السؤال: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ هذا سائل للبرنامج السائل ع. ع يقول في هذا السؤال فضيلة الشيخ ما نصيحتكم لطالب علم اجتهد في إصلاح نيته واجتهد في الإخلاص ولكنه لم يقدر وهو خائف من أن تصدق عليه الأحاديث الواردة في الوعيد الشديد لمن كانت نيته ليست خالصة لله ويوشك أن يترك طلب العلم وجهونا في ضوء هذا السؤال مأجورين؟
الشيخ: إن هذا السؤال سؤال مهم لطالب العلم وذلك أن العلم عبادة من أفضل العبادات وأجلها وأعظمها حتى جعله الله تعالى عديلا للجهاد في سبيله حيث قال تبارك وتعالى (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يمكن للمؤمنين أن ينفروا في الجهاد في سبيل الله كلهم ولكن ينفر من كل فرقة طائفة ليتفقه القاعدون في دين الله ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون والآخرون يقاتلوا في سبيل الله وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من يرد الله به خيرا يفقه في الدين) فإذا رأى الإنسان أن الله تعالى قد فقهه في دينه فليبشر أن الله تعالى أراد به خيرا ويجب إخلاص النية لله في طلب العلم بأن ينوي الإنسان في طلبه للعلم - أولا امتثال أمر الله تبارك وتعالى لأن الله تعالى قال(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) قال البخاري رحمه الله "فبدأ بالعلم قبل القول والعمل".
- ثانيا أن ينوي بتعلمه حفظ شريعة الله فإن الشريعة تحفظ في الصدور وتحفظ في الكتاب المسطور.
- ثالثا أن ينوي بتعلمه حماية شريعة الله عن أعدائها لأن أعداءها مسلطون عليها منذ بعث الرسول عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة فلينوي بطلب العلم حماية هذه الشريعة العظيمة.
- رابعا أن ينوي بذلك المدافعة عن الشريعة إذا هاجمها أحد وحينئذ يجب أن يتعلم من العلم السلاح الذي يدافع به بل ينبغي أن نقول الذي يهاجم به أعداء الله ويعامل كل أحد بالسلاح الذي يناسب حاله والناس يختلفون في هذا الشيء فمن الناس من يحاج في العقيدة فيحتاج الإنسان إلى تعلم العقيدة التي يدافع بها العقائد الفاسدة ومن الناس من يهاجم الإسلام بالأخلاق السافلة فيجب على الإنسان أن يتعلم الأخلاق الفاضلة وأن يتعلم مساوئ الأخلاق السافلة وآثارها السيئة وهلم جرّ.
- كذلك أيضا ينوي طالب العلم بطلبه العلم أن يقيم عبادة الله على ما يرضي الله عز وجل لأن الإنسان بدون التعلم لا يمكن أن يعرف كيف يعبد الله لا في وضوئه ولا صلاته ولا صدقته ولا صيامه ولا حجه.
- وأيضا يدعو إلى الله سبحانه وتعالى بعلمه فيبين الشريعة للناس ويدعوهم إلى التمسك بها فالعلم في الحقيقة من أفضل العبادات وأجلها وأعظمها نفعا ولهذا تجد الشيطان حريصا على أن يصد الإنسان عن العلم فيأتيه مرة بأنه إذا طلب العلم يكون مرائياً لأجل أن يراه الناس ويقولوا إنه عالم فيستحسر ويقول مالي وللرياء أو يقول له انوي بطلبك العلم الشرعي شيئا من الدنيا حتى يحق عليك الوعيد من طلب علما مما يبتغي به وجه الله لا يريد إلا أن ينال عرضا من الدنيا لم ير رائحة الجنة ويأتيه بالأشياء الكثيرة التي تصده عن العلم ولكن على المرء أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن يمضي لسبيله ولا يهتم بهذه الوساوس التي تعتري قلبه وكل ما أحس بما يثبطه عن العلم بأي وسيلة فليقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وليقل اللهم أعني وما أشبه ذلك وأقول لهذا الطالب امض لسبيلك اطلب العلم لا يصدنك الشيطان عن ذكر الله ولا عن طلب العلم واستمر وأنت سوف تلاقي صعوبة ومشقة في تصحيح النية ولكن تصحيح النية أمر سهل فامض أيها الشاب في سبيلك واستعن بالله عز وجل واستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
السؤال: يقول فضيلة الشيخ أرجو إيضاح المنهج الصحيح لطالب العلم المبتدئ وكذلك إيضاح الكتب التي يبدأ فيها طالب العلم جزاكم الله خيرا؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وعلى آله وأصحابه وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين المنهج الصحيح لطالب العلم مبتدئاً كان أو راغبا أو منتهياً هو أن يسير في عقيدته وأقواله وأفعاله وأخلاقه على ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأن ثمرة العلم هو العمل به والعلم إذا لم يعمل به من أعطاه الله إياه صار وبالا عليه لأنه بالعلم قامت عليه الحجة وتبينت له المحجة فإذا عاند وخالف صار علمه حجة عليه ووبالا عليه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (القرآن حجة لك أو عليك) وعلى طالب العلم المبتدئ والراغب والمنتهي أن يظهر أثر علمه عليه في الوقار والسمت الحسن والخلق الجميل حتى يكون محترما بين الناس معظما فيهم لأن كلمة المحترم المعظم تزن ألف كلمة من المستهان به إن قبلت الكلمة من المستهان به وعلى طالب العلم أن يبلغ ما علمه من شريعة الله لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (بلغوا عني ولو آية) فالعلماء ورثة الأنبياء والوارث يجب أن يكون على هدي الموروث لأن الوارث يحل محل الموروث فيما ترك فكما أن المال إذا مات صاحبه انتقل المال نفسه إلى ورثته كذلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا ماتوا انتقل ميراثهم وهو العلم إلى من بعدهم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر وعلينا أن نسلك ما سلكه الرسل عليهم الصلاة والسلام في هداية الخلق ودعوتهم إلى الحق فطالب العلم المبتدئ والراغب والمنتهي عليه مسئولية في نشر علمه ودعوة الخلق إلى الحق وعلى طالب العلم المبتدئ والراغب والمنتهي عليه ألا يقع في قلبه حسد لأحد فإن الحسد من أخلاق اليهود وهو خلق ذميم وأول ما يتضرر به صاحبه لأنه كلما رأى نعمة الله على أحد أحترق قلبه وضاقت نفسه ولم ير نعمة الله عليه في شيء بل ربما يتدرج به الحسد إلى أن يشعر بنفسه أن الله قد ظلمه حيث أعطى فلانا ما لم يعطه وقد أنكر الله هذا على أولئك الحسدة في قوله (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) وليعلم الحاسد من طالب العلم وطالب المال وطالب الولد أن حسده لا يمكن أن يمنع فضل الله على المحسود وليسترشد بما أرشد الله إليه في قوله تعالى (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) فإذا رأى من فاقه علما ودينا وولدا ومالا فليعلم أن ذلك من فضل الله وليسأل الله من فضله الذي أعطى هذا فليعطيك وأما كونك تحسده وتكره ما أنعم الله به عليه فهذا خطأ في التصور وسفه في العقل وضلال في الدين أما الكتب التي أنصح بها طالب العلم فأولها كتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد الذي أكد الله عز وجل أنه يسره للذكر قال الله تعالى (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) فليتجه الإنسان طالب العلم إلى القرآن الكريم حفظا وتلاوة وتدبرا وفهما وعملا بما دل عليه حتى ينال بذلك سعادة الدنيا والآخرة وليحرص على مراجعة كتب المفسرين الموثوقين في علمهم وأمانتهم لأن مشارب المفسرين في القرآن الكريم مختلفة ومنها ما هو ضلال فيحاول من كان هذا مشربه إلا أن يحرف نصوص القرآن إلى ما يعتقده مثال ذلك قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) وقد ذكر الله تعالى استوائه على عرشه في سبعة مواضع من القرآن الكريم وكلها بلفظ استوى على العرش والاستواء على الشيء معلوم في اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم كما قال الله تعالى نزل به الروح (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِين * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) وقال تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وقال تعالى (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) واللغة العربية في الاستواء إذا تعدد على أن معناه العلو على الشيء كما قال تعالى (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُون * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) فاستواء الله على عرشه علوه عليه على وجه يختص به ويليق به جل وعلا ولكننا لا نعلم كيفيته لأن الله تعالى أخبرنا أنه استوى على عرشه ولم يخبرنا كيف استوى ولهذا لما سأل رجل الإمام مالك رحمه الله فقال يا أبا عبد الله (الرحمن على العرش استوى) كيف استوى أطرق مالك برأسه حتى جعل يتصبب عرقا من شدة ما نزل عليه من هذا السؤال ثم قال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وقال ما أراك إلا مبتدعا ثم أمر به فأخرج من المسجد النبوي لأن سأل عن شيء لا يسأله إلا السكوت عنه فإن الصحابة لم يسألوا عنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهم أحرص منا على معرفة صفات الله عز وجل وأشد منا تعظيما لله وأشد منا حبا للعلم وعندهم من إذا سألوه فهو أجدر بالإجابة منا وهو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يسألوه يوجد من المفسرين من يفسر (استوى على العرش) أي استولى عليه ومَلَكه وقَهَره بقوة السلطان والسيطرة ولا شك أن هذا معنى باطل مخالف لما تقتضيه دلالة القرآن الكريم ولما كان عليه السلف الصالح وأئمة المسلمين فمثل هذا التفسير يجب أن يحترز الإنسان منه وألا يغتر به لأن هذا التفسير قد يصاغ بأسلوب بياني يملك شعور الإنسان حتى يصدق به يصدق به مع كونه تحريفا لكتب الله والأمثلة على هذا كثيرة منهم من يحاول صرف الآيات الكريمة إلى معتقده ومنهم من يحاول صرفها إلى مذهبه الفقهي ومنهم من يحاول صرفها إلى مذهبه النحوي فيقول هذا شاذ وهذا غير قياسي وما أشبه ذلك الخلاصة أني أقول أهم كتاب يعتني به طالب العلم كتاب الله عز وجل لكن ليكون تلقيه لمعاني كتاب الله عز وجل من الكتب الموثوقة في التفسير التي قام بتأليفها علماء موثوقون في علمهم وفي دينهم وفي أمانتهم ثم بعد ذلك ما صح من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويبتدئ بالمختصرات مثل كتاب عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي ثم بلوغ المرام للحافظ بن حجر العسقلاني ثم المنتقى من أخبار المصطفى للمجد بن تيمية جد شيخ الإسلام بن تيمية وبعد هذا المختصرات الفقهية كزاد المستقنع في الفقه الحنبلي وما يشابهه من المختصرات الفقهية في المذاهب الأخرى ولكن لا نجعل هذه الكتب الفقهية التي ألفها علماء دليلا يحتج به لأن كلام العلماء رحمهم الله مهما بلغوا في العلم يحتاج أن يحتج له وليس دليلا يحتج به فأقوال العلماء يحتج لها ولا يحتج بها لكنها لا شك أنها مما يستأنس به ويستشهد به فإذا تمكن الإنسان من هذه الكتب الفقهية ويسر الله له شيخا يبين له معناها ويبين الراجح من المرجوح فإنه يحصل على خير كثير وإنني أحث طلبة العلم على الاعتناء بالأصول والقواعد لأنها هي العلم حقيقة أما أفراد المسائل وهي وإن كانت علما لكنها لا تعطي الإنسان ملكة يستطيع بها أن يعرف الراجح من المرجوح والصحيح من الضعيف وأسأل الله تعالى أن يكثر من أمثال هذا السائل في جامعاتنا.
من فتاوى "نور على الدرب"
الشيخ: إن هذا السؤال سؤال مهم لطالب العلم وذلك أن العلم عبادة من أفضل العبادات وأجلها وأعظمها حتى جعله الله تعالى عديلا للجهاد في سبيله حيث قال تبارك وتعالى (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يمكن للمؤمنين أن ينفروا في الجهاد في سبيل الله كلهم ولكن ينفر من كل فرقة طائفة ليتفقه القاعدون في دين الله ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون والآخرون يقاتلوا في سبيل الله وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من يرد الله به خيرا يفقه في الدين) فإذا رأى الإنسان أن الله تعالى قد فقهه في دينه فليبشر أن الله تعالى أراد به خيرا ويجب إخلاص النية لله في طلب العلم بأن ينوي الإنسان في طلبه للعلم - أولا امتثال أمر الله تبارك وتعالى لأن الله تعالى قال(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) قال البخاري رحمه الله "فبدأ بالعلم قبل القول والعمل".
- ثانيا أن ينوي بتعلمه حفظ شريعة الله فإن الشريعة تحفظ في الصدور وتحفظ في الكتاب المسطور.
- ثالثا أن ينوي بتعلمه حماية شريعة الله عن أعدائها لأن أعداءها مسلطون عليها منذ بعث الرسول عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة فلينوي بطلب العلم حماية هذه الشريعة العظيمة.
- رابعا أن ينوي بذلك المدافعة عن الشريعة إذا هاجمها أحد وحينئذ يجب أن يتعلم من العلم السلاح الذي يدافع به بل ينبغي أن نقول الذي يهاجم به أعداء الله ويعامل كل أحد بالسلاح الذي يناسب حاله والناس يختلفون في هذا الشيء فمن الناس من يحاج في العقيدة فيحتاج الإنسان إلى تعلم العقيدة التي يدافع بها العقائد الفاسدة ومن الناس من يهاجم الإسلام بالأخلاق السافلة فيجب على الإنسان أن يتعلم الأخلاق الفاضلة وأن يتعلم مساوئ الأخلاق السافلة وآثارها السيئة وهلم جرّ.
- كذلك أيضا ينوي طالب العلم بطلبه العلم أن يقيم عبادة الله على ما يرضي الله عز وجل لأن الإنسان بدون التعلم لا يمكن أن يعرف كيف يعبد الله لا في وضوئه ولا صلاته ولا صدقته ولا صيامه ولا حجه.
- وأيضا يدعو إلى الله سبحانه وتعالى بعلمه فيبين الشريعة للناس ويدعوهم إلى التمسك بها فالعلم في الحقيقة من أفضل العبادات وأجلها وأعظمها نفعا ولهذا تجد الشيطان حريصا على أن يصد الإنسان عن العلم فيأتيه مرة بأنه إذا طلب العلم يكون مرائياً لأجل أن يراه الناس ويقولوا إنه عالم فيستحسر ويقول مالي وللرياء أو يقول له انوي بطلبك العلم الشرعي شيئا من الدنيا حتى يحق عليك الوعيد من طلب علما مما يبتغي به وجه الله لا يريد إلا أن ينال عرضا من الدنيا لم ير رائحة الجنة ويأتيه بالأشياء الكثيرة التي تصده عن العلم ولكن على المرء أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن يمضي لسبيله ولا يهتم بهذه الوساوس التي تعتري قلبه وكل ما أحس بما يثبطه عن العلم بأي وسيلة فليقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وليقل اللهم أعني وما أشبه ذلك وأقول لهذا الطالب امض لسبيلك اطلب العلم لا يصدنك الشيطان عن ذكر الله ولا عن طلب العلم واستمر وأنت سوف تلاقي صعوبة ومشقة في تصحيح النية ولكن تصحيح النية أمر سهل فامض أيها الشاب في سبيلك واستعن بالله عز وجل واستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
السؤال: يقول فضيلة الشيخ أرجو إيضاح المنهج الصحيح لطالب العلم المبتدئ وكذلك إيضاح الكتب التي يبدأ فيها طالب العلم جزاكم الله خيرا؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وعلى آله وأصحابه وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين المنهج الصحيح لطالب العلم مبتدئاً كان أو راغبا أو منتهياً هو أن يسير في عقيدته وأقواله وأفعاله وأخلاقه على ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأن ثمرة العلم هو العمل به والعلم إذا لم يعمل به من أعطاه الله إياه صار وبالا عليه لأنه بالعلم قامت عليه الحجة وتبينت له المحجة فإذا عاند وخالف صار علمه حجة عليه ووبالا عليه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (القرآن حجة لك أو عليك) وعلى طالب العلم المبتدئ والراغب والمنتهي أن يظهر أثر علمه عليه في الوقار والسمت الحسن والخلق الجميل حتى يكون محترما بين الناس معظما فيهم لأن كلمة المحترم المعظم تزن ألف كلمة من المستهان به إن قبلت الكلمة من المستهان به وعلى طالب العلم أن يبلغ ما علمه من شريعة الله لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (بلغوا عني ولو آية) فالعلماء ورثة الأنبياء والوارث يجب أن يكون على هدي الموروث لأن الوارث يحل محل الموروث فيما ترك فكما أن المال إذا مات صاحبه انتقل المال نفسه إلى ورثته كذلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا ماتوا انتقل ميراثهم وهو العلم إلى من بعدهم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر وعلينا أن نسلك ما سلكه الرسل عليهم الصلاة والسلام في هداية الخلق ودعوتهم إلى الحق فطالب العلم المبتدئ والراغب والمنتهي عليه مسئولية في نشر علمه ودعوة الخلق إلى الحق وعلى طالب العلم المبتدئ والراغب والمنتهي عليه ألا يقع في قلبه حسد لأحد فإن الحسد من أخلاق اليهود وهو خلق ذميم وأول ما يتضرر به صاحبه لأنه كلما رأى نعمة الله على أحد أحترق قلبه وضاقت نفسه ولم ير نعمة الله عليه في شيء بل ربما يتدرج به الحسد إلى أن يشعر بنفسه أن الله قد ظلمه حيث أعطى فلانا ما لم يعطه وقد أنكر الله هذا على أولئك الحسدة في قوله (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) وليعلم الحاسد من طالب العلم وطالب المال وطالب الولد أن حسده لا يمكن أن يمنع فضل الله على المحسود وليسترشد بما أرشد الله إليه في قوله تعالى (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) فإذا رأى من فاقه علما ودينا وولدا ومالا فليعلم أن ذلك من فضل الله وليسأل الله من فضله الذي أعطى هذا فليعطيك وأما كونك تحسده وتكره ما أنعم الله به عليه فهذا خطأ في التصور وسفه في العقل وضلال في الدين أما الكتب التي أنصح بها طالب العلم فأولها كتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد الذي أكد الله عز وجل أنه يسره للذكر قال الله تعالى (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) فليتجه الإنسان طالب العلم إلى القرآن الكريم حفظا وتلاوة وتدبرا وفهما وعملا بما دل عليه حتى ينال بذلك سعادة الدنيا والآخرة وليحرص على مراجعة كتب المفسرين الموثوقين في علمهم وأمانتهم لأن مشارب المفسرين في القرآن الكريم مختلفة ومنها ما هو ضلال فيحاول من كان هذا مشربه إلا أن يحرف نصوص القرآن إلى ما يعتقده مثال ذلك قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) وقد ذكر الله تعالى استوائه على عرشه في سبعة مواضع من القرآن الكريم وكلها بلفظ استوى على العرش والاستواء على الشيء معلوم في اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم كما قال الله تعالى نزل به الروح (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِين * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) وقال تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وقال تعالى (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) واللغة العربية في الاستواء إذا تعدد على أن معناه العلو على الشيء كما قال تعالى (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُون * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) فاستواء الله على عرشه علوه عليه على وجه يختص به ويليق به جل وعلا ولكننا لا نعلم كيفيته لأن الله تعالى أخبرنا أنه استوى على عرشه ولم يخبرنا كيف استوى ولهذا لما سأل رجل الإمام مالك رحمه الله فقال يا أبا عبد الله (الرحمن على العرش استوى) كيف استوى أطرق مالك برأسه حتى جعل يتصبب عرقا من شدة ما نزل عليه من هذا السؤال ثم قال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وقال ما أراك إلا مبتدعا ثم أمر به فأخرج من المسجد النبوي لأن سأل عن شيء لا يسأله إلا السكوت عنه فإن الصحابة لم يسألوا عنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهم أحرص منا على معرفة صفات الله عز وجل وأشد منا تعظيما لله وأشد منا حبا للعلم وعندهم من إذا سألوه فهو أجدر بالإجابة منا وهو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يسألوه يوجد من المفسرين من يفسر (استوى على العرش) أي استولى عليه ومَلَكه وقَهَره بقوة السلطان والسيطرة ولا شك أن هذا معنى باطل مخالف لما تقتضيه دلالة القرآن الكريم ولما كان عليه السلف الصالح وأئمة المسلمين فمثل هذا التفسير يجب أن يحترز الإنسان منه وألا يغتر به لأن هذا التفسير قد يصاغ بأسلوب بياني يملك شعور الإنسان حتى يصدق به يصدق به مع كونه تحريفا لكتب الله والأمثلة على هذا كثيرة منهم من يحاول صرف الآيات الكريمة إلى معتقده ومنهم من يحاول صرفها إلى مذهبه الفقهي ومنهم من يحاول صرفها إلى مذهبه النحوي فيقول هذا شاذ وهذا غير قياسي وما أشبه ذلك الخلاصة أني أقول أهم كتاب يعتني به طالب العلم كتاب الله عز وجل لكن ليكون تلقيه لمعاني كتاب الله عز وجل من الكتب الموثوقة في التفسير التي قام بتأليفها علماء موثوقون في علمهم وفي دينهم وفي أمانتهم ثم بعد ذلك ما صح من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويبتدئ بالمختصرات مثل كتاب عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي ثم بلوغ المرام للحافظ بن حجر العسقلاني ثم المنتقى من أخبار المصطفى للمجد بن تيمية جد شيخ الإسلام بن تيمية وبعد هذا المختصرات الفقهية كزاد المستقنع في الفقه الحنبلي وما يشابهه من المختصرات الفقهية في المذاهب الأخرى ولكن لا نجعل هذه الكتب الفقهية التي ألفها علماء دليلا يحتج به لأن كلام العلماء رحمهم الله مهما بلغوا في العلم يحتاج أن يحتج له وليس دليلا يحتج به فأقوال العلماء يحتج لها ولا يحتج بها لكنها لا شك أنها مما يستأنس به ويستشهد به فإذا تمكن الإنسان من هذه الكتب الفقهية ويسر الله له شيخا يبين له معناها ويبين الراجح من المرجوح فإنه يحصل على خير كثير وإنني أحث طلبة العلم على الاعتناء بالأصول والقواعد لأنها هي العلم حقيقة أما أفراد المسائل وهي وإن كانت علما لكنها لا تعطي الإنسان ملكة يستطيع بها أن يعرف الراجح من المرجوح والصحيح من الضعيف وأسأل الله تعالى أن يكثر من أمثال هذا السائل في جامعاتنا.
من فتاوى "نور على الدرب"