القول في جواز الفتوى بالآثار السلفيةلابن القيم –إعلام الموقعين-
في جواز الفتوى بالآثار السلفية والفتاوي الصحابية ، وأنها أولى بالأخذ بها من آراء المتأخرين وفتاويهم ، وأن قربها إلى الصواب بحسب قرب أهلها من عصر الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ، وأن فتاوى الصحابة أولى أن يؤخذ بها من فتاوى التابعين ، وفتاوى التابعين أولى من فتاوى تابعي التابعين ، وهلم جرا وكلما كان العهد بالرسول أقرب كان الصواب أغلب ، وهذا حكم بحسب الجنس لا بحسب كل فرد فرد من المسائل ، كما أن عصر التابعين ، وإن كان أفضل من عصر تابعيهم فإنما هو بحسب الجنس لا بحسب كل شخص شخص ، ولكن المفضلون في العصر المتقدم أكثر من المفضلين في العصر المتأخر ، وهكذا الصواب في أقوالهم أكثر من الصواب في أقوال من بعدهم ; فإن التفاوت بين علوم المتقدمين والمتأخرين كالتفاوت الذي بينهم في الفضل والدين ، ولعله لا يسع المفتي والحاكم عند الله أن يفتي ويحكم بقول فلان وفلان من المتأخرين من مقلدي الأئمة ويأخذ برأيه وترجيحه ويترك الفتوى والحكم بقول البخاري ، وإسحاق بن راهويه وعلي بن المديني ومحمد بن نصر المروزي ، وأمثالهم ، بل يترك قول ابن المبارك والأوزاعي وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة ، وأمثالهم ، بل لا يلتفت إلى قول ابن أبي ذئب والزهري والليث بن سعد ، وأمثالهم ، بل لا يعد قول سعيد بن المسيب والحسن والقاسم وسالم وعطاء وطاوس وجابر بن زيد وشريح ، وأبي وائل وجعفر بن محمد ، وأضرابهم مما يسوغ الأخذ به ، بل يرى تقديم قول المتأخرين من أتباع من قلده على فتوى أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود .