تساؤلات داخل حياتنا الثقافية
المؤلفون: أين مكانهم في حياتنا الثقافية؟ الكتاب: هل يمر بمحنة؟ والثقافة: هل تمر بأزمة؟
بقلم: محمود محمد شاكر
نُشرَت هذه المقالة بجريدة الأهرام، يوم الجمعة 5 ربيع الأول 1398هـ الموافق لـ 27 أكتوبر 1978م، ولم تُنشَر في جمهرة مقالات الأستاذ محمود محمد شاكر.
نص المقالة
المؤلفون: أين مكانهم في حياتنا الثقافية؟ الكتاب: هل يمر بمحنة؟ والثقافة: هل تمر بأزمة؟
بقلم: محمود محمد شاكر
نُشرَت هذه المقالة بجريدة الأهرام، يوم الجمعة 5 ربيع الأول 1398هـ الموافق لـ 27 أكتوبر 1978م، ولم تُنشَر في جمهرة مقالات الأستاذ محمود محمد شاكر.
نص المقالة
لا أتفق مع الأستاذ سامح كريم حين جعل «سلسلة عالم المعرفة» مقياسا لما ينبغي أن يتم في مسألة الكتاب العربي؛ وذلك لأن السعر الذي يُباع به الجزء الواحد من هذه السلسلة، وهو خمسة وعشرون قرشا، سعر لا يكاد يصدق!
ولماذا نبعد! إن هذا السِّعر استحال تحقيقه داخل الكويت نفسه -كما هو واضح من الأسعار المطلوبة على الغلاف- إنه يباع هناك بأكثر من ضعف ما يباع به في مصر.
ومن هنا يصعب على مؤسّستنا الثَّقافية أن تبيع كتبها بما يقارب هذا السعر، ولا عجب على ذلك فتكاليف ورق هذا الجزء وطبعه وتجليده يتجاوز نصف دينار كويتي، أي ما يزيد عن الجنيه والربع، هذا إذا كان المطبوع منه ثلاثين ألف نسخة.. وبديهي أن يزيد سعر النسخة الواحدة من الكتاب كُلَّما قَلَّت أعداد النّسخ المطبوعة.
فكيف إذن يباع الكتاب الواحد من هذه السلسلة في مصر بأقل مِمّا يباع به داخل الكويت! وكيف تَتَّخذه مقياسا لما ينبغي أن نسِير عليه في نشر كتبنا الثَّقافية!
وزيادة أسعار الكتب في مصر، التي أشار إليها الكاتب، لها ما يُبَرِّرُها؛ إنّه الغلاء العام في جميع ما نعيش به، وفي مجال الكتب لقد وصل سِعر طبع الملزمة إلى أربعة أمثالها، والسبب في هذه الزيادة راجع إلى ارتفاع أجور العمّال وأسعار الورق والحبر والحروف المسبوكة، إلى جانب ارتفاع أسعار آلات الطبع الحديثة، فكيف إذن يمكن أن تبقى الأسعار كما كانت منذ عشر سنوات!
ومسألة تَدَخُّل الدولة كمدعمة للكتاب حتى ينخفض ثمنه، فهذا يقتضي أن تكون الدولة مقتنعة اقتناعا كاملا بشئون الثقافة. وفي هذه الحالة ينبغي على الدولة أن تهتم بأشياء كثيرة تتعلق بالكتاب، وفي مقدمتها حق مؤلف الكتاب نفسه؛ لأنني لا أتصور أن يقضي المؤلِّف سنة أو سنتين وربما ثلاثا في تأليف كتاب، ثم لا يزيد تقديره المادي عن المائتي جنيه. وكأن تخليف عبء تكاليف الكتاب لا يتَحَمَّله إلا المؤلف. ولستُ أدري كيف ينصرِف الكاتب إلى تأليف كتاب، ويمكث على ذلك سنتين أو أكثر.. وهو يعلم يقينا أن ما يتقاضاه من المال، أقل مما يتقاضاه عامل المطبعة في شهرين أو ثلاثة؟ وهذه مقارنة مؤذية ولكنها ضرورية على أي حال!
وقد أتفق مع الأستاذ سامح كريم من الوجهة النظرية -والنظرية فحسب- في قوله بأن زيادة إعداد المطبوع من الكتاب يقابلها انخفاض في سعر الكتاب؛ ولكني أختلف معه من الوجهة العملية اختلافا كبيرا، فَهَبْ أنَّنَا طبعنا من الكتاب.. الذي يُطبع منه الآن خمسة آلاف نسخة -مائة ألف نسخة مثلا- كما قرأتُ في أحد التعليقات- فهل يمكن تسويقه في سنة أو سنتين أو حتى خمس سنوات! أم أن مصير هذه المائة ومئات أخرى، هو الإيداع في المخازن! لتبقى ضربا ضخما من العائد المخزون!
إن طبع مائة ألف نسخة من كتاب ثقافي.. ويتِمّ تسويقها أنا لا أصدق ذلك! وإلا أصبح عدد قراء الثقافة في بلدنا قريبا جدا من عدد قراء الصحافة!! ثم كيف يزيد طلاب الثقافة على هذا النحو، ونحن نلاحظ أنَّ العِمارة الواحدة التي فيها عشرون شقّة، سكانها من المقتدرين.. قَلَّ أن يكون فيها شقة واحدة يدخلها كتاب ثقافي في كل سنة وليس كل شهر! كيف يتِمّ هذا والمقتدرون على شراء الكتب عدد كبير جدا يُفَضِّلون الذهاب هم وذويهم إلى دور السينما واللّهو في كل أسبوع على شراء كتاب واحد في كل شهر!!
إن للثقافة علينا حقا.. هو أن يكون بين الأربعين مليون نسمة الذين يُكَوِّنُون تعداد مصر وبَعدها مليون واحد، يسعى إلى الكتاب وقراءته فهل يحدث هذا؟!
الحق أن بوار الثقافة الذي أحدث هذه المشكلة، التي أحسَن تصويرها والكتابة عنها بصدق وإخلاص الأستاذ سامح كريم، هو أنّ دولنا لا تهتم أصلا اهتماما صحيحا بإنتاج المثقف الذي يسعى إلى طلب الثقافة حيث تكون، أي أنها في الأصل لا تعنى بالمدرس، ولا بتعليمه، ولا بقدرته، ولا برزقه الذي يتقاضاه، ولا شيء يتيح به تخريج عدد صالح من بين الملايين التي تلتحق بالمدارس عاما بعد عام.
تبقى المشكلة الأزلية، أو الطامة الكبرى، التي تتمثل في المؤلِّفين أنفسهم، أني ألاحظ من قراءتي لكثير مما يصدر وأنفق أكثر مالي في شرائه منذ كنت صَبِيًّا إلى اليوم، أن الكتب التي تستحق أن يطلق عليها: «كتب ثقافية».. عددٌ قليل جدّا في هذا الموْج الزّاخر بما تُخرِجه المطابع.
إنّني لا أظن أن هذه الكثرة من المؤلّفين عاجزة عن تجْوِيد ما تكتُب، ولكنّها فيما أظن تَتَعَجَّل «التزود ببعض المال»؛ لأنّ ضرورات الحياة في هذا الزمان تحملهم على التساهل، والتساهل يقودهم إلى عدم المبالات، وعدم المبالات يصبح بعد ذلك عادة يَسْتَعْصِي عليهم إصلاحها.
ومن العجيب أن تكون هذه الظاهرة أكثر وضوحا في المعروفين من الكتاب، منها في المجتهدين من الناشئة، وهذه مسألة عجيبة لا أدخل في تفسرها.
إن مشكلة الكتاب العربي على جانب كبير من الأهمية. هي تتطلب البحث الدائم والمناقشة الهادئة لإيجاد الحلول المفيدة لها.. وهي أيضا جديرة باهتمام الأهرام في هذه الآونة الأخيرة.. التي يمر فيها الكتاب خاصة بمحنة، والثقافة عامة بأزمة.