بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
سُئل العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحيم البخاري -حفظه الله تعالى ونفع به-:
شيخنا الفاضل في الحقيقة فيه سؤال يتبادر لكثير من الطلاب الجدُد إن صحَّ التعبير وهو: كيف التنسيق بين دروس الجامعة والدروس عند المشايخ والعلماء من أهل السنة؟ وجزاكم الله خيرا.
إذا نظَّم الإنسان وقته ورتَّبه يستطيع أن يحصِّل، كان شيخنا الله يغفر له؛ الشيخ محمد أمان نعم -وهذا السؤال قد عرضناه على الشيخ كمان نحن سبقناكم بعرضه عليه- فكان ينصح ويشدِّد على أنَّ الإخوة والطلاب أن لا يفرِّطوا في التدريس أو في الدراسة النظامية هذه؛ دراسة الجامعة التي هم فيها أو ملتحقين بها، وكذلك يحث ويؤكد على لزوم أن يكون الطالب أيضا حريصا على حلق العلم ولكن بترتيب وتنسيق؛ لابد تنسِّق وترتِّب، أمَّا مثلا تَنْزِل درس الشيخ عبد المحسن العباد -هذا شيخنا الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله- معك البخاري، والدرس يومِي مثلا إلا الخميس، ومعك الكتاب ينزل الكتاب وتنزل معه أو تنزل بالكتاب ها ثم خلاص انتهى الدرس أغلقته؛ لا ترى الدرس إلا ثاني يوم في مكان الصفحة تفتح اليوم الثاني وهكذا، مو هكذا إلِّي بيصير؟ الكتاب يُغلق خلاص اليوم الثاني إن شاء الله ننظر إذا تمكنَّا من الحضور؛ هذا ما ينفع، هذا ما يَحسُن، مو هذا بطالب العلم، أين المذاكرة!؟ أين الإستفادة من الوقت!؟ ذكرَ محمد قُرط في "كنوز الأجداد" لمَّا ترجم للإمام محمد بن جرير الطبري أبو جعفر قال: (مَا عُرِفَ عَنْهُ أَنَّهُ ضَيَّعَ لَحْظَةً مِنْ لَحَظَاتِ عُمُرِهِ)؛ الإمام ابن جرير الطبري، لحظة من لحظات عمره ما ضيَّعها، وجاء في ترجمته -رحمه الله- أنه كان يكتب كل يوم أربعين صحيفة ولمدة أربعين سنة، عليكَ الحساب؛ خمسمائة وأربع ثمانين ألف صحيفة كتبها بخطِّ يده، خمسمائة وأربع ثمانين ألف صحيفة؛ استغلال للوقت بارك الله فيك، ما فيه تضييع في الطلعات والخرجات والروحات والجيَّات والقلاقل والفتن وقيل وقال وقال وقلنا؛ إضاعة الأوقات والأعمار والتلقِّي عمَّن لا يستحق أن تنتقل إليه فضلا أن تجلس عنده، قال الخليل بن أحمد الفراهيدي -رحمه الله- المشهور عالم اللغة: (أثْقَلُ السَاعَاتِ عليَّ سَاعَةٌ آكُلُ فِيهَا)؛ أثقل الساعات.. ما يحسُن الإنسان أن يضيِّع عمره، تستطيع لو رتَّبتَ الوقت أن تحصِّل دروس الجامعة ودروس المشايخ وتنسِّق بينها، تستطيع، ويمكن، قد يحصل شيء من التعارض في بعض الدروس لكن يجب هذا الذي قد أشرنا إليه في محاضرة لنا في مسجد قباء وهي "رسالة إلى طالب العلم" أو "نصيحة إلى طالب" حول هذا، أهميَّة التدرُّج في الطلب وقد قلت في أثناء الكلمة أن التدرُّج سنةُ من سلف، فيجب أن تعرِف وتبدأ بالأهم فالمهم وتتدرَّج في أخذه وتلقِّي العلوم، واضح؟ والله تستطيع ولا يمكن أنك تقول ما يمكن، وأنا أذكر هذا من باب يعني شحذ الهمة ليس إلا والله، وأنا لا أرغب قول هذا، كانت تأتينا أيام أو كانت تأتيني أيام وأنا أدرس في اليوم الواحد أحد عشر درسا، وأحضر الجامعة وأدرس خارج الجامعة إحدى عشر درس في اليوم وأراجعها كلها كمان، تُرَتِّبْ تستطيعْ، ما كانت كل الأيام إحدى عشر درسا انتبه! كانت الإربعاء والخميس والجمعة بقية الأيام من السبت إلى الثلاثاء ما بين ثمانية إلى تسعة دروس، هذا هو بارك الله فيكم تستطيع لكن رتِّب، أمَّا أن تنام نصف اليوم أو ثلث اليوم -والثلث كثير- وتأكل الثلث الباقي وتمشي وتروح وتجيء في.. ايش بقي؟ يعني ما تعطي العلم إلا الفضلة من الوقت، ما ينفع، لا يستطاع هذا العلم براحة الجسد أبدا، قيل للشعبي -رحمه الله-: بِمَا حَصَّلْتَ هَذَا العِلْمَ؟ الشعبي -رحمه الله- معروف هو الذي له الكلمة الشهيرة: (مَا كَتَبْتُ سَوْدَاءَ فِي بَيْضَاءَ قَطُّ)؛ كلُّه حفظ، هذا الرجل الإمام عامر بن شراحيل الشعبي قيل له: كَيْفَ حَصَّلْتَ هَذَا العِلْمَ؟ قال: (بِنَفْيِ الإعْتِمَادِ وَالسَّيْرِ فِي البِّلاَدِ، وَبُكُورٍ كَبُكُورِ الغُرَابِ، وَصَبْرٍ كَصَبْرِ الجَمَادِ)، هذا تجلسون أنتم على الجماد؛ لو ضربته من اليوم إلى الفجر ما صاح ولا صرخ، صبر وتبكير في الحلق ومسارعة ورحلة وحفظ؛ هذا هو بارك الله فيكم، هو الآن نحن نذكر السلف هذول كأنهم قصص صرنا لا نراهم إلا في كتاب أو تحت تراب يعني!؟ ما يُمكِن أن يوجد هذا!؟ يُوجَد، ليش ما يوجد!؟
الجدُّ بالجدِّ والحرمان بالكسل *** فانصب تُصِب عن قريب غاية الأمل
يقول الأخ الشيخ صالح إن عجر الطالب عن الجمع بين الدراسة النظامية وحلق العلم يعني ما أدري العجر هذا مُتصوَّر!؟ قد يكون، إن وُجد وأظنُّه نادر وقليل لا نقول فرِّط لكن اجمع قدر الإستطاعة، لا تفرِّط في حِلق علماء السنة انتبه! فهم قلة وبدءوا يتناقصون؛ أقول وبدءوا يتناقصون وهم قلَّة، لكن في الأمة خير إن شاء الله فلا تفرِّط، فكثير من العلم المحصَّل هو من حِلق العلم، أقول لك بصريح العبارة نحن درسنا في الجامعة وتخرجتُ فيها وكان إذ ذاك يدرِّسنا جمع من أهل العلم والفضل رحمة الله عليهم كثير منهم مات، لكنَّنا استفدنا كثيرا وكثيرا من حلق المشايخ، حقيقةً أقولها لك، الإستفادة الكبرى والعظمى من الحلق، لكن ما فرَّطنا في هذا كما قلت لكم فيحاول الإنسان في هذا ونسأل الله له التوفيق وللجميع والسداد.
المصدر | محاضرة : " نصائح في منهجية طلب العلم "
لفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحيم البخاري -حفظه الله تعالى-
من الدقيقة 1:10:20 إلى 1:24:12
لفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحيم البخاري -حفظه الله تعالى-
من الدقيقة 1:10:20 إلى 1:24:12
تعليق