قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحيم البخاري حفظه الله تعالى:
وﻻ شكّ أنّ الرسائل التي أرغبُ في بعثها هي كثيرة ، ولكن حسبنا أن نذكر جملةً منها لضيق الوقت ، وكما يُقال: حسبُنا من السِّوار ما أحاطَ بالمِعصَم ، ويستدلُّ الطالبُ بما سنذكرهُ على غيرها ولعلّ الله جلّ في عُلاه أن يبارك لها ، لهذه الرسالة أو لبقية الرسائل تتميمًا إن شاء اللهُ تعالى ، وما سأَذكُره وأُذكّر به في رسائل عدّة أو في نقاطٍ عدّة
أوّلها: الإخلاص لله جلّ وعلا .
وثانِيها: تقوى الله جلّ في علاه .
وثالثها: الحرص على تحمُّل أو تحصيل العلم النافع حفظًا وفهمًا .
ورابعها: تحمُّل العلم النافع عن أهله .
وخامسها: التفرُّغ في طلب العلم والصّبر على تحمُّله .
وسادسها: التدرّج في طلب العلم واغتنام زهرةِ العُمُر .
وسابعها: المحافظة على الوقت مع علوِّ الهمّة .
وثامنها: العمل بالعلم .
وتاسعها: التقرّب إلى الله جلّ وعزّ بالفرائض والإكثار من النوافل والفرار أو البعدِ عن المعاصي .
وبين يدي هذه المحاضرة أقول ابتداءًا لطالب العلم الذي سلك هذا الطريق هنيئًا ، هنيئًا له أنْ سلك هذا الطريق ، واختار هذا الطريق ، أعني طريق طلب العلم ، إذ هو خيرٌ كلّه ، إذ هو خيرٌ كلّهُ خيرٌ له في الأولى والآخرة ، إنْ قام به العبد الطالب ، إنْ قام به حقًّا وصدقًا ثم إنّ النصوص في فضل العلم كثيرةٌ جدًّا ولعلّي أزفُّ بعضًا منها بين يدي هذه المحاضرة التذكيرية ، يقول الله جلّ في علاه: { وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) } [سورة النساء] ، يقول الإمامُ ابن القيّم رحمه الله تعالى في مفتاح دار السعادة: "عدّد سُبحانه نعمه وفضله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلّم ، وجعل من أجلّها أنْ آتاه الكتاب والحكمة وعلّمه مالم يكن يعلم ، وعلّمه مالم يكن يعلم" ، وقال الله جلّ وعزّ : { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) } [سورة العنكبوت] ، يقول الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره : "أي ما يفهمها ويتدبّرها إﻻّ الرّاسخون في العلم المُتضلّعون فيه" ، ثم ساق بسنده رحمه الله ، ثم ساق وذكر أنّ الإمام ابن أبي حاتم ساق بسنده إلى عَمْر بن مُرّة أنّه قال: "ما مررتُ بآية في كتاب الله ﻻ أعرفها إﻻّ أحزنني ذلك ، إﻻّ أحزنني ذلك لأنني سمعتُ الله عزّ وجلّ يقول : { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) } [سورة العنكبوت] " ، ويقول جلّ وعزّ : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ۖ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۙ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ۖ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) } [المائدة] ، يقول الإمام ابن القيّم في لفتةٍ بديعةٍ نفيسةٍ تدلُّ على فقهٍ وعُلوّ فهمٍ عند هذه الآية قال رحمه الله: "إنّ الله سبحانه وتعالى جعل صيد الكلب الجاهل ميتة يَحرُمُ أكلها وأباح صيد الكلب المُعلَّم وهذا من شَرفِ العلمِ أنّه ﻻ يُباح إﻻّ صيد الكلب العالم وأمّا الكلبُ الجاهل فلا يحلُّ أكل صيده فدلّ على شرف العلم وفضلهِ ، ولولا مَزيّةُ العلم والتعليم وشرفهُ كانَ صيدُ الكلب المُعلَّم والجاهل سواء" .
وفي الصحيحين من حديث معاوية رضي الله تعالى عنه أنّ النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلم قال: ( من يُرد الله به خيرًا يُفقّههُ في الدِّين ) ، يقول الحافظ النووي رحمه الله في شرحه لمسلم: "فيه فضيلةُ العلم والتَّفقه في الدِّين والحثّ عليه وسببه أنَّه قائدٌ إلى تقوى الله جلّ وعزّ ، أنّهُ قائد إلى تقوى الله عزّ وجلّ".
وأخرج الإمام أبو داود في سننه والترمذي في جامعه وابن ماجه في سننه وأحمد في المسند وابن حبان في الصحيح وغيرهم من حديث ابي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:( من سلك طريقًا يلتمسُ فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنّة وإنّ الملائكة لتضعُ أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع وإنّ العالم ليستغفرُ لهُ من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإنّ العلماء ورثةُ الأنبياء وإنّ الأنبياء لم يُوَرِّثوا دينارًا وﻻ درهمًا وإنّما ورّثُوا العلم فمن أخذهُ أخذ بحظٍّ وافر ) حديث حسن ، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في شرحٍ ماتعٍ نفيسٍ له عند هذا الحديث في مفتاح دار السعادة ونذكر الشاهد من كلامه رحمه الله قال: "الطريق التي يسلُكها إلى الجنّة جزاءٌ على سلوكه في الدنيا طريق طلب العلم الموصلة إلى رضى الله جلّ وعلا ووضعُ الملائكة أجنحتها له تواضعًا وتوقيرًا وإكرامًا لما يحمله من ميراث النبوة ويطلبه وهو يدلُّ على المحبّة والتعظيم ، فمن مَحبّة الملائكة له وتعظيمه تضع أجنحتها لهُ لأنّه طالبٌ لما به حياةُ العالَم ونجاتُهُ ، لأنّهُ طالبٌ لما بهِ حياةُ العالَم ما هُو حياتُه وَحدَه ، حياةُ العالَم ونجاتُهُ" .
_____________________________
جزءٌ من محاضرةٍ بعنوان: "رسالة إلى طالب العلم" لفضيلة الشبخ د. عبد الله بن عبد الرحيم البخاري حفظه الله تعالى .
وﻻ شكّ أنّ الرسائل التي أرغبُ في بعثها هي كثيرة ، ولكن حسبنا أن نذكر جملةً منها لضيق الوقت ، وكما يُقال: حسبُنا من السِّوار ما أحاطَ بالمِعصَم ، ويستدلُّ الطالبُ بما سنذكرهُ على غيرها ولعلّ الله جلّ في عُلاه أن يبارك لها ، لهذه الرسالة أو لبقية الرسائل تتميمًا إن شاء اللهُ تعالى ، وما سأَذكُره وأُذكّر به في رسائل عدّة أو في نقاطٍ عدّة
أوّلها: الإخلاص لله جلّ وعلا .
وثانِيها: تقوى الله جلّ في علاه .
وثالثها: الحرص على تحمُّل أو تحصيل العلم النافع حفظًا وفهمًا .
ورابعها: تحمُّل العلم النافع عن أهله .
وخامسها: التفرُّغ في طلب العلم والصّبر على تحمُّله .
وسادسها: التدرّج في طلب العلم واغتنام زهرةِ العُمُر .
وسابعها: المحافظة على الوقت مع علوِّ الهمّة .
وثامنها: العمل بالعلم .
وتاسعها: التقرّب إلى الله جلّ وعزّ بالفرائض والإكثار من النوافل والفرار أو البعدِ عن المعاصي .
وبين يدي هذه المحاضرة أقول ابتداءًا لطالب العلم الذي سلك هذا الطريق هنيئًا ، هنيئًا له أنْ سلك هذا الطريق ، واختار هذا الطريق ، أعني طريق طلب العلم ، إذ هو خيرٌ كلّه ، إذ هو خيرٌ كلّهُ خيرٌ له في الأولى والآخرة ، إنْ قام به العبد الطالب ، إنْ قام به حقًّا وصدقًا ثم إنّ النصوص في فضل العلم كثيرةٌ جدًّا ولعلّي أزفُّ بعضًا منها بين يدي هذه المحاضرة التذكيرية ، يقول الله جلّ في علاه: { وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) } [سورة النساء] ، يقول الإمامُ ابن القيّم رحمه الله تعالى في مفتاح دار السعادة: "عدّد سُبحانه نعمه وفضله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلّم ، وجعل من أجلّها أنْ آتاه الكتاب والحكمة وعلّمه مالم يكن يعلم ، وعلّمه مالم يكن يعلم" ، وقال الله جلّ وعزّ : { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) } [سورة العنكبوت] ، يقول الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره : "أي ما يفهمها ويتدبّرها إﻻّ الرّاسخون في العلم المُتضلّعون فيه" ، ثم ساق بسنده رحمه الله ، ثم ساق وذكر أنّ الإمام ابن أبي حاتم ساق بسنده إلى عَمْر بن مُرّة أنّه قال: "ما مررتُ بآية في كتاب الله ﻻ أعرفها إﻻّ أحزنني ذلك ، إﻻّ أحزنني ذلك لأنني سمعتُ الله عزّ وجلّ يقول : { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) } [سورة العنكبوت] " ، ويقول جلّ وعزّ : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ۖ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۙ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ۖ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) } [المائدة] ، يقول الإمام ابن القيّم في لفتةٍ بديعةٍ نفيسةٍ تدلُّ على فقهٍ وعُلوّ فهمٍ عند هذه الآية قال رحمه الله: "إنّ الله سبحانه وتعالى جعل صيد الكلب الجاهل ميتة يَحرُمُ أكلها وأباح صيد الكلب المُعلَّم وهذا من شَرفِ العلمِ أنّه ﻻ يُباح إﻻّ صيد الكلب العالم وأمّا الكلبُ الجاهل فلا يحلُّ أكل صيده فدلّ على شرف العلم وفضلهِ ، ولولا مَزيّةُ العلم والتعليم وشرفهُ كانَ صيدُ الكلب المُعلَّم والجاهل سواء" .
وفي الصحيحين من حديث معاوية رضي الله تعالى عنه أنّ النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلم قال: ( من يُرد الله به خيرًا يُفقّههُ في الدِّين ) ، يقول الحافظ النووي رحمه الله في شرحه لمسلم: "فيه فضيلةُ العلم والتَّفقه في الدِّين والحثّ عليه وسببه أنَّه قائدٌ إلى تقوى الله جلّ وعزّ ، أنّهُ قائد إلى تقوى الله عزّ وجلّ".
وأخرج الإمام أبو داود في سننه والترمذي في جامعه وابن ماجه في سننه وأحمد في المسند وابن حبان في الصحيح وغيرهم من حديث ابي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:( من سلك طريقًا يلتمسُ فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنّة وإنّ الملائكة لتضعُ أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع وإنّ العالم ليستغفرُ لهُ من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإنّ العلماء ورثةُ الأنبياء وإنّ الأنبياء لم يُوَرِّثوا دينارًا وﻻ درهمًا وإنّما ورّثُوا العلم فمن أخذهُ أخذ بحظٍّ وافر ) حديث حسن ، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في شرحٍ ماتعٍ نفيسٍ له عند هذا الحديث في مفتاح دار السعادة ونذكر الشاهد من كلامه رحمه الله قال: "الطريق التي يسلُكها إلى الجنّة جزاءٌ على سلوكه في الدنيا طريق طلب العلم الموصلة إلى رضى الله جلّ وعلا ووضعُ الملائكة أجنحتها له تواضعًا وتوقيرًا وإكرامًا لما يحمله من ميراث النبوة ويطلبه وهو يدلُّ على المحبّة والتعظيم ، فمن مَحبّة الملائكة له وتعظيمه تضع أجنحتها لهُ لأنّه طالبٌ لما به حياةُ العالَم ونجاتُهُ ، لأنّهُ طالبٌ لما بهِ حياةُ العالَم ما هُو حياتُه وَحدَه ، حياةُ العالَم ونجاتُهُ" .
_____________________________
جزءٌ من محاضرةٍ بعنوان: "رسالة إلى طالب العلم" لفضيلة الشبخ د. عبد الله بن عبد الرحيم البخاري حفظه الله تعالى .