(فصل)
اعلم وفقنا الله وإياك وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه أن مداواة مرض القلب واجبة وهي تأتي من وجوه كثيرة جدًا نشير إلى بعضها.
أحدها وهي من أنفعها العزلة المصحوبة بالاشتغال بالعلوم النافعة. فبالعزلة يتقيد الظاهر عن مخالطة من لا تصلح مخالطته ومن لا يأمن دخول الآفات عليه بصحبته.
فيتخلص من المعاصي التي يتعرض لها بالمخالطة مثل الغيبة والمداهنة والتملق والرياء والتصنع.
ويحصل له بذلك السلامة من مسارقة الطباع الرديئة والأخلاق الدنيئة.
ويستفيد بذلك أيضًا صيانة دينه ونفسه عن التعرض للخصومات وأنواع الشرور والفتن.
فإن للنفس تولعًا وتسرعًا إلى الخوض في مثل هذا.
فينبغي للإنسان أن يكف لسانه عن السؤال عن أخبار الناس وما هم مشغولون فيه وما هم منهمكون فيه ومنكبون عليه من القيل والقال مما لا فائدة فيه وضرره يزيد على نفعه وربما أنه ضرر خالص.
وقال آخر وإذا هممت بالباطل وما لا فائدة فيه فاجعل مكانه تسبيحًا وتهليلاً.
وينبغي أن يصون سمعه عن الإصغاء إلى أراجيف البلدان وما شملت عليه من الأحوال التي تضر ولا تنفع.
وليحرص على أن لا يأتيه من شأنه التطلع والبحث عن شؤونه وأحواله كأصحاب المقابلات والمولعين بأكل لحوم الغوافل.
وليجتنب صحبة من لا يتورع في منطقه ولا يضبط لسانه عن الاسترسال في دقائق الغيبة والوقيعة والتعرض بالطعن على الناس والقدح فيهم.
فإن ذلك مما يكدر صفاء القلب ويؤدي إلى ارتكاب مساخط الرب.
فليهجره وليفر منه فراره من الأسد ولا يتجمع معه في مكان البتة.
وفي الخبر "مثل الجليس السوء كمثل الكير إن لم يحرقك بشرره علق بك من ريحه".
وفي الأخبار السالفة أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام "يا ابن عمران كن يقظانًا وارتد لنفسك إخوانًا وكل أخٍ أو صاحب لا يؤازرك على مبرتي فهو لك عدو".
وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام فقال له "يا داود ما لي أراك منتبذًا وحدانيًا" فقال إلهي قليت الخلق من أجلك.
فقال "يا داود كن يقظانًا وارتد لنفسك أخدانًا وكل خدنٍ لا يوافقك على مبرتي فلا تصحبه فإنه لك عدو ويقسي قلبك ويباعدك مني".
قال الشاعر:
فَخَفْ أَبْنَاءَ جِنْسِكَ واخْشَ منهم *** كَمَا تَخْشِى الضَّراغِم والسَّبِنْتَا
وخَالِطْهُمْ وزَايِلهُمْ حِذَارًا *** وكُنْ كالسَّامِري إِذَا لُمِسْتَا
وخَالِطْهُمْ وزَايِلهُمْ حِذَارًا *** وكُنْ كالسَّامِري إِذَا لُمِسْتَا
وروي عن عيسى عليه السلام لا تجالسوا الموتى فتموت قلوبكم قيل من الموتى قال "المحبون للدنيا الراغبون فيها وبالابتعاد عن الناس إلا لضرورة أو حاجة ماسة ينكف بصر الإنسان عن النظر إلى زينة الدنيا وزهرتها وزخرفها".
وينصرف خاطره عن الاستحسان إلى ما ذمه الله منها فتمتنع بذلك النفس عن التطلع إلى الدنيا والاستشراف لها ومنافسة أهلها فيها.
قال جل وعلا وتقدس (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا)الآية.
سلاح اليقظان للشيخ عبد العزيز السلمان رحمه الله
ص169-170
تعليق