بسم الله الرحمن الرحيم
الآداب الشرعية للنساء في طلب العلم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
وبعد : أختي المسلمة ,إن لك دورا مهما في إصلاح المجتمع كما للرجل دور مهم أيضا, خاصة وأنك مربية الأجيال عبر الزمان وفي كل مكان , ولكى تُحققي ماكلفت به من المهمات ,لابد لك من مقومات أهمها :أن تكوني صالحة وقدوة طيبة في بنات جنسك, معلمة في بيتك وحيّك ومجتمعك, ولا يكون ذلك إلا بالعلم النافع, العلم الشرعي الذي تتلقينه من أفواه العلماء , أومن الكتب أوالأشرطة أوغيرها من أساليب التلقي,ولا يخفى عليك أختى المسلمة أن الله سبحانه وتعالى مدح العلم وأهله, وحثّ عباده على التزود منه وأن تتفرغ فرقة من المسلمين لطلبه,وكذلك كثرالمدح والثناء في السنة المطهرة على صاحبها الصلاة والسلام, وكل ذلك يدل على أن العلم من أفضل الأعمال الصالحة , ولما كان هذا العلم عبادة القلب وسرحياته , كان لزاما على طالبته أن تحصّل آدابه وأن تستعين جاهدة في إكتسابها حتى تؤدى ما عليها من حقوق وواجبات أولها وأعظمها توحيد الله عز وجل قال تعالى : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر/9], وقبل ذكر الآداب نذكر بعض فضائل العلم التى لاتعد, حتى تعلم الطالبة أي خيرتقبل عليه في هذا الباب وهو خير كثيرالواحد منه كافي في إيقاظ أشدّ الهمم فتورا فما بالك باجتماعها , فمن ذلك:
- أنه إرث الأنبياء، فالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا وإنما ورثوا العلم، فمَنْ أخذت بالعلم فقد أخذت بحظ وافر من إرث الأنبياء، فأنت الآن في القرن الخامس عشر إذا كنت من أهل العلم ترثين محمدًا صلى الله عليه وسلم وهذا من أكثر الفضائل.
- أنك تتوصلين به إلى أن تكوني من الشهداء على الحق، والدليل قوله تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ )[آل عمران/ 18]. فهل قال: ( أولو المال) ؟ لا، بل قال : (وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ) فيكفيك فخرًا يا طالبة العلم أن تكوني ممن شَهّدَ الله أنه لا إله إلا هو مع الملائكة الذين يشهدون بوحدانية الله - عز وجل – .
- ما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا فكان منها طائفة طيبة، قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعُشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تُمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقُُه في دين الله ونفعهُ ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ، ولم يقبل هُدى الله الذي أرسلتُ به ».
- أنه طريق الجنة كما دل على ذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ومن سلك طريقا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة » .(رواه مسلم)
- ما جاء في حديث معاوية - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من يرد الله به خيرًا يُفقهه في الدين» وهو عند البخاري ومعناه: أن يجعله فقيهًا في دين الله - عز وجل - ، والفقه في الدين ليس المقصودبه فقه الأحكام العملية المخصوصة عند أهل العلم بعلم الفقه فقط، ولكن المقصود به هو: علم التوحيد،وأصول الدين، وما يتعلق بشريعة الله - عز وجل -. ولو لم يكن من نصوص الكتاب والسنةإلا هذا الحديث في فضل العلم لكان كاملا في الحثّ على طلب علم الشريعة والفقه فيها.
- أن الله يرفع أهل العلم في الآخرة وفي الدنيا، أما في الآخرة فإن الله يرفعهم درجات بحسب ما قاموا به من الدعوة إلى الله - عز وجل - والعمل بما علموا ، وفي الدنيا يرفعهم الله بين عباده بحسب ما قاموا به. قال الله تعالى:
(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[المجادلة/11]
- أنه يبقى والمال يفنى، فهذا أبو هريرة - رضي الله عنه - من فقراء الصحابة حتى إنه يسقط من الجوع كالمغمى عليه وأسألكم بالله هل يجري لأبي هريرة ذكر بين الناس في عصرنا أم لا ؟ نعم يجري كثيرا فيكون لأبي هريرة أجر من انتفع بأحاديثه؛ إذ العلم يبقى والمال يفنى، فعليك يا طالبة العلم أن تستمسكي بالعلم فقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إذا مات الإنسان، انقطع عمله إلا من ثلاث إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»رواه مسلم.[كتاب العلم للعثيمين بتصرف(ج 1/ ص 13)]
فيا له من فضل عظيم أختي المسلمة تضيعه كثير من النساء مع مرور الأيام والليالي. وبعد هذه الومضة السريعة في أهم فضائله فهاهي ذي أهم آدابه وجملة ما يلزمك من أخلاقه :
1) إخلاص النية لله تعالى: بأن يكون قصدك بطلب العلم وجه الله والدار الأخرة ,
وأن لاتكون نيتك في الطلب نيل رتبة أو شهادة, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من تعلم علما يبتغى به وجه الله عز وجل لايتعلمهإلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة ). يعنى :"ريحها" وهذا وعيد شديد يجعلك أختى المسلمة تراقبين نيتك على الدوام وتخلصينها من كل الشوائب , ثم إنني أذكرك بالإخلاص فى أول الآداب لأنه أساس كل عمل ففي حديث عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :إنما الأعمال بالنياتوإنما لكل امرء مانوى ....متفق عليه.
2) التمسك بالكتاب والسنة :قال تعالى :( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[القصص/ 50] فالعلم النافع أختي المسلمة هو ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة و التابعين وتابعيهم, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:(فمن بنى الكلام في العلم ـ الأصول والفروع ـ على الكتاب والسنة والآثار المؤثورة عن السابقين فقد أصاب طريق النبوة .اهـ فمن رام العلم النافع والهدىبعيدا عن الكتاب السنة فقد رام المستحيل, ومن أخذ بغيرهما استغناء عنهما فقد ضل سواءالسبيل.
3)تقوى الله عز وجل وإصلاح الظاهر والباطن : قال الله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم)[الأنفال29] قال الحافظ ابن كثيررحمه الله تعالى : قال محمد بن إسحاق :(فرقانا) أي فصلا بين الحق والباطل .اهـ, فعليك أختي المسلمة بالتحلي في ظاهرك وباطنك بتقوى الله عز وجل حتى ينور الله قلبك بنور العلم قال الإمام الشافعي رحمه الله :(من أحب أن يفتح الله قلبه أو ينوره فعليه بترك الكلام فيما لايعنيه وترك الذنوب واجتناب المعاصى ويكون فيما بينه وبين الله خبية من عمل فإنه إذافعل ذلك فتح الله عليه من العلم مايشغله عن غيره وإن في الموت لأكثر الشغل).اهـ فترك المعاصي واجتنابها أكبرالإعانة على حفظ العلم من النسيان وسبب المداومة على تحصيله و طلبه, و الإنقطاع منه هو آفة العلم , بل تقوى الله مفتاح كل خير , فحري بنا الإعتناء بصلاح أنفسنا من كل شر وحفظها من كل مايفتح عليها باب المعاصي.
ومن تقوى الله عزوجل أختي المسلمة :
~إلتزام الزي الشرعي الذي فرضه الله علينا وعدم الخروج متطيبات.
~اجتناب مجالس السوء والغيبة والنميمة وإمساك اللسان وحفظه من الآفات .
~غض البصر عند رؤية الأجانب وترك الإكثار من الخروج إلا لحاجة ملحة
~الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرأينما كنت وأينما حللت.
~الحذرمن الحسد والعجب والكبروكل الصفات الذميمة والتحلي بالأخلاق الفاضلة الكريمة .
4) تفريغ القلب للعلم والهمة العالية : لاشئ يدرك بدون السعي في طلبه, والإرادة التامة والهمة العالية هي التي تحملك على تحصيل العلم وبذل الجهد وإغتنام الأوقات لإدراكه, والتعوذ من العجزوالكسل كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ منهما, لأنهما قاطع عن كل خير, فعلى من شرعت في تحصيل العلم النافع أن توطن نفسها على تحصيله من كل وجه, ولاتستبطئ النتيجة النافعة , وإن أعظم مايعين على التفرغ للطلب هوعظم الرغبة في الآخرة وما عند الله, وبشدة التعلق بالمطلب الأعلى, فإن في العلم شغلا عن متاع الحياة وزخرفها, ثم هى مع كل هذا تحتاج إلى صبر واستمرارفي التعلم والبعد عن الإحساس بالملل والتحسر فإن ذلك يؤدى إلى الترك ,وكذلك البعد عن الإشتغال بالأسباب الدنيوية لأنها تأخذ جمهوروقت الإنسان, فعلى الأخت الراغبة في تحصيل العلم أن تنظم أوقاتها في بيتها, فتجعل لكل ذى حق حقه ,وللعلم وقته وحقه, فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: لَا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجِسْمِ (صحيح مسلم - (ج 3 / ص 296) قال النووي رحمه الله : جَرَتْ عَادَة الْفُضَلَاء بِالسُّؤَالِ عَنْ إِدْخَال مُسْلِم هَذِهِ الْحِكَايَة عَنْ يَحْيَى مَعَ أَنَّهُ لَا يَذْكُر فِي كِتَابه إِلَّا أَحَادِيث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْضَة ، مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْحِكَايَة لَا تَتَعَلَّق بِأَحَادِيث مَوَاقِيت الصَّلَاة ، فَكَيْفَ أَدْخَلَهَا بَيْنهَا ؟ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض - رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى - عَنْ بَعْض الْأَئِمَّة أَنَّهُ قَالَ : سَبَبه أَنَّ مُسْلِمًا - رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى - أَعْجَبَهُ حُسْن سِيَاق هَذِهِ الطُّرُق الَّتِي ذَكَرَهَا لِحَدِيثِ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو ، وَكَثْرَة فَوَائِدهَا ، وَتَلْخِيص مَقَاصِدهَا ، وَمَا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِد فِي الْأَحْكَام وَغَيْرهَا ، وَلَا نَعْلَم أَحَدًا شَارَكَهُ فِيهَا ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَرَادَ أَنْ يُنَبِّه مَنْ رَغِبَ فِي تَحْصِيل الرُّتْبَة الَّتِي يَنَال بِهَا مَعْرِفَة مِثْل هَذَا فَقَالَ : طَرِيقه أَنْ يُكْثِر اِشْتِغَاله وَإِتْعَابه جِسْمه فِي الِاعْتِنَاء بِتَحْصِيلِ الْعِلْم ، هَذَا شَرْح مَا حَكَاهُ الْقَاضِي اهـ( شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 39)
5)الإعتناء بحفظ كتاب الله تعالى قبل كل علم كفائي:وهذا من أهم ما نتواصى به بيننا وهو حفظ القرءآن والحرص على جمعه في صدورنا, فذلك أول العلم, قال الإمام الخطيب البغدادي رحمه الله:(ينبغي للطالب أن يبدأ بحفظ كتاب الله عزوجل إذ كان أجل العلوم وأولاهابالسبق والتقديم)وقال الإمام النووي رحمه الله :(وأول ما يبتدأ به حفظ القرءآن العزيزفهو أهم العلوم وكان السلف لا يعلمون الحديث والفقه إلا لمن حفظ القرءآن وإذا حفظ فليحذر من الإشتغال عنه بالحديث والفقه وغيرهما إشتغالا يؤدي إلى نسيان شيء منه.اهـ وكل ذلك أختي الطالبة يكون بالإستعانة بالله وحسن الظن به فيعينك الله ويبارك لك في العلم
6)التروي في طلب العلم :قال الله تعالى: (وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا) [الإسراء/106] وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما :(اقرأ القرءآن في كل شهرقال قلت إني أجد قوة قال : فاقرأه في عشرين ليلة قال قلت إني أجد قوة قال فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك) صحيح مسلم - (ج 6 / ص 42) وقال الزهري ليونس بن يزيد :(يا يونس لا تكابد العلم فإن العلم أودية فأيها أخذت فيه قطع بك أن تبلغه ولكن خذه مع الأيام والليالي ولاتأخذ العلم جملة فإن من رام أخذه جملة ذهب عنه جملة ولكن الشيء بعد الشيء مع الليالي والأيام .اهـ والتروي في العلم هو:اقتصاركل أخت من نفسها على مقدار, تبقى عيه مداومة, فلا يلحقها ملل ولا يدركها ضجر فتنسى ما حفظت .
7)العمل بالعلم : إعلمي أختي المسلمة أن ثمرة العلم العمل به و الإنتفاع منه, فما قيمة علم لاينفع صاحبه, ولقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم :من علم لاينفع فقال : (اللهم إني أعوذ بك من علم لاينفع ) رواه مسلم, قال الإمام ابن عيينة المكي الهلالي:( ليس شيء أنفع من علم ينفع وليس شيء أضر من علم لا ينفع ويوم القيامة يسأل العبد عن علمه ما عمل فيه )
ــإذا أنت لم ينفعك علمك لم تجد000 لعلمك مخلوقا من الناس يقبله.
ــإن زانك العلم الذي قد حملته 000 وجدت له ما يجتبيه و يحمله.
والذي يخالف عمله علمه, يجاء به يوم القيامة فيلقى في النارـ عياذا بالله, فتندلق أقتابه ـ وهي:"الأمعاء" أي: تخرج من مكانها, فيدور كما يدور الحمار برحاه, فيجتمع أهل النارعليه فيقولون:يا فلان ما شأنك؟ ألست كنت تأمربالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول :كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن الشر وآتيه, كما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم, إذن العلم إن لم ينفعك بالعمل به ضرك بكونه حجة عليك يوم القيامة, وأما العمل بالعلم فثمراته جليلة وبركاته كثيرة في الدنياو الآخرة قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) [محمد /17] قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى كمافي مقدمة رسالته في أعمال القلوب:( فمن عمل بما علم أورثه الله علم مالم يعلم) فالعمل أختي الكريمة يثبت العلم الموجود, ويجلب العلم المفقود, وفقنا الله وإياك للعلم النافع المثمر للعمل الصالح بمنه وكرمه.
مجانبة القول على الله بغيرعلم وأن تقولي فيمالا تعلمينه :"الله أعلم":
قال تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) [النحل/116]وقال ابن مسعود رضي الله عنه:( من علم فيقل ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم)
9) ومن آداب طالبة العلم حال التلقي في مجالس العلم :
*إختيار العلم والشيخ:فتبدأ الطالبة بالذي هي في أمس الحاجة إليه, وهو العلم
بالله تعالى و العلم بأسمائه وصفاته وأفعاله ,أي: علم توحيد الله عز وجل, فإذا تحصل لك مقدارما تحتاجينه من هذا العلم المبارك الذي هو أشرف العلوم على الإطلاق, كان عليك الأخذ ببقية العلوم حسبما تحتاجينه أيضا, ومن كلام الإمام النووى رحمه الله: ( وبعد حفظ القرءآن يحفظ من كل فن مختصرا ويبدأ بالأهم كالفقه والحديث والأصول و النحو ثم الباقي على ما تيسر)اهـ كما على الأخت اختيارالمشائخ المتمسكين بالكتاب والسنة الورعين الذين يتقون الله عزوجل في فتاواهم ويعملون بعلمهم وقد أخرج مسلم رحمه الله تعالى في مقدمة صحيحه عن محمد بن سيرين رحمه الله قال:َ إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُم (ْ(صحيح مسلم - (ج 1 / ص 33)
*حفظ حرمة العلماء و التأدب معهم:فمن حسن خلق الطالبة الأدب مع العلماء
الذين هم ورثة الأنبياءأو مع من تتلقى عنهم العلم من النساءومعرفة قدرهم والتنزه من الوقيعة فيهم ومن حرمتهم احترامهم في مجالسهم وعدم العبث واللهو فيها والتواضع لهم وخدمتهم إن أمكن ذلك وتحتسبها خدمة للدين مع الدعاء لهم والإعتراف بفضلهم في الأمة وكذا الإعتناء بكتبهم ومداومة النظر فيها
*وأما كيف تجلسفي حلقات العلم؟ فقد قال ابن جماعة رحمه الله:يجلس بين يدي الشيخ جلسة الأدب كما يجلس الصبي بين يدي المقرئ أو متربعا بتواضع وخضوع وسكون وخشوع ويصغي إلى الشيخ ناضرا إليه ويقبل بكليته عليه متعقلا لقوله بحيث لا يحوجه إلى إعادة الكلام مرة ثانية ولا يلتفت من غير ضرورة ولاينظر إلى يمينه أو شماله أو فوقه أو قدامه بغير حاجة ولا سيما عند بحثه له أو عند كلامه معه ... ولا يعبث بيديه أو رجليه أو غيرهما من أعضائه... ولا يستند بحضرة الشيخ إلى حائط أو مخدة ... ولايحكي ما يضحك منه أو مافيه بذاءة أو يتضمن سوء مخاطبة أو سوء أدب...)اهـ
* الإنصات للعلماء وعدم مقاطعتم إلا لحاجة:
عن عطاء رحمه الله قال:(إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت كأني لم أسمعه قد سمعته قبل أن يولد)
ولا ينال العلم إلا بإلقاء السمع مع التواضع, وبعدم مقاطعة الشيخ ,والحذر من مماراته, فإن المراء شر كله, وهو مع الشيخ أقبح وأبعد من الخير, وسبب للحرمان من العلم ,فعن الزهري رحمه الله: ( كان سلمة يماري ابن عباس فحرم بذلك علما كثيرا)
ـ وهناك آداب أخرى نجملها في مايأتي:
*التبكيربالخروج إلى مجلس العلموالمواظبة على ذلك مع كامل الهمة.
*إفراغ القلب عند دخول المجلس من الشواغل.
*إلقاء السلام على الحاضرين
*الجلوس حيث انتهى بك المجلس
*إحترام الزميلات في المجلس والتأدب معهن.
*مذاكرتهن العلم ومدارسته معهن
*تجنب الحياء والكبرفكلاهما من عوائق طلب العلم.
*تجنب الحسد فإنه يورث العداوة والبغضاء أماالمنافسة في الطلب فهي من جنس المنافسة في سائرالعبادات قال تعالى: (.. فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ..) [البقرة/148] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا) متفق عليه واللفظ للبخاري - (ج 1 / ص 130)
10) الحذرمن قطاع الطريق:
قطاع الطريق على أنواع, فمنهم من يقطع الطريق على المسافر ليستولي على أمواله... ,ومنهم من يقطع الطريق على الطالبة للعلم, فهم لا يقدرون ما تطلبين, فيثبطونك عن العلم كلما وجدن لذلك سبيلا , بل منهن من تكره لك هذه النعمة العظيمة حسدا من عند أنفسهن, وأولآئك هم شر الخلطاء, فهن لا يردن البقاء وحدهن جاهلات في الحضيض ,ويغيضهن ذلك أشد الغيظ ,فلا تلتفتي ولا تنزعجى وعليك بالصحبة الطيبة التى تعين على طلب العلم وتذكر بالآخرة ,قال ابن القيم رحمه الله:(نواب إبليس في الأرض,وهم الذين يثبطون الناس عن طلب العلم والتفقه في الدين فهؤلاء أضرمن شياطين الإنس والجن,فإنهم يحولون بين القلوب وبين هدى الله وطريقه)اهـ
ــ فعليك أختي الطالبة بتجنب مجالس أهل الغفلة, ومعادات مجالس الغيبة, وحفظ لسانك مما لايعنيك ,واحرصي أن يكون لك حال تتميزين به عن الناس, فطعامك قليل ,وكلامك قليل, ومنامك قليل, وقيامك بالليل كثير, قليلة الضحك ,بعيدة عن القهقهة ورفع الصوت ,وبهذا يكون لك حظ من السمت الذي ينبغي لطالبة العلم أن تكتسبه.
12) معانات السهر في طلب العلم: قيل لبعض السلف: بم أدركت العلم؟ قال: (بالمصباح والجلوس إلى الصباح ),وسئل آخرفقال:( بالسفر والسهر والبكورفي السحر), قال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى:(وأفضل المذاكرة مذاكرة الليل وكان جماعة من السلف يفعلون ذلك وكان جماعة منهم يبدأون من العشاء فربما لم يقوموا حتى يسمعوا آذان الصبح)اهـ, وهذا أفضل للأخت المسلمة لما فيه من نيام الأطفال خاصة وسكون الليل, والله أعلم .
13) قراءة سيرعلماءالأمة من النساء وذكر بعض النماذج لهن رحمهن الله:
إحرصي أختي الفاضلة وفقني الله وإياك لكل خير على هذا الفصل, فلقد كان إهتمام نساء السلف الصالح بالعلم والبذل في تحصيله كبيرا كما كان رجالهم كذلك,وهو أكبر مايعينك على الثبات في الطلب, ناهيك عن تقوية الهمة وشحذها, وخيرما نذكره من مثال: أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها, حافظة نساء الأمة ,ومن أجل فقهاء الصحابة رضي الله عنهم وعنها, ولقد أهلها علمها أن تستدرك على كبارهم ومواقفها في ذلك كثيرة مشهورة,وكذلك قد كان للصحابيات رضي الله عنهن حظهن من العلم أيضا, كأم سلمة رضي الله عنها وأم سليم وغيرهما , وأما من بعد الصحابة من النساء فهن كثيرمن ذلك: فاطمة الجوزدانية رحمها الله فقد كانت حافظة عصرها, إذ سمعت الحديث من شيوخ كثيرين, ومن سماعها: المعجمان "الكبير" و"الصغير" وعدة ما فيهما من الأحاديث تتجاوز ستين ألف حديث, فانظري أختي الطالبة ما بذلته من جهد و وقت في تحمل ذلك, حتى كانت آخر من روتهما في عصرها ,وهاهو الإمام الذهبي ـ وغيره كذلك كثير, يترجم في معجم شيوخه لجماعة من النساء من أهل الرواية والعلم والشرف ممن أخذ عنهم .
وأخيرا: أنصح نفسي وإياك أن لا ينسيك خوضك في الحياة العلم والتعلم, ولا ينسيك بعد العلم الدعوة إلى الله, وأن تكون بالحكمة ,والموعظة الحسنة, وتذكري نبي الله يوسف عليه السلام ,إذ لم يمنعه سجنه من الدعوة إلى الله حيث قال لصاحبيه في السجن: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف/39 ,40]
ولا تحتقري نفسك, وداومي النظر في الكتب فإنك بحاجة إلى هذا العلم, لتغرسي بإذن الله أشجارا, وتقطفي ثمارا, تكسبك دثارا, يقيك ياأختاه نارا ,واعلمي أن أطيب ما غرست في نفسك وما حولك شجرة الإيمان والتقوى, وأن أخبث ما هنالك الجهل والهوى, والله الموفق والمعين وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله على نبيه وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبته:أم الفضل زوجة نور الدين
__________________________________________
المراجع:
·كتاب العلم, للعلامة ابن عثيمين
·إفادة الطالبين عن علم الأولين ,للشيخ سليمان الطيار
·الثمر الداني بآداب طالب العلم الرباني, لسعد بن كامل مصطفى
·النبذ في آداب طلب العلم, للشيخ الفاضل حمد بن إبراهيم العثمان
·الآداب الشرعية للنساء في طلب العلم, لعمروبن عبد المنعم سليم
·آداب طالب العلم ,لأبي عبد الله محمد بن سعيد بن رسلان
منقول من منبر وهران
الآداب الشرعية للنساء في طلب العلم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
وبعد : أختي المسلمة ,إن لك دورا مهما في إصلاح المجتمع كما للرجل دور مهم أيضا, خاصة وأنك مربية الأجيال عبر الزمان وفي كل مكان , ولكى تُحققي ماكلفت به من المهمات ,لابد لك من مقومات أهمها :أن تكوني صالحة وقدوة طيبة في بنات جنسك, معلمة في بيتك وحيّك ومجتمعك, ولا يكون ذلك إلا بالعلم النافع, العلم الشرعي الذي تتلقينه من أفواه العلماء , أومن الكتب أوالأشرطة أوغيرها من أساليب التلقي,ولا يخفى عليك أختى المسلمة أن الله سبحانه وتعالى مدح العلم وأهله, وحثّ عباده على التزود منه وأن تتفرغ فرقة من المسلمين لطلبه,وكذلك كثرالمدح والثناء في السنة المطهرة على صاحبها الصلاة والسلام, وكل ذلك يدل على أن العلم من أفضل الأعمال الصالحة , ولما كان هذا العلم عبادة القلب وسرحياته , كان لزاما على طالبته أن تحصّل آدابه وأن تستعين جاهدة في إكتسابها حتى تؤدى ما عليها من حقوق وواجبات أولها وأعظمها توحيد الله عز وجل قال تعالى : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر/9], وقبل ذكر الآداب نذكر بعض فضائل العلم التى لاتعد, حتى تعلم الطالبة أي خيرتقبل عليه في هذا الباب وهو خير كثيرالواحد منه كافي في إيقاظ أشدّ الهمم فتورا فما بالك باجتماعها , فمن ذلك:
- أنه إرث الأنبياء، فالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا وإنما ورثوا العلم، فمَنْ أخذت بالعلم فقد أخذت بحظ وافر من إرث الأنبياء، فأنت الآن في القرن الخامس عشر إذا كنت من أهل العلم ترثين محمدًا صلى الله عليه وسلم وهذا من أكثر الفضائل.
- أنك تتوصلين به إلى أن تكوني من الشهداء على الحق، والدليل قوله تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ )[آل عمران/ 18]. فهل قال: ( أولو المال) ؟ لا، بل قال : (وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ) فيكفيك فخرًا يا طالبة العلم أن تكوني ممن شَهّدَ الله أنه لا إله إلا هو مع الملائكة الذين يشهدون بوحدانية الله - عز وجل – .
- ما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا فكان منها طائفة طيبة، قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعُشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تُمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقُُه في دين الله ونفعهُ ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ، ولم يقبل هُدى الله الذي أرسلتُ به ».
- أنه طريق الجنة كما دل على ذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ومن سلك طريقا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة » .(رواه مسلم)
- ما جاء في حديث معاوية - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من يرد الله به خيرًا يُفقهه في الدين» وهو عند البخاري ومعناه: أن يجعله فقيهًا في دين الله - عز وجل - ، والفقه في الدين ليس المقصودبه فقه الأحكام العملية المخصوصة عند أهل العلم بعلم الفقه فقط، ولكن المقصود به هو: علم التوحيد،وأصول الدين، وما يتعلق بشريعة الله - عز وجل -. ولو لم يكن من نصوص الكتاب والسنةإلا هذا الحديث في فضل العلم لكان كاملا في الحثّ على طلب علم الشريعة والفقه فيها.
- أن الله يرفع أهل العلم في الآخرة وفي الدنيا، أما في الآخرة فإن الله يرفعهم درجات بحسب ما قاموا به من الدعوة إلى الله - عز وجل - والعمل بما علموا ، وفي الدنيا يرفعهم الله بين عباده بحسب ما قاموا به. قال الله تعالى:
(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[المجادلة/11]
- أنه يبقى والمال يفنى، فهذا أبو هريرة - رضي الله عنه - من فقراء الصحابة حتى إنه يسقط من الجوع كالمغمى عليه وأسألكم بالله هل يجري لأبي هريرة ذكر بين الناس في عصرنا أم لا ؟ نعم يجري كثيرا فيكون لأبي هريرة أجر من انتفع بأحاديثه؛ إذ العلم يبقى والمال يفنى، فعليك يا طالبة العلم أن تستمسكي بالعلم فقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إذا مات الإنسان، انقطع عمله إلا من ثلاث إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»رواه مسلم.[كتاب العلم للعثيمين بتصرف(ج 1/ ص 13)]
فيا له من فضل عظيم أختي المسلمة تضيعه كثير من النساء مع مرور الأيام والليالي. وبعد هذه الومضة السريعة في أهم فضائله فهاهي ذي أهم آدابه وجملة ما يلزمك من أخلاقه :
1) إخلاص النية لله تعالى: بأن يكون قصدك بطلب العلم وجه الله والدار الأخرة ,
وأن لاتكون نيتك في الطلب نيل رتبة أو شهادة, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من تعلم علما يبتغى به وجه الله عز وجل لايتعلمهإلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة ). يعنى :"ريحها" وهذا وعيد شديد يجعلك أختى المسلمة تراقبين نيتك على الدوام وتخلصينها من كل الشوائب , ثم إنني أذكرك بالإخلاص فى أول الآداب لأنه أساس كل عمل ففي حديث عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :إنما الأعمال بالنياتوإنما لكل امرء مانوى ....متفق عليه.
2) التمسك بالكتاب والسنة :قال تعالى :( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[القصص/ 50] فالعلم النافع أختي المسلمة هو ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة و التابعين وتابعيهم, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:(فمن بنى الكلام في العلم ـ الأصول والفروع ـ على الكتاب والسنة والآثار المؤثورة عن السابقين فقد أصاب طريق النبوة .اهـ فمن رام العلم النافع والهدىبعيدا عن الكتاب السنة فقد رام المستحيل, ومن أخذ بغيرهما استغناء عنهما فقد ضل سواءالسبيل.
3)تقوى الله عز وجل وإصلاح الظاهر والباطن : قال الله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم)[الأنفال29] قال الحافظ ابن كثيررحمه الله تعالى : قال محمد بن إسحاق :(فرقانا) أي فصلا بين الحق والباطل .اهـ, فعليك أختي المسلمة بالتحلي في ظاهرك وباطنك بتقوى الله عز وجل حتى ينور الله قلبك بنور العلم قال الإمام الشافعي رحمه الله :(من أحب أن يفتح الله قلبه أو ينوره فعليه بترك الكلام فيما لايعنيه وترك الذنوب واجتناب المعاصى ويكون فيما بينه وبين الله خبية من عمل فإنه إذافعل ذلك فتح الله عليه من العلم مايشغله عن غيره وإن في الموت لأكثر الشغل).اهـ فترك المعاصي واجتنابها أكبرالإعانة على حفظ العلم من النسيان وسبب المداومة على تحصيله و طلبه, و الإنقطاع منه هو آفة العلم , بل تقوى الله مفتاح كل خير , فحري بنا الإعتناء بصلاح أنفسنا من كل شر وحفظها من كل مايفتح عليها باب المعاصي.
ومن تقوى الله عزوجل أختي المسلمة :
~إلتزام الزي الشرعي الذي فرضه الله علينا وعدم الخروج متطيبات.
~اجتناب مجالس السوء والغيبة والنميمة وإمساك اللسان وحفظه من الآفات .
~غض البصر عند رؤية الأجانب وترك الإكثار من الخروج إلا لحاجة ملحة
~الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرأينما كنت وأينما حللت.
~الحذرمن الحسد والعجب والكبروكل الصفات الذميمة والتحلي بالأخلاق الفاضلة الكريمة .
4) تفريغ القلب للعلم والهمة العالية : لاشئ يدرك بدون السعي في طلبه, والإرادة التامة والهمة العالية هي التي تحملك على تحصيل العلم وبذل الجهد وإغتنام الأوقات لإدراكه, والتعوذ من العجزوالكسل كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ منهما, لأنهما قاطع عن كل خير, فعلى من شرعت في تحصيل العلم النافع أن توطن نفسها على تحصيله من كل وجه, ولاتستبطئ النتيجة النافعة , وإن أعظم مايعين على التفرغ للطلب هوعظم الرغبة في الآخرة وما عند الله, وبشدة التعلق بالمطلب الأعلى, فإن في العلم شغلا عن متاع الحياة وزخرفها, ثم هى مع كل هذا تحتاج إلى صبر واستمرارفي التعلم والبعد عن الإحساس بالملل والتحسر فإن ذلك يؤدى إلى الترك ,وكذلك البعد عن الإشتغال بالأسباب الدنيوية لأنها تأخذ جمهوروقت الإنسان, فعلى الأخت الراغبة في تحصيل العلم أن تنظم أوقاتها في بيتها, فتجعل لكل ذى حق حقه ,وللعلم وقته وحقه, فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: لَا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجِسْمِ (صحيح مسلم - (ج 3 / ص 296) قال النووي رحمه الله : جَرَتْ عَادَة الْفُضَلَاء بِالسُّؤَالِ عَنْ إِدْخَال مُسْلِم هَذِهِ الْحِكَايَة عَنْ يَحْيَى مَعَ أَنَّهُ لَا يَذْكُر فِي كِتَابه إِلَّا أَحَادِيث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْضَة ، مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْحِكَايَة لَا تَتَعَلَّق بِأَحَادِيث مَوَاقِيت الصَّلَاة ، فَكَيْفَ أَدْخَلَهَا بَيْنهَا ؟ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض - رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى - عَنْ بَعْض الْأَئِمَّة أَنَّهُ قَالَ : سَبَبه أَنَّ مُسْلِمًا - رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى - أَعْجَبَهُ حُسْن سِيَاق هَذِهِ الطُّرُق الَّتِي ذَكَرَهَا لِحَدِيثِ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو ، وَكَثْرَة فَوَائِدهَا ، وَتَلْخِيص مَقَاصِدهَا ، وَمَا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِد فِي الْأَحْكَام وَغَيْرهَا ، وَلَا نَعْلَم أَحَدًا شَارَكَهُ فِيهَا ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَرَادَ أَنْ يُنَبِّه مَنْ رَغِبَ فِي تَحْصِيل الرُّتْبَة الَّتِي يَنَال بِهَا مَعْرِفَة مِثْل هَذَا فَقَالَ : طَرِيقه أَنْ يُكْثِر اِشْتِغَاله وَإِتْعَابه جِسْمه فِي الِاعْتِنَاء بِتَحْصِيلِ الْعِلْم ، هَذَا شَرْح مَا حَكَاهُ الْقَاضِي اهـ( شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 39)
5)الإعتناء بحفظ كتاب الله تعالى قبل كل علم كفائي:وهذا من أهم ما نتواصى به بيننا وهو حفظ القرءآن والحرص على جمعه في صدورنا, فذلك أول العلم, قال الإمام الخطيب البغدادي رحمه الله:(ينبغي للطالب أن يبدأ بحفظ كتاب الله عزوجل إذ كان أجل العلوم وأولاهابالسبق والتقديم)وقال الإمام النووي رحمه الله :(وأول ما يبتدأ به حفظ القرءآن العزيزفهو أهم العلوم وكان السلف لا يعلمون الحديث والفقه إلا لمن حفظ القرءآن وإذا حفظ فليحذر من الإشتغال عنه بالحديث والفقه وغيرهما إشتغالا يؤدي إلى نسيان شيء منه.اهـ وكل ذلك أختي الطالبة يكون بالإستعانة بالله وحسن الظن به فيعينك الله ويبارك لك في العلم
6)التروي في طلب العلم :قال الله تعالى: (وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا) [الإسراء/106] وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما :(اقرأ القرءآن في كل شهرقال قلت إني أجد قوة قال : فاقرأه في عشرين ليلة قال قلت إني أجد قوة قال فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك) صحيح مسلم - (ج 6 / ص 42) وقال الزهري ليونس بن يزيد :(يا يونس لا تكابد العلم فإن العلم أودية فأيها أخذت فيه قطع بك أن تبلغه ولكن خذه مع الأيام والليالي ولاتأخذ العلم جملة فإن من رام أخذه جملة ذهب عنه جملة ولكن الشيء بعد الشيء مع الليالي والأيام .اهـ والتروي في العلم هو:اقتصاركل أخت من نفسها على مقدار, تبقى عيه مداومة, فلا يلحقها ملل ولا يدركها ضجر فتنسى ما حفظت .
7)العمل بالعلم : إعلمي أختي المسلمة أن ثمرة العلم العمل به و الإنتفاع منه, فما قيمة علم لاينفع صاحبه, ولقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم :من علم لاينفع فقال : (اللهم إني أعوذ بك من علم لاينفع ) رواه مسلم, قال الإمام ابن عيينة المكي الهلالي:( ليس شيء أنفع من علم ينفع وليس شيء أضر من علم لا ينفع ويوم القيامة يسأل العبد عن علمه ما عمل فيه )
ــإذا أنت لم ينفعك علمك لم تجد000 لعلمك مخلوقا من الناس يقبله.
ــإن زانك العلم الذي قد حملته 000 وجدت له ما يجتبيه و يحمله.
والذي يخالف عمله علمه, يجاء به يوم القيامة فيلقى في النارـ عياذا بالله, فتندلق أقتابه ـ وهي:"الأمعاء" أي: تخرج من مكانها, فيدور كما يدور الحمار برحاه, فيجتمع أهل النارعليه فيقولون:يا فلان ما شأنك؟ ألست كنت تأمربالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول :كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن الشر وآتيه, كما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم, إذن العلم إن لم ينفعك بالعمل به ضرك بكونه حجة عليك يوم القيامة, وأما العمل بالعلم فثمراته جليلة وبركاته كثيرة في الدنياو الآخرة قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) [محمد /17] قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى كمافي مقدمة رسالته في أعمال القلوب:( فمن عمل بما علم أورثه الله علم مالم يعلم) فالعمل أختي الكريمة يثبت العلم الموجود, ويجلب العلم المفقود, وفقنا الله وإياك للعلم النافع المثمر للعمل الصالح بمنه وكرمه.
مجانبة القول على الله بغيرعلم وأن تقولي فيمالا تعلمينه :"الله أعلم":
قال تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) [النحل/116]وقال ابن مسعود رضي الله عنه:( من علم فيقل ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم)
9) ومن آداب طالبة العلم حال التلقي في مجالس العلم :
*إختيار العلم والشيخ:فتبدأ الطالبة بالذي هي في أمس الحاجة إليه, وهو العلم
بالله تعالى و العلم بأسمائه وصفاته وأفعاله ,أي: علم توحيد الله عز وجل, فإذا تحصل لك مقدارما تحتاجينه من هذا العلم المبارك الذي هو أشرف العلوم على الإطلاق, كان عليك الأخذ ببقية العلوم حسبما تحتاجينه أيضا, ومن كلام الإمام النووى رحمه الله: ( وبعد حفظ القرءآن يحفظ من كل فن مختصرا ويبدأ بالأهم كالفقه والحديث والأصول و النحو ثم الباقي على ما تيسر)اهـ كما على الأخت اختيارالمشائخ المتمسكين بالكتاب والسنة الورعين الذين يتقون الله عزوجل في فتاواهم ويعملون بعلمهم وقد أخرج مسلم رحمه الله تعالى في مقدمة صحيحه عن محمد بن سيرين رحمه الله قال:َ إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُم (ْ(صحيح مسلم - (ج 1 / ص 33)
*حفظ حرمة العلماء و التأدب معهم:فمن حسن خلق الطالبة الأدب مع العلماء
الذين هم ورثة الأنبياءأو مع من تتلقى عنهم العلم من النساءومعرفة قدرهم والتنزه من الوقيعة فيهم ومن حرمتهم احترامهم في مجالسهم وعدم العبث واللهو فيها والتواضع لهم وخدمتهم إن أمكن ذلك وتحتسبها خدمة للدين مع الدعاء لهم والإعتراف بفضلهم في الأمة وكذا الإعتناء بكتبهم ومداومة النظر فيها
*وأما كيف تجلسفي حلقات العلم؟ فقد قال ابن جماعة رحمه الله:يجلس بين يدي الشيخ جلسة الأدب كما يجلس الصبي بين يدي المقرئ أو متربعا بتواضع وخضوع وسكون وخشوع ويصغي إلى الشيخ ناضرا إليه ويقبل بكليته عليه متعقلا لقوله بحيث لا يحوجه إلى إعادة الكلام مرة ثانية ولا يلتفت من غير ضرورة ولاينظر إلى يمينه أو شماله أو فوقه أو قدامه بغير حاجة ولا سيما عند بحثه له أو عند كلامه معه ... ولا يعبث بيديه أو رجليه أو غيرهما من أعضائه... ولا يستند بحضرة الشيخ إلى حائط أو مخدة ... ولايحكي ما يضحك منه أو مافيه بذاءة أو يتضمن سوء مخاطبة أو سوء أدب...)اهـ
* الإنصات للعلماء وعدم مقاطعتم إلا لحاجة:
عن عطاء رحمه الله قال:(إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت كأني لم أسمعه قد سمعته قبل أن يولد)
ولا ينال العلم إلا بإلقاء السمع مع التواضع, وبعدم مقاطعة الشيخ ,والحذر من مماراته, فإن المراء شر كله, وهو مع الشيخ أقبح وأبعد من الخير, وسبب للحرمان من العلم ,فعن الزهري رحمه الله: ( كان سلمة يماري ابن عباس فحرم بذلك علما كثيرا)
ـ وهناك آداب أخرى نجملها في مايأتي:
*التبكيربالخروج إلى مجلس العلموالمواظبة على ذلك مع كامل الهمة.
*إفراغ القلب عند دخول المجلس من الشواغل.
*إلقاء السلام على الحاضرين
*الجلوس حيث انتهى بك المجلس
*إحترام الزميلات في المجلس والتأدب معهن.
*مذاكرتهن العلم ومدارسته معهن
*تجنب الحياء والكبرفكلاهما من عوائق طلب العلم.
*تجنب الحسد فإنه يورث العداوة والبغضاء أماالمنافسة في الطلب فهي من جنس المنافسة في سائرالعبادات قال تعالى: (.. فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ..) [البقرة/148] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا) متفق عليه واللفظ للبخاري - (ج 1 / ص 130)
10) الحذرمن قطاع الطريق:
قطاع الطريق على أنواع, فمنهم من يقطع الطريق على المسافر ليستولي على أمواله... ,ومنهم من يقطع الطريق على الطالبة للعلم, فهم لا يقدرون ما تطلبين, فيثبطونك عن العلم كلما وجدن لذلك سبيلا , بل منهن من تكره لك هذه النعمة العظيمة حسدا من عند أنفسهن, وأولآئك هم شر الخلطاء, فهن لا يردن البقاء وحدهن جاهلات في الحضيض ,ويغيضهن ذلك أشد الغيظ ,فلا تلتفتي ولا تنزعجى وعليك بالصحبة الطيبة التى تعين على طلب العلم وتذكر بالآخرة ,قال ابن القيم رحمه الله:(نواب إبليس في الأرض,وهم الذين يثبطون الناس عن طلب العلم والتفقه في الدين فهؤلاء أضرمن شياطين الإنس والجن,فإنهم يحولون بين القلوب وبين هدى الله وطريقه)اهـ
ــ فعليك أختي الطالبة بتجنب مجالس أهل الغفلة, ومعادات مجالس الغيبة, وحفظ لسانك مما لايعنيك ,واحرصي أن يكون لك حال تتميزين به عن الناس, فطعامك قليل ,وكلامك قليل, ومنامك قليل, وقيامك بالليل كثير, قليلة الضحك ,بعيدة عن القهقهة ورفع الصوت ,وبهذا يكون لك حظ من السمت الذي ينبغي لطالبة العلم أن تكتسبه.
12) معانات السهر في طلب العلم: قيل لبعض السلف: بم أدركت العلم؟ قال: (بالمصباح والجلوس إلى الصباح ),وسئل آخرفقال:( بالسفر والسهر والبكورفي السحر), قال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى:(وأفضل المذاكرة مذاكرة الليل وكان جماعة من السلف يفعلون ذلك وكان جماعة منهم يبدأون من العشاء فربما لم يقوموا حتى يسمعوا آذان الصبح)اهـ, وهذا أفضل للأخت المسلمة لما فيه من نيام الأطفال خاصة وسكون الليل, والله أعلم .
13) قراءة سيرعلماءالأمة من النساء وذكر بعض النماذج لهن رحمهن الله:
إحرصي أختي الفاضلة وفقني الله وإياك لكل خير على هذا الفصل, فلقد كان إهتمام نساء السلف الصالح بالعلم والبذل في تحصيله كبيرا كما كان رجالهم كذلك,وهو أكبر مايعينك على الثبات في الطلب, ناهيك عن تقوية الهمة وشحذها, وخيرما نذكره من مثال: أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها, حافظة نساء الأمة ,ومن أجل فقهاء الصحابة رضي الله عنهم وعنها, ولقد أهلها علمها أن تستدرك على كبارهم ومواقفها في ذلك كثيرة مشهورة,وكذلك قد كان للصحابيات رضي الله عنهن حظهن من العلم أيضا, كأم سلمة رضي الله عنها وأم سليم وغيرهما , وأما من بعد الصحابة من النساء فهن كثيرمن ذلك: فاطمة الجوزدانية رحمها الله فقد كانت حافظة عصرها, إذ سمعت الحديث من شيوخ كثيرين, ومن سماعها: المعجمان "الكبير" و"الصغير" وعدة ما فيهما من الأحاديث تتجاوز ستين ألف حديث, فانظري أختي الطالبة ما بذلته من جهد و وقت في تحمل ذلك, حتى كانت آخر من روتهما في عصرها ,وهاهو الإمام الذهبي ـ وغيره كذلك كثير, يترجم في معجم شيوخه لجماعة من النساء من أهل الرواية والعلم والشرف ممن أخذ عنهم .
وأخيرا: أنصح نفسي وإياك أن لا ينسيك خوضك في الحياة العلم والتعلم, ولا ينسيك بعد العلم الدعوة إلى الله, وأن تكون بالحكمة ,والموعظة الحسنة, وتذكري نبي الله يوسف عليه السلام ,إذ لم يمنعه سجنه من الدعوة إلى الله حيث قال لصاحبيه في السجن: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف/39 ,40]
ولا تحتقري نفسك, وداومي النظر في الكتب فإنك بحاجة إلى هذا العلم, لتغرسي بإذن الله أشجارا, وتقطفي ثمارا, تكسبك دثارا, يقيك ياأختاه نارا ,واعلمي أن أطيب ما غرست في نفسك وما حولك شجرة الإيمان والتقوى, وأن أخبث ما هنالك الجهل والهوى, والله الموفق والمعين وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله على نبيه وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبته:أم الفضل زوجة نور الدين
__________________________________________
المراجع:
·كتاب العلم, للعلامة ابن عثيمين
·إفادة الطالبين عن علم الأولين ,للشيخ سليمان الطيار
·الثمر الداني بآداب طالب العلم الرباني, لسعد بن كامل مصطفى
·النبذ في آداب طلب العلم, للشيخ الفاضل حمد بن إبراهيم العثمان
·الآداب الشرعية للنساء في طلب العلم, لعمروبن عبد المنعم سليم
·آداب طالب العلم ,لأبي عبد الله محمد بن سعيد بن رسلان
منقول من منبر وهران
تعليق