبِيُّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ : سَوَاءٌ كُتِبَ بِشَكْلِ وَنَقْطٍ أَوْ بِغَيْرِ شَكْلٍ وَنَقْطٍ
وَالْمِدَادُ الَّذِي كُتِبَ بِهِ الْقُرْآنُ لَيْسَ بِقَدِيمِ ؛ بَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ وَالْقُرْآنُ الَّذِي كُتِبَ فِي الْمُصْحَفِ بِالْمِدَادِ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ
وَالْمَصَاحِفُ يَجِبُ احْتِرَامُهَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ مَكْتُوبٌ فِيهَا وَاحْتِرَامُ النَّقْطِ وَالشَّكْلِ إذَا كُتِبَ الْمُصْحَفُ مُشَكَّلًا مَنْقُوطًا كَاحْتِرَامِ الْحُرُوفِ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا أَنَّ حُرْمَةَ إعْرَابِ الْقُرْآنِ كَحُرْمَةِ حُرُوفِهِ الْمَنْقُوطَةِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حِفْظُ إعْرَابِ الْقُرْآنِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ حِفْظِ بَعْضِ حُرُوفِهِ .
وفي 12/576 َسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمَّنْ يَقُولُ : إنَّ الشَّكْلَ وَالنَّقْطَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَهَلْ ذَلِكَ حَقٌّ أَمْ بَاطِلٌ ؟ وَمَا الْحُكْمُ فِي الْأَحْرُفِ ؟ هَلْ هِيَ كَلَامُ اللَّهِ أَمْ لَا ؟ بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ مُثَابِينَ مَأْجُورِينَ ؟ .
فَأَجَابَ :
فَأَجَابَ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الْمَصَاحِفُ الَّتِي كَتَبَهَا الصَّحَابَةُ لَمْ يُشَكِّلُوا حُرُوفًا وَلَمْ يُنَقِّطُوهَا ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَرَبًا لَا يَلْحَنُونَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ لَمَّا نَشَأَ اللَّحْنُ صَارُوا يُنَقِّطُونَ الْمَصَاحِفَ وَيُشَكِّلُونَهَا
وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ
وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ حُكْمَ الشَّكْلِ وَالنَّقْطِ حُكْمُ الْحُرُوفِ الْمَكْتُوبَةِ فَإِنَّ النُّقَطَ تُمَيِّزُ بَيْنَ الْحُرُوفِ وَالشَّكْلُ يُبَيِّنُ الْإِعْرَابَ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ .
وَيُرْوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا : " إعْرَابُ الْقُرْآنِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ حِفْظِ بَعْضِ حُرُوفِهِ " فَإِذَا قَرَأَ الْقَارِئُ { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } كَانَتْ الضَّمَّةُ وَالْفَتْحَةُ وَالْكَسْرَةُ مِنْ تَمَامِ لَفْظِ الْقُرْآنِ .
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْمِدَادُ الَّذِي يُكْتَبُ بِهِ الشَّكْلُ وَالنَّقْطُ كَالْمِدَادِ الَّذِي يُكْتَبُ بِهِ الْحُرُوفُ وَالْمِدَادُ كُلُّهُ مَخْلُوقٌ لَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ...
وَسَوَاءٌ كَتَبُوهُ مَشْكُولًا مَنْقُوطًا أَوْ كَتَبُوهُ غَيْرَ مَشْكُولٍ وَلَا مَنْقُوطٍ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ الْمَكْتُوبُ هُوَ الْقُرْآنَ وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ
وَمَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ كَلَامُ اللَّهِ سَوَاءٌ كَانَ مَشْكُولًا مَنْقُوطًا أَوْ كَانَ غَيْرَ مَشْكُولٍ وَلَا مَنْقُوطٍ وَكَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَصْوَاتُ الْعِبَادِ وَالْمِدَادُ مَخْلُوقَانِ
وَمَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ كَلَامُ اللَّهِ سَوَاءٌ كَانَ مَشْكُولًا مَنْقُوطًا أَوْ كَانَ غَيْرَ مَشْكُولٍ وَلَا مَنْقُوطٍ وَكَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَصْوَاتُ الْعِبَادِ وَالْمِدَادُ مَخْلُوقَانِ