الخطبة الأولى من الأصول الثلاثة
للشيخ خالد بن ضحوي الظفيري
الأولى من هذه الأمور: العلم، وهو يتضمن معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام،
وجاء في فضل العلم والتعلم نصوص كثيرة في الكتاب والسنة، ومن ذلك قوله r: (من يرد الله به خيرا يفقه في الدين)، وعن قَيسِ بن كَثِيرٍ قال قَدِمَ رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ إلى أبي الدَّرْدَاءِ وهو بِدِمَشْقَ فقال ما أَقْدَمَكَ أي أخي قال حَدِيثٌ بلغني أَنَّكَ تُحَدِّثُ بِهِ عن رسول اللَّهِ e قال أَمَا قَدِمْتَ لِتِجَارَةٍ قال لاَ قال أَمَا قَدِمْتَ لِحَاجَةٍ قال لاَ قال ما قَدِمْتَ إِلاَّ في طَلَبِ هذا الحديث قال نعم قال فإني سمعت رَسُولَ اللَّهِ e يقول من سَلَكَ طَرِيقاً يَطْلُبُ فيه عِلْماً سَلَكَ الله بِهِ طَرِيقاً إلى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لِلْعَالِمِ من في السماوات وَالأَرْضِ حتى الْحِيتَانُ في الْمَاءِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ على الَعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ على سَائِرِ الْكَوَاكِبِ إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ لم يَرِثُوا دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماً وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ.
ثم إن تعلم ينتقل إلى الأمر الثاني الواجب على كل مسلم ومسلمة. وهو: العمل به.
فيعمل بما تعلم، فأنه لا يجوز أن يعبد الإنسان الله بجهل، بل لا يعرف مهمات التوحيد، ولا نواقضه إلا بالعلم، بل لا يعرف كيف يؤدي الصلاة ولا الزكاة ولا الصيام ولا الحج إلا بالعلم. قال البخاري رحمه الله تعالى: ( باب العلم قبل القول والعمل، والدليل قوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ. فبدأ بالعلم قبل القول والعمل ).
ثم إن تعلم يجب عليه أمر ثالث .
وهو: الدعوة إليه. وهي الوظيفة العظيمة التي من سلكها فقد سلك طريقة الأنبياء، لكن يجب ان تكون الدعوة إلى الله مقرونة بالعلم والعمل لا بالجهل والكسل، وتكون قائمة على الاتباع للسلف الصالح، لا تكون بالأمور المحدثة والوسائل الغير شرعية التي يقلدون بها الكفار. قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
ثم إن حقق هذا الامر الثالث وهو الدعوة إليه، علم يقيناً أنه سيبتلى في ذات الله فيجب عليه أن يحقق المسألة الرابعة وهي:
الصبر على الأذى فيه. فإن الإنسان مبتلى في دينه ليعلم الله هل هو صادق في تدينه وحبه لله ولرسوله أم كاذب في ذلك. (ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ).
وقد ابتلي الأنبياء والصالحون قبلنا فصبروا على ما أوذوا ففازوا وربحوا.
روى البخاري في صحيحه عن خَبَّابِ بن الْأَرَتِّ قال شَكَوْنَا إلى رسول اللَّهِ e وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الْكَعْبَةِ قُلْنَا له ألا تَسْتَنْصِرُ لنا ألا تَدْعُو اللَّهَ لنا قال كان الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ له في الأرض فَيُجْعَلُ فيه فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ على رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وما يَصُدُّهُ ذلك عن دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ ما دُونَ لَحْمِهِ من عَظْمٍ أو عَصَبٍ وما يَصُدُّهُ ذلك عن دِينِهِ والله لَيُتِمَّنَّ هذا الْأَمْرَ حتى يَسِيرَ الرَّاكِبُ من صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إلا اللَّهَ أو الذِّئْبَ على غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ.
بل كان أشد الناس ابتلاء هم الأنبياء ثم من دونهم، روى أحمد وغيره عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال سألت النبي e أي الناس أشد بلاء قال الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى العبد على حسب دينه فإن كان صلب الدين اشتد به البلاء وإن كان في دينه رقة ابتلى على حسب ذلك فما يبرح البلاء بالعبد حتى يترك العبد ما عليه خطيئة.
وهذه المسائل الأربعة (العلم والعلم والدعوة والصبر على البلاء جمعتها سورة واحد من القرآن) وهي قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ( لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم).
أقول ما تسعمون .....
الخطبة الثانية
ومن المسائل المهمة كذلك التي يجب على كل مسلم ومسلمة أن يتعلمها ويعمل بها، ثلاث مسائل:
الأولى: يجب على المسلم أن يعلم أنّ الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً، بل أرسل إلينا رسولاً، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار.
والدليل على هذه المسألة من القرآن قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً).
وقد تضمنت هذه المسألة: وجوب الاتباع للنبي r.
والمسألة الثانية: أن الله لا يرضي أن يُشرك معه أحد في عبادته لا ملَك مقرب ولا نبي مرسل.
وأدلة ذلك من القرآن كثيرة جداً ومنها قوله تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) وهذه المسألة تضمنت: وجوب إخلاص الدين لله تعالى.
الثالثه: أن من أطاع الرسول ووحّد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله، ولو كان أقرب قريب.
والدليل قوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) إلى آخر الآية
فكانت هذه المسائل الثلاث متضمنت لوجوب الإخلاص لله ووجوب متابعة الرسول وأن يكون الولاء والبراء كله لله ومن أجل الله.
وهذه هي الملة الحنيفية ملة إبراهيم u، وهي أن تعبد الله وحده مخلصاً له الدين، وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعْبُدُوِن)، ومعنى ِيَعْبُدُوِن يوحدون، وأعظم ما أمر الله به: التوحيد وهو إفراد الله بالعبادة وأعظم ما نهى عنه: الشرك، وهو دعوة غيره معه.يقول عز وجل: (وَاعْبُدُوا اللَّه وَلاَ تُشرِكُوا بِهِ شَيئاً).
فاللهم ثبتنا على التوحيد في الحياة والممات ....
الخطبة الثانية من الأصول الثلاثة
للشيخ خالد بن ضحوي الظفيري
فالمرء في قبره يسأله الملائكة ثلاثة أسأله فأعدوا لها الجواب، والجواب يكون بالعلم والعمل.
وهذه الأسئلة الثلاث هي: من ربك، وما دينك، ومن نبيك، فإن كان مؤمنا أجاب إجابة صحيحه، وإن كان منافقا أو كافراً قال: هاه هاه لا أدري.
وهذه الثلاث من أسباب دخول الجنة، عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من رضي بالله ربا والإسلام دينا وبمحمد رسولا وجبت له الجنة.
فيا عبد الله إذا قيل لك:من ربك؟ فقل: ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه، وهو معبودي ليس لي معبود سواه.
عرفناه بآياته ومخلوقاته، ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر، ومن مخلوقاته السموات السبع، والأرضون السبع، ومن فيهن وما بينهما. يقول تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ).
والرب هو: المعبود، الذي خلق كل شيء، والخالق هو المستحق للعبادة، فيجب صرف جميع انواع العبادة لله تعالى وحده، ومن صرف منها شيئا لغير الله فهو كافر مشرك.
ومن أمثلة العبادة :
الدعاء، والدليل قوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60].
والخوف فلا تخاف خوف عبادة وتعظيم إلا من الله قال تعالى: فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ .
ولا تتوكل إلا على الله، ( وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)
ولا تذبح تعبداً إلا لله، قال r { لعن الله من ذبح لغير الله }.
هذا هو الأصل الأول، وهو معرفة العبد ربه.
أما الأصل الثاني: معرفة دين الإسلام بالإدلة.
فالإسلام وهو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، وهو ثلاث مراتب: الإسلام، والإيمان، والإحسان، وكل مرتبة لها أركان.
فأركان الإسلام خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله لا معبود بحق إلا الله وحده، وأن محمداً رسول الله،
ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
ومن أركان الإسلام كذلك: إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام.
أما المرتبة الثانية:
فهي الإيمان: وهو بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان.
وأركانه ستة: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره شره.
وأما المرتبة الثالثة:
فهو الإحسان وهو: ( أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ).
فاللهم ثبتنا على الإسلام واجعلنا من المحسنين
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم......
الخطبة الثانية
بقي لنا الأصل الثالث: وهو معرفة نبيكم عليه الصلاة والسلام.
وهو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم. وهاشم من قريش، وقريش من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام. وله من العمر ثلاث وستون سنة، منها أربعون قبل النبوة، وثلاث وعشرون نبياً رسولاً. نبىء بـ اقْرَأْ وأرسل بـ الْمُدَّثِّرُ . وبلده مكة، بعثه الله بالنذارة عن الشرك، ويدعو إلى التوحيد. والدليل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ [المدثر:1ـ7].
ومعنى قُمْ فَأَنذِرْ ينذر عن الشرك ويدعو إلى التوحيد وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ عظمه بالتوحيد وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ أي طهر أعمالك من الشرك وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ الرجز: الأصنام، وهجرها تركها وأهلها والبراءة منها وأهلها، أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد، وبعد العشر عرج به إلى السماء، وفرضت عليه الصلوات الخمس، وصلى في مكة ثلاث سنين، وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة.
فلما استقر في المدينة، أمر ببقية شرائع الإسلام، مثل الزكاة، والصوم، والحج، والأذان، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغير ذلك من شرائع الإسلام. أخذ على هذا عشر سنين، وبعدها توفي، صلاة الله وسلام عليه، ودينه باقٍ.
وهذا دينه لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه، والخير الذي دلها عليه: التوحيد، وجميع ما يحبه الله ويرضاه. والشر الذي حذرها منه: الشرك وجميع ما يكره الله ويأباه، بعثه الله إلى الناس كافة، وافترض طاعته على جميع الثقلين: الجن والإنس.
قال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف:158]. وكمل الله به الدين. قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً [المائدة:3]، والله أرسل جميع الرسل مبشرين ومنذرين.
( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء:165] والرسل أولهم نوح عليه السلام، وآخرهم محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو خاتم النبيين، وكل أمة بعث الله إليها رسولاً من نوح إلى محمد يأمرهم بعبادة الله وحده، وينهاهم عن عبادة الطاغوت.
قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ)
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولانا في الدنيا والآخرة، وأن يجعلنا مباركين أينما كنا، وأن يجعلنا ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب