📌 خصوصية التناول بين علوم الحديث وأصول الفقه :
فمثلاً تجد في أصول الفقه وأصول الحديث مس ائل الـسنة، وهـي المتعلقـة بثبوتها
وأقسامها، وتجد أن للأصوليين خصوصية في تناول هذه المس ائل تختلف عن المحدثين، حيث يتفق الفقهاء مع المحدثين في أوصاف قبول الخبر على الجملة، وبالتالي يتفقون مع المحـدثين في الحديث الضعيف بصفة عامة (١)، وتعداد ذلك تطويل، لكن يخالفونهم في أمرين هما :
الأمر الأول : أن الفقهاء لا يشترطون في الصحيح انتفاء الشذوذ و العلة على الوجـه ااذي عند المحدثين .
قال ابن دقيق العيد ت( ٧٠٢هـ) رحمه االله : "الصحيح ومداره بمقتضى أصول الفقهاء والأصوليين على صفة عدالة الراوي في الأفعال والأقوال مع التيقظ - العدالة المشترطة في قبول الشهادة، على ما قرر في الفقه - فمن لم يقبل المرسل منهم زاد في ذلك أن يكـون مسنداً. وزاد بعض أصحاب الحديث أن لا يكون شاذا و لا معللاً، وفي هذين الـشرطين نظر على مقتضى مذهب الفقهاء"اهـ (٢)
وسبب ذلك أن الفقهاء يفتحون باب ال تأويلات يدفعون بذلك الكثير من علل المحدثين،
[ولو فتحنا باب التأويلات لاندفع كثير من علل المحدثين] (٣).
الأمر الثاني : أن غاية نظر الفقيه إلى مجرد سلامة المعنى وموافقته لظاهر الشرع.
قال الحازمي ت( ٥٨٤هـ) رحمه االله : "ينبغي أن يعلم أن جهات الـضعف متباينـة متعددة، وأهل العلم مختلفون في أسبابه، أما الفقهاء فأسباب الضعف عنـدهم محـصورة، وجلّها منوط بمراعاة ظاهر الشرع، وعند أئمة النقل أسباب أخر مرعية عندهم، وهي عند الفقهاء غير معتبرة"اهـ (٤)
فبالنظر إلى الأمر الأول لا يرد الفقهاء الحديث بتفرد الراوي من جهـة روايتـه عـن الشيخ، و لا برفع الموقوف، و لا بغيره من أمر العلة عند المحدثين، وقد يردون الحـديث بأمور ليست بعلة عند المحدثين، كتفرد الراوي بما يجب على الكافة علمه .
وبالنظر إلى الأمر الثاني فإن الحديث يرد بأدنى مخالفة لظاهر الشرع، عند الفقهاء، بينما عند المحدثين ليست كل مخالفة تقتضي الرد، وفي الأمر عندهم تفصيل .
قال أبو إسحاق الشيرازي ت( ٤٧٦هـ) رحمه االله وهو من كبار علماء الـشافعية في الفقه و الأصول: "إذا روى الخبر ثقة، رد بأمور :
أحدها : أن يخالف موجبات العقول، فيعلم بطلانه؛ لأن الشرع إنما يـرد بمجـوزات
العقول، وأما بخلاف العقول فلا .
والثاني: أن يخالف نص كتاب أو سنة متواترة، فيعلم أنه لا أصل له، أو منسوخ .
والثالث : أن يخالف الإجماع، فيستدل به على أنه منسوخ، أو لا أصل له، لأنه لا يجوز أن يكون صحيحاً غير منسوخ وتجتمع الأمة على خلافه .
والرابع : أن ينفرد الواحد برواية ما يجب على ال كافة علمه، فيدل ذلك علـى أنـه لا أصل له، لأنه لا يجوز أن يكون له أصل، وينفرد هو بعلمه من بين الخلق العظيم .
والخامس : أن ينفرد برواية ما جرت به العادة أن ينقله أهل التواتر، فلا يقبل لأنـه لا يجوز أن ينفرد في مثل هذا بالرواية . فأما إذا ورد مخالفاً للقياس أو انف رد الواحد بما يعم به البلوى لم يرد، وقد حكينا الخلاف في ذلك فأغنى عن الإعادة . (٥)
فصل : فأما إذا انفرد بنقل حديث واحد لا يرويه غيره لم يرد خبره .
وكذلك لو انفرد بإسناد ما أرسله غيره .
أو برفع ما وقفه غيره .
أو بزيادة لا ينقلها غيره .
وقال بعض أصحاب الحديث: .يرد
وقال بعض أصحاب أبي حنيفة: إذا لم تنقل الزيادة نقل الأصل لم يقبل .
وهذا خطأ؛ لأنه يجوز أن يكون أحدهم سمع الحديث كله، والآخر سمـع بعـضه، أو أحدهما سمعه مسنداً أو مرفوعاً، والآخر سمعه مرسلاً أو موقوفاً، فلا تترك روايـة الثقـة لذلك"اهـ (٦) .
قال ابن دقيق العيد ت( ٧٠٢هـ) رحمه االله : "الذي تقتضيه قواعد الأصوليين والفقهاء أن العمدة في تصحيح الحديث على عدالة الراوي وجزمه بالرواية .
ونظرهم يميل إلى اعتبار التجويز الذي يمكن معه صدق الراوي، وعدم غلطه، فمتى حصل ذلك وجاز ألا يكون غلطاً، وأمكن الجمع بين روايته ورواية من خالفه بوجه من الوجوه الجائزة؛ لم يترك حديثه.
وأما أهل الحديث فإنهم يروون الحديث من رواية الثقات العدول، ثم تقوم لهم علل فيه تمنعهم من الحكم بصحته، كمخالفة جمع كثير له، أو من هو أحفظ منه، أو قيام قرينـة تؤثر في أنفسهم غلبة الظن بغلطه، ولم يجر ذلك على قانون واحـد يـستعم ل في جميـع الأحاديث؛ ولهذا أقول : إن من حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم أنه إذا تعارض روايـة مرسل ومسند، أو واقف ورافع، أو ناقص وزائد أن الحكم للزائد، فلـم نجـد هـذا في الإطلاق؛ فإن ذلك ليس قانوناً مطرداً، وبمراجعة أحكامهم الجزئية يعرف صـواب مـانقول، وأقرب الناس إلى اطراد هذه القواعد بعض أهل الظاهر"اهـ (٧).
قال بدر الدين الزركشي ت( ٧٩٤هـ) رحمه االله، وهو فقيـه أصـولي : "اعلـم أن
للمحدثين أغراضاً في صناعتهم احتاطوا فيها لا يلزم الفقهاء اتباعهم على ذلـك؛ فمنـه تعليلهم الحديث المرفوع بأنه روي تارة موقوفاً وتارة مرسلاً . وطعنهم في الراوي إذا انفرد برفع الحديث أو بزيادة فيه، لمخالفته من هو أحفظ منه،
فلا يلزم ذلك في كل موطن؛ لأن المعتبر في الراوي العدالة، وأن يكون عارفاً ضابطاً متقناً لما يرويه، نعم إذا خالف الـراوي من هو أحفظ وأعظم مخالفة معارضة، فلا يمكن الجمع بينهما، ويكون ذلـك قادحـاً في روايته . وكقولهم من لم يرو عنه إلا راو واحد فهو مجهول . ومن عارضت روايته روايـة الثقات فهو متهم .
كل ذلك فيه تفصيل، وإنما احتاطوا في صناعتهم كما كان بعض الصحابة يحلِّف مـن
حدثه، أو يطلب شاهداً أو غيره .
وكل ذلك غير لازم في قبول أخبار الآحاد (يعني: عند الفقهاء) لأن الأصل هي العدالة و الضبط .
والفقهاء لا يعللون الحديث و يطرحونه إلا إذا تبين الجرح وعلم الاتفاق علـى تـرك
الراوي، ومنه قولهم : "منقطع "و " مرسل"، وهذا إنما يكون علة إذا كان المرسل يحدث عن
الثقات وغيرهم، و لا يكون علة معتبرة إذا كان المرسل لا يروي إلا عن الثقات، وقلنا إن
روايته عند تعديل، وعلى هذا درج السلف، فأما إذا عارضه مسند عدل كان أولى منـه
قطعاً، وكذلك قولهم : "فلان ضعيف "، و لا يثبتون وجه الضعف، فهو جرح مطلق، وفي
قبوله خلاف؛ نعم ، وربما يتوقف الفقهاء في ذلك وإن لم يتبين السبب .
وقال ابن حزم ت ( ٤٥٦هـ) رحمه االله : "قد علل قوم أحاديث بأن رواها عن رجـل
مرة وعن آخر أخرى، وهذا قوة للحديث وزيادة في دلائل صحته، ومن الممكن أن يكون سمعه منهما" (٨) . اهـ (٩) .
أقول: لابد من التفريق بين قبول المعنى وثبوت النسبة .
فإن صحة معنى الحديث الضعيف بموافقته للقرآن الكريم أو الإ جماع أو للقياس، أو قول
الصحابي، غايته ثبوت هذا المعنى شرعاً؛ ولا تلازم بينه وبين ثبوت نسبة هذا اللفـظ إلى
الرسول صلى االله عليه وسلم ، إذ ثبوت نسبة هذا اللفظ إلى الرسول صلى االله عليه وسلم
قضية أخرى غير قضية ثبوت المعنى . فغاية نظر المحدث النظر في الأمـرين ثبـوت المعـنى
وثبوت النسبة، وغاية نظر الفقيه ثبوت المعنى .
وبناء على هذا الاختلاف بين المحدثين والفقهاء فإن تقوية الحديث الضعيف المقتـضية
تصحيح معناه ونسبته، تختلف بين المحدثين والفقهاء
قال أبو الحسن بن الحصار الأندلسي ت( ٦١١هـ) رحمه االله : "إن للمحدثين أغراضـاً
في طريقهم احتاطوا فيها وبالغوا في الاحتياط، و لا يلزم الفقهاء اتباعهم على ذلك؛
كتعليلهم الحديث المرفوع بأنه قد روي موقوفاً أو مرسلاً .
وكطعنهم في الراوي إذا انفرد بالحديث أو بزيادة فيه .
أو لمخالفة من هو أعدل منه وأحفظ .
قال: وقد يعلم الفقيه صحة الحديث بموافقة ا لأصول، أو آية من كتـاب االله تعـالى،
فيحمله ذلك على قبول الحديث والعمل به واعتقاد صحته .
وإذا لم يكن في سنده كذاب فلا بأس بإطلاق القول بصحته، إذا وافـق كتـاب االله
تعالى، وسائر أصول الشرع"اه (١٠)
_____________________
( ١ )وتعداد ذلك تكرار لما تقدم، وسأقتصر على محل الاختلاف بين الفقهاء والمحدثين فيما يشترط في قبول الخبر،
وبالتالي ما يرد الخبر من أجله . ( ٢ )الاقتراح ص١٨٦ .وهذا الذي ذكره رحمه االله يعرف بأدنى مراجعة لكتب الأصول، انظر: شرح تنقيح الفصول
.(٤٣٢-٢٦٧ )٤/ للزركشي المحيط البحر، ٣٨٢-٣٥٦ص
( ٣ )من كلام البلْقيني في كتابه محاسن الاصطلاح / المستدرك ص١٠٠٣ـ١٠٠٤.
(٤)شروط الأئمة الخمسة (ضمن ثلاث رسائل في علم مصطلح الحديث) ص١٧٣.
( ٥ )يشير إلى كلامه في اللمع ص١٥٧-١٥٨
( ٦) اللمع للشيرازي ص١٧٢-١٧٣.
(٧ )نقله الزركشي في النكت على ابن الصلاح /١ )١٠٦ ،(من شرح الإلمام لابن دقيق رحمهم االله.
( ٨ )الإحكام في أصول الأحكام (/١ ١٣٣) العبارة بنحو ما نقلها الزركشي رحمه ا.
( ٩ )النكت على مقدمة ابن الصلاح (٢/ ٢٠٩-٢١١)
(١٠) نقله الزركشي في النكت على مقدمة ابن الصلاح (١ /١٠٦-١٠٧)
📝 خصوصية التناول في العلوم من 3 إلى 8
↩ الشيخ محمد بازمول حفظه الله ↪
Telegram.me/Marhabanyatalib3ilm
فمثلاً تجد في أصول الفقه وأصول الحديث مس ائل الـسنة، وهـي المتعلقـة بثبوتها
وأقسامها، وتجد أن للأصوليين خصوصية في تناول هذه المس ائل تختلف عن المحدثين، حيث يتفق الفقهاء مع المحدثين في أوصاف قبول الخبر على الجملة، وبالتالي يتفقون مع المحـدثين في الحديث الضعيف بصفة عامة (١)، وتعداد ذلك تطويل، لكن يخالفونهم في أمرين هما :
الأمر الأول : أن الفقهاء لا يشترطون في الصحيح انتفاء الشذوذ و العلة على الوجـه ااذي عند المحدثين .
قال ابن دقيق العيد ت( ٧٠٢هـ) رحمه االله : "الصحيح ومداره بمقتضى أصول الفقهاء والأصوليين على صفة عدالة الراوي في الأفعال والأقوال مع التيقظ - العدالة المشترطة في قبول الشهادة، على ما قرر في الفقه - فمن لم يقبل المرسل منهم زاد في ذلك أن يكـون مسنداً. وزاد بعض أصحاب الحديث أن لا يكون شاذا و لا معللاً، وفي هذين الـشرطين نظر على مقتضى مذهب الفقهاء"اهـ (٢)
وسبب ذلك أن الفقهاء يفتحون باب ال تأويلات يدفعون بذلك الكثير من علل المحدثين،
[ولو فتحنا باب التأويلات لاندفع كثير من علل المحدثين] (٣).
الأمر الثاني : أن غاية نظر الفقيه إلى مجرد سلامة المعنى وموافقته لظاهر الشرع.
قال الحازمي ت( ٥٨٤هـ) رحمه االله : "ينبغي أن يعلم أن جهات الـضعف متباينـة متعددة، وأهل العلم مختلفون في أسبابه، أما الفقهاء فأسباب الضعف عنـدهم محـصورة، وجلّها منوط بمراعاة ظاهر الشرع، وعند أئمة النقل أسباب أخر مرعية عندهم، وهي عند الفقهاء غير معتبرة"اهـ (٤)
فبالنظر إلى الأمر الأول لا يرد الفقهاء الحديث بتفرد الراوي من جهـة روايتـه عـن الشيخ، و لا برفع الموقوف، و لا بغيره من أمر العلة عند المحدثين، وقد يردون الحـديث بأمور ليست بعلة عند المحدثين، كتفرد الراوي بما يجب على الكافة علمه .
وبالنظر إلى الأمر الثاني فإن الحديث يرد بأدنى مخالفة لظاهر الشرع، عند الفقهاء، بينما عند المحدثين ليست كل مخالفة تقتضي الرد، وفي الأمر عندهم تفصيل .
قال أبو إسحاق الشيرازي ت( ٤٧٦هـ) رحمه االله وهو من كبار علماء الـشافعية في الفقه و الأصول: "إذا روى الخبر ثقة، رد بأمور :
أحدها : أن يخالف موجبات العقول، فيعلم بطلانه؛ لأن الشرع إنما يـرد بمجـوزات
العقول، وأما بخلاف العقول فلا .
والثاني: أن يخالف نص كتاب أو سنة متواترة، فيعلم أنه لا أصل له، أو منسوخ .
والثالث : أن يخالف الإجماع، فيستدل به على أنه منسوخ، أو لا أصل له، لأنه لا يجوز أن يكون صحيحاً غير منسوخ وتجتمع الأمة على خلافه .
والرابع : أن ينفرد الواحد برواية ما يجب على ال كافة علمه، فيدل ذلك علـى أنـه لا أصل له، لأنه لا يجوز أن يكون له أصل، وينفرد هو بعلمه من بين الخلق العظيم .
والخامس : أن ينفرد برواية ما جرت به العادة أن ينقله أهل التواتر، فلا يقبل لأنـه لا يجوز أن ينفرد في مثل هذا بالرواية . فأما إذا ورد مخالفاً للقياس أو انف رد الواحد بما يعم به البلوى لم يرد، وقد حكينا الخلاف في ذلك فأغنى عن الإعادة . (٥)
فصل : فأما إذا انفرد بنقل حديث واحد لا يرويه غيره لم يرد خبره .
وكذلك لو انفرد بإسناد ما أرسله غيره .
أو برفع ما وقفه غيره .
أو بزيادة لا ينقلها غيره .
وقال بعض أصحاب الحديث: .يرد
وقال بعض أصحاب أبي حنيفة: إذا لم تنقل الزيادة نقل الأصل لم يقبل .
وهذا خطأ؛ لأنه يجوز أن يكون أحدهم سمع الحديث كله، والآخر سمـع بعـضه، أو أحدهما سمعه مسنداً أو مرفوعاً، والآخر سمعه مرسلاً أو موقوفاً، فلا تترك روايـة الثقـة لذلك"اهـ (٦) .
قال ابن دقيق العيد ت( ٧٠٢هـ) رحمه االله : "الذي تقتضيه قواعد الأصوليين والفقهاء أن العمدة في تصحيح الحديث على عدالة الراوي وجزمه بالرواية .
ونظرهم يميل إلى اعتبار التجويز الذي يمكن معه صدق الراوي، وعدم غلطه، فمتى حصل ذلك وجاز ألا يكون غلطاً، وأمكن الجمع بين روايته ورواية من خالفه بوجه من الوجوه الجائزة؛ لم يترك حديثه.
وأما أهل الحديث فإنهم يروون الحديث من رواية الثقات العدول، ثم تقوم لهم علل فيه تمنعهم من الحكم بصحته، كمخالفة جمع كثير له، أو من هو أحفظ منه، أو قيام قرينـة تؤثر في أنفسهم غلبة الظن بغلطه، ولم يجر ذلك على قانون واحـد يـستعم ل في جميـع الأحاديث؛ ولهذا أقول : إن من حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم أنه إذا تعارض روايـة مرسل ومسند، أو واقف ورافع، أو ناقص وزائد أن الحكم للزائد، فلـم نجـد هـذا في الإطلاق؛ فإن ذلك ليس قانوناً مطرداً، وبمراجعة أحكامهم الجزئية يعرف صـواب مـانقول، وأقرب الناس إلى اطراد هذه القواعد بعض أهل الظاهر"اهـ (٧).
قال بدر الدين الزركشي ت( ٧٩٤هـ) رحمه االله، وهو فقيـه أصـولي : "اعلـم أن
للمحدثين أغراضاً في صناعتهم احتاطوا فيها لا يلزم الفقهاء اتباعهم على ذلـك؛ فمنـه تعليلهم الحديث المرفوع بأنه روي تارة موقوفاً وتارة مرسلاً . وطعنهم في الراوي إذا انفرد برفع الحديث أو بزيادة فيه، لمخالفته من هو أحفظ منه،
فلا يلزم ذلك في كل موطن؛ لأن المعتبر في الراوي العدالة، وأن يكون عارفاً ضابطاً متقناً لما يرويه، نعم إذا خالف الـراوي من هو أحفظ وأعظم مخالفة معارضة، فلا يمكن الجمع بينهما، ويكون ذلـك قادحـاً في روايته . وكقولهم من لم يرو عنه إلا راو واحد فهو مجهول . ومن عارضت روايته روايـة الثقات فهو متهم .
كل ذلك فيه تفصيل، وإنما احتاطوا في صناعتهم كما كان بعض الصحابة يحلِّف مـن
حدثه، أو يطلب شاهداً أو غيره .
وكل ذلك غير لازم في قبول أخبار الآحاد (يعني: عند الفقهاء) لأن الأصل هي العدالة و الضبط .
والفقهاء لا يعللون الحديث و يطرحونه إلا إذا تبين الجرح وعلم الاتفاق علـى تـرك
الراوي، ومنه قولهم : "منقطع "و " مرسل"، وهذا إنما يكون علة إذا كان المرسل يحدث عن
الثقات وغيرهم، و لا يكون علة معتبرة إذا كان المرسل لا يروي إلا عن الثقات، وقلنا إن
روايته عند تعديل، وعلى هذا درج السلف، فأما إذا عارضه مسند عدل كان أولى منـه
قطعاً، وكذلك قولهم : "فلان ضعيف "، و لا يثبتون وجه الضعف، فهو جرح مطلق، وفي
قبوله خلاف؛ نعم ، وربما يتوقف الفقهاء في ذلك وإن لم يتبين السبب .
وقال ابن حزم ت ( ٤٥٦هـ) رحمه االله : "قد علل قوم أحاديث بأن رواها عن رجـل
مرة وعن آخر أخرى، وهذا قوة للحديث وزيادة في دلائل صحته، ومن الممكن أن يكون سمعه منهما" (٨) . اهـ (٩) .
أقول: لابد من التفريق بين قبول المعنى وثبوت النسبة .
فإن صحة معنى الحديث الضعيف بموافقته للقرآن الكريم أو الإ جماع أو للقياس، أو قول
الصحابي، غايته ثبوت هذا المعنى شرعاً؛ ولا تلازم بينه وبين ثبوت نسبة هذا اللفـظ إلى
الرسول صلى االله عليه وسلم ، إذ ثبوت نسبة هذا اللفظ إلى الرسول صلى االله عليه وسلم
قضية أخرى غير قضية ثبوت المعنى . فغاية نظر المحدث النظر في الأمـرين ثبـوت المعـنى
وثبوت النسبة، وغاية نظر الفقيه ثبوت المعنى .
وبناء على هذا الاختلاف بين المحدثين والفقهاء فإن تقوية الحديث الضعيف المقتـضية
تصحيح معناه ونسبته، تختلف بين المحدثين والفقهاء
قال أبو الحسن بن الحصار الأندلسي ت( ٦١١هـ) رحمه االله : "إن للمحدثين أغراضـاً
في طريقهم احتاطوا فيها وبالغوا في الاحتياط، و لا يلزم الفقهاء اتباعهم على ذلك؛
كتعليلهم الحديث المرفوع بأنه قد روي موقوفاً أو مرسلاً .
وكطعنهم في الراوي إذا انفرد بالحديث أو بزيادة فيه .
أو لمخالفة من هو أعدل منه وأحفظ .
قال: وقد يعلم الفقيه صحة الحديث بموافقة ا لأصول، أو آية من كتـاب االله تعـالى،
فيحمله ذلك على قبول الحديث والعمل به واعتقاد صحته .
وإذا لم يكن في سنده كذاب فلا بأس بإطلاق القول بصحته، إذا وافـق كتـاب االله
تعالى، وسائر أصول الشرع"اه (١٠)
_____________________
( ١ )وتعداد ذلك تكرار لما تقدم، وسأقتصر على محل الاختلاف بين الفقهاء والمحدثين فيما يشترط في قبول الخبر،
وبالتالي ما يرد الخبر من أجله . ( ٢ )الاقتراح ص١٨٦ .وهذا الذي ذكره رحمه االله يعرف بأدنى مراجعة لكتب الأصول، انظر: شرح تنقيح الفصول
.(٤٣٢-٢٦٧ )٤/ للزركشي المحيط البحر، ٣٨٢-٣٥٦ص
( ٣ )من كلام البلْقيني في كتابه محاسن الاصطلاح / المستدرك ص١٠٠٣ـ١٠٠٤.
(٤)شروط الأئمة الخمسة (ضمن ثلاث رسائل في علم مصطلح الحديث) ص١٧٣.
( ٥ )يشير إلى كلامه في اللمع ص١٥٧-١٥٨
( ٦) اللمع للشيرازي ص١٧٢-١٧٣.
(٧ )نقله الزركشي في النكت على ابن الصلاح /١ )١٠٦ ،(من شرح الإلمام لابن دقيق رحمهم االله.
( ٨ )الإحكام في أصول الأحكام (/١ ١٣٣) العبارة بنحو ما نقلها الزركشي رحمه ا.
( ٩ )النكت على مقدمة ابن الصلاح (٢/ ٢٠٩-٢١١)
(١٠) نقله الزركشي في النكت على مقدمة ابن الصلاح (١ /١٠٦-١٠٧)
📝 خصوصية التناول في العلوم من 3 إلى 8
↩ الشيخ محمد بازمول حفظه الله ↪
Telegram.me/Marhabanyatalib3ilm