بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُهُ ونَستَعينُه ونستَغْفِرُه، ونَعوذُ بِالله مِن شُرورِ أنفُسِنا، وسَيِّئاتِ أعْمَالِنا، من يهدهِ الله فَلا مُضِلَّ لَه، ومَن يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَه.
وأَشْهَدُ أنْ لا إله إلا الله -وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه-.
وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسولُه.
أمَّـا بعـدُ:
هذه سلسلة "تحفة طالب العلم" وهي عبارة عن فوائد انتخبتها من الأشرطة المفرغة للعلامة صالح آل الشيخ الخاصة بطلب العلم سائلا الله عزوجل الإخلاص في القول والعمل.
أبو جهاد سمير الجزائري
أدب السؤال
موضوعنا عن أدب السّؤال الذي هو سؤال أهل العلم والحاجة ماسّة إلى معرفة آداب سؤال أهل العلم، ما طريقة سؤالهم؟ وعمّا يُسألون؟ وكيف يكون السؤال؟ وكيف تتلقى الإجابة؟ وما ينبغي للمسلم من توقير أهل العلم وعدم الإلحاح عليهم بالمسائل ونحو ذلك من الآداب.
• وجد كثير من الأسئلة قد خرجت عما ينبغي من مراعاته من توقير أهل العلم وعدم الإخلال بحقهم فتجد أن من الناس من يخوض في سؤاله أهل العلم أمورا لا ينبغي أن يخوض فيها وأصل كثرة السؤال وكثرة المسائل قد جاء النهي عنها فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم)) قال: أهل العلم قوله كثرة مسائلهم يعني عما لم يقع وعما لم يأت بيانه في الكتاب المنزل.
• قال ابن عباس رضي الله عنهما ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض كلها في القرآن وقد قال جلّ وعلا: {ويسألونك عن المحيض} {وإذا سألك عبادي عني} إلى آخر هذه المسائل مجموع ما سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم منه مقربون إنما هي ثلاث عشرة مسألة وكلها في القرآن.
• كان الصحابة من توقيرهم للنبي صلى الله عليه وسلم ومن كراهتهم لكثرة المسائل يحبون أن يأتي الرجل من البادية ومن خارج المدينة حتى يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فيستفيدوا من السؤال ومن الجواب وقد جاء أيضا في الحديث الصحيح: ((إنّ الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)) وقد قال أيضا الحجاج بن عامر الثمالي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم وكثرة السؤال...)) فالأحاديث دالة على أن كثرة الأسئلة لأهل العلم إنما ذلك داخل في المكروه إلا ما يحتاج إليه العبد.
• يجب على السائل أنْ يراعي آدابا وأن يراعي أشياء منها:
1. والملاحظ أنّ من السائلين (المستفتين) مَنْ إذا طرأت على باله مسألة أو واجهته مشكلة فإنه يأتي أهل العلم ويسألهم مباشرة (دون أن يستحضر ويستعد لتفاصيل هذه المسألة) أو مباشرة يرفع الهاتف ويسأل العالم عما عرض له (دون أن يستحضر ما اتّصل بهذه المسألة) فإذا استوضح المسئول أو العالم وسأله عن بعض التفاصيل قال والله ما أعلم هذا فلان أوصاني أن أسأل له هذا كذا.
2. اعلم أنّ الذي يسأل أهل العلم في اليوم عشرات الناس يسألون في كل وقت فلابدّ من رعاية الحال والتأدبّ معهم في اختصار المسألة وتقبل الجواب بحسب ما أورد فإذا كانت المسألة واضحة كان الجواب واضحا و اعلم أنّ الذي يسأل أهل العلم في اليوم عشرات الناس يسألون في كل وقت فلابدّ من رعاية الحال والتأدبّ معهم .
3. من الآداب التي ينبغي مراعاتها في السؤال أن لا يسأل السائل أهل العلم عن شيء يعرف جوابه فالعالم أو المعلم ليست وظيفته المناظرة ولم يفتح لك المجال لتناظره إلا إذا افصحت له بأنك تريد أن تبحث معه هذه المسألة فإذا أذن لك بالبحث فإنه عند ذاك تخرج المسألة من كونها استفتاء وسؤال وجواب إلى مسألة بحث واستفصال.
4. لا تسأل أكثر من عالم بحثا عن جواب تهواه نفسك
5. قال أهل العلم ينبغي للمستفتي أن يسأل من يثق بعلمه ودينه فإذا وثقت بعلمه فإنك تسأله ولا تسأل غيره لأنك إذا سألت غيره فإنه قد يكون عنده من الجواب غير ما يكون عند الأول فتقع أنت في حيرة.
6. لك أن تسأل عالما آخرا فيما إذا كان جوابه مشكل من جهة الدليل.
7. سؤال أهل العلم ليس فيه عيب بل هو شرف ويدل على حرص السائل على الخير ورغبته في إبراء ذمته ويكون متخففا من التبعة حين يلقى ربه جلّ وعلا.
8. لا تسأل أهل العلم بإلغاز سل عما وقع بوضوح ولا حرج في ذلك فقد سألت بعض الصحابيات النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة إذا احتلمت ماذا يكون حكمها؟ والحياء لا يكون في السؤال لأنّ الحياء محمود لكن فيما إذا كان الحياء يبعدك عن معرفة حكم في الدين فإن ذلك غير محمود كما جاء في الحديث.
9. كثيرامن الإشكالات التي حصلت في تضارب أقوال بعض أهل العلم في بعض المسائل إما الفقهية أو المسائل الواقعة أو الاجتماعية ونحو ذلك إنما جاء من جهة من يسأل بسؤال ملغز معمى أو يكون المراد وراءه وليس في ظاهره وهذا لا ينبغي لأنّ الله جلّ وعلا أمرنا بأمر واضح فتعدى هذا الأمر تعدى لما ينبغي من الأدب في السؤال.
10. الأصل أن لا يسأل المرء إلا فيما يخصه لأنّ الجواب يختلف بحسب السائل وبحسب عرض السؤال والناقل ليس دائما ينقل الصورة على حقيقتها وكثيرا ما يحصل من الأجوبة ما ليس فيه دقة بسبب عرض السائل.
11. من الآداب المرعية في السائل أنه إذا سأل أهل العلم في الهاتف أو في غير الهاتف فلا يسجل الجواب مكتوبا أو على جهاز التسجيل إلا بإذن العالم.
12. أمرنا بتوقير أهل العلم ومن توقيرهم أن لا تفتئت عليهم بتسجيل أو كتابة وتنشر إلا بعد اقراره حتى ما تسمعه منه في درس (في شرح مسائل) لابد من تعرضه عليه فيقر أن ينشر أو يصور أو ينسخ أو يسجل ...
13. العالم حين يتكلم إلى الحاضرين يرعى حال الذين أمامه (عدد قليل محدودون محصورون) لكن لو استحضر أنه سينشر على الناس فيطلع عليه فئات من الناس وبعقول مختلفة لكان جوابه يختلف عن الجواب الأول.
14. من الآداب المتعلقة بالسائل أن لا يسأل السائل عن أشياء لا يفهمها إلا الخاصة ويثير السؤال أمام العامة وقد قال علي رضي الله عنه: ((حدّثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله)) وقد بوب البخاري في (كتاب العلم) من صحيحه بقوله: ((باب من خص بالعلم قوما دون آخرين كراهية أن يقصر فهمهم عنه فيقعوا في أشد منه)) مثل الكلام على بعض أحاديث الصفات التي قد لا يفهمها البعض مثلا الكلام على بعض الآراء في مواقف يوم القيامة والاختلاف فيها ونحو ذلك والكلام على بعض دقائق المسائل في الفقه واختلاف أهل العلم فيها هذا يقول كذا وهذا يقول كذا العامة إنما يحتاجون قولا واحدا بدليله يمشون عليه ولكن السؤال الخاص إنما يكون لأجل هذا السائل.
15. الأدب الذي كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم أنهم إذا سمعوا شيئا يستشكل عليهم فإنهم يراجعون حتى يفهموا حتى لا ينقلوا للناس نقلا خاطئا أو حتى لا يعمل بشيئ غير واضح.
16. من الآداب التي ينبغي على السائل مراعاتها أن يكون لبقا مع أهل العلم متأدبا معهم وأن يكون لأهل العلم هيبة في سيرهم وتوقيرا في قلبه فإنك إذا زدت في احترام العالم وشعر بذلك منك فإنه يزيدك من العلم والجواب.
17. ينبغي أن تراعي حال العالم حيث تسأله فتقول له هل هذا وقت مناسب للسؤال أو أرجئ السؤال إلى وقت آخر فإذا قال: أرجئه إلى وقت آخر فيكون هذا زيادة في أدبك وأجر لك وتكون قد راعيت وتأدبت.
18. وكان ابن عباس ربما توسد بردته في يوم حار عند باب أحد الأنصار ليستفيد منه علما فيأتي فيطرق الباب فيقولون قائل (يعني نائم) فيتوسد البردة وتسفي الريح التراب عليه تذللا في العلم واحتراما لأهل العلم فإذا رآه على هذه الحال انشرح صدر المسئول أن يجيبه عما أراد وعظم في نفسه ولهذا قال كلمته المشهورة: ((ذللت طالبا فعززت مطلوبا)).
19. العلماء يختلفون بعضهم يكون سهل الجواب وبعضهم يكون صعبه وهذا راجع إلى طبيعتهم الطبيعة التي جعلها الله عليه فإذن السائل ينبغي له أن يلتمس العذر وأن يتأدب وأن يوقر العالم ويستفيد من علمه بقدر ما يحبه العالم وأن لا يقصيه في أموره.
20. من الأدب المهم أن لا يحرج السائل العالم أو طالب العلم مثال ذلك جاءني في أحد المحاضرات سؤال يقول أسألك بالله وبوجهه وأقسم عليك أن تجيب على هذا السؤال وهذا من عدم رعاية الأدب وعدم احترام أهل العلم وطلبة العلم لأنّك تريد أنت الإجابة لغرض في نفسك (ومثل هذا الذي يكون معه إقسام وسؤال بالله غالبا بل الأكثر والجلّ لا يكون هو الذي يريد أن ينتفع لنفسه).
21. الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله إمام هذه الدعوة عجّل الله له المثوبة ورفع درجته في الجنة أفتى في بعض المسائل في مسألة معروفة في الطلاق مرة واحدة فقط مدونة موجودة وفي بقيتها يفتي على غير هذه الفتوى في تلك المرة هل نأخذها ونجعلها قاعدة لا لأنه رأى من حال السائل وحال السؤال ما يجعله يفتي بتلك الفتوى.
22. إذا كان السؤال شخصي هذا له حال وإذا كان السؤال ستنشره وسيبني عليه عمل أناس كثير هذا ينبغي أن توضحه للعالم حتى يتحرى في جوابه الأنفع للأمة .
23. ولهذا ينبغي أن نفرق (رعاية للأدب وإبراء للذمة) بين أحوال السؤال سؤال المسجد بعد محاضرة له حال سؤال المسجد بعد الإمامة له حال سؤال بعد درس من الدروس في مجلس من مجالس العلم في الفقه أو في التوحيد له حال في الإجابة والاستفصال والرد إلى آخره سؤال الجامعة سؤال الهاتف له حال.
24. بعض المشايخ يعتذر عن بعض الندوات ويعتذر عن بعض المحاضرات لمَ؟ لأنّه يخشى أن تأتي أسئلة لا يناسب الجواب عليها أمام العامة مثل ما ذكرنا السلف ما أجابوا على كل سؤال في كل مقام وإنما يختلف الجواب بحسب اختلاف الحال يفصل في موضع لا يفصل في موضع يمتنع عن الجواب في موضع... إلخ.
إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُهُ ونَستَعينُه ونستَغْفِرُه، ونَعوذُ بِالله مِن شُرورِ أنفُسِنا، وسَيِّئاتِ أعْمَالِنا، من يهدهِ الله فَلا مُضِلَّ لَه، ومَن يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَه.
وأَشْهَدُ أنْ لا إله إلا الله -وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه-.
وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسولُه.
أمَّـا بعـدُ:
هذه سلسلة "تحفة طالب العلم" وهي عبارة عن فوائد انتخبتها من الأشرطة المفرغة للعلامة صالح آل الشيخ الخاصة بطلب العلم سائلا الله عزوجل الإخلاص في القول والعمل.
أبو جهاد سمير الجزائري
أدب السؤال
موضوعنا عن أدب السّؤال الذي هو سؤال أهل العلم والحاجة ماسّة إلى معرفة آداب سؤال أهل العلم، ما طريقة سؤالهم؟ وعمّا يُسألون؟ وكيف يكون السؤال؟ وكيف تتلقى الإجابة؟ وما ينبغي للمسلم من توقير أهل العلم وعدم الإلحاح عليهم بالمسائل ونحو ذلك من الآداب.
• وجد كثير من الأسئلة قد خرجت عما ينبغي من مراعاته من توقير أهل العلم وعدم الإخلال بحقهم فتجد أن من الناس من يخوض في سؤاله أهل العلم أمورا لا ينبغي أن يخوض فيها وأصل كثرة السؤال وكثرة المسائل قد جاء النهي عنها فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم)) قال: أهل العلم قوله كثرة مسائلهم يعني عما لم يقع وعما لم يأت بيانه في الكتاب المنزل.
• قال ابن عباس رضي الله عنهما ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض كلها في القرآن وقد قال جلّ وعلا: {ويسألونك عن المحيض} {وإذا سألك عبادي عني} إلى آخر هذه المسائل مجموع ما سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم منه مقربون إنما هي ثلاث عشرة مسألة وكلها في القرآن.
• كان الصحابة من توقيرهم للنبي صلى الله عليه وسلم ومن كراهتهم لكثرة المسائل يحبون أن يأتي الرجل من البادية ومن خارج المدينة حتى يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فيستفيدوا من السؤال ومن الجواب وقد جاء أيضا في الحديث الصحيح: ((إنّ الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)) وقد قال أيضا الحجاج بن عامر الثمالي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم وكثرة السؤال...)) فالأحاديث دالة على أن كثرة الأسئلة لأهل العلم إنما ذلك داخل في المكروه إلا ما يحتاج إليه العبد.
• يجب على السائل أنْ يراعي آدابا وأن يراعي أشياء منها:
1. والملاحظ أنّ من السائلين (المستفتين) مَنْ إذا طرأت على باله مسألة أو واجهته مشكلة فإنه يأتي أهل العلم ويسألهم مباشرة (دون أن يستحضر ويستعد لتفاصيل هذه المسألة) أو مباشرة يرفع الهاتف ويسأل العالم عما عرض له (دون أن يستحضر ما اتّصل بهذه المسألة) فإذا استوضح المسئول أو العالم وسأله عن بعض التفاصيل قال والله ما أعلم هذا فلان أوصاني أن أسأل له هذا كذا.
2. اعلم أنّ الذي يسأل أهل العلم في اليوم عشرات الناس يسألون في كل وقت فلابدّ من رعاية الحال والتأدبّ معهم في اختصار المسألة وتقبل الجواب بحسب ما أورد فإذا كانت المسألة واضحة كان الجواب واضحا و اعلم أنّ الذي يسأل أهل العلم في اليوم عشرات الناس يسألون في كل وقت فلابدّ من رعاية الحال والتأدبّ معهم .
3. من الآداب التي ينبغي مراعاتها في السؤال أن لا يسأل السائل أهل العلم عن شيء يعرف جوابه فالعالم أو المعلم ليست وظيفته المناظرة ولم يفتح لك المجال لتناظره إلا إذا افصحت له بأنك تريد أن تبحث معه هذه المسألة فإذا أذن لك بالبحث فإنه عند ذاك تخرج المسألة من كونها استفتاء وسؤال وجواب إلى مسألة بحث واستفصال.
4. لا تسأل أكثر من عالم بحثا عن جواب تهواه نفسك
5. قال أهل العلم ينبغي للمستفتي أن يسأل من يثق بعلمه ودينه فإذا وثقت بعلمه فإنك تسأله ولا تسأل غيره لأنك إذا سألت غيره فإنه قد يكون عنده من الجواب غير ما يكون عند الأول فتقع أنت في حيرة.
6. لك أن تسأل عالما آخرا فيما إذا كان جوابه مشكل من جهة الدليل.
7. سؤال أهل العلم ليس فيه عيب بل هو شرف ويدل على حرص السائل على الخير ورغبته في إبراء ذمته ويكون متخففا من التبعة حين يلقى ربه جلّ وعلا.
8. لا تسأل أهل العلم بإلغاز سل عما وقع بوضوح ولا حرج في ذلك فقد سألت بعض الصحابيات النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة إذا احتلمت ماذا يكون حكمها؟ والحياء لا يكون في السؤال لأنّ الحياء محمود لكن فيما إذا كان الحياء يبعدك عن معرفة حكم في الدين فإن ذلك غير محمود كما جاء في الحديث.
9. كثيرامن الإشكالات التي حصلت في تضارب أقوال بعض أهل العلم في بعض المسائل إما الفقهية أو المسائل الواقعة أو الاجتماعية ونحو ذلك إنما جاء من جهة من يسأل بسؤال ملغز معمى أو يكون المراد وراءه وليس في ظاهره وهذا لا ينبغي لأنّ الله جلّ وعلا أمرنا بأمر واضح فتعدى هذا الأمر تعدى لما ينبغي من الأدب في السؤال.
10. الأصل أن لا يسأل المرء إلا فيما يخصه لأنّ الجواب يختلف بحسب السائل وبحسب عرض السؤال والناقل ليس دائما ينقل الصورة على حقيقتها وكثيرا ما يحصل من الأجوبة ما ليس فيه دقة بسبب عرض السائل.
11. من الآداب المرعية في السائل أنه إذا سأل أهل العلم في الهاتف أو في غير الهاتف فلا يسجل الجواب مكتوبا أو على جهاز التسجيل إلا بإذن العالم.
12. أمرنا بتوقير أهل العلم ومن توقيرهم أن لا تفتئت عليهم بتسجيل أو كتابة وتنشر إلا بعد اقراره حتى ما تسمعه منه في درس (في شرح مسائل) لابد من تعرضه عليه فيقر أن ينشر أو يصور أو ينسخ أو يسجل ...
13. العالم حين يتكلم إلى الحاضرين يرعى حال الذين أمامه (عدد قليل محدودون محصورون) لكن لو استحضر أنه سينشر على الناس فيطلع عليه فئات من الناس وبعقول مختلفة لكان جوابه يختلف عن الجواب الأول.
14. من الآداب المتعلقة بالسائل أن لا يسأل السائل عن أشياء لا يفهمها إلا الخاصة ويثير السؤال أمام العامة وقد قال علي رضي الله عنه: ((حدّثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله)) وقد بوب البخاري في (كتاب العلم) من صحيحه بقوله: ((باب من خص بالعلم قوما دون آخرين كراهية أن يقصر فهمهم عنه فيقعوا في أشد منه)) مثل الكلام على بعض أحاديث الصفات التي قد لا يفهمها البعض مثلا الكلام على بعض الآراء في مواقف يوم القيامة والاختلاف فيها ونحو ذلك والكلام على بعض دقائق المسائل في الفقه واختلاف أهل العلم فيها هذا يقول كذا وهذا يقول كذا العامة إنما يحتاجون قولا واحدا بدليله يمشون عليه ولكن السؤال الخاص إنما يكون لأجل هذا السائل.
15. الأدب الذي كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم أنهم إذا سمعوا شيئا يستشكل عليهم فإنهم يراجعون حتى يفهموا حتى لا ينقلوا للناس نقلا خاطئا أو حتى لا يعمل بشيئ غير واضح.
16. من الآداب التي ينبغي على السائل مراعاتها أن يكون لبقا مع أهل العلم متأدبا معهم وأن يكون لأهل العلم هيبة في سيرهم وتوقيرا في قلبه فإنك إذا زدت في احترام العالم وشعر بذلك منك فإنه يزيدك من العلم والجواب.
17. ينبغي أن تراعي حال العالم حيث تسأله فتقول له هل هذا وقت مناسب للسؤال أو أرجئ السؤال إلى وقت آخر فإذا قال: أرجئه إلى وقت آخر فيكون هذا زيادة في أدبك وأجر لك وتكون قد راعيت وتأدبت.
18. وكان ابن عباس ربما توسد بردته في يوم حار عند باب أحد الأنصار ليستفيد منه علما فيأتي فيطرق الباب فيقولون قائل (يعني نائم) فيتوسد البردة وتسفي الريح التراب عليه تذللا في العلم واحتراما لأهل العلم فإذا رآه على هذه الحال انشرح صدر المسئول أن يجيبه عما أراد وعظم في نفسه ولهذا قال كلمته المشهورة: ((ذللت طالبا فعززت مطلوبا)).
19. العلماء يختلفون بعضهم يكون سهل الجواب وبعضهم يكون صعبه وهذا راجع إلى طبيعتهم الطبيعة التي جعلها الله عليه فإذن السائل ينبغي له أن يلتمس العذر وأن يتأدب وأن يوقر العالم ويستفيد من علمه بقدر ما يحبه العالم وأن لا يقصيه في أموره.
20. من الأدب المهم أن لا يحرج السائل العالم أو طالب العلم مثال ذلك جاءني في أحد المحاضرات سؤال يقول أسألك بالله وبوجهه وأقسم عليك أن تجيب على هذا السؤال وهذا من عدم رعاية الأدب وعدم احترام أهل العلم وطلبة العلم لأنّك تريد أنت الإجابة لغرض في نفسك (ومثل هذا الذي يكون معه إقسام وسؤال بالله غالبا بل الأكثر والجلّ لا يكون هو الذي يريد أن ينتفع لنفسه).
21. الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله إمام هذه الدعوة عجّل الله له المثوبة ورفع درجته في الجنة أفتى في بعض المسائل في مسألة معروفة في الطلاق مرة واحدة فقط مدونة موجودة وفي بقيتها يفتي على غير هذه الفتوى في تلك المرة هل نأخذها ونجعلها قاعدة لا لأنه رأى من حال السائل وحال السؤال ما يجعله يفتي بتلك الفتوى.
22. إذا كان السؤال شخصي هذا له حال وإذا كان السؤال ستنشره وسيبني عليه عمل أناس كثير هذا ينبغي أن توضحه للعالم حتى يتحرى في جوابه الأنفع للأمة .
23. ولهذا ينبغي أن نفرق (رعاية للأدب وإبراء للذمة) بين أحوال السؤال سؤال المسجد بعد محاضرة له حال سؤال المسجد بعد الإمامة له حال سؤال بعد درس من الدروس في مجلس من مجالس العلم في الفقه أو في التوحيد له حال في الإجابة والاستفصال والرد إلى آخره سؤال الجامعة سؤال الهاتف له حال.
24. بعض المشايخ يعتذر عن بعض الندوات ويعتذر عن بعض المحاضرات لمَ؟ لأنّه يخشى أن تأتي أسئلة لا يناسب الجواب عليها أمام العامة مثل ما ذكرنا السلف ما أجابوا على كل سؤال في كل مقام وإنما يختلف الجواب بحسب اختلاف الحال يفصل في موضع لا يفصل في موضع يمتنع عن الجواب في موضع... إلخ.
تعليق