بسم الله الرحمن الرَّحيم
قال الشَّيخ سليمان الرحيلي حفظه الله ونفعنا بعلمه:
المؤمن الذي عرف حقّ الله يصبر على الدَّعوة إلى التَّوحيد ولو بقيَ واحدًا، لو بقيَ وحيدًا في القرية تركه النَّاس وابتعدوا عنه لأنه يدعو النَّاس إلى التوحيد؛ يبقى يدعو إلى التوحيد ويحقق التوحيد.
إذا كان يدرِّس: إذا درَّس التوحيد جاء عشرة، وإذا درَّس القصص جاء خمسون ألفًا، المؤمن يدرِّس التوحيد ولو كان عنده واحد، ويصبر ويفرح أنه يدرِّس التوحيد.
والله يا إخوة! أدركنا من مشايخنا هذا، شيخنا الشيخ عبد العزيز الشبل -رحمه الله رحمة واسعة- رجل من أتقياء الله، من الأتقياء الأزكياء، ولا نزكي على الله أحدًا، لكن عرفناه بالدِّين والعبادة ورقة القلب، كان الشيخ يدرّسني في المعهد الثانوي، وكان إذا ذكر الصحابة يبكي -رحمه الله رحمة واسعة-، وموحِّد، رجل توحيد عجيب، وحافظ لكتاب الله، كان الشيخ بن صالح رحمه الله يقول: (ما أطمئن في صلاتي إلا إذا كان الشيخ الشبل خلفي)، يعني الشيخ حافظ، وقد مات الشيخ رحمه الله في المسجد هنا، كان يدرّس هناك بعد الرِّواق، والله رأيته بعيني يا إخوة يدرّس ولا طالب موجود! جالس على الكرسي يدرِّس وليس هناك أحد جالس، لكن الشيخ يدرِّس، يدرِّس التوحيد حتى يفرغ، ويصلي العشاء خلف الإمام وينصرف، رحمه الله رحمة واسعة؛ وكذا رأينا بعض شيوخنا.
وذكر لي بعض طلاب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنّ الشيخ في أوّل حياته كان يدرِّس ولا يأتِ أحد، فيأمر مؤذن المسجد أن يجلس معه، ويدرِّس الشيخ، لأنهم يدرِّسون لله لا للجماهير. وإذا فعل الإنسان ما عليه فالذي عند الله لله فيه حكمة.
بعض الناس -والعياذ بالله- يضحك عليه الشيطان يقول له: أنت إذا درَّست التوحيد ما يأتيك أحد، لكن إذا درّست الفقه ولا سيما إذا درّست متنًا مالكيًا إذا كنت عند المالكية، أو متنًا حنفيًّا إذا كنت عند الحنفية، أو متنًا شافعيًّا إذا كنت عند الشافعية، أو متنًا حنبليًّا إن كنت عند الحنابلة، يحضر عندك كثير! وكله علم، درِّسْ الفقه، نعم لا شك أنّ الفقه خير وعلم، لكن ما يترك الإنسان تدريس التوحيد من أجل قلة الناس الذين يحضرون عنده؛ وهذه ثمرة معرفتنا بأهمية التوحيد.
ومن هنا تعرفون فقه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في تبويب هذا الكتاب وفي ترتيب هذا الكتاب، حيث بدأ بهذه الافتتاحية التي تجعل المؤمن يرتبط بالتوحيد ويحقِّق الأمور التي ذكرناها.
يا إخوة؛ ليس الشأن أن يعرفك الناس؛ وإنما الشأن أن تتعرَّف إلى الله.
كم من العلماء والمشايخ الذين عرفناهم وأدركناهم لا يعرفهم كثير من الناس؛ ولكن هم من خِيرة عباد الله علمًا وتعليمًا، مثل مَن ذكرتُ؛ شيخنا الشيخ عبد العزيز الشبل، شيخنا الشيخ عبد العزيز الشبل رحمه الله قد لا يعرفه كثير منكم، لكنه من العلماء والعبّاد الأبرار. شيخنا الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز الشبل -رحمه الله رحمة واسعة-، شيخي وأستاذي، مات شابًا -رحمه الله-، رجل داعية توحيد وعالم بالتوحيد ومن عبّاد الله، لا أعرف أنه ترك صلاة الضحى، كان يتسلل بين الأشجار في كلية الشريعة ويصلي صلاة الضحى، رحمه الله رحمة واسعة.
كم من العلماء الأبرار لا تعرفونهم أنتم لكنّ الله يعلمهم. فليس الشأن يا إخوة أن يعرفك الناس، ليس الشأن أن يكون عندك جمهور، ليس الشأن أن تكون مشهورًا.
والله! إنّ الشهرة قد تكون وبالًا على الإنسان، ولكنّ الشأن أن تتعرَّف إلى الله، وأن تكون من عباد الله الصالحين، المصلحِين، المجتهدين في بذل ما يستطيعون لتقريب الناس إلى الله.فيا طلاب العلم! لا تُهمنَّكم الشهرة، ولا تلتفتوا إلى أن يعرفكم الناس، وإنما احرصوا على أن تتعرفوا إلى الله، اعمروا ما بينكم وبين الله، وما زاد على ذلك فالأمر كله بيد الله، والله حكيم عليم.قد يكون خيرك أن تموت وألا تُعرَف، قد تكون منزلتك العليا في الجنة بسبب أن تموت وأنت غير معروف.
وقد تكون معرفة الناس بك سببًا للوبال عليك.
ولذلك؛ احرص على ما ينفعك، احرص على ما يرفعك؛ وهو: أن تتعرف إلى الله سبحانه وتعالى، وأن تفعل ما يرضي الله، وإذا علمتَ أنّ هذا يرضي الله حرصتَ عليه، مع الرفق بالناس، والأدب مع الناس، أمّا أن يرضى عنك الناس فهذا الأمر إلى الله، والله حكيمٌ عليم.
الدَّرس الثَّالث \ شرح كتاب التوحيد
[جزى الله خيرًا من قامت بتفريغ الدَّرس الثالث، وجعله في ميزان حسناتها]
مُقتطف من التَّفريغ على شكل بطاقات:
تعليق