بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
س: نرغب مِن شيخنا - وفقه اللهُ - توجيهًا لطالب العلم الَّذي يرغب في التَّحصيل ولا يستطيع الرِّحلة ولا يُوجد في بلده مشايخ يتلقَّى عنهم. ◄الجواب: مِن حظِّكُم أيُّها الإخوة الَّذي كان يتمنَّاه كثيرٌ مِن طُلاَّب العلم ويحلُمون به فلا يجدونه: انتشار منهج السَّلف، فهيَّأ اللهُ كثيرًا مِمَّن وفقهم لخدمة العلم أنْ أخرجوا للنَّاس كثيرًا مِن تلك الذَّخائر النَّفيسة، وكُنَّا نحلم بها فلا نجدها، وهي متوفِّرة عندكم الآن، مِثل "السُّنَّة" للخلاَّل، و"السُّنَّة" لعبدالله بن أحمد، و"الشَّريعة" للآجرُّيِّ، و"أُصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" للالكائيِّ، و"الحُجَّة" للأصبهانيِّ وغيرها مِن المُختصرات والمُطوَّلات الَّتي تعرض المنهج السَّلفيِّ وتُبينه للنَّاس، وتُميِّز بين أهل السُّنَّة والجماعة، فتُبيِّن عقائدهم ومناهجهم، وتبُينِّ عقائد ومناهج الفِرق الضَّالة بالتَّفصيل والأدلةَّ والبراهين.
فهي موجودةٌ عندكم فاستفيدوا مِنها، وما أُشكل عليكم فاعرِضُوه على الأعلم فالأعلم عندكم، فإنْ لم يشفِ مَن عندكم غليلكم فاتَّجهوا بالأسئلة عبر الإنترنت، وعبر الهاتف أو البرقيات أو غيرها مِن الوسائل، وإذا يسَّر اللهُ لبعضكم أنْ يأتي إلى الحجاز ويزُور مكَّة والمدينة والرِّياض فيسأل، ويتَّصل مِن داخل المملكة فإنَّ الاتِّصال عليه هنا أسهل.
فالكُتب الآن بحمد اللهُ مُنتشرة، فإنْ وُجد لكم شيوخ؛ فاحترمُوهم وتأدَّبُوا معهم، وخُذُوا مِنهم العلم، وخُذُوا مِنهم الأخلاق، فإذا لم يوجد؛ فاستفيدوا مِن هذه الكُتب واسألوا عمَّا أُشكل عليكم، وما لم يُحل؛ فأرسلوا أسئلتكم مع مَن كان له طريق إلى الحجاز، مكَّة والمدينة، والرِّياض يتقدَّمُون بأسئلتكم وما أُشكل عليكم، ولا يُكلِّف اللهُ نفسًا إلاَّ وُسعها.
◄واحذروا مِن كتب أهل البدع والضلال، ومِن أشرطتهم، ومِن نشراتهم في الصُّحف، والمجلاَّت، والفضائيات، والإنترنت وغيره، وتُوجد مواقعُ سلفيَّةٌ؛ فاستفيدوا مِنها، وتُوجد مواقعُ خلفيَّةٌ تنشر ضلالَها، وعندهم إمكانيات هائلة، وهذه الفتنُّ الَّتي تدخل ربَّما في قول النَّبيِّ - عليه الصَّلاة والسَّلام –: "وفتنة تكون بينكم لا يبقى بيت مسلم إلا دخلته"(1).
وهذه الوسائل الآن تتسلَّلُ إلى البُيوت في المدن، والبوادي، وفي كلِّ مكان مع الأسف الشَّديد، فاحذرُوا من هذه الأشياء ولا يعدل السَّلامة شيء، فإنْ اخترتَ عالِمًا؛ فاختر عالِمًا سلفيًّا صادقًا مخلصًا، وكثيرٌ مِن النَّاس يدَّعون السَّلفيَّة وهم ليسُوا بسلفيِّين «إنَّ هذا العلمَ دينٌ فانظروا عمَّن تأخُذُون دينكم».
وأُنبِّه إلى أنَّ بعض الشَّباب المتحمِّس قد يدرس كُتب السَّلف، ولكن لا يُحسن تطبيق ما يصِلُه مِن الآثار فينزلها في غير منازلِها، فلا بدَّ أنْ يرجع إلى العلماء في كيفيَّة تطبيقها؛ لأنَّه إذا ذهب يُطبِّق بعض الأشياء بفهمِه الخاطئ قد يضُرُّ نفسَه، ويضُرُّ الإسلام والمسلمين.
وهذا قد حصل، فجاء بعض الشَّباب المتحمِّسين مِن الحداديَّة الجديدة والقديمة يعتنُون بالآثار وهم لا يحفظون القرآن، يهتمُّون بالآثار ولا يحفظون الحديث، ويعتنون بآثار السَّلف، وآثار السَّلف فيها ما يصِحُّ وفيها ما لا يصِحُّ، إذا اتَّفقُوا على شيءٍ فيجب الأخذ به، وإذا اختلفوا نُحاكم أقوالَهم إلى كتاب الله وسُنَّة رسوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إذا لم يثبتْ هذا القول عن فلانٍ لا نأخذ به، وإذا ثبت عنه وخالف نردُّه.
وهكذا هذه الأمور تحتاج إلى فِقْهٍ، فالحداديَّة كانوا يحفظون الآثار، وأوَّلُ مَن حاربوا أهلَ السُّنَّة، وشنُّوا عليهم حربًا بقراراتِهم الهمجيَّة، وتوجُّهوا إلى العلماء يُسقطونهم واحدًا تلو الآخر، حتَّى وصلُوا إلى ابن تيمية، وجاءت مِن جديد تسلك هذا المسلك بالطَّعن في العلماء وإسقاطهم، والتَّمسُّك بآثار مِنها ما لا يصِحُّ، ومِنها ما يصِحُّ ولكن لا يفهمُون مقاصدها.
ــــــــــــــــــ
(1) أخرجه ابن ماجه(4042) من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه.
◄الشَّاهد أنَّ واحدًا مِنهم قال إنَّني الآن أجمع النُّصوص الَّتي كان يطرد فيها بعض العلماء أهلَ البدع مِن حلقاتهم، فقلتُ له: تُريد مثل فلان وفلان، أبو إسحاق الفزاريّ(1) ومالك(2) وغيره(3)؟ قال: نعم، قلتُ له: يا ولدي هؤلاء كانوا في وقت غير وقتك، مالك وراءه العالـمُ الإسلامي كلُّه، وأهل البدع قليلون جدًّا، كذلك أبو إسحاق الفزاريّ كان يُرابط في الثُّغور فإذا جاء المبتدع يُريد أنْ يُشارك في الجهاد طرده(4)، فيخاف أنْ يكون سببًا في النَّكبة، حماد بن سلمة كان يطردهم ويقول: الَّذي عنده بيع لا يجلس في مجلسي(5).
ـــــــــــــــــــ
(1) قال أبو مسهر: قدم أبو إسحاق دمشق فاجتمع عليه الناس ليسمعوا منه، فقال لي: اخرج إلى الناس فقل لهم: من كان يرى القدر؛ فلا يحضر مجلسنا، ومن كان يرى رأي فلان؛ فلا يحضر مجلسنا، ومن كان يأتي السلطان؛ فلا يحضر مجلسنا، فخرجت فأخبرتُهم. «سير أعلام النبلاء» للذهبي(8/541).
(2) قال الحافظ أيو يعنى الخليلي في «الإرشاد في معرفة علماء الحديث» (1/277 ترجمة برقم 127): «إبراهيم بن يوسف البلخي رئيسها وشيخها وقعت له قصة؛ دخل على مالك بن أنس فقام قتيبة بن سعيد البلخي فقال: هذا رجل يرى رأي العراقيين في الإرجاء، فأمر مالك أن يخرج ويؤخذ بيده». انظر: «تهذيب الكمال» للمزي(2/254)، و«سير أعلام النبلاء» للذهبي (11/20 و63)، قال الحافظ أبو يعلى الخليلي في «الإرشاد في معرفة علماء الحديث» (1/277 ترجمة برقم127): إبراهيم بن يوسف البلخي رئيسها وشيخها وقعت له قصة؛ دخل على مالك بن أنس فقام قتيبة بن سعيد البلخي فقال: هذا رجل يري رأي العراقيين في الإرجاء، فأمر مالك أن يخرج ويؤخذ بيده». انظر: «تهذيب الكمال» للمزي(2/254)، و«سير أعلام النبلاء» للذهبي (11/20 و63).
(3) انظر: الآثار عن ابن عون وسليمان التيمي وزائدة بن قدامة وعكرمة بن عمار ومعاذ بن معاذ ويعلى بن عبيد في امتناعهم من تحديث أهل البدع في«الجامع» للخطيب(1/520-525).
(4) انظر: «معرفة الثقات» للعجلي (1/205)، و«سير أعلام النبلاء» للذهبي(8/541).
(5) حماد بن سلمة كان يطردهم ويقول: الذي عنده بدع لا يجلس في مجلسي.
قال ابن مفلح في «الآداب الشرعية»(1/250): «وكان حماد بن سلمة إذا جلس يقول: مَن كان قدريَّا فليقُم».
◄ولكن هؤلاء العالم الإسلاميُّ كان وراءهم، فإذا طردُوا شخصًا واحدًا؛ فهذا فيه مكسب للدَّعوة السَّلفيَّة وأراحوا النَّاس مِن شره، ولكن أنت تجلس في مسجد فقد لا يأتيك إلاَّ أهلُ البدع، وقد يحضر بعض السَّلفيِّين، وغالب الحاضرين من أهل البدع، فإذا قُلتَ مِثل ما قاله حماد بن سلمة: «مَن كان مبتدعا فلا يجلس في مجلسي» ذهب النَّاسُ كُلُّهم، فذاك إذا طُرد؛ في طرده مكسب ومصلحة، وأنت الآن إذا طردتَ النَّاسَ؛ ضيَّعتَ الإسلام، ومَن سيدخل في دعوتك؟ والرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: «لأنْ يهدي اللهُ بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حُمُر النِّعم»(1).
فأنا أنصح بقراءة هذه الكُتب ولكن لا بدَّ مِن التَّفقُّهِ فيها، ولا بدَّ مِن مُراعاة مُوافقتها للكتاب والسُّنَّة واجتماع السَّلف عليها، فقد يكُون فيه ضعف أو مُخالفة، فلا بدَّ مِن مُراعاة هذه الأمور، ولا بدَّ مِن الفقه فيها؛ لأنَّ بعضهم ينقلها بغير فقه؛ فيُهلك نفسَه، ويُهلك الآخرين.
ووالله ما وجدنا فتنتهم وبلاءهم إلاَّ على أهلِ السُّنَّة، لو هرب مِن أهل البدع وحذَّر منهم لَهانت، لكن يحذر مِن أهلِ السًّنَّة ويُنفِّر مْنهم ويُشوِّههم، فهؤلاء كثيرٌ مِنهم مدسُوسُون، ويدَّعون السُّنَّة، أو أنَّهم لا فقه لهم؛ فيضُرُّون ولا ينفعون، وفَّقكم الله.
ــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري(2942)، ومسلم(2406) من حديث سهل بن سعد رضي اللهُ عنه.
تعليق الشيخ ربيع على كلام الإمام ابن قيم في كتاب الفوائد
ص(58-66) من الرسالة
ــ فائدة ــص(58-66) من الرسالة
الحمدُ لله والصَّلاةُ والسَّلام على رسُول اللهِ، أمَّا بعد:
قال الشَّيخُ عبدالسَّلام بن برجس رحمه اللهُ: "إنَّ مَن يستحقُّ أنْ يُطلق عليه لفظ العالِم في هذا الزَّمنِ وأقُولها بصراحة قليلٌ جدًّا - ولا نُبالغ إنْ قُلنا نادر - وذلك أنَّ للعالِمِ صفات قد لا ينطبق كثيرٌ مِنها على أكثر مَن يُنسب إلى العلمِ اليوم، فليس العالِمُ مَن كان فصيحاً بليغاً في خُطبه ومُحاضراته ونحو ذلك، وليس العالِمُ مَن ألَّف كتاباً أو نشر مُؤلًّفا أو حققَّ مخطوطةً أو أخرجَها.
إنَّ وزن العالم بهذه الأمور فحسب هو المُترسِّب - وللأسف - في أذهان كثيرٍ مِن العامَّة، وبذلك انخدع كثيرٌ مِن العامَّة بالفُصحاء والكُتَّاب غير العلماء فأصبحوا مَحلَّ إعجابهم، فترى العاميّ إذا سمع المُتعالِمَ مِن هؤلاء يُجيش بتعالُمِه الكاذب يضربُ بيمينه على شماله تعجُّبًا مِن علمه وطربًا، بينما العالِمُون يضرِبُون بأيمانهم على شَمائلهم حزَنًا وأسفًا لانفتاحِ قُفْلِ الفتنة.
فالعالِمُ حقًّا مَن تضلَّع بالعلم الشَّرعيّ وألَمَّ بمُجمل أحكام الكتاب والسُّنَّة عارفاً بالنَّاسخ والمنسوخ، بالمُطلق والمُقيَّد، بالمُجمل والمُفسَّر، واطَّلع - أيضاً - على أقاويل السَّلف فيما أجمعُوا عليه واختلفوا فيه، وقد عقد ابن عبدالبرِّ رحمه اللهُ في "جامع بيان العلم وفضله" بابًا فيمن يستحقُّ أنْ يُسمَّى فقيهًا أو عالِمًا، فليرجع إليه في الجُزء (43/2)."اهـ
رسالة: من هم العلماء
جزء "مجموع المحاضرات فيما يخصُّ الدَّعوة والدُّعاة"
مِن مجموع مؤلَّفات وتحقيقات عبدالسَّلام البرجس رحمه اللهُ
مِن المُجلَّد 3 ص(185-186)
جزء "مجموع المحاضرات فيما يخصُّ الدَّعوة والدُّعاة"
مِن مجموع مؤلَّفات وتحقيقات عبدالسَّلام البرجس رحمه اللهُ
مِن المُجلَّد 3 ص(185-186)
تعليق