إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

الهمم الشامخات من سير الأئمة السادات في بذلهم للعلم أنفس الأشياء و الأوقات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الهمم الشامخات من سير الأئمة السادات في بذلهم للعلم أنفس الأشياء و الأوقات

    الهمم الشامخات من سير الأئمة السادات في بذلهم للعلم أنفس الأشياء و الأوقات

    لأبي جهاد سمير الجزائري

    الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله
    هذا بحث انتقيته من كتاب "المشوق الى القراءة وطلب العلم" سائلا المولى جل وعلا أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
    أموت ويبقى ما كتبته ... فيا ليت من قرا دعاليا
    عسى الإله أن يعفو عني ... ويغفر لي سوء فعاليا



    قال أبو الوليد الباجي: إذا كنتُ أعلمُ عِلْمًا يقينًا فَلِمْ لا أكُون ضَنِْنًا بِها بأنَّ جميعَ حياتي كَساعَهْ وأَجْعَلُها في صلاحٍ وطاعَهْ
    ( ترييب المدارك: 8/125)

    الحمد لله اللهم صلِّ وسلِّم على محمد عبدك ورسولك.
    أما بعد فلا أظن قارئ هذا الكتاب قد فرغ من قراءته إلا وهو يردِّد بصدق قول العلامة المقريزي:
    وقد أعْرضَتْ نفسي عن اللهوِ جُملةً وصارَ بحمد الله شُغلي وشاغلي
    فطورًا يراعي كاتبٌ لفوائدٍ ... وآونةً للعلمِ صدريَ جامعٌ
    ومَلَّتْ لقاءَ الناسٍ حتَّى وإن جلُّوا ... فوائد علمٍ لستُ من شُغْلِها أخْلُو
    بصحَّتِها قد جاءنا العقلُ والنقْلُ ... فتزكو به نفسي وعن همِّها تسْلُو

    تكشف لنا هذه الرسالة عن صورةٍ مُشْرِقةٍ من حياة العلماء ضربوا فيها أروعَ الأمثلة وأصدقَ البراهين وأجلى الدلالات على حبهم للعلم وشَغَفِهم به وتفانيهم من أجل تحصيله وطلبه هذه الأمثلة والبراهين كثيرة ومتنوِّعة اصطفيتُ منها ما يتعلَّق بحياة العلماء مع الكتب في اهتمامهم بها قراءةً وإقراءً في تحصيلهم لها شراءً واستنساخًا في شغفهم بها وحرصهم عليها واصطحابها معهم سَفَرًا وحضرًا في مواقف عجيبة وصورٍ مُعْجِبة ولا عجبَ!!.
    قال ابن القيم (وأما عُشَّاق العلم فأعظم شغفًا به وعِشْقًا له من كلِّ عاشقٍ بمعشوقه وكثيرٌ منهم لا يَشْغَلُه عنه أجملُ صورةٍ من البشر) وقال:(ولو صُوِّر العلمُ صورةً لكانت أجملَ من صورة الشمس والقمر) اهـ أقول: فكيف يُلام إذًا من عَشِقَ العلمَ وكيف يُتعجَّب ممن كَلِفَ به وانقطعَ له؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!.



    شيء مما جاء عن السَّلف
    1 - تلاميذ ابن مسعود في الكوفة علقمة والأسود وغيرهم كانوا إذا سمعوا الحديث والعلم من شيخهم لم يشف ذلك ما في صدورهم من النهمة فيرحلون إلى المدينة طَلبًا للعلوِّ وزيادة في التثبت وإمعانًا في الطلب والتلقي من أفواه العلماء
    2 - قال يحيى بن سعيد القطان: ما رأيتُ أحفظَ منه أي سفيان الثوري كنتُ إذا سألته عن مسألةٍ أو عن حديثٍ ليس عنده اشتدَّ عليه.
    3 - قال الأعمش: كان مجاهد (104) لا يسمع بأُعجوبة إلا ذهب لينظر إليها ذهب إلى حَضْرَمَوْت ليرى بئر برهوت وذهب إلى باب وعليه والٍ فقال له مجاهد: تعرض عَلَيَّ هاروت وماروت؟
    4 - وذكر ابن حَزم عن يحيى بن مجاهد الزاهد قال: كنتُ آخذ من كلِّ علم طَرفًا فإن سماع الإنسان قومًا يتحدثون وهو لا يدري ما يقول غُمَّة عظيمة أو كلامًا هذا معناه قال أبو محمد ابن حزم: ولقد صدق
    5- الدارقطني (385) وهو من هو تضلُّعًا في علوم الحديث والفقه والقراءات إلا أنه كان حُفَظَةً للأخبار والنوادر والحكايات قال الأزهري: كان الدارقطني ذكيًّا إذا ذكر شيئًا من العلم أيّ نوع كان وجد عنده منه نصيب وافِر لقد حدّثني محمد بن طلحة النعالي أنه حضر مع الدارقطني دعوةً فجرى ذِكْر الأَكَلَة فاندفعَ الدارقطني يورد نوادر الأَكَلَة حتى قطع أكثر ليلته بذلك .
    6- قال الإمام محمد بن عبد الباقي الأنصاري (535) عن نفسه:(حفظتُ القرآن ولي سبع سنين وما من علمٍ في عالم الله إلا وقد نظرتُ فيه وحصَّلتُ منه بعضه أو كله) ولما أُسِر في أيدي الروم قيَّدوه وجعلوا الغل في عنقه وأرادوا منه أن ينطق بكلمة الكفر فلم يفعل وتعلَّم منها الخطَّ الرومي.

    علماء يعرفون علومًا لا يعرفها أهل عصرهم

    1- كان ابن الخشَّاب النحوي الحنبلي (567) يقول: إني متقنٌ في ثمانية علوم ما يسألني أحدٌ عن علم منها ولا أجد لها أهلاً
    2- كان أبو البقاء السُّبْكي (777) يقول: أعرف عشرين علمًا لم يسألني عنها بالقاهرة أحد. 3- قال محمد بن أبي بكر بن جَمَاعة (819): أعرف خمسة عشر علمًا لا يعرف علماء عصري أسماءها.
    4- يُروى أن محمد بن أحمد بن عثمان بن عليم المالكي (842) قال: أعرف عشرين علمًا ما سُئلْتُ عن مسألةٍ منها
    5- كان أحمد أبُو نافع الفاسي (1260) يقول: عندي أربعة وعشرون علمًا لم يسألني عنها أحدٌ.
    6- في ترجمة أبي الطيب عبد المنعم الكندي (435) حكى بعضُهم أَنَّه دخلَ عليه فوجَدَه ينظر في 12 علمًا وكان له حظ من الحسابِ والهندسةِ والعلوم القديمةِ
    7- انظر ما ذكره الجبرتي المؤرِّخ عن والده العلامة حسن الجبرتي الكبير (118 من تفنُّنه في علوم الشرع ثم اعتكافه عشر سنوات (1144- 1154) لدراسة العلوم التجريبية من الهندسة والكيمياء والفلك والصنائع الحضارية كلِّها حتى النِّجارة والخِراطة والحِدادة والسَّمكرة والتجليد والنقش والموازين حتى صار بيته زاخِرًا بكلِّ أداةٍ في صناعةٍ وكلِّ آلةٍ فتزوَّد من العلم والْحَق بالرَّكب.

    الاستزادة من العلم حتى في ساعة الاحتضار ساعة الاحتضار

    * خبر أبي يوسف القاضي (182)
    ذكر القرشي في الجواهر المُضِيَّة والمولى تقي الدين التميمي في الطبقات السنية في ترجمة إبراهيم بن الجراح التميمي مولاهم تلميذ أبي يوسف وآخر من روى عنه قال: (أتيته أعوده فوجدته مغمًى عليه فلما أفاق قال لي: يا إبراهيم أيُّهما أفضل في رمي الجمار أن يَرْميَها الرجلُ راجلاً أو راكبًا؟ فقلت: راكبًا. فقال: أخطأتَ! قلتُ: ماشيًا. قال: أخطأتَ! قلت: قل فيها يرضى الله عنك قال: أما ما يوقف عنده للدعاء فالأفضل أن يرميه راجلاً وأما ما كان لا يوقف عنده فالأفضل أن يرميه راكبًا ثم قمت من عنده فما بلغتُ بابَ داره حتى سمعتُ الصُّرَاخَ عليه وإذا هو قد مات رحمه الله تعالى).
    • خبر أبي زُرْعة الرازي (266)
    قال ابنُ أبي حاتم في تقدمة الجرح والتعديل: سمعتُ أبي يقول: مات أبو زُرعة مطعونًا مبطونًا يعرق جبينُه في النزع فقلت لمحمد بن مسلم ابن وَارَة: ما تحفظ في تلقين الموتى: لا إله إلا الله؟ فقال محمد بن مسلم: يروى عن معاذ بن جبل فمن قبلِ أن يَسْتتم رفع أبو زرعة رأسه وهو في النزع فقال: روى عبد الحميد بن جعفر عن صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرَّة عن معاذ عن النبي : (من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخلَ الجنة) فصار البيت ضجَّة ببكاءِ من حضرَ.
    * خبر أبي حاتم الرازي (277)
    قال ابنه عبد الرحمن في تقدمة الجرح والتعديل: حضرتُ أبي رحمه الله وكان في النزع وأنا لا أعلم فسألته عن عُقبة بن عبد الغافر يروي عن النبي له صحبة؟ فقال برأسه: لا فلم أقنع منه فقلتُ: فهمتَ عني؟ له صحبة؟ قال: هو تابعي قلت (ابن أبي حاتم) فكان سيد عمله معرفة الحديث وناقِلَة الأخبار فكان في عمره يُقتَبَس منه ذلك فأراد الله أن يُظهر عند وفاته ما كان عليه في حياته)
    * خبر ابن جرير الطبري (310)
    قال المعافى النَّهْرَواني في الجليس الصالح: (وحكى لي بعض بني الفرات عن رجلٍ منهم أو من غيرهم أنه كان بحضرة أبي جعفر الطبري قبل موته وتوفي بعد ساعة أو أقلّ منها فذُكِرَ له هذا الدعاء عن جعفر بن محمد فاستدعى محبرة وصحيفةً فكتبها فقيل له: أفي هذه الحال؟! فقال: ينبغي للإنسان أن لا يدع اقتباس العلمِ حتى يموت) اهـ.
    * خبر ابن سعدون (352)
    ذكر القاضي عِياض في ترتيب المدارك في ترجمة أبي بكر محمد بن وسيم بن سعدون الطُّليطلي أنه كان رأسًا في كلِّ فن مُتقدِّمًا فيه قال: (ودَخَل عليه وهو في النزع بعضُ أصحابه فناداه فلم يُجِبْه فقال الآخر: (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ) فقال له أبو بكر حين ذلك: نزلت في الكفار وفيها: (إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ)
    * خبر مسرَّة الحضرمي (373)
    وذكر عياضٌ في المدارك أيضًا في ترجمة مسرَّة بن مسلم الحَضْرمي ت (373) وكان من أهل العلم والزهد التام أنه لما احْتُضِرَ ابتدأ القرآن فانتهى في سورة طه إلى قوله تعالى: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) ففاضت نفسه.

    وفي ترجمة المُسْنِد أحمد بن عبد الله بن معطي الجزائري ت (666) في ذيل التقييد للفاسي أنه سَمعَ صحيح البخاري عَلَى علِيِّ بن أبي بكر بن رُوْزبة في أربعة عشر مجلسًا وأنه قال لهم يوم الخَتْم: اجتهدوا في إكمال هذا الكتاب فإنه والله ما بقي غيركم يسمعه عليَّ وتوفي في الليلة المتصلةِ بذلك اليوم.
    * خبر ابن مالك صاحب الألفية (672)
    وفي كتاب الفَلاَكة والمفلوكون للدَّلَجي في ترجمة الإمام أبي عبد الله جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك النحوي العلامة قال : (كان كثير الإشْغَال والاشتغال حتى أنه حفظ في اليوم الذي مات فيه خمسة شواهد).

    وهذا المعمّر الأعجوبة شهاب الدين أبو العبَّاس أحمد بن أبي طالب الحجَّار مُسْند الدنيا ت (730) فقد ذكر الفاسيُّ أن الطلاب قد قرءوا عليه في يومِ موته وله مئة سنة وعشر سنين تقريبًا
    أقول: فاتعظ بهذه الهِمم العَلِيَّة وابْكِ على تقصيرك ودُنُوِّ هِمَّتك واستدرك ما فرط من أمرك بالجدِّ والعمل ومداومة الدرس والنظر فمن سار على الدرب وصل وعند الصباح يَحْمَد القوم السُرَى وقريب من هذا ما جاء في سِيَر بعض العلماء فهم مع شدة تطلُّبهم للعلم من بادئ أمرهم حتى أوفوا فيه إلى الغاية فاستكثروا ما شاءوا ومع تقدُّم أعمارِهم ودنوِّ آجالهم هم مع ذلك يَجِدون من الرغبة في العلم والشغف به أكثر مما يجده الشَّاب اليافِع الممتلئ قُوَّةً ونشاطًا!!.
    * خبر ابن عقيل الحنبلي (513)
    ففي ترجمة أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي ت (513) أنه قال: (إني لأجد من حِرْصي على العلم، وأنا في عَشْرِ الثمانين أشدّ مما كنت أجده وأنا ابنُ عشرين سنة).
    * خبر ابن الجوزي (597)
    وهذا العلامة المتفنِّن صاحب التصانيف أبو الفرج ابن الجوزي (567) يقرأ في آخر عمره وهو في الثمانين القراءات العشر على ابن الباقلاني مع ابنه يوسف قال الذهبي معلِّقًا: (فانظر إلى هذه الهمة العالية!) اهـ.

    حِرْص العلماء وشغفهم بالكتب قراءةً وتحصيلاً



    وذكر الإمام أبو محمد بن حزم (456) في رسالة مراتب العلوم دَعَائِمَ العلم، فعدَّ منها الاستكثارُ من الكتب فلن يخلوَ كتابٌ من فائدة وزيادة علمٍ يجدَها فيه إذا احتاجَ إليه ولا سبيل إلى حفظ المرء لجميع علمِه الذي يختصّ به فإذ لا سبيل إلى ذلك فالكتب نِعْم الخِزانة له إذا طُلِب ولولا الكتب لضاعت العلوم ولم توجَد وهذا خطأٌ ممن ذمَّ الإكثار منها ولو أُخِذَ برأيه لتَلِفَت العلوم ولجاذبهم الجهَّال فيها وادَّعوا ما شاءوا فلولا شهادة الكتب لاستوت دعوى العالم والجاهل) اهـ.
    وعُذِلَ بعضُ العلماء في كثرة شراء الكتب فقال:
    وقائلةٍ أنفقتَ في الكُتْبِ ما حَوَت يمينُك من مالٍ فقلتُ: دعيني لعلِّي أرى فيها كتابًا يَدُلُّني لأخْذِ كتابي آمِنًا بيميني
    وفي كلِّ ما سيأتي من الأخبار والقصص لسانٌ ناطق وبيانٌ مُشرق لقيمة الكتب ومكانتها في نفوس هؤلاءِ العلماء وهي بذلك غنيَّة عن أيِّ تعليق.
    * ولع ابن دُرَيْد (321) بالعلم والكتب
    قال أبو نصر الميكالي: تذاكرنا المنتزهات يومًا وابن دُرَيْد حاضر فقال بعضُهم: أنزه الأماكن غُوطة دمشق وقال آخرون: بل نهر الأُبلَّة وقال آخرون: بل سُغْد سمرقند وقال بعضُهم: نهروان بغداد وقال بعضُهم: شِعب بوَّان وقال بعضُهم: نوبهار بلخ فقال(أي ابن دريد): هذه منتزهات العيون فأين أنتم عن متنزهات القلوب؟ قلنا: وما هي يا أبا بكر؟ قال: عيون الأخبار للقتبي والزهرة لابن داود وقلق المشتاق لابن أبي طاهر ثم أنشأ يقول:
    ومَن تكُ نزهتَهُ قينةٌ فنزهتُنا واستراحَتُنا
    وكأسٌ تحثُّ وكأس تُصَبْ تلاقي العيون ودَرْس الكتبْ
    * ولع شيخ الإسلام ابن تيمية (72 بالمطالعة وشغفه بالبحث
    قال ابن عبد الهادي (744) تلميذه في مختصر طبقات علماء الحديث وذكر طرفًا من صفاته: (لا تكاد نفسُه تشبع من العلم ولا تروى من المطالعة ولا تملُّ من الاشتغال ولا تكلُّ من البحث وقَلَّ أن يدخل في علمٍ من العلوم في بابٍ من أبوابه إلا ويُفتح له من ذلك الباب أبواب ويستدرك أشياء في ذلك العلم على حُذَّاق أهله) وقال الشيخ محمد خليل الهراس: (كان لابن تيمية بصر نافذ ونفس طُلَعَة لا تكاد تشبع من العلم ولا تكل من البحث ولا تروى من المطالعة مع التوفر على ذلك وقطع النفس له وصرف الهمة نحوه حتى إنه لم ينقطع عن البحث والتأليف طيلة حياته في الشام أو في مصر في السجن أو في البيت بل إنه كان يتوجَّع ألمًا وحسرة حينما أخرجوا الكتب والأوراق من عنده في أُخْرَيات أيامه) اهـ.
    * قراءة شيخ الإسلام وهو مريض
    قال ابن القيم في روضة المحبِّين: وحدَّثني شيخنا يعني ابنَ تيمية قال: ابتدأني مرضٌ فقال لي الطبيب: إن مُطالعتك وكلامك في العلم يزيد المرض فقلت له: لا أصبر على ذلك وأنا أحاكمك إلى علمك أليست النفس إذا فرحت وسُرَّت وقَوِيت الطبيعةُ فدفعت المرضَ؟ فقال: بلى فقلت له:فإن نفسي تُسرُّ بالعلم فتقوى به الطبيعةُ فأجدُ راحةً فقال: هذا خارجٌ عن علاجنا) اهـ وقال ابنُ القيم أيضًا: (وأعرف من أصابه مرض من صداعٍ وحُمَّى وكان الكتاب عند رأسه فإذا وجد إفاقةً قرأ فيه فإذا غُلِبَ وضعَه فدخل عليه الطبيبُ يومًا وهو كذلك فقال: إن هذا لا يحلُّ لك فإنك تُعين على نفسك وتكون سببًا لِفَوْت مطلوبك) اهـ.
    * قراءة ابن الجوزي (597) (20 ألف) مجلدًا وهو بَعْدُ في الطلب قال ابن الجوزي عن نفسِه في صيد الخاطر:أثناء حديثه عن المطالعة والإكثار منها: ولو قلت: إني طالعتُ عشرين ألف مجلد كان أكثر وأنا بعدُ في الطَّلب) اهـ ثمَّ ذَكَر ما استفاده من المطالعة وهذا ابنُ الجوزي أيضًا يوصي العالمَ وطالبَ العلم بقوله: (ليكن لك مكان في بيتك تخلو فيه وتحادث سطور كتبك وتجري في حلبات فكرك) اهـ.
    * حرص ابن عقيل (513) على الوقت وشغله بالمطالعة والعلم
    نقلَ ابنُ رجب من الفنون لابن عقيل أنه قال عن نفسِه: (أنا أقصر بغاية جهدي أوقات أكلي حتى أختار سفَّ الكعك وتحسيه بالماء على الخبز لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ توفّرًا على مطالعةٍ أو تسطير فائدة لم أدركها فيه) اهـ.
    * إذا لم اشتغل بالعلم ماذا أصنع؟‍‍‍‍‍‍!. ذكر الإمام المقريزيّ في المقفَّى الكبير العلامةَ ابنَ صدقة الحموي (599) أنه كان كثيرَ الاشتغال بالعلم دائم التحصيل له وذكر عن المنذري أنه قال: (دخلتُ عليه يومًا وهو في سَرَبٍ تحت الأرض لأجل شدَّة الحر وهو مشتغل فقلتُ له: في هذا المكان وعلى هذه الحال؟ فقال: إذا لم أشتغل بالعلم ماذا أصنع قال المنذري: إنه وُجِدَ في تَرِكَته محابر ثلاث أحدها تَسَعُ عَشَرة أرطال والأخرى تسعة والثالثة ثمانية).
    * كتبه أحب إليه من وزنها ذهبًا
    وفي ترجمة الحافظ أبي طاهر بن أبي الصَّقر (476) في المنتظم لابن الجوزي أنه قال عنه:(كان من الجوَّالين في الآفاق والمكثرين من شيوخ الأمصار وكان يقول: هذه كتبي أحب إليّ من وزنها ذهبًا) ولقد أُصِيْبَ ببعضها كما ذكر الذهبي في تاريخ الإسلام أعظمَ اللهُ أجرَه في مصيبته بها.
    * أُعجوبة في حفظ الوقت والحرص على المطالعة
    قال السخاوي في الضوء اللامع في ترجمة أحمد بن سليمان بن نَصْر الله البُلْقاسي ثم القاهري الشافعي المتوفى سنة (852) في ريعان شبابه وكان إمامًا علاَّمة قوي الحافظةِ حسنَ الفاهمة مُشاركًا في فنونٍ طلْقَ اللسان محبًّا في العلم والمذاكرة والمباحثة غير مُنفك عن التحصيل بحيث إنه كان يُطالع في مشيه ويقرئ القراءات في حال أكله خوفًا من ضياع وقته في غيره أُعجوبة في هذا المعنى لا أعلمُ في وقته من يُوازيه فيه طارحًا للتكلُّف كثير التواضع مع الفقراء سهمًا على غيرهم سريع القراءة جدًّا) اهـ.
    * أعرفه أكثر من (50) سنة إمَّا يُطالع أو يكتب قال السخاوي في الضوء اللامع في ترجمة محمد بن أحمد ابن محمد العُمَري الصَّغَاني ت (854): (كان إمامًا علاَّمةً متقدمًا في الفقه والأصْلَين والعربية مشاركًا في فنونٍ حسن التقييد عظيم الرغبة في المطالعة والانتقاء بحيث بلغني عن أبي الخير بن عبد القوي أنه قال: أعرفه أزْيَد من خمسين سنة وما دخلتُ إليه قطُّ إلا ووجدته يُطالع أو يكتب) اهـ.
    * كان لا ينفكُ من القراءة حتى وهو في الحمام
    قال ابن القيم في روضة المحبين وهو يتكلم عن عِشْق العلم: (وحدثني أخو شيخنا يعني أحمد ابن تيمية عبد الرحمن ابن تيمية عن أبيه عبد الحليم قال: كان الجَدُّ أبو البركات إذا دخل الخلاء يقول لي: اقرأْ في هذا الكتاب وارْفَعْ صوتكم حتى اسمعُ) أقول: وهذا سندٌ كالشمس رحم الله الجميع.
    * كان لا يَمَلُّ من المطالعة مع مزيد السَّهَر
    قال السخاوي في الضوء اللامع في ترجمة أحمد بن علي ابن إبراهيم الهيتي الشافعي ت (853):(برع في الفقه وكثُرَ استحضارُه له بل وللكثير من شرح مسلم للنووي لإدمان نظره فيه وكان لا يملّ من المطالعة والاشتغال مع الخير والدين والتواضع والجد المَحْض والتقلُّل الزائد والاقتدار على مَزِيْد السَّهر) اهـ.
    * كان لا يُسافر إلا وأحمال الكتب معه يقرأ وينظر
    قال السخاوي في الضوء اللامع في ترجمة الإمام اللغوي محمد بن يعقوب الفيروزآبادي ت (817) أنه اقتنى كتبًا نفيسَة حتى سمعَه بعضهم يقول: (اشتريتُ بخمسين ألف مثقالٍ ذهبًا كتبًا وكان لا يُسافر إلا وصحبته منها عدة أحمال ويُخرج أكثَرَها في كل منزلةٍ فينظر فيها ثم يعيدها إذا ارتحل) اهـ ومثله السيد صلاح بن أحمد المؤيدي اليماني ت (104 قال عنه الشوكاني في البدر الطالع:(كان من عجائب الدهر وغرائبه فإن مجموع عمره 29 سنة وقد فاز من كل فنٍّ بنصيبٍ وافر وصنَّف في هذا العصر القصير التصانيف المفيدة والفوائد الفريدة العديدة وذكر عددًا منها ثم قال: وإذا سافر أول ما تُضْرَب خيمةُ الكتب وإذا ضُرِبت دخلَ إليها ونَشَرَ الكتبَ والخدمُ يصلحون الخِيَم الأُخرى ولا يزال ليله جميعه ينظر في العلم ويُحرر ويُقرِّر مع سلامة ذوقه) اهـ.
    * لا يوجد إلا وعنده كتاب ينظر فيه وقلم يُصْلح به
    قال الجَنَدِي السكسكي في السلوك في طبقات العلماء والملوك في ترجمة أبي الخير بن منصور الشماخي السعدي ت (680) بعد ثنائه عليه: (ولم يكن له في آخر عمره نظير بجودة العلم وضبط الكتب بحيثُ لا يوجد لكتبه نظير في الضبط أخبرني جماعةٌ ممن أدركه أنه كان لا يوجد إلا وعنده كتابٌ ينظر فيه ومحبرة وأقلام يصلح بهما ما وجَدَ في الكتاب (مات سنة 680) بعدَ أن جَمَعت خزانتُه من الكتب ما لم تجمعه خزانة غيره ممن هو نظير له) اهـ.
    * ملازمة الكتب حضرًا وسفرًا وحملها على ظهورهم في رحلاتهم
    وفي هذا الباب عجائب وغرائب فرحم الله تلك الأجساد وأنزلها منازل الرِّضوان كِفاء ما عملوا وجزاء ما صبروا - ذكر الذهبي في تذكرة الحفّاظ عن ابن طاهر المقدسي أنه قال: بُلْتُ الدمَ في طلب الحديث مرتين مرَّةً ببغداد ومرة بمكة كنتُ أمشي حفيًا في الحرِّ فلحقني ذلك وما ركبتُ دابَّة قط في طلب الحديث وكنت أحمل كتبي على ظهري وما سألتُ في حال الطلبِ أحدًا كنتُ أعِيشُ على ما يأتي) وذكر الذهبي أيضًا في التذكرة عن الدغولي أنه قال (أربعُ مجلَّداتٍ لا تُفارقني سفرًا وحضرًا كتاب المُزَني وكتاب العَيْن والتاريخ للبخاري وكليلة ودِمْنة). - وفي ترجمة الحافظ الحسن بن أحمد الهَمَذاني في الذيل على طبقات الحنابلة عن تلميذه الحافظ عبد القادر الرُّهاوي أنه قال عنه:(وكان عفيفًا من حبِّ المال مهينًا له باع جميعَ ما ورثه وكان من أبناء التُّجار فأنفقَه في طلب العلمِ حتى سافر إلى بغداد وأصبهان مرَّات ماشيًا يحمل كتبه على ظهره) ولما استقرَّ في بلده بعد عودته من رحلته عملَ دارًا للكتب وخزانةً وقفَ جميعَ كتبه فيها وكان قد حصَّل الأصولَ الكثيرة والكتبَ الكِبار الحِسَان بالخطوط المعتبرة.
    - وفي المرقبَة العُلْيا لأبي الحسن المالقي في ترجمة القاضي أحمد بن يزيد الأموي مِن وَلَد بَقِيّ بن مخلد القرطبي ت (625): أنه ألَّف كتابًا في الآيات المتشابهات قيل إنه من أحسن شيءٍ في بابه وكان لا يُفارقه في سَفَر ولا في حَضَر.
    - وذكر الذهبي في سِيَر أعلامٍ النُّبلاء في ترجمة القاضي الرَّامَهُرْمُزي لمَّا ذكر كتابه المحدِّث الفاصل قال: (في علوم الحديث وما أحسنه من كتاب قيل إنَّ السِّلَفِي كان لا يكادُ يُفارق كُمَّه يعني في بعضِ عمره) اهـ.
    - وفي سِيَر النبلاءِ أيضًا: (قال الحافظ يحيى بن عبد الوهاب ابن منده كنتُ مع عمي عبيد الله في طريق نَيْسابور فلما بلغنا بِئر مَجَنَّة قال عمِّي: كنت ها هنا مرَّةً فعرضَ لي شيخ جمَّال فقال: كنتُ قافلاً من خراسان مع أبي فلمَّا وصلنا إلى ها هنا إذا نحن بأربعين وِقْرًا من الأحمال فظننا أنها منسوج الثياب وإذا خيمة صغيرة فيها شيخ فإذا هو والدك فسأله بعضُنا عن تلك الأحمال؟ فقال: هذا متاعٌ قلَّ من يرغبُ فيه في هذا الزمان هذا حديث رسول الله) اهـ.
    - وفي طبقات الحنابلة لابن أبي يَعْلى وتذكرة الحفاظ للذهبي في ترجمة إسحاق بن منصور الكَوْسَج (251): (عن حسان ابن محمد قال سمعتُ مشايخَنَا يذكرون أن إسحاق بن منصور بلغه أن أحمد بن حنبل رجع عن تلك المسائل التي علَّقها عنه قال: فجمعَ إسحاق بن منصور تلك المسائل في جِرابٍ وحملها على ظهره وخرج راجلاً إلى بغداد وهي على ظهره وعرض خُطوطَ أحمد عليه في كلِّ مسألةٍ استفتاه فيها فأقرَّ له بها ثانيًا وأُعْجِب أحمدُ بذلك من شأنه) اهـ.
    - وذكر ياقوت في معجم الأدباء والقِفطي في إنباه الرواة وعنه ابن خلكان في الوفيات في ترجمة اللغوي ابن الخطيب التِّبْرِيْزي (502) أنه حصلت له نسخة لكتاب الأزهري تهذيب اللغة في عدة مجلدات لِطَاف وأراد أخذها عن عالمٍ باللغة فدُلَّ علي أبي العلاء المعرِّي فجعلها في مِخْلاةٍ وحملها على كتفه من تِبْريز إلى المعرَّة ولم يكن له ما يستأجر به مركوبًا فنَفَذَ العرقُ من ظهره إليها وقيل إنها ببعض الوقوف البغدادية وأن الجاهل بخبرها إذا رآها يظن أنها غريقة وليس الذي بها إلا عَرَق يحيى بن علي

    * من استغنى بمجالسة كتبه عن مخالطة الناس
    ابن المبارك ذكر الذهبي في السير: (عن نُعيم بن حماد قال: كان ابن المبارك يُكثر الجلوسَ في بيته فقيل له: ألا تستوحِش فقال: كيف أستوحِشُ وأنا مع النبي وأصحابه؟‍( وأسند الخطيب في تقييد العلم عن ابن المبارك قوله: من أحبَّ أن يستفيد فلينظر في كتبه
    الذُّهْلي وفي تاريخ بغداد: (أن يحيى بن محمد بن يحيى الذُّهْلي قال: دخلتُ على أبي في الصيف الصائف وقتَ القائلة وهو في بيت كتبه وبين يديه السِّراج وهو يُصنِّف فقلتُ: يا أبةِ! هذا وقتُ الصلاة ودُخانُ هذا السِّراج بالنهار فلو نفَّسْت عن نفسك قال: يا بُنيَّ تقولُ لي هذا وأنا مع رسول الله وأصحابه والتابعين)؟!.

    وقيل لرجلٍ: من يُؤنِسُكَ؟ فضربَ بيده إلى كتبه وقال: هذه فقيل: مِن الناسِ؟ فقال: الذين فيها.
    خليلي كتابي لا يَعاف وصاليا كتابي عَشيقي حين لم يبقَ مَعْشَق
    كتابي جليسي لا أخاف ملاله كتابي بحر لا يغيض عطاؤه
    كتابي دليلٌ لي على خير غايةٍ وإن قلَّ لي مالٌ وولَّى جماليا
    أُغازله لو كان يدري غزاليا محدّث صدقٍ لا يخاف ملاليا
    يُفيض عليَّ المال إن غاض ماليا فمن ثَمَّ إدلالي ومنه دلاليا قيل: إن هذه الأبيات وغيرها كانت على باب خزانة الإمام أبي بكر القفَّال.
    المعافى النهرواني وقال الإمام المعافَى بن زكريا النهرواني الجَرِيْري نِسْبةً إلى مذهب ابن جرير الطبري (390) في كتابه الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي: (وقد كان بعض من كان له في الدنيا صِيْتٌ ومكانة عاتبني على ملازمة المنزل وإغبابي زيارتَه وإقلالي ما عوَّدته من الإلمام به وغِشيان حضرته فقال لي: أما تستوحش الوِحْدَة ونحو هذا من المقالة فقلتُ له: أنا في منزلي إذا خلوتُ من جليسٍ يقصد مجالستي ويؤثر مساجلتي في أحسن أُنسٍ وأجملِه وأعلاه وأنبلِه لأنني أنظر في آثار الملائكة والأنبياء والأئمة والعلماء وخواصّ الأعلام الحكماء وإلى غيرهم من الخلفاء والوزراء والملوك والعظماء والفلاسفة والأدباء والكُتَّاب والبلغاء والرُّجَّاز والشعراء وكأنني مُجَالِسٌ لهم ومستأنسٌ بهم وغير ناءٍ عن محاضرتهم لوقوفي على أنبائهم ونظري فيما انتهى إليَّ من حِكَمهم وآرائهم) اهـ.
    * ما تزوَّج و لم يشتغل إلا بالعبادة والمطالعة
    قال الذهبي في السير في ترجمة عيسى بن أحمد اليونيني (654) (لم يشتغل إلا بالعبادة والمطالعة وما تزوج بل عَقَد على عجوزٍ تخدمه)
    * إما أن ينسخ أو يُدَرِّس أو يقرأ
    وفي تبيين كذب المفتري لابن عساكر أنه قال في ترجمة الفقيه سُلَيْم بن أيوب الرازي: (حُدِّثتُ عنه أنه كان يحاسِب نفسَه على الأنفاس لا يدع وقتًا يمضي عليه بغير فائدة إما ينسخ أو يُدَرس أو يقرأ ولقد حدثني عنه شيخُنا أبو الفراج الإسفراييني أنه نزل يومًا إلى داره ورجع فقال: قد قرأتُ جزءًا في طريقي) وقال: إنه كان يُحرِّك شفتيه إلى أن يَقُطَّ القلم.
    * لا لذة له في غير جَمْع الكتب وتحصيلها جاء في سِيَر النبلاء في ترجمة المستنصر بالله أبي العاص الحكم بن عبد الرحمن الأُموي صاحب الأندلس أنه (كان جَيِّد السيرة وافر الفضيلة ذا غرامٍ بالمطالعة وتحصيل الكتب النفيسة الكثيرة حقّها وباطلها بحيثُ إنها قاربت نحوًا من مئتي ألفِ سِفر وكان باذلاً للذهب في استجلاب الكتب ويُعطي من يتَّجِرُ فيها ما شاء حتَّى ضاقت بها خزائِنُه لا لذَّة له في غير ذلك وكان الحَكَمُ موثَّقًا في نقلِه قلَّ أن تجد له كتابًا إلا وله فيه نظرٌ وفائدة ويكتب اسمَ مؤلفه ونَسبَه ومولِدَه ويُغرب ويُفيد) اهـ.
    *الاشتغال عن النوافل بإتمام مطالعة كتاب
    وفي ترجمة تقي الدين ابن دقيق العيد ت (702) من كتاب الطالع السعيد للأُدفوي أنه لما وصل إليه كتاب الشرح الكبير للإمام الرافعي وكان اشتراه بألف درهم اشتغلَ بمطالعته وصار يقتصر من الصلوات على الفرائض فقط.
    * الانكباب على النظر والقراءة حتى في المجالس الخاصَّة
    قال ابنُ القاضي المِكْناسي في دُرَّةِ الحِجال في ترجمة محمد ابن عليِّ بن سليمان السَّطِّي (749): (وكان مُقبلاً على ما يَعْنيه مُكِبًّا على النظر والقراءةِ والتقييد لا تراه أبدًا إلا على هذه الأحوال حتى في المجلس السلطاني) اهـ ونحوه عن أبي العباس اللغوي المعروف بثَعْلَب (291) فقد جاء في كتاب الحث على طلب العلم والاجتهاد في جَمْعه لأبي هلالٍ العَسْكري قال:(حَكيَ عن ثعلب أنه كان لا يُفارقه كتابٌ يَدْرُسه فإذا دعاه رجل إلى دعوةٍ شَرَطَ عليه أن يوسعَ له مقدارَ مِسْوَرَةٍ يضعُ فيها كتابًا ويقرأ).
    * ثلاثة لا يُعْلم أكثر منهم محبة في القراءة ذكر ياقوت الحموي في إرشاد الأريب في ترجمة الجاحظ قال:(وحدَّث أبو هِفَّان قال لم أر قط ولا سمعتُ مَنْ أحبَّ الكتبَ والعلومَ أكثر من الجاحظ فإنه لم يقع بيده كتابٌ قطُّ إلا استوفى قراءتَه كائنًا ما كان حتى إنّه كان يكْتري دكاكين الورَّاقين ويبيتُ فيها للنظر والفتح بن خاقان فإنه كان يحضر لمجالسة المتوكِّل فإذا أراد القِيام لحاجةٍ أخرجَ كتابًا من كُمه أو خفِّه وقرأه في مجلس المتوكل إلى حِين عَوْده إليه حتى في الخلاء وإسماعيل بن إسحاق القاضي فإني ما دخلتُ إليه إلا رأيتُه يَنظر في كتابٍ أو يُقلب كتبًا أو ينقضها) اهـ.
    * في المقبرة أو مع الكتاب
    قال الجاحظ في كتاب الحيوان: (قال ابنُ داحة: كان عبد الله ابن عبدالعزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب لا يجالِسُ الناسَ وينزلُ مقبُرَة من المقابر وكان لا يكاد يُرى إلا وفي يده كتابٌ يقرؤه، فسُئل عن ذلك وعن نزوله المقبُرَة؟ فقال: لم أرَ أوْعظ من قَبْر ولا أمنعَ من كتابٍ ولا أسلَمَ مِن الوَحْدة فقيل له: قد جاء في الوَحْدة ما جاء فقال: ما أفْسَدَها للجاهل وأصلحها للعاقل!
    * مجلسه بين كتبه أفخم وأنبل من مجلسه بين حاشيته
    قال الجاحظ في الحيوان:(ولقد دخلتُ على إسحاق بن سليمان في إمْرَته فرأيتُ السِّماطَين والرجال مُثُولاً كأنّ على رءوسهم الطير ورأيتُ فِرشته وبِزَّته ثم دخلتُ عليه وهو معزول وإذا هو في بيت كتبِه وحواليه الأسفاط والرُّقوق والقماطِر والدفاتر والمساطر والمحابِر فما رأيته قط أفخمَ ولا أنبلَ ولا أهيبَ ولا أجزلَ منه في ذلك اليوم لأنه جمعَ مع المهابَةِ المحبَّةَ ومع الفخامةِ الحلاوةَ ومع السُّودَدِ الحِكمةَ) اهـ.
    * أربعون عامًا لا ينام إلا والكتاب على صدره قال الجاحظ في الحيوان:(سمعتُ الحسن اللؤلؤي يقول غَبَرَتْ أربعين عامًا ما قِلْتُ ولا بِتُّ ولا اتكأتُ إلا والكتابُ موضوعٌ على صدري).
    * إذا غلبَه النومُ أمسكَ كتابًا ليطرده
    قال ابن الجَهْم: إذا غشيني النُّعاس في غير وقت نومٍ وبئس الشيءُ النومُ الفاضِلُ عن الحاجة قال: فإذا اعتراني ذلك تناولتُ كتابًا من كتب الحِكَم فأجدُ اهتزازي للفوائد والأريحية التي تعتريني عند الظَّفَر ببعض الحاجة والذي يَغْشى قلبي من سرور الاستبانة وعزّ التبيين أشدَّ إيقاظًا من نهيق الحمير وهَدَّة الهَدْمِ) أقول: فهذا غايةٌ في الشَّغَفِ والتعلُّقِ بالكتابِ والعلم فإذا غَلَبه النُّعاس طردَه باستجلاب الكتب والنظر فيها فيهتزُّ لفوائدها ويَطْرَبُ لحِكَمها فأين هذا من طُلابٍ يستجلبون النومَ بالنظر في الكتب؟! فاختلاف الحالين وتبايُن النتيجتين تَبَعٌ لاختلاف مكانة العلم والكتب عند الفريقين!!.
    * ضَعُفَ بصرُه من كثرة المطالعة
    وفي ترجمة عبد الغني المقدسي صاحب الكمال (600) من كتاب ذيل الروضتين لأبي شامة المقدسي قال:(وكان قد ضعف بصره من كثرة المطالعة والبكاء وكان أوحدَ زمانه في علم الحديث) اهـ.
    * همته في المطالعة والقراءة
    قال السخاوي في الجواهر والدرر عن شيخه ابنِ حجر:(إنما كانت همته المطالعة والقراءة والسَّماع والعبادة والتصنيف والإفادة بحيث لم يكن يُخْلي لحظةً من أوقاته عن شيءٍ من ذلك حتى في حال أكْلِه وتوجُّهه وهو سالك كما حكى لي ذلك بعض رُفْقَته الذين كانوا معه في رحلته وإذا أراد الله أمرًا هيَّأ أسبابَهُ وقد سمعته رحمه الله يقول غيرَ مرَّة: إنني لأتعجَّب ممن يجلس خاليًا عن الاشتغال) أقول: رحم الله القائل وهو أبو بكر الشهرزوري:
    هِمَّتي دُوْنها السُّها والزُّبانا فأنا مُتْعَبٌ مُعَنًّى إلى أن
    قد عَلَت جهدها فما يتدَانَى تتفانى الأيامُ أو أَتَفانَى
    * مع الكتب حتى في الجنَّة
    ذكر ابنُ رجب في ذيل الطبقات عن ابنِ الجوزي أنه قال عن الإمام أبي العلاء الهَمَذَاني الحافظ (569): (بلغني أنه رُئيَ في المنام في مدينةٍ جميع جدرانها من الكتب وحوله كتب لا تُحَدّ وهو مُشْتَغل بمطالعتها فقيل له: ما هذه الكتب؟! قال: سألتُ الله أن يُشغلني بما كنتُ أشتغل به في الدنيا فأعطاني).

    * الكتب أشد من ثلاث ضرائر أخرج الخطيبُ في الجامع لأخلاق الراوي والسامع عن الزُّبير ابن أبي بكر بكَّارٍ قال: قالت ابنة أختي لأهلنا: خالي خيرُ رجلٍ لأهله لا يتخذ ضرَّةً ولا يشتري جارية قال: تقولُ المرأةُ أي زوجته: والله لَهَذه الكتب أشدُّ عليَّ من ثلاثِ ضرائر) اهـ.
    * حتى أحلام اليقظة في الكتب
    ذكر السَّمهودي في جواهر العِقْدَين في فضل الشرَفَيْن عن شيخه أبي زكريا المُنَاوي (871) قال: أخبرني شيخُنا الشيخ وليُّ الدين يعني أبا زُرْعة بن الحافظ زين الدين العِراقي مذاكرةً: أنه ركبَ مع شخصٍ من المكاريَّة من طائفة الريافة قال: فقلتُ في نفسي وقد خاضت في الأمل لو كان لي أربعُ زوجاتٍ في أربع مساكن وفي كلِّ مسكنٍ من الكتب التي احتاجها نظير ما في بقيَّة المساكن
    * لا تمضي عليه ساعة إلا في اشتغالٍ بالعلم
    نقل ابن رجب في ذيل الطبقات في ترجمة العلامة أبي البقاء عبد الله بن الحسين العُكْبَري (616) عن ابن النجار قولَه: (قرأتُ عليه كثيرًا من مصنَّفاته وصحبته مدَّة طويلة وكان مُحِبًّا للاشتغال والإشغال ليلاً ونهارًا ما يمضي عليه ساعة إلا وواحد يقرأ عليه أو مُطَالع له حتى ذكر لي أنه بالليل تقرأ له زوجته في كتب الأدب وغيرها).
    *التحسُّر على الكتب وجعلها بمنزلة الولد
    وذكر ابن رجب في الذيل في ترجمة عبد الصمد بن أحمد ابن أبي الجَيْش البغدادي العلامة المتفنِّن (676) أنه صنَّف خُطبًا انفرد بِفنِّها وأُسلوبها وما فيها من الصَّنْعة والفصاحة وجمع منها شيئًا كثيرًا ذهبَ في واقعة بغداد مع كتبٍ له أُخرى بخطِّه وأُصوله حتى كان يقول: (في قلبي حَسْرتان: ولدي وكُتُبي) (وكانا قد فُقِدا جميعًا في واقعة بغداد).
    * لا يمشي إلا وفي يده كتاب وكان كثير من مشاهير العلماء لا يمشي إلا وفي يده كتب أو أجزاء يُطالعها وذلك لمزيد شغفهم بالقراءة والاطلاع وعظيم حرصهم على أوقاتهم من الضياع.
    - قال الذهبي في السير: (قال ابنُ الآبنوسي: كان الحافظ الخطيب يمشي وفي يده جُزْءٌ يُطالعه).
    - وفي تذكرة الحفاظ للذهبي في ترجمة أبي داود السجستاني صاحب السنن: (قال ابنُ دَاسَة كان لأبي داود كُمٌّ واسع وكمٌّ ضيِّق فقيل له في ذلك؟ فقال: الواسع للكتب والآخر لا يُحتاج إليه).
    - وفي ترجمة النحوي أحمد بن يحيى المعروف بثَعْلَب (291) من كتاب وفيات الأعيان لابن خَلِّكان قال:(كان سببَ وفاته أنه خرج من الجامع يوم الجمعة بعد العصر وكان قد لحقه صَمَمٌ لا يسمع إلا بعد تعب وكان في يده كتاب ينظر فيه في الطريق فصدمَتْه فرسٌ فألقَتْهُ في هُوَّةٍ فأُخرج منها وهو كالمختلط فحُمِل إلى منزله على تلك الحال وهو يتأوَّه مِن رأسه فمات ثاني يومٍ)
    - وذكر العسكري في الحث على طلب العلم: أن أبا بكرٍ الخياط العلامة النحوي محمد بن أحمد البغدادي (320) كان يَدْرُسُ جميعَ أوقاته حتى في الطريق وكان ربَّما سقَط في جُرْف أو خبطته دابَّة).

    - وكان كثير من العلماء يُقرأ عليه الكتاب وهو يمشي في الطريق صِيانة للوقت وحبًّا في الإفادة كما هو الحال في ترجمة الحافظ أبي نعيم الأصبهاني صاحب الحلية (430) كما في تذكرة الحفاظ.
    - وكذلك في ترجمة علم الدين السخاوي المقرىء (643) كما في ترجمة من كتاب طبقات القراء الكبار أقول: وممن شهدناه على هذه الحال في القراءة عليه واستفتائه وهو يمشي شيخنا وشيخ مشايخنا العلامة عبدالعزيز بن باز (1420) فقد كان ذلك ديدنه وهِجِّيْراه بنفسٍ منشرحة ووجهٍ طَلِق فجزاه الله عن العلم وأهله خيرًا. * استوفى مكتبته قراءة وفيها (700) مجلد
    ففي ترجمة أبي بكر بن أحمد تقي الدين ابن قاضي شُهبة من الضوء اللامع قال: (وكتب بخطه الكثير بحيث لو قال القائل إنه كتب مائتي مجلد لم يتجاوز وخطه فائق دقيق وبِيْع في تركته نحو سبع مئة مجلد كاد أن يستوفيها مطالعة) اهـ.
    * يقطع الليل جميعه في القراءة على السِّراج
    - ذكر القاضي عياض في ترتيب المدارك في ترجمة الإمام الفقيه أبي محمد عبد الله بن إسحاق المعروف بابن التَّبَّان (371) أنه قال عن نَفْسِه: كنت أول ابتدائي أدرس الليل كلَّه فكانت أُمي تنهاني عن القراءة بالليل فكنت آخذ المصباح وأجعله تحت الجفنة وأتعمَّد النوم فإذا رَقَدَتْ أخرجتُ المصباحَ وأقبلتُ على الدرس قال القاضي: وكان كثير الدرس ذكر أنه دَرَسَ كتابًا ألفَ مَرَّةٍ)
    - وذكر الوزير القِفْطي في إنباه الرواة في ترجمة أبي القاسم ابن أبي منصور النحوي الحلبي المعروف بابن الحَبْرَاني (62 وكان الوزير قد صَحِبَه وجالسَه: (أنه كان شديد الاجتهاد في طلب الفوائد من صفحات الصُّحف فلازمَ المطالعةَ ليلاً ونهارًا وتلَزَّم الحفظَ لبعض ما يمرّ به في أثناء ذلك قال: ولقد حكى لي الشريف أبو هاشم بن أبي حامد صديقي قال: أخبرني جارٌ له قال: رأيتُ ابن الحَبْراني النحوي في زمن الصيف يقوم في الليل الأخير في سطحه وَيَقِدُ سراجًا في موضعٍ خالٍ من الهواء ويقعد للمطالعة وقتًا طويلاً دائمًا في كلِّ ليلة لا يشغله الحرُّ ولا القَرُّ عن المطالعةِ والاستفادة) اهـ.
    * الشغف بجميع الكتب ومعرفته بها
    ذكر الحافظ في الدرر الكامنة في ترجمة شافع بن علي الكناني (730): (أنه كان يُحب جمع الكتب حتى أنه لما مات ترك نحو العشرين خزانة ملأى من الكتب النفيسة وكان من شدَّة حُبِّه للكتب إذا لمس الكتابَ يقول:(هذا الكتاب الفلاني ملكتُه في الوقت الفلاني وإذا طُلِبَ منه أيّ مجلَّد كان قام إلى الخزانة فتناوله كأنه كما وضعه فيها). اهـ.
    * التأَلُّم والحَسْرة على بيع الكتب
    - قال ابن خلكان في ترجمة الشريف المرتضى أبي القاسم علي بن الطاهر (436) في كتابه وفيات الأعيان:(حكى الخطيب أبو زكريا يحيى بن علي التِّبْريزي اللغوي أن أبا الحسن علي بن أحمد ابن علي بن سلَّك الفالي الأديب كانت له نسخة بكتاب الجمهرة لابن دُرَيْد في غاية الجَوْدَة فدعته الحاجة إلى بيعها فباعها واشتراها الشريف المرتضى أبو القاسم المذكور بستين دينارًا وتصفَّحها فوجدَ بها أبياتًا بخط بائعها أبي الحسن الفالي وهي:
    أنِسْتُ بها عِشرينَ حولاً وَبِعْتُها وما كان ظَنِّي أَنَّني سأَبيعها
    ولكن لضعفٍ وافتقارٍ وصِبْيَةٍ فقلتُ ولم أَمْلك سوابق عَبْرةٍ
    وقد تُخرجُ الحاجاتُ يا أمَّ مالكٍ لقد طالَ وَجْدي بعدَها وحنيني
    ولو خلَّدتني في السجون ديوني صِغارٍ عليهم تَسْتَهِلُّ شُؤوني
    مقالة مكويِّ الفؤادِ حَزِينِ كرائمَ من ربٍّ بهنَّ ضنينِ) اهـ
    - وذكر السخاوي في الضوء في ترجمة إبراهيم بن علي بن أحمد جمال الدين القَلْقَشندي القاهري أنه باع كتبَهُ أو جلَّها قال: وقَاسَى مالا يُعَبَّر عنه وتألَّمنا له في ذلك!.
    * صور من العصر الحديث *
    بعد هذا التطواف في رحاب العلماء في قرون غابرة وأقطارٍ متباعدة كأنِّي بقائل يقول: تلك أمة قد خلت وجيل قد ذهب فهل لك في أمثلة قريبة ونماذج حيَّة فنقول: نعم وما أكثرها!
    * فهذا الشيخ العلامة جمال الدين القاسمي الدمشقي (1332) يقول عن نفسِه وهو يتكلم على علوّ الهِمَّة في كتابه الفضل المبين: (وقد اتفق لي بحمده تعالى قراءة صحيح مسلم بتمامه روايةً في أربعين يومًا وقراءة سنن ابن ماجه كذلك في واحدٍ وعشرين يومًا وقراءة الموطَّأ كذلك في تسعة عشر يومًا وقراءة تهذيب التهذيب مع تصحيح سهو القلم فيه وتَحْشيته في نحو عشرة أيام فدع عنك أيُّها اللائم الكسلَ واحرص على عزيز وقتك بدرس العلم وإحسان العمل) اهـ وذكر فيه أيضًا أنه قرأ تاريخ دمشق لابن عساكر وقد طبع هذا التاريخ الآن في سبعين مجلَّدًا.
    * وهذا الشيخ محمد بدر الدين الحسني (1354) العلامة المحدِّث حفظ الصحيحين غيبًا بأسانيدهما ونحو20 ألف بيت من المتون العلمية كان شديد التشاغل بالعلم والعكوف على طلبه والانقطاع إليه حتى بلغ من ذلك شيئًا عظيمًا قال الشيخ علي... (بل كان يجلس في الليل ليقرأ فإذا غلبه النُّعاس اتكأ برأسه على وسائد أُعِدت له فأغفى ساعتين أو ثلاثًا من الليل متقطعات ومن النهار ساعة) وقال: (كان يقرأ دائمًا لا يشغله عن القراءة إلا أن يكون نائمًا أو في صلاة أو درس أو في طريقه من المسجد إلى البيت ما فارق الكتب قطُّ ولا استعان على النظر بنظارة وقد مات حديد البصر صحيحه وما أحبَّ في الدنيا غير الكتب فكان يشتري الكتابَ يسمعُ به ولو كان مطبوعًا في أقصى الهند ويشتري المخطوط ولو بوزنه ذهبًا ولا يدع كتابًا حتى يقرأه أو يتصفحه تصفّح المتثبِّت).
    ولو ذهبتُ استقصي أخبارَ علماء هذا القرن المنصرم لجاء كتابًا برأْسِه لكن حسبي هنا ما ذكرت وكفى به عبرةً لمعْتَبِر ومن أراد التوسُّع فليراجع تراجم أهل هذا القرن وهي كثيرة.
    في تَكْرار قراءة الكتاب الواحد المرات الكثيرة

    * قراءة الرسالة للشافعي (50) سنة ذكر ابنُ السُّبكي في طبقات الشافعية الكبرى في ترجمة الربيع ابن سليمان المزني صاحب الشافعي (264) قال: ( قال الأنماطي: قال المُزَني: أنا انظر في كتاب الرسالة منذ خمسين سنة ما أعلم أني نظرتُ فيه مرَّةً إلا وأنا أستفيد شيئًا لم أكن عرفته ) اهـ.
    * قراءة البخاري (700) مرة جاء في ترجمة الإمام غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمام ابن عَطيَّة المحاربي ت (51 من كتاب الغُنية للقاضي عياض والصلة لابن بشكُوال قال: (قرأتُ بخط بعض أصحابنا أنه سمع أبا بكر بن عطية يذكر أنه كرَّر صحيح البخاري سبع مئة مرَّة) اهـ.
    * قراءة البخاري (150) مرَّة وفي إنباء الغمر في ترجمة سليمان بن إبراهيم بن عمر نفيس الدين العلوي اليمني ت (825) قال: (فذكر لي أنه مَرَّ على صحيح البخاري مئة وخمسين مرة ما بين قراءة وسماعٍ وإسماعٍ ومُقابلة) اهـ وجاء في فهرس الفهارس نقلاً عن طبقات الخواص للشرجي أنه أتى على الصحيح (380) مرة قراءة وإقراء وإسماعًا وجاء في البدر الطالع أنه قرأ البخاري أكثر من خمسين مرة فالظاهر أن الشوكاني لم يعد السماع والإسماع والمقابلة.

    * قرأ البخاريَّ أكثر من100 مرة وفي ترجمة أبي بكر بن محمد بن عبد الله بن مقبل القاهري الحنفي المعروف بالتَّاجر (805) من الضوء اللامع: (قال البرهان الحلبي تلميذه أنه أخبره أنه قرأ صحيح البخاري إلى سنة ثمانين أي وسبع مئة خمسًا وتسعين مرة وقرأه بعد ذلك مرارًا كثيرًا) اهـ.
    * قرأ البخاري على 30 شيخًا ففي دُرَّة الحجال لابن القاضي المكناسي في ترجمة عثمان ابن محمد بن عثمان التوزْرَي (713) أنه قرأ البخاري على أزيد من ثلاثين رجلاً من أصحاب البوصيري.
    * قرأ البخاري على شيخ واحد أكثر من20 مرة وفي إنباء الغمر في ترجمة أسعد بن محمد بن محمود الشيرازي (803) أنه قرأ صحيح البخاري على شمس الدين الكرماني أكثر من عشرين مرَّة.

    * قرأ المهذب أكثر من40 مرة ذكر عمر بن سَمُرة الجعدي في طبقات فقهاء اليمن في ترجمة الإمام الفقيه يحيى بن أبي الخير العِمْراني (55 أنه قال عن نفسِه:(إنه لم يُعلِّق الزوائد على المهذب إلا بعد أن حفظه غيبًا على الإمام عبد الله بن أحمد الهَمْداني ثم أعاده في أُحاظه قرية باليمن ثم طالعه بعد ذلك كلِّه قبل التصنيف أربعين مرة أو أكثر وكان رحمه الله يُطالع الجزءَ من تجزئة أحدٍ وأربعين من المهذَّب في اليوم والليلة أربع عشرة مرة لكلِّ فصلٍ منه) اهـ.
    * قراءة معجم الأُدباء8 مرات قال الشيخ العلامة عبد العزيز الميمني الراجكوتي (139 عن نفسه: (قرأتُ معجم الأدباء لياقوت على الأقل سبع أو ثمان مرَّات وأُفضِّله على كتاب وَفَيات الأعيان) اهـ.

    * قرأ المدوَّنة1000 مرة تقدَّم خبرُ ابن التبَّان وكيف جلده وصبره على القراءة والطلب وقول القاضي عياض (وكان كثير الدرس ذكر أنه دَرَسَ كتابًا ألف مرة) يعني المدوَّنة.
    * كان يدرس الكتاب ألف مرة ذكر أبو العَرَب التميمي في طبقات علماء إفريقية وتونس في ترجمة عباس بن الوليد الفارسي (21 أنه وُجد في آخر بعض كتبه: دَرَسْتُه ألفَ مرة.
    * قراءة عددٍ من الكتب مرات عديدة ذكر القاضي عياض في ترتيب المدارك في ترجمة الإمام أبي بكر الأبهري (375) أنه قال عن نفسِه: (قرأتُ مختصر ابن عبد الحكم 500 مرة والأسدية 75 مرة والموطأ خمسًا و40 مرة ومختصر البرقي 70 مرة والمبسوط 30 مرة) اهـ.


    في تدريس الكتاب الواحد المرات الكثيرة

    * إقراء المهذَّب 25 مرة ففي ترجمة الفقيه كمال الدين عمر بن عبد الرحيم ابن العَجَمي الشافعي (642) أنه ألْقَى كتاب المهذب للشيرازي في فقه الشافعيةِ خمسًا وعشرين مرَّة.
    * إقراء مسلم أكثر من 60 مرة وهذا الإمام الثقة عبد الغافر بن محمد الفارسي ت (44 كان ملازمًا لإقراء صحيح مسلم فقرئ عليه أكثر من ستين مرَّةً فقد قرأه عليه الحافظ الحسن بن أحمد السمرقندي نيِّفًا وثلاثين مرة وقرأه عليه أبو سعد البَحِيري نيِّفًا وعشرين مرَّةً قال الحافظ الذهبي: (هذا سِوى ما قرأه عليه المشاهير من الأئمة) اهـ.
    * أقرأ المقْنِع (100) مرة قال الحافظ ابن رجب في ترجمة الإمام الفقيه الزاهد إسماعيل ابن محمد ابن إسماعيل بن الفرَّاء الحرَّاني ثم الدمشقي الحنبلي ت (729): أنه كان له خبرة تامة بالمذهب يقرئ المقنع والكافي ويعرفهما وكتب بخطه المغني والكافي وغيرَهما ويقال إنه أقرأ المقنع مئة مرَّة اهـ.
    * أقرأ الحاوي (30) مرة وفي ترجمة الفقيه محمد بن عبد القادر بن عمر السّنجاري المعروف بالسكاكيني الشافعي (83 من كتاب إنباء الغمر للحافظ ابن حجر عصريّه أنه كان مشهورًا بِخِبْرةِ كتاب الحاوي وحُسْن تقريره بحيث قيل إنه أقرأه ثلاثين مرَّة
    * تدريس العباب (800) مرة ذكر الزبيدي في تاج العروس أن عبد القديم بن عبد الرحمن ابن حسين النُّزيلي اليماني درَّس العُباب في الفقه ثمان مئة مرَّة.
    * ألقى الكشاف ( مرات وهذا الشيخ العالم الزاهد صالح بن عبد الله بن جعفر بن الصبَّاغ الكوفي الحنفي ت (727) كان فريدًا في علوم التفسير وغيرها وقد ألقى الكشاف للزمخشري دروسًا من صدره ثمان مرَّات مع بحثٍ وتدقيق وإيرادٍ وتشكيك.
    * إقراء البخاري مرات كثيرة ذكر السخاوي في الضوء اللامع في ترجمة الشيخ إبراهيم ابن محمد بن صدِّيق الحريري أنه لما جاور بمكة والمدينة أقرأ البخاري أربع مرات بالمدينة وبمكة أزيد من عشرين مرة.
    * إقراء المدوَّنة كل شهرين مرة وجاء في ترتيب المدارك للقاضي عياض في ترجمة يحيى ابن هلال القرطبي ت (367): أنه كان مقصودًا في السماع دؤوبًا عليه لم يُرَ في المحدّثين أصبر منه على المواظبة لذلك كان يجلس كل يومٍ لاستماع المدوَّنة من الظهر إلى الليل فيستوعب قراءتها كل شهرين تمادى على ذلك عمره.
    * درَّس التذكرة (40) مرة قال محمد بن محمد بن زَبَارة في مُلْحق البدر الطالع عن القاضي إدريس بن جابر العَيْزَرِي اليمني أنه درَّس كتاب التذكرة زيادة على أربعين مرة.
    * إقراء عددٍ من الكتب مراتٍ عديدة وجاء في ترجمة العلامة المحدِّث أبي عبد الله محمد التاودي ابن سودة المرِّي الفاسي ت (1209) من كتاب فِهْرس الفهارس للكتاني أنه: كان مُثابرًا على إقراء صحيح البخاري حتى جاوزت ختماتُه الأربعين مرة فلم يكن يدعه لا سيما في شهر رمضان يفتتحه في أول يومٍ منه ويختمه آخره وله عليه حاشية تسمَّى بـزاد المجد الساري نحو أربع مجلدات وأقرأ الألفية في النحو نحوًا من ثلاثين مرَّة وربما أقرأها في الشهر الواحد بَدْءًا وخَتْمًا وأقرأ مختصر خليل نحو ثلاثين مرة أمَّا الآجُرُّمِيَّة فلم يزل يُقرئها خصوصًا للصِّغار من أعقابه وأبناء أه المودَّة إلى وفاته) اهـ.
    * إلقاء المختصرات في أقْصَر مُدَّة وقد كان بعضُ العلماء لمزيد اعتنائهم ببعض الكتب وممارستهم لها يُلقونها دروسًا في أسرعِ وقتٍ وأقصرِ مُدة مع مزيد المثابرة والجهد فمن ذلك:
    * درَّس المدوَّنة في شهر ذكر القاضي عِياض في المدارك: في ترجمة أبي إسحاق الجبنياني أحد الأئمة ت (369) أنه قال: لقد كنا نجتمع ولقد ألقينا المدوَّنة في شهر ندرس النهار ونُلْقي الليل فما علمتُ أنا نِمْنا ذلك الشهر.
    * إلقاء الحاوي مرات في شهر ففي ترجمة الإمام العلامة المفتي علي بن عبد الله بن أبي الحسن التِّبْريزي الشافعي ت (746) من كتاب: أعيان العصر عن ابن رافع السَّلاَّمي أنه (أي: التِّبريزي) أقرأ الحاوي للماوردي كُلَّه في نِصف شهر ثم قال الصفديُّ وسمعتُ غيرَ واحدٍ من المصريين أنه أقرأ الحاوي من أوَّله إلى آخره في شهرٍ واحدٍ تِسْع مرَّات.
    * إلقاء الحاوي في أيامٍ يسيرة قال الحافظ ابن حَجَر العسقلاني في المجمع المؤسِّس في ترجمة شيخه سراج الدين عمر بن رسلان البُلْقيني ت (805): (ذكر لي ولده قاضي القضاة جلال الدين أنه كان يُلْقي الحاوي دروسًا في أيامٍ يسيرةٍ من أغربها أنه ألقاه في ثمانية أيامٍ) اهـ
    في نسخ الكتب وما تحمَّلوه في ذلك

    1- قال السَّهْمي في تاريخ جرجان: سمعتُ أبا بكر الإسماعيلي وأبا أحمد بن عدي يقولان: إسماعيل بن زيد صاحبُ حديثٍ جوَّال كان يكتب في ليلةٍ سبعين ورقة بخطٍّ دقيق 2- وذكر ابن رجب في الذيل على طبقات الحنابلة في ترجمة عبد الوهاب الأنماطي الحافظ عن ابن السمعاني أنه قال عنه: (جمع الفوائد وخرَّج التخاريج لعله ما بقي جزءٌ مرويٌّ إلا وقد حصَّلَ نُسْخَتَه ونسخ الكتب الكبار مثل: الطبقات لابن سعد وتاريخ الخطيب وكان متفرِّغًا للتحديث إما أن يقرأ عليه أو ينسخ شيئًا.
    3- وفي ترجمة الحافظ عبد القادر الرُّهاوي ت (612) من الذيل أنه:(كتب بخطه الكثيرَ من الكتب والأجزاء وأقام بدمشق بمدرسة ابن الحنبلي مدة حتى نسخ تاريخ ابن عساكر وسمعه عليه) اهـ.
    4- وفيه أيضًا في ترجمة أحمد بن عبد الدائم المقدسي ت (66: (وكان يكتب خطًّا حسنًا ويكتب سريعًا فكتب ما لا يوصَف كثرة من الكتب الكبار والأجزاء المنثورة لنفسه وبالأُجرة حتى كان يكتب في اليوم إذا تفرَّغ تسع كراريس أو أكثر ويكتب مع اشتغاله بمصالحه الكراسين والثلاثة وكتبَ الخِرَقي في ليلة واحدة وكتب تاريخ الشام لابن عساكر مرتين والمغني للشيخ موفّق الدين مرَّات وذكر أنه كتب بيده ألْفَي مُجلَّدة وأنه لازم الكتابة أزيد من خمسين سنة) اهـ.
    5 ـ وفي تذكرة الحفاظ للذهبي في ترجمة أبي عبد الله الحُمَيْدي الأندلسي ت (48: (قال يحيى بن البناء كان الحُميدي من اجتهاده ينسخ بالليل في الحرّ فكان يجلس في إجَّانة ماءٍ يتبرَّد به) اهـ.
    6 ـ وفي التذكرة أيضًا في ترجمة أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي ت (507): وقال السِّلَفي: سمعتُ ابنَ طاهر يقول: كتبتُ الصحيحين وسنن أبي داود سبع مرات بالأجرة وسنن ابن ماجه عشر مراتٍ بالرَّي) اهـ سبحان الله ينسخ هذه الكتب هذا العدد من المرات ولو كُلِّف أحدنا قراءَتَها بنحو هذا العدد لعجز فلا قوَّة إلا بالله . 7 ـ وفي التذكرة أيضًا في ترجمة المؤتمن الساجي ت (507) أنه: (أقام بهَرَاة نحو عشر سنين وقرأ الكثير وكتب جامع الترمذي ست مرات وكان فيه صَلَف وقناعة وعِفّة واشتغال بما يعنيه).
    8 ـ وفي ذيل الطبقات لابن رجب في ترجمة أبي الفرج ابن الجوزي صاحب التصانيف ت (597) أنه: (كان لا يضيع من زمانه شيئًا يكتب في اليوم أربع كراريس ويرتفع له كل سنة من كتابته ما بين خمسين مجلدًا إلى ستين وقال سِبْطُه: (إنه سمعه على المنبر في آخر عمره يقول كتبتُ بإصبعيَّ هاتين ألفي مُجلَّدة).
    9 ـ وفي ترتيب المدارك للقاضي عياض في ترجمة الإمام أبي بكرٍ الأبهري المالكي ت (375) عن أبي القاسم الوهراني أحد تلاميذه وله جزء في ترجمته قال:(سمعتُه يقول كتبت بخطي المبسوط والأحكام لإسماعيل القاضي المالكي وأسْمِعَة ابنِ القاسم وأشهبَ وابنِ وهبٍ وموطأ مالك وموطأ ابن وهب ومن كتب الفقه والحديث نحو ثلاثة آلاف جزءٍ بِخَطِّي ولم يكن لي قط شغل إلا العلم) اهـ.
    10 ـ وفي المدارك أيضًا في ترجمة سعيد بن خلف الله البصري قال: (وكتب بيده كثيرًا من الدواوين قلَّما رأيتُ كتابًا مشهورًا في المذهب إلا وقع إليَّ بخطه وسواءٌ ذلك من كتب التفسير أو غيرها) اهـ.
    11 ـ وفي ترجمة محمد بن مُكَرَّم -بضم الميم وفتح الكاف وتشديد الرَّاء ثم ميم- المعروف بابن منظور صاحب لسان العرب أنه اختصر كتبًا كثيرة من المطوّلات وغيرها فاختصر تاريخ بغداد وذيله لابن النجار وتاريخ دمشق لابن عساكر ومفردات ابن البيطار والأغاني ورتبه على الحروف وزهر الآداب للحُصْري والحيوان للجاحظ واليتيمة للثعالبي والذخيرة لابن بسَّام ونشوار المحاضرة للتنوخي وكتب بخطه شيئًا كثيرًا ترك منه بعد موته خمس مئة مجلَّد قال ابن فضل الله العمري: إنه لم يزل يكتب ويسهر الليل في الكتابة حتى كان يقضي الليالي الطوال كلها سهرًا لا يلم فيها بِكَرَى ولا يطعم عينه فيها بِهَجْعَة وكان يتخذ إلى جانبه إناءً فيه ماء فإذا غلبه السَّهَر وكاد يصرعه الكرى أخذَ من الماء فَسَكب في عينيه فَعَمِيَ في آخر عمره.
    12 ـ وفي الرد الوافر لابن ناصر الدين الدمشقي لما ذكر محمد بن إبراهيم ابن المهندس قال: (كتب الكثير ورحل ودأب ونسخ تهذيب الكمال تأليف المِزِّي مرتين ونسخ كتاب الأطراف تحفة الأشراف للمِزِّي أيضًا بخطِّه الواضح الحسن) اهـ.
    13 ـ ذكر أبو سعد السمعاني في التحبير في المعجم الكبير وهو من عجيب ما رآه في ترجمة أبي عبد الله الحسين بن أحمد البيهقي أنه اتفق أن لحقته عِلَّة (فَقُطِعت أصابعه العشر ولم يبقَ له إلا الكفَّان فحسب ومع هذا كان يأخذ القلمَ بكفَّيْه ويضع الكاغِدَ على الأرض ويُمسكه بِرِجْل ويكتب بكفيه خطًّا حسنًا مقروءًا مبينًا وربما كان يكتب في كل يومٍ خمس طاقات من الكاغد وهذا من عجيب ما رأيته) اهـ.
    14 ـ وفي التحبير أيضًا في ترجمة أبي محمد الخواري أنه كان فقيهًا مفتيًا سريع القلم نسخ بخطه المذهب الكبير للجويني أكثر من عشرين مرَّة وكان يكتبه ويبيعه.
    15 ـ وذكر النووي في بستان العارفين عن شيخه أبي إسحاق إبراهيم بن عيسى المراوي قال: سمعتُ الشيخ عبد العظيم المنذري رحمه الله يقول:كتبتُ بيدي تسعينَ مجلَّدةً وكتبت سبع مئة جُزْءٍ كلُّ ذلك من علوم الحديث تصنيفٍ وغيرِه وكتب من مصنفاته وغيرها أشياء كثيرة قال المراوي ولم أرَ ولم أسمع أحدًا أكثر اجتهادًا منه في الاشتغال كان دائم الاشتغال في الليل والنهار
    16 ـ ذكر الصفدي في أعيان العصر في ترجمة العلامة شهاب الدين النُّوَيري ت (733) أنه: (كتب كثيرًا كتب البخاري مرّاتٍ كتبه ثماني مرات وكان يكتب النسخة ويقابلها وينقل الطِّباق عليها ويجلدها ويبيعها بسبع مئة درهم وبألف وكان يكتب في النهار الطويل ثلاث كراريس وجمع تاريخًا كبيرًا في ثلاثين مجلدة رأيتُه بخطِّه) اهـ.
    17 ـ وذكر في أعيان العصر أيضًا في ترجمة أحمد بن محمد بن أبي المواهب ت (723) قال: (قيل إنه كتب خمس كراريس في يومٍ وهذا أمر قلَّ أن يُعْهد في قوم) هذا فيض من غيض وقليل من كثير فقد اجتمع عندي أخبارٌ من هذا النمط لو نَثَرْتُها لملأت صفحات وصفحات ولولا أن يُظنَّ بنا غُلُوّ لَزِدْنا في المقالِ مَن اسْتَزَادا لكني لا أحب أن أُفوِّت الفائدة على القارئ فرأيت أن أشير إلى مواضع ذلك في مصادره دون ترتيبٍ البدر الطالع: (1/ 106، 357، 420) (2/ 94)، ملحق البدر الطالع: (2/ 83)، السير: (16/ 24، (23/ 24، أعيان العصر: (1/ 48، 169، 170، 415)، إشارة التعيين: (ص/ 43)، الجواهر والدرر: (1/ 107)، معرفة القراء الكبار: (1/ 265)، الطبقات السنية: (3/ 71)، المقفى: (7/ 417)، ذيل التقييد: (1/ 17، التحبير في المعجم الكبير: (1/ 390، 590)، (2/ 134).
    إيقاظات وتنبيهات
    الموازنة بين قراءة الكتب والأخذ عن الشيوخ
    أَخْذ العلم له طريقان:
    أحدهما: طريق المشافهة وهو أخذه عن أهله العلماء به وهذا هو الأصل الأصيل في تَلَقِّي العلوم وهذه طريقة السلف قبل تدوين الكتب وبعدها وليس هنا مجال الحديث عن هذه الطريقة.
    الثانية: أخذه عن الكتب والمصنفات وهي دواوين العلم وخزائنه وهاهنا يُنبَّه إلى أمور:
    لابُد من الموازنة والمزاوجة بين أخذ العلم من الكتب وأخذه من العلماء فإن العلم وإن كان موْدعًا في بطون الكتب إلا أن مفاتِحَهُ بأيدي الرجال كما في المقولة المشهورة فلا أقلَّ من أخذ مختصر في كلِّ علمٍ على عالم به متخصِّص فيه فبعد أن يُحَصِّل الطالب قاعدةَ الفن وأصوله فَلْيَبْنِ عليه حينئذٍ مع التدرُّج والترقِّي بالقراءة في مطوَّلاته وشروحه وليحرص مع ذلك كلِّه على مُسَائلَةِ أهل الفن ومذاكرتهم، فإنه كما قال الإمام النووي (مذاكرة حَاذِقٍ في الفنِّ ساعةَ أنفع من المطالعة والحفظ ساعاتٍ بل أيَّامًا) .
    2 ـ ينبغي التمعُّن في اختيار المتن الذي يُرَاد حفظه أو درسه ليكون مناسبًا للطَّالب من أغلب الوجوه على الأقل حتى لا ينتقل منه إلى غيره فإن كثرة التنقل في الكتب دليل على ملل الطالب وعدم فلاحه غالبًا.
    3 ـ ليحرص الطالب أشدَّ الحرص على كتب المتقدمين والمحققين من أهل العلم أما المتقدمين فواضح وأمّا المحققين فلا يخلو كلُّ عصر من قائم لله بحجة من أولئك العلماء المحققين أصحاب التصانيف النافعة المحرَّرة في كل الفنون الإسلامية وتمتاز هذه الكتب بالتأصيل العلمي وتدليل المسائل وتحريرها والاعتناء بما يَنْبَني عليه عملٌ والبعد عن المجادلات اللفظية والمُمَاحكات الكلامية التي لا أثر لها في العلم نفسِه وهذه بعض الأمثلة من عصور مختلفة ليستدل بها على غيرها:
    كابن جرير (310) والخطيب البغدادي (463) وابن عبدالبر (463) والبغوي (516) وابن قدامة (620) والنووي (676) وابن دقيق العيد (702) وشيخ الإسلام ابن تيمية (72 وابن القيم (751) وابن كثير (774) وابن رجب (795) والعراقي (806) والحافظ ابن حجر (852) وغيرهم وعليه فاحذر كتبَ أهل البدع والضلالة في القديم والحديث قال شيخ الإسلام (ولهذا كُرِه لمن لا يكون له نقدٌ وتمييزٌ النظرَ في الكتب التي يَكثُر فيها الكذبُ في الرواية والضلالة في الآراء ككتب أهل البدع وكُرِه تلقِّي العلم من القُصَّاص وأمثالهم الذين يكثر الكذبُ في كلامهم وإن كانوا يقولونه صِدْقًا كثيرًا) اهـ.
    الثالث: التعرف على أنواع القراءة من المفيد أن يتعرَّف الطالبُ على أنواع القراءة ويُنمِّي قُدُراته ليكتسب المزيد من مهارات القراءة وفي ذلك بحوثٌ ودراسات كثيرة ولكن ننبِّه هنا إلى أمور:
    1 ـ لابد أوَّلاً من النظر في نوعية الكتاب المقروء فليس كلُّ كتابٍ أستطيع أن أُطبِّق عليه قواعد القراءة السريعة فمثلاً كتب الفقه أو الأصول أو المصطلح لابدّ من قراءتها قراءةً متأنِّيَة ليتمكن القارئ من استيعابها وفهمها فالقراءة هنا قراءة دَرْسٍ وفهم
    2 ـ إذا تمكّن الطالبُ من فنٍّ ما وأَلَمَّ بجمهور مسائله واصطلاحاته فلا حرج عليه حينئذٍ في قراءة ما يستجد له من كتب الفن قراءةً سريعة يلتقط فيها ما يجدّ له من مباحث وفوائد وغير ذلك فتختلف القراءة من شخصٍ إلى آخر بحسب التمكّن من الفن والمعرفة به فليست قراءة المتخصِّص في الفقه لكتاب المغني مثلاً كقراءة غير المختصّ وهكذا.
    3 ـ كتب التاريخ والأدب والسير والتراجم والموسوعات الضخمة وكتب المعارف العامة هذا الصنف من الكتب هو مادة الجَرْد وموضوع القراءة السريعة فيستطيع الطالب المُجِد أن يأتيَ على أكثر هذه الكتب مُطالعةً مع تدوين ما يعنّ له من فوائد ونكات ومباحث في غير مظانِّها في أوراق خاصة كما سيأتي بعد قليل أما من تعانى هذا النوع من القراءة وأراد تطبيقه على بعض الكتب الدسمة والمراجع الأصيلة المهمة مثل: التمهيد وفتح الباري وتاج العروس وتفسير القرطبي وأضواء البيان وغيرها فلن يخرج بالفائدة التي كان يرجوها فلهذا النوع من الكتب نوع خاص من القراءة.
    الرابع: تقييد الفوائد قال الإمام النووي: (ولا يحتقرن فائدة يراها أو يسمعها في أيِّ فنٍّ كانت بل يُبادِر إلى كتابتها ثم يواظب على مطالعة ما كتبه...) اهـ. وقال أيضًا: (ولا يؤخِّر تحصيل فائدة وإن قَلَّت إذا تمكَّن منها وإنْ أمِنَ حصولها بعد ساعة لأن للتأخيرِ آفاتٌ ولأنه في الزمن الثاني يُحَصِّل غيرَها) اهـ. فهذه نصيحة غالية ولَفْتَةٌ من إمام فتمسَّك بها تُفْلِح.
    فكم من عالمٍ أبدى أسَفَه وحَسْرَته على فوائد فاته تقييدُها فشردت أو اتكل على حافظته فخانته والحفظ خوَّان فهذا الإمام ابنُ حجر حافظ عصره فاتَه تقييدُ شيءٍ من الفوائد فتأسَّف عليه قال تلميذه السخاوي في الجواهر والدرر: (أما التفسير فكان فيه آيةٌ من آيات الله بحيث كان يُظْهِر التأسُّفَ في إهمال تقييد ما يقع له من ذلك مما لا يكون منقولاً وفي أواخر الأمر صار بعض طلبته يعتني بكتابة ذلك) وصدق القائل: (وكم حَسَراتٍ في بطونِ المقابرِ). وأنت إذا نظرت في سِيَر العلماء وكيف حرصهم على اغتنام الزمان وتقييد الفوائد رأيتَ عجبًا!.
    * فهذا الإمام البخاري جَبَلُ الحِفْظ يستيقظ مراتٍ كثيرة في الليل ليُقَيِّد الفوائد قال راويته الفَرَبري: (كنت مع محمد بن إسماعيل بمنزله ذات ليلةٍ فأحصيت عليه أنه قام وأسْرَجَ يستذكر أشياءَ يُعلِّقها في ليلةٍ ثمان عشرة مرَّة).
    * وهذا الإمام الشافعي يحكي عنه صاحبُه الحُمَيْديُّ لمَّا كانا بمصر أنه كان يخرج في بعض الليالي فإذا مصباح منزل الشافعي مُسْرج فيصعد إليه فإذا قِرْطاس ودَوَاة فأقول: مَهْ يا أبا عبد الله! فيقول: تفكّرت في معنى حديث أو في مسألة فخِفْت أن يذهب عَلَيَّ فأمرت بالمصباح وكتبته).
    * وقد مرَّ معنا خبر أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي فلا نعيدُه.
    * وذكر ابنُ الأبَّار الحافظُ في معجم أصحاب الصدفي في ترجمة العلاَّمة أبي القاسم ابن ورد التميمي أنه كان لا يُوْتى بكتابٍ إلا نظر أعلاه وأسفله فإن وجد فيه فائدة نقلَها في أوراق عنده حتى جمع من ذلك موضوعًا.
    * وذكر الحافظ ابن حجر في ترجمة الإمام الزركشي صاحب البحر المحيط وغيره أنه كان يتردد إلى سوق الكتب فإذا حضره أخَذَ يُطَالع في حانوت الكتبي طول نهاره ومعه ظهور أوراق يُعلِّق فيها ما يعجبه ثم يرجع فينقله إلى تصانيفه. وقد دوّن كثير من العلماء هذه الفوائد في كتب مفردة مثل: الفنون لابن عقيل وهو من أضخم الكتب والفوائد العونية للوزير ابن هبيرة وصيد الخاطر وغيره لابن الجوزي وقيد الأوابد في400 مجلد للدعولي وعيون الفوائد لابن النجار في 6 أسفار وبدائع الفوائد والفوائد لابن القيم والتذكرة للكندي في50 مجلدًا ومجمع الفوائد ومنبع الفرائد للمقريزي كالتذكرة له في نحو 100 مجلد 354 وتذكرة السيوطي في أنواع الفنون في 50 مجلدًا وتذكرة الصفدي في مجلدات كثيرة أكثر من 30 منها أجزاء مخطوطة وغيرها كثير ولا يتوهَّمنَّ أحدٌ لأجل ثنائنا وإشادتنا بتقييد العلم وتدوين الفوائد أنَّا نُقلِّل من أهمية الحفظ ونحط من شأنه كلاَّ إذ لا تعارض بينهما بحمد الله وهل من ذكرنا خبرهم قريبًا في حِرصهم على التقييد إلا من أكابر الحفَّاظ
    والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
    [CENTER][FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B]أموت ويبقى كل ماقد كتبته... فياليت من يقرأ مقالي دعا ليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]
    [CENTER]
    [FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B] لعل إلهي أن يمن بلطفه … ويرحم َ تقصيري وسوء فعاليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]

  • #2
    رد: الهمم الشامخات من سير الأئمة السادات في بذلهم للعلم أنفس الأشياء و الأوقات

    بارك الله فيك
    بس لو تعمل الكلام على شكل ملف pdfأو word

    تعليق

    يعمل...
    X