توجيهات أثرية في الارتقاء بالدعوة السلفية
كلمة وجهها فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحيم البخاري إلى أبنائه بدار الحديث بمدينة أغادير بالمملكة المغربية، يوم الأحد: 28 من شوال 1435.
كلمة وجهها فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحيم البخاري إلى أبنائه بدار الحديث بمدينة أغادير بالمملكة المغربية، يوم الأحد: 28 من شوال 1435.
التفريـــــــــــغ
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا...
من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأ شهد أن محمدًا عبدُه و رسولُه.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب: 70-71].
أما بعد، فإن أصدق الحديث، كتاب الله تعالى. وخير الهدي، هدي محمدٍ - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. وشر الأمور، محدثاتها، وكل محدثةٍ، بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة. وبعد...
فقد رغب إلي الإخوة أن أشارك الأبناء والإخوة المستمعين في هذا اللقاء، أن أشاركهم بكُليمة تذكيرية مع أنني على سفر. ولا يمنع من التواصي والتواصل بين أهل الحق وطلابه، فإن هذا الأمر - أعني التواصي والتواصل - على الحق وبالحق مما أوصى الله - عز وجل - به وحثّ عليه في قوله - جلّ وعلى -: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر].
.وهذا - إن شاء الله - تحقيقًا لا تعليقًا بأمر التواصي بالحق والتواصي بالصبر. فنسأل الله جلّ وعلا، أن يبارك في جهود الجميع وأن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل، وأن يسددنا جميعًا بما يُصلح أعمالنا وأقوالنا وأن يجعلها لوجه خالصة - سبحانه وتعالى - كما قال الله - جلّ وعلا -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الأحزاب: 70-71]، فنرجوه - جل في علاه - أن يرزقنا القول السديد والعمل الرشيد، الذي تصلح به أعمالنا فنفوز بمغفرة الله - جل وعلا - ورضوانه، وذلك هو الفوز العظيم، إن ربنا لسميع الدعاء.
وهذه الكلمة ... أو الكليمة، التي أرغب في مشاركة الإخوة والأبناء في هذا الإجتماع الذي نسأل الله - جلّ في علاه - أن يبارك فيه وفي جهود الساعين لهذا اللقاء والمجتمعين فيه. أقول وهذه الكُليمة حي حول قضية في نظرتي، تحتاج لإدراكٍ تام، وتصورٌ دقيق لمن يشتغل بالدعوة والتعليم، وهذا الأمر الذي سأنبّه عليه، قد كنت نبّهت عليه فيما مضى، في مواطن متعددة ومواطن أخرى سبقت، ولا يمنع من التذكير والتكرار؛ فإن الذكرى تنفع المؤمنين، ولا شكّ أن هذا مرتبط بما سبق أيضًا أن ذُكّر الجميع به، من ضرورة التسلّح لمن يتصدر للدعوة والتعليم بسلاح العلم. أعني العلم الشرعي الصحيح، المُستقى، المبني على الوحيين ومن الوحيين: الكتاب والسنّة، وفق فهم سلف الأمة الصالح - رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
فما يصلح للدعوة ولا للتعليم من يفقد هذا الأمر الأساس، أعني العلم الشرعي. ذلك أنّ فاقد الشيء لا يعطيه، وكما قال الإمام صالح [بن] بحرام - رحمه الله - كما في طبقات المحدثين بأصبهان "صاحب صناعةٍ، لا يستطيع أن يعمل في صناعته إلا بآلة، وآلة الإسلام، العلم". هذا العلم الذي يرفع الله به أقوامًا ويضع به آخرين، فأنت تتحلى بهذا الإسلام العظيم، بأن يدعوا الناس وأن يعلّمهم وليكون إمامًا ليؤتم به في الهدى والحق، {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24].
ولا أريد أن أعرّج على هذه النقطة لأنني كما قلت، قد سبق التأكيد والتنبيه عليها مرارًا وتكرارًا، فهي أساس لا بدّ منه، وخلوّ المرء من هذا، يُفقده الأهلية للدعوة والتعليم كما قلت، إذ إنّ فاقد الشيء لا يعطيه. لكن القضية التي أرغب التذكير وهي متصلة بهذا الأمر الأساس، إذ هي تطبيقٌ عمليٌ لهذا الأمر الأصيل، ولهذا الأسِّ الذي تبنى عليه الدعوة والتعليم، أعني العلم. فهي قضيةٌ - بارك الله فيكم - يحتاجها كل من يشتغل بدعوة الناس وتعليمهم، ولو تأمّلت مليًا في كل بلاد الأرض بلا استثناء،
شرقًا أو غربًا، شمالاً أو جنوبًا، في بلاد العجم أو في بلاد العرب، في بلاد الإسلام أو غير بلاد الإسلام. كل هذه الأماكن، وكل من يعمل في هذه الأماكن أو هذه البلدان، يحتاج إلى تحقيقٍ وتدقيقٍ في هذه القضية. ذلك أنّ تسلّط أعداء الدين،
من الكفرة والملحدين الأصليين، أو المنافقين المندسين، أو أهل البدع الضالين المُضلين من الحزبيين، وغيرهم وأفراقهم، بلا استثنناء.
وكذلك أهل الشهوات، من العصاة المارقين، وغيرهم من أدعياء التحرّر والتغريب، كل هؤلاء يجتمعون ويتجمّعون لزلزلة هذا الأمر المحوري، والقضية الكبرى، وهي في نظري قضيةٌ جوهريةٌ مفصلية. بل هي ... أستطيع أن أقول: أنها من القضايا الكبرى! وإهمالها وإبطالها والضعف والتواني أمام حملات أولئك من دعاة الشهوة، أو دعاة الشبهة، خطيئةٌ جسيمة! ونكسة عظيمة! وإزالةٌ لأمرٍ عظيم وجليل! ذلك أنّ هذه الفصيلة تختص بالاعتقاد والتعبّد لله - جل وعلا - إذ مما يدخل تحت ذلك،
أعني الاعتقاد، عقيدة الولاء والبراء، وكذلك شعيرة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وشعيرة النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، ويدخل تحتها أيضًا، شعيرة التواصي بالحق والتواصي بالصبر، ويدخل تحتها الإعتزاز في الإعتصام بالسنّة، إلى غير ذلك مما يدخل تحت هذه القضية المحورية الكبرى، فهؤلاء الضلال، والمشوَّهين، والمشوِّهين، من أبواق الإنحراف، وأبواق الشرّ، وأطرافهم وأذنابهم، كلهم يضرب في هذه المسألة بعنف. فكثر المُتفَيْقهون والمتشدقون، والمتكلمون، والناعقون، والكاتبون بالباطل، والمدافعون عن أهل الضلال والبدع، والمعاصي والشهوات، إلى غير ذلك.
كثِروا، لا كثّرهم الله! في الكلام حول هذه القضية والضرب فيها بعنف، أقول: كثر الكلام والضرب فيها بعنفٍ، ويؤكدون ذلك في مقالاتٍ عديدة. في محاضرات، أو لقاءات، أو أو أو غير ذلك. ومؤلفات، أو في الصحف والجرائد،
أو في القنوات الفضائية. المهم، يضربون بهذا بكل ما استطاعوا إليه سبيلاً، بكل وسيلةٍ يستطيعون الوصول إليها بالضرب بعنفٍ في هذه المسألة، فيصرفوا أهل الحق، والمتابعين للحقّ عن الحق. ويزلزلوا ويزعزعوا الحقّ في قلوب الناس والعياذ بالله.
ولو سألت ما السبب في هذا، أعني: في حرصهم للضرب في هذه القضية، والنيل منها والكتابة فيها، كان فيما مضى يكتبوب المؤلفات، أو ينشرون في الجرائد. أما الآن، مع وجود هذه الوسائل التي أتاحت لهم الوصول إلى كثير من عقول الناس عبر الفضائيات، أو الإنترنت أو ... الفيس بوك والأشياء هذه، صاروا ينشرون الضلالات والإنحرافات والخزعبلات، وكما يقولون: التغريدات. ثم إنّ بعضهم والله لا يغرّد، إنما ينعق! وليس يغرد. حاشا ذلكم الطير النبيل، أن يُشبّه بهذا الضال المتخلف والعياذ بالله، فما وأقول ما ذلك منهم، أي سعيهم الحثيث في النيل من هذه القضية إلا إنما وجدوا بعضًا، ولَمَسوا عَوَرًا، من حملة الحق، وأهله. وأقولها كما قرّرها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وتلميذه، شيخ الإسلام ابن القيّم - رحمة الله عليه - والعلامة ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية، وغيرهم. من أهل العلم، أنه لا تقوى أبدًا شوكة أهل الاهواء والبدع والشرك، إلا في حين غفلةٍ وضعفٍ شديدين من أهل الحق وحملته، فلا تظهر السنةٌ في مكانٍ، ويطغى أهلها وحملتها، إدارة الناس،
في تعليم الناس، في بيان الحق للخلق، إلا وضعفت في تلك المنطقة أو تلك البلاد البدعة، وكادت أن تختفي. وكلما ضعفت السنّة، أعني بضعف حملتها، قويت البدعة. المسألة مسألةٌ كما يقال: طردية. تقوى هذه، تضعف تلك، تضعف هذه، تقوى تلك.
فيا لغربة الإسلام - بارك الله فيكم - وغربة الحق وحملته، ودعاته في هذه الأزمان. وكلما ازداد ضربهم في هذا الباب، ونعيبهم في هذا الباب، يظهر لك بصدق وجلاء، أن هذه الغربة تشتد وتستحكم، والتي أخبر عنها النبي الكريم - صلوات الله وسلامه عليه - ما أخرجه مسلم في الصحيح، وغيره: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء". هذا وعدٌ من النبي - صلى الله عليه وسلم - للمتمسّكين بهذا الإسلام الحق، والداعين إليه بصدقٍ، أن له طوبى، طوبى للغرباء، وهؤلاء الغرباء،
سمّوا غرباء لا لشيء، وإنما السبب في هذا، بعدهم وفرارهم مما عليه الناس، من الضلال والهوى والوجوم، والفسق وغير ذلك من الإنحرافات، شهوات كانت أم شبهات. ذنب هؤلاء عند الناس أنهم اقتضوا السنّة ولزموها، هذا هو ذنبهم عند الناس. الذنب الذي اقترفوه هو اعتىصامهم بالسنّة والتزامهم بها على منهاج النبوة.
في أمثال هؤلاء، يقول الإمام ابن القيم - رحمة الله عليه - في كتابه العظيم مدارج السالكين، ثم شرح حديث الغرباء هذا، قال رحمه الله: "المؤمنون في أهل الإسلام غرباء، المسلمون في أهل المِلَلِ غرباء، وأهل السنّة في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم من أهل السنّة في أهل السنّة غرباء، المدبّون عنها، المدافعون عنها من أهل العلم في أهل العلم، غرباء. هؤلاء الداعون الدّابون الصابرون على أذى المخالفين، هم أشدّ هؤلاء غربةً"، ولهذا يقول فيهم - رحمه الله -: "ولكن هؤلاء هم أهل الله حقًا، فلا غربة عليهم، وإنما غربتهم بين الأكثرين الذين قال الله تعالى فيهم: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116]. ويقول - رحمه الله - فيهم، أعني في أولئك المخالفين لدعاة السنّة، الداعين إليها، قال: "فأولئك هم الغرباء من الله ورسوله ودينه وغربتهم هي الغربة الموحشة وإن كانوا هم المعروفين المشار إليهم".
وافتقد - رحمه الله - مبينًا صفة هؤلاء الغرباء الذين وعدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطوبى، وغبطهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر صفتهم، أنه من صفاتهم التمسّك بالسنة إذا رغب عنها الناس، وترك ما أحدثوه، أي كان هو المعروف عندهم. وتجريد التوحيد، وإن أنكر ذلك أكثر الناس، وترك الانتساب إلى أحدٍ غير الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لا شيخٍ ولا طريقةٍ ولا مرحبٍ ولا طائفة، بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية له وحده، وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالإتباع لما جاء به وحده، وهؤلاء يكون فيهم هم القابضون على الجمر حقًا، وأكثر الناس بل كلهم لائمٌ لهم، تجد غربتهم بين هذا الخلق يعدّونهم أهل شذوذٍ وبدعة، ومفارقة للسواد الأعظم. هكذا يعدّونهم، أنهم أهل شذوذٍ وبدعة...
[26:10 - كلام متقطع وغير واضح - 25:31]
لأنهم على خلاف ما يعتقده أولئك وأهواءهم، بل يقول - رحمه الله - بل الإسلام الحق الذي كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه هو اليوم أشد غربة منه في أول ظهوره، وإن كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة، فالإسلام الحقيقي غريب جدًا ، وأهله أشد غربةٍ بين الناس. وكيف لا تكون فرقةً واحدةً قليلة جدًا غريبةً بين اثنتين وسبعين فرقةً، ذات أتباع ورئاسات ومناصب وولايات، ولا يقوم لها سوق إلا بمخالفة ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فإن نفس ما جاء به يضاد أهواءهم ولذاتهم، وما هم عليه من الشبهات والبدع التي هي منتهى فضيلتهم وعملهم، والشهوات التي هي غاية مقاصدهم وإراداتهم، فكيف لا يكون المؤمن السائر إلى الله على طريق المتابعة غريبًا بين هؤلاء الذين قد اتبعوا أهواءهم، وأطاعوا شُحّهم، وأُعجب كل منهم برأيه، فإذا أراد المؤمن الذي قد رزقه الله بصيرةً في دينه، وفقهًا في سنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأراه ما الناس فيه من البدع والضلالات والأهواء، وتنكبهم عن الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فإذا أراد أن يسلك هذا الصراط، ماذا يفعل؟!
فليوطّن نفسه على قدح الجهال وأهل البدع فيه، وطعنهم عليه، وإزرائهم به، وتنفير الناس عنه وتحذيرهم منه، كما كان سلفهم من الكفار يفعلون مع متبوعه وإمامه - صلى الله عليه وسلم. فليوطّن نفسه، من أراد أن يسلك هذا السبيل، وينتهج هذا النهج، ويلزم هذا الطريق، إذاعة الحق للخلق، ودعوة الناس إلى السنّة والتزامها بعلمٍ وعمل، فليوطِّن نفسه على قدح الجهّال وأهل البدع فيه، وطعنهم عليه، وإزرائهم به، وتنفير الناس عنه، وتحذيرهم منه، من (...) هؤلاء، فله في ذلك سلفٌ صالح.
أما هو، فسلفه في ذلك، سلفٌ صالح. كما كان سلفه من الكفار يفعلون - مع من؟ - مع متبوعه وإمامه - صلى الله عليه وسلم - أما إن دعاهم إلى ذلك، يعني بيّن (...) عليه، وضلالهم فيه...
أقول: بارك الله فيكم، يقول رحمه الله، نكمل كلامه. قال - رحمه الله -: "فهناك - ماذا يفعلون؟ - قال "ينصبون له الغوائل... يبغون له الغوائل وينصبون له الحبائل" هكذا هم يفعلون قديمًا وحيثًا بالكذب والبهتان والباطل والدسائس والإفك والإفتراءات، لا يفتُرون لأنهم على ضلال يريدون نصرة الضلال بأي ثمن! والأدهى والأمر أن ينسب هذا للدّين والدّين منه براء".
قال - رحمه الله -: "يبغون له الغوائل وينصبون له الحبائل ولا يكتفون، بل يجلبون عليه بخيل كذبهم ورجله، أبدًا. بل يستعدون عليه السلطان، ولو استطاعوا أن يصلوا لغير ذلك من طواغيت الأرض ليستعثوا الناس عليهم". فما رأيتم بالبارحة وقبل أيام من تغريدةٍ كما يقول أو نهيق أو نعيق لأحد الشبان الضلال عندما يصف وينسب إلى هذه الدعوة المباركة والمذهب الحق الناصع الذي عليه الطائفة المنصورة بحق السلفية، الدعوة النقية، هي الإسلام الحق والقول الصدق، المسمّى بالكلباني ذيّاك الأفّاك عندما يغرّد كما يقولون أو ينعق لأن أولئك الضلال الخوارج المارقون المسمّون بداعش، أنّ داعش سلفية، كذب وفجر! وما قال إلا إفكًا وزورًا، وهذا الكلام سقوطه يغني عن إسقاطه، وكما قيل: "شمشمة أعرفها من أخزم فكل بليّةٍ يكونون وراءها ولما يتبين للناس عوارها ألصقوا تلك الشنائع وتلك القبائح بالدعوة السلفية المباركة"، هكذا يفعلون وعلى هذا يتواردون من قديم الزمان، كما هو سلفهم من الضلال يفعلون.
فقديمًا مثلاً، وليس يعني قديمًا متأخرًا، إنما في هذا العصر عندما خرج الضال جهيمان الخارجي واستباح بيت الله الحرام، ادّعى من ادّعى من أهل الضلال أن هؤلاء يقال عنهم بأنهم سلفيين، وقد ردّ عليهم وانبرى بكشف عَوَارهم والردّ على هذه الفرية المدّعاة، شيخنا العلامة الإمام: محمد أمان - رحمه الله -، في مجلة الجامعة الإسلامية إبّان عمله فيها وكان رئيسًا لمجلة الجامعة. وبيّن إفك هذه المقالة وضلالها وانحرافها عن الحق، وأن الذين قالوا هذا إما أن يكون يريد تأشير هذا الاسم المبارك أو أنهم لا يعلمون ما معنى السلفية وعلى كل حال -بارك الله فيكم - فكما قال: "يجلبون عليه بخيل كبيرهم ورجله، فهو غريبٌ في دينه لفساد أديانهم، غريبٌ في تمسّكه بالسنّة لتمسّكهم بالبدع، غريبٌ في اعتقاده لفساد عقائدهم، غريبٌ في صلاته لسوء صلاتهم، غريبٌ في طريقه لضلال وفساد طرقهم، غريبٌ في نسبته لمخالفة نِسَبهم، غريبٌ في معاشرته لهم؛ لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم".
قال: "وبالجملة، فهو غريبٌ في أمور دنياه وآخرته، لا يجد من العامة مساعدًا ولا معينًا، فهو عالمٌ بين جهال، صاحب سنّة بين أهل بدع، داعٍ إلى الله ورسوله بين دعاةٍ إلى الأهواء والبدع، آمرٌ بالمعروف ناهٍ عن المنكر بين قوم المعروف لديهم منكر والمنكر معروف"، انتهى كلامه - رحمه الله وغفر الله لنا وله. وكما قيل: وما أشبه الله بالبارحة، فهكذا... أقول: هكذا دعاة السنّة بعلمٍ وعدل، الدّابون عنها المبيّنون للناس الحق، والذين هم أرحم الخَلقِ بالخَلقِ أو من أرحم الخلقِ بالخلقْ، ويدعون الناس بالحق، لا يزال أهل الضلال والإفك والعدوان ينصبون لهم الحبائل ويبنون لهم الغوائل ويجلبون عليهم بخيل كبيرهم ورجله، لكن هيهات! هيهات ثم هيهات!
ونقول كما قال الله - جلّ في علاه -: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} [آل عمران: 111] هؤلاء الغرباء أيها الأحبة تشتد وطأة أهل الضلال والهوى من أهل الشهوات والشبهات على حملة الحق وأهله فكان لزامًا على أهل السنّة بحقٍ وصدقٍ، أهل السنّة المحضة أن يلزموا الغرز وأن يتمسّكوا جدًا بالوحيين، وأن يتزودوا كثيرًا وكثيرًا وكثيرًا! دائمًا وأبدًا بالأمر الأساس الذي أشرت إليه من قبل، أعني العلم النقي الصافي. ويزداد منه ولا تتوقفوا عند مرحلةٍ أو نقطةٍ أبدًا، تزودوا بهذا العلم السنّي النقي، فبالتمسّك بالعلم الصحيح نجاةٌ وعصمةٌ وفلاحٌ وسعادةٌ بإذن الله تحقيقًا لا تعليقًا في الدارين لمن صدق وبرّ، قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله -: "الفوز والسعادة والكمال والفلاح في نوعين اثنين، في العلم النافع والعمل الصالح".
فالله الله في التزوّد بهذا العلم وعدم الانتكاس عنه لحظة والتزود منه، فوالله ما علا سيف السنّة والعلم رؤوس أهل الأهواء والشهوات إلا وقطعها! لماذا؟ لأنّك التجأت إلى المعصوم وسدّدت على تلك الترّهات والأباطيل بسهمٍ لا يخيب، قال الله - جل في علاه -: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15-16]، ويقول الله - جلّ وعلا لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]، هذا التمهيد - إن صح أن نقول عنه تمهيد - للقضية الكبرى التي أشرت إليها، هي قضيةٌ كما قلت ربما لجميع من يسعون سعيًا حثيثًا لخلخلتها وزعزعتها، وهي موجودة سمّها كما شئت بأسماءٍ عديدة، أعني أوجه الخلخلة والتشويه والتشغيل. قضية تميّز أهل السنّة وتمايزهم، هذه القضية يسعون سعيًا حثيثًا أكيدًا بكل ما أوتوا من طرائق ووسائل الشيطان ودسائسه ومكائده وحبائله وأعوانه وأتباعه وأذنابه وأبواقه، نعم.
يسعون سعيًا حثيثًا لإزالتها، فيخرج الناس لا تمييز عندهم ولا تمايز لهم. التمييز أو المَيْزُ يقال في اللغة هو الفصل بين المتشابهات، لهذا يقال: مازه يميزه ميزًا وميّزه تمييزًا. قال الله - جل وعلا -: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: 37]، وفي قراءة حمزة والكساري وغيرهما: {لِيُمِيّزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: 37] ويطلق التمييز أيضًا على قوة الاستنباط وقوة الدماغ والعقل لهذا يقال مثلاً: "فلانٌ عنده تمييز، وفلان لا تمييز عنده"، والذي نعنيه ها هنا بالتمييز والتميّز، تميّز أهل السنّة والحق والنقاء والصفاء بالاعتقاد الناصع الصحيح وتميّزهم بصدق الإتّباع، تميّزوا وتمايزوا وتميزهم أيضًا بصدق الإتباع لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيوحِّدون المرُسِل ويوحِّدون المٌرسَل. يوحِّدون المُرسِل - جل في علاه - تحقيقًا لعبوديته، ويوحِّدون المُرسَل في الإتباع وصدق الانقياد والاستسلام لما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم -، فيعبدون الله حق عبادته، ويتّبعون رسوله - صلى الله عليه و سلم - حق الإتباع ويجرّدون الإتباع لرسول الله - صلى الله عليه و سلم - فلذلك يتميّزون.
[الأنفال: 37]يتميّزون في عبادتهم، يتميزون في اتّباعهم، يتميّزون بحسن سلوكهم يتميّزون في دقيق الأمور وجليلها، كلها لا تفريق. تميّزٌ في العبادة، تميّزٌ في المعاملة، تميّزٌ في السلوك، تميّزٌ، تميّزٌ، تميّزٌ في كل الجوانب! وتميّزٌ في اتّباعهم للحق وبعثهم عنه والتواضع له والإنقياد، ومع هذا كله، إذا استقر لديهم تمايزوا وتباعدوا وتفارقوا مفارقين الباطل وأهله، فتمايزوا وتفارقوا عن كل ما يضاد الحق ويفارقوا كل ما عاند الحق وصدّ عنه، فترى أهل الحق يتمايزون على أهل الضلال والكفر والعناد والبدع. يقول الهل - جل في علاه -: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُون} [الأنفال: 36]، تأملوا الآبة التي بعدها: {لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ}.
يقول الإمام ابن كثير - رحمة الله عليه - في تفسيره عند هذه الآية من سورة الأنفال، ناقلاً قولاً لابن عبّاس - رضي الله تعالى عنهما -، قال في قوله تعالى: {لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ} [الأنفال: 37]، قال: "يميز أهل السعادة من أهل الشقاء"، وذكر عن غيره أيضًا أنه قال: "يميز المؤمن من الكافر"، ويقول شيخ شيوخنا العلامة المحقق السعدي - رحمه الله - في تفسيره في قول الله - جلّ في علاه -: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ * وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 40-41-42]، قال - رحمه الله - {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} [البقرة: 42]، قال: "لا تلبسوا أي لا تخلطوا" قال: "فنهاهم عن شيئين: عن خلط الحق بالباطل - هذا أمر - وكتمان الحق".
خلط الحق بالباطل هذا ليس فيه تميّز، ما الذي يا (...)، طيب لا تمايز يكون. قال: "وكتمان الحق لأن المقصود من أهل الكتاب والعلم أو من أهل الكتب والعلم المقصود أن يكون، تميّز الحق وإظهار الحق" لماذا؟ قال:"ليهتدي لذلك المهتدون ويرجع الضالون وتقوم الحجّة على المعاندين" لماذا؟ قال: "لأن الله فصّل آياته وأوضح بيّناته"، طيب نقول: لماذا فصّل الله آياته وأوضح بيّناته؟ قال رحمه الله: "ليميز الحق من الباطل أو ليميّر الحق من الباطل" ثمّ قال: "ولتستبين سبيل المهتدين من سبيل المجرمين، فمن عمل بهذا من أهل العلم - يعني ميّز الحق من الباطل حتى تستبين سبيل المؤمنين والمهتدين من سبيل المجرمين - فهو من خلفاء الرسل وهداة الأمم، ومن لبّس الحق بالباطل، فلم يميّز هذا من هذا، مع علمه بذلك، وكتم الحق الذي يعلمه، وأُمر بإظهاره، فهو من دعاة جهنم، لأن الناس لا يقتدون في أمر دينهم بغير علمائهم، فاختاروا لأنفسكم إحدى الحالتين". انتهى كلامه - رحمه الله.
ويقول الله - جلّ وعلا -: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 140]، ذكر بعض أهل العلم - رحمة الله تعالى عليهم - أن هذه الآية في تفسيرها، قال: "إنما أصاب المؤمنين في تلك الغزوة - المراد بها غزوة أحد - فحزنتم على ذلك، فقد أصاب المشركين جراحٌ وقتل، مثل ذلك في غزوة بدرٍ من قبل" قال: "وتلك الأيام يصرّفها - جلّ وعلا - بين الناس لما في ذلك من الحكمة"، إلى أن قال: "حتى يظهر ما علمه في الأجل ليميز الله المؤمن الصادق من غيره". ولا يخفى عليكم أيضًا أيها الأحبة قول الله - جل وعلا -: {وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 5] ولقوله - جل وعلا -: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]، وفي هاتين الآيتين بيانٌ وتذكيرٌ وإشارةٌ إلى أنّ القرآن وكذلك السنّة قد فصّلت سبيل المجرمين، وكذلك فصّلت سبيل المؤمنين، فمن ترك سبيل المؤمنين هلك وضلّ، {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].
يقول الإمام ابن القيّم - رحمه الله - في الفوائد عند هاتين الآيتين معلقًا: "قد بيّن سبحانه في كتابه سبيل المؤمنين مفصلةً وسبيل المجرمين مفصلةً، وعاقبة هؤلاء مفصلة، وعاقبة هؤلاء مفصّلة، وأعمال هؤلاء وأعمال هؤلاء، وأولياء هؤلاء وأولياء هؤلاء، وخذلانه لهؤلاء وتوفيقه لهؤلاء، والأسباب التي وفّق بها هؤلاء والأسباب التي خذل بها هؤلاء". بيّن ذلك - سبحانه وتعالى - الأمرين في كتابه، وكشفهما وأوضحهما وبيّنهما غاية البيان. يقول: "حتى شاهدتهما البصائر كمشاهدة الأبصار للضياء والظلام"، يعني أن الأمر بيّنٌ ظاهرٌ واضحٌ جليٌّ لدرجة أن البصائر شاهدت ذلك كمشاهدة ذلك الأبصار. المرء المبصر يميّز بين الظلام والضياء، إلى هذا الحدّ من الوضوح والبيان، قال: "فالعاملون بالله وكتابه ودينه عرفوا سبيل المؤمنين معرفةً تفصيلية وسبيل المجرمين معرفةً تفصيلية، فاستبانت لهم السبيلة، كما يستبين للسالك الطريق الموصل إلى مقصوده والطريق الموصل إلى الهلكة، فهؤلاء - يعني القسم هذا العالمون بالله وكتابه، العارفون لسبيل المؤمنين وسبيل المجرمين بالتفصيل - هؤلاء أعلم الخلق، وأنفعهم للناس وأنصحهم لهم".
شوف هذه الأبصار - بارك الله فيك -: أعلم وأنفع وأنصح للخلق. زدنا يا ابن اليم! زاد فقال: "وهم الأدلاء الهداة"، هناك أدلاء ضلال وهناك أدلاء هداة، هؤلاء أدلاء هداة؛ لأنهم يقولون بالحق ويعملون به ويحذّرون الناس من الشر وينتهون عنه، قال: "وهم الأدلاء الهداة وبذلك برز الصحابة على جميع من أتى بعدهم الى يوم القيامة"، قولوا لي بركم، هؤلاء المتطاولون - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأقدام الأغمار الأغرار الفجّار عن صراط الله المستقيم، ما مقامهم؟! أمام أولئك العمالقة الطوال الأدلاء الهداة، رضي الله تعالى عنهم. ولهذا المتكلّم فيها الذي ينال من مقامهم ومناقبهم قد آذى نفسه وأوردها الهلكة والعياذ بالله. قال: "وبذلك برز الصحابة على جميع من أتى بعدهم إلى يوم القيامة، فإنهم نشـأوا في سبيل الضلال والكفر والشرك والسبل الموصلة إلى الهلاك وعرفوها مفصّلة، ثم جاءهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأخرجهم من تلك الظلمات إلى سبيل الهدى وصراط الله المستقيم، فخرجوا من الظلمة الشديدة إلى النور التام، ومن الشرك إلى التوحيد، ومن الجهل إلى العلم، ومن الغيّ إلى الرشاد، ومن الظلم إلى العدل، ومن الحَيْرة والعمى إلى الهدى والبصائر، فعرفوا مقدار ما نالوه وظفروا به، ومقدار ما كانوا فيه، فإن الضدّ يظهر حُسنه بالضد، وإنما تتبيّن الأشياء بأضدادها، فازدادوا رغبةً ومحبة فيما انتقلوا إليه، ونفرة وبغضًا لما انتقلوا عنه، وكانوا أحبّ الناس في التوحيد والإيمان والإسلام، وأبغض الناس في ضده، عالمين بالسبيل على التفصيل، وأما من جاء بعد الصحابة، فمنهم من نشأ في الإسلام غير عالمٍ تفصيل ضده، فالتبس عليه بعض تفاصيل سبيل المؤمنين بسبيل المجرمين، فإن اللّبس إنّما يقع إذا ضعف العلم بالسبيلين أو أحدهما، كما قال عمر [بن] الخطاب - رضي الله عنه -: "إنما توقد عُرى الإسلام عروةَ عروة، إذا مشى في الإسلام من لا يعرف الجاهلية"، يقول معلقًا على هذا، قال: "وهذا من كمال علم عمر - رضي الله عنه - فإنه إذا لم يعرف الجاهلية وحكمها، وهو كل ما خالف - الآن يعرف لك ما هي الجاهلية - أنه كل ما خالف ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه من الجاهلية، هي منسوبة إلى الجهل، وكل ما خالف الرسول - عليه الصلاة والسلام - هو من الجهل، فمن لم يعرف سبيل المجرمين، ولم تستبن له أو شكّ أن يظن في بعض سبيلهم أنها من سبيل المؤمنين كما وقع في هذه الآية من أمورةٍ كثيرةٍ في باب الاعتقاد والعلم والعمل، هي من سبيل المجرمين والكفار وأعداء الرسل، أدخلها من لم يعرف أنها من سبيلهم في سبيل المؤمنين". ماذا فعل؟ ما هو فقط أدخلها، قال: "ودعى إليها" ثم "وكفّر من خالفها" ثم "واستحل منه ما حرّمه الله ورسوله" مثل: قال "كما وقع لأكثر أهل البدع من الجهمية والقدرية والخوارج والروافض وأشباههم ممن ابتدع بدعةً ودعا إليها وكفّر من خالفها".
وكان مما ذكر - رحمه الله - في أقسام الناس في هذا الباب أنهم على أربعة أقسام:
القسم الأول الذي سبق.
قال، والفرقة الثانية: من عَمِيَت عنه السبيلان، من أشباه الأنعام، لا يعرف سبيل الحق المفصّل ولا سبيل الباطل المفصّل، قال في هؤلاء: "وهو في سبيل المجرمين أحضر ولها أسلك". عَمِيت عليه السبيلان، لا يعرف. هو لا يفرق ولا يميز ولا يحسن التمييز، قال: "وهو في سبيل المجرمين أحضر ولها أسلك".
ثم قال، والفرقة الثالثة: من صرف عنايته إلى معرفة سبيل المؤمنين دون ضدها، فهو يعرف ضدها من حيث الجملة والمخالفة فقط، يعني يشتغل بمعرفة الحق المفصّل دون معرفة الباطل المفصّل، يعرف الحق المفصل يقول: "معرفة سبيل المؤمنين دون ضدها، معرفته في الضد معرفةٌ من حيث الجملة والمخالفة"، قال: "وأنّ كل ما خالف سبيل المؤمنين فهو باطلٌ". هكذا فقط يعرف، كل ما خالف هذا فهو باطل"، قال: "وفيه من يتصوره على التفصيل، بل إذا سمع شيئًا مما خالف سبيل المؤمنين صرف عنه سمعه"، ما أريد أسمع ما أريد أعرف ولا أريد أن أتعبد ولا ولا ... وهكذا! بدعوى أنه لا تشغلني بهذا القيل والقال.
طيب، ثم يقول - رحمه الله -: "صرف عنه سمعه ولم يشغل نفسه بفهمه أو يُشغل نفسه بفهمه، ومعرفة وجه بطلانه"، طيب ما هي حال هذا؟ قال: "وهو بمنزلة من سلمت نفسه من إرادة الشهوات فلم تخطر بقلبه ولم تدعُهُ إليها نفسه، بخلاف الفرقة الأولى؛ فإنهم يعرفونها وتميل إليها نفوسهم ويجاهدونها على تركها"، قال: "وهكذا من عرف البدعة والشرك والباطل وطرقه، فأبغضها لله، وحذرها وحذّر منها، ودفعها عن نفسه، ولم يدعها تخدش وجه إيمانه، ولا تورثه شبهةً، ولا شكًا، بل يزداد بمعرفتها بصيرةً في الحق، ومحبةً له، وكراهةً لها، ونفرةً عنها، هذا أفضل مِمّن لا تخطر بباله ولاتمر بقلبه".
ثم قال عن الفرقة التي بعد هذه، الرابعة: "فرقةٌ عرفت سبيل الشر والبدع والكفر مفصّلة، وسبيل المؤمنين مَجْمَلة - عكس الثالثة - وهذا حال كثيرٍ ممن اعتنى بمقالات الأمم ومقالات أهل البدع، فعرفها على التفصيل، ولم يعرف ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - كذلك، بل عرفه معرفة مجملة، وإن تفصّلت له بعض الأشياء ومن تأمل كتبهم رأى ذلك عِيانًا، وكذلك من كان عارفًا بطريق الشر والظلم والفساد على التفصيل سالكًا لها، إذا تاب ورجع عنها إلى سبيل الأبرار يكون علمه بها مُجملاً، غير عارفٍ بها على التفصيل معرفة من أفنى عمره في تصرّفها وسلوكها. والمقصود، أن الله تعالى يحب أن تُعرف سبيل أعدائه - لماذا؟ - لتُجتنب وتبغض، كما يحب أن تُعرف سبيل أوليائه لتُحبّ وتُسلك"، قال: "وفي هذه المعرفة من الفوائد والأسرار ما لا يعلمه إلا الله". انتهى كلامه - رحمه الله.
إذًا التميّز والتمايز ظاهرٌ في جميع الأبواب. أقول: وظاهرٌ في جميع الأبواب، والسنّة... أقول: السنّة داعيةٌ إلى هذا ومبيّنة وظاهرةٌ فيها لمن تأمّل - بارك الله فيكم -، وقل لمن تأملها بصدق فيجب على من يسلك على هذا السبيل ويسير على هذا الطريق أن يكون مميّزًا متمايزًا. متميّزٌ بسنّة تمسّكه واتّباعه وصدق ذلك، متمايزٌ مفارقٌ منابذٌ للضلال وأهله والعياذ بالله، بصنوفهم. والمتأمل أيضًا في سير الصحابة الصالحين والدعاة المصلحين يجدهم كلهم تجتمع فيهم هذه - ماذا؟ - هذا الوصف من التميّز والتمايز. ولا يكتفي عن الحق بأن كل ندّ جاءهم من أهل الضلال المخالفين الصادّين عن الحق، يكون سببًا في تركهم للحق؛ فهؤلاء المشركون قديمًا كانوا يقولون عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن آمن بالتوحيد كانوا يسمونهم بالصابئة، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - تميّز بدعوته، دعوة الناس إلى التوحيد، وتمايز عنهم فأعرض عنهم - أقول - فأعرض عنهم، ودعاهم إلى الحق، وسلك المسلك الحسن الرفيع، إلى غير ذلك مما هو معروف من شمائله وسيرته - عليه الصلاة والسلام. تميّز بذلك أصحابه - رضوان الله تعالى عليهم - وتمايزوا باعتصامهم وتمسّكهم، فهؤلاء بعضهم كان يُجلد ويُضرب على رمضاء مكة على أن يرجع عن دينه فلا يرجع، حتى قال أحدهم لأمه :"والله يا أماه لو أن لكِ مئة نفس، تخرج الواحدة تلو الأخرة ما تركت هذا الدين".
وفي الصحيحين أن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان يمرّ على بعض أصحابه وهم يعذّبوا في رمضاء مكة، وبعضهم كان يقول: "يا رسول الله ادع الله لنا"، يعني أن يخفّف، فغضب النبي - عليه الصلاة والسلام - فقال: "إنّ من كان قبلكم كان يؤتى بالرجل فيوضع على مفرق رأسه المنشار أو المئشار فيفلق فلقتين على أن يرجع عن دينه ولا يرجع". هكذا تميّزوا - رضي الله عنهم - وتمايزوا على الكفر والإلحاد، وثبتوا على الحق ودعوا الناس إليه، والأمثلة في هذا الباب كثيرة كما قلنا من أئمة السنّة ممن جاء بعد الصحابة والتابعين وأئمة الهدى حتى يومنا هذا، أقول: حتى يومنا هذا، كل من كان على الحق وثبت عليه وبعلمٍ وعدل هو متميزٌ متمايزٌ.
نسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لما فيه الهدى والرشاد، وأن يثبتنا وإياكم على الحق حتى نلقاه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الأسئلة
السؤال الأول:
السائل: كيف نتعامل شيخنا - بارك الله فيكم - مع ما يجري في هذه الأيام مما يروّج له الحدادية من الطعن على الشيخ ربيع - حفظه الله - من أنه ليس على ما عليه العلماء الكبار في مسائل الإيمان والعقيدة، وأنه على انحراف في هذا؟
الشيخ: أقول، قد أجبنا مرارًا عن مثل هذا الكلام الـ(...) - بارك الله فيكم - وهؤلاء لا يفتُرون، وقد بينّا - بارك الله فيكم - في محاضرة لنا فيها ذكر جملة من صفات هؤلاء الحدادية، أنهم في حقيقتهم خوارج مارقون تكفيرية، لكن جعلوا قضايا الإنتصار بالتوحيد والسنّة، أقول: جعلوها مدخلاً للنيل من دعاة الحق والسنّة، فيستبيحون منهم ما لا يجوز استباحته، هكذا كان سلفهم يفعلون، أقول هكذا كان سلفهم يفعلون مع أهل الهدى ودعاة الحق. التكفيريون، سيد قطب وجماعته وهؤلاء من المعاصرين، وما تقرر عنه من أفكاره وتحملته جملة من المدارس، كانوا يرفعون بعض الشعارات الأخرى بدعوى أيضًا تحكيم الشريعة، وقضية الحاكمية، فاستباحوا الدماء والأعراض وغير ذلك، وقتلوا وسفكوا والأمر ظاهرٌ في هذا بيّن، أقول: بيّنٌ في كثير من البلدان مما تولّد من هذا الفكر المنحرف، أعني فكر سيّد قطب التكفيري.
فلما أنبر أهل السنّة وعلماء الحق برد ودحض فكره وبيان ضلاله وضلالاته انكشف هؤلاء جدًا، فما هي الفرية التي يتسترون من ورائها للنيل أيضًا من أهل السنّة وعلماء الحق؟ وبالتالي يكفّرون الناس ويستبيحون منهم ما لا يجوز استباحته كما فعلوا من قبل، فـ(...) بكتاب ماذا؟! الدعوة والإنتصار والتوحيد ومسائل الإيمان، وهم والله من أجهل الناس في هذا الباب! أقول مخالفون منابذون لأهل الحق جميعًا، وانتصارهم بالتوحيد والسنّة كذبٌ وزور، أقول: كذب وزور! وهي شمشمةٌ نعرفها من أقدم، كذّابون دجّالون! فلا أدري هذا الذي تبيّن لهم بالنسبة للشيخ، شيخنا الله يحفظه ... يعني هل غاب هذا الحق؟ أقول هل غاب هذا الحق الذي يدّعونه؟ نعم ... عن العلماء الذين عرفوا شيخنا وقرؤوا كتبه وأثنوا عليه وأيّدوه، نعم.
أقول: هل غاب عنهم أولئك؟ ورضوا بانحرافه العَقَدي؟ فإن كان الأمر كذلك؛ فهم يلحقون به أيضًا بناءً على قاعدتهم الفاسدة، وإن لم يكن كذلك، فما الذي جدّ إذًا؟ فهؤلاء - بارك الله فيك - لا يفتُرون من الكذب أبدًا، والافتيات على أهل العلم، ويتعاملون معهم، تعاملوا مع هؤلاء الضلال بكل صرامة! هؤلاء لا نعمة لهم ولا كرامة! نفعل معهم لو كان ثمة يعني... الواجب على ولاة أمور المسلمين أن يقفوا من هؤلاء المبتدعة الضلال موقفًا حازمًا، كما فعل عمر رضي الله عنه مع صبيّه، وهكذا...
فهؤلاء لا يلتفت إليهم ويرد عليهم - بارك الله فيك - ويعني... ينكّل بهم من حيث الردّ، ومن كان ولي أمرٍ رفع إليه أمرهم، يجب أن يأخذ عليهم وأن يعزّرهم التعزير البليغ الشديد، وأما من أليس كذلك فيبيّن عوارهم لمقتضى المصلحة، وأما عامة الناس فلا يكلمونهم ولا يسلمون عليهم ولا يجالسونهم ولا يلتفتون إلى مقالاتهم ولا يردون في مقالاتهم ولا تُعِر سمعك ولا نصف كلمة لواحدٍ من هؤلاء! لأنهم للحق ليسوا أهلاً للإستماع ولا للنظر ولا للكلام ولا لأي شيء! حتى يتوبوا، توبةً صالحة ناصحة صادقة، يرجع إلى الحق ويترك الباطل الذي هم فيه ويبيّن ما كانوا عليه من ضلال ويرجعوا إلى حضيرة أهل الحق، يعني - بارك الله فيك - هذا كلام قديم، الحدّاد شيخ الضلالة هذا كان له كتاب يدّعيه من زمان، اسمه الخميس يقصد به الجيش. من قديم، من قديم نحن نسمع أن له... يتبجّح عندي كتاب الخميس، ماذا في هذا الخميس؟ أنه ردٌ على الألباني في ألف صفحة! ماذا فيه؟! موضوع متعلق بالإيمان والإرجاء والكلام الفارغ هذا، ولماذا يُخرج خبيثه حتى الآن؟ لأنّ عساكر وجيوش أهل السنّة قمعته! وأبادت خميسه في محلّه، فهمتم؟ فما صار خميسه خميسًا.
بدأ يجمّع أتباعه وأذنابه من جديد من هؤلاء الشذّاذ التكفيرية، المارقون، ويُخرجون هذه الكتابات من جديد، وكذلك يفعلون - بارك الله فيكم - يعني... فكرة خبيثة دسيسة على أهله، (...) وهم من أكذب الناس انتصارًا للتوحيد، و... الشيخ يخالف الكبار، لا ندري أي كبارًا يعتبرون؟ كما قلت في سؤال مضى في أحدى اللقاءات أيضًا في مسجد الرضوان، هؤلاء لا يقيمون وزنًا لأحد.
.كما كان (...) يعني أذنابهم وأصولهم من قبل فريد المالكي وشلّته، لا يقيمون وزنًا، لا لابن جرير ولا ابن خزيمة ولا أحد ولا حتى ابن تيمية ولا غيره، أي كبارٌ يعتدّون من هؤلاء؟ هذا ما تهواه أنفسهم، وكما قلت: هم من أجهل الناس في هذه المسائل، والله من أجهل الناس! وكتاباتهم تظهر جهلهم الفاضح! لو أردنا أن نعاملهم بميزانهم، من زمان تعاملنا معهم على أنهم ليسوا من أهل الإسلام، نعوذ بالله! لأنهم يقولون مقالات نسأل الله العافية والسلامة، لكن أهل السنّة على علمٍ وعدل، أهل علمٍ وعدل، ما هو القول فيهم؟ ضلالٌ مبتدعة مارقون كذّابون تكفيريون خوارج، نعم.
السؤال الثاني:
السائل: بارك الله فيكم شيخنا وأحسن إليكم. سؤالٌ آخر: شيخنا أحسن الله إليكم وبارك فيكم، نحن طلاب العلم الحضور نشكركم جدًا على ما تقدّمون، وندعو الله لكم أن يجعل هذا الوقت والجهد في ميزان حسناتكم...
الشيخ: آمين.
السائل: شيخنا الفاضل، نظرًا لاجتماع ثلةٍ - يعني طلبة العلم - في دور الحديث وفي غيرها وطلاب العلم في المملكة المغربية جميعها في هذا المكان المبارك، في هذه الساعة المباركة، نريد أن نسمع منكم - حفظكم الله - ماذا نُقل عنكم في أنّكم قد تكلّمتم في المدعو: هشام القصاص؛ لأن بعض الناس يشكّك في هذا الأمر، فنريد أن نسمع منكم - بارك الله فيكم - ما دام أن الإخوة جميعًا حاضرون يسمعون، جزاكم الله خيرًا.
الشيخ: يشكّكوا في ماذا؟
السائل: يشكّكون في تحذير الشيخ عُبيد وأنّ الشيخ ربيع قال له درّس، مثل هذه الأمور...
الشيخ: يعني يشكّكون فيما نقل عني ولا فيما نقل عن غيري؟
السائل: فيما نقل عنكم، نعم أيضًا. يقولون: نحن نريد أن نسمع بصوت الشيخ.
الشيخ: يريدون أن يسمعوا بصوت الشيخ؟
السائل: نعم، يقولون هذا.
الشيخ: على كل حال - بارك الله فيكم - قد تكلّم شيخنا الشيخ عٌبيد وكفّى الحمد لله. فبارك الله فيكم، نعم، أنا قلت فيه... ذلك الأخ الذي مرةً في بعد مسجدٍ أو لقاء في مسجد ذي النورين، نعم. نسيت الأخ السائل... الرجل على كل حال هذا أنا ناسيته، الآن يعني نسيت اسمه أو كنيته، قلت له: قال لي: يبلّغك السلام، قلت: وعليك السلام لكني لا أرتضيه. وعلى كل حال - بارك الله فيك - لا تشتغلوا به، نسأل الله أن يهديه وأن يصلحه وأن يردّه إلى الحق ردًا جميلاً، أما إن بقي على ما هو عليه، فالله المستعان. يجب أن يُحذَر منه، بارك الله فيك.
السائل: بارك الله فيكم شيخنا وأحسن إليكم.
الشيخ: آمين، وإياك. يعني يجب أن تكون التوبة توبةً نصوحة، صادقة، صحيحة، ظاهرة. وهذا أمرٌ يعني... واجبٌ عليه وعلى غيره ممن وقع في مثل ما وقع فيه، وكان الواجب عليه إذا ما نُصح نصيحةً ظاهرة وبُيّنت له وأريد له الخير، الواجب أنه ينساق وينقاد ويتواضع للحق، ما هذه المكابرة والمعاندة واللف والدوران، أقول: واللف والدوران، والمماحكة، هذا يضرّ الإنسان ولا ينفعه. يعني... ما تحتاج الدعوة، لا تتحمل مثل هذا التلاعب - بارك الله فيكم، نعم.
السائل: نعم شيخنا، جزاكم الله خيرًا وأحسن إليكم.
السؤال الثالث:
السائل: ينقل بعض الطلبة عنكم - حفظكم الله - أنكم لا تجيزون التدريس إلا بشرط التزكية، فنرجو منكم توضيحًا في هذا الأمر - بارك الله فيكم.
الشيخ: أين سمعوا هذا؟
السائل: هكذا كُتب إليّ السؤال فألقيته عليكم شيخنا - بارك الله فيكم.
الشيخ: ما اختلفنا - بارك الله فيك -، من هؤلاء الذين يقولون؟ أين سمعوا منّي؟ وأين قلت هذا؟
السائل: يعني يطالبون بهذا الذي يقولون؟
الشيخ: فليثبوا هذا - بارك الله فيك -، لا شكّ أنه لا يجوز أن يدرّس من ليس أهلاً - بارك الله... يجب أن يكون المدرّس والمعلم أهلاً لذلك. وقد تتحقق هذه الأهلية - بارك الله فيكم - (...) عند أهل العلم، قد بينّاها - بارك الله فيكم - مرارًا وتكرارًا، أما هكذا أنّي لا أجيز... حتى من بعض الذين زُكّوا من بعض المشائخ ليسوا أهلاً للتدريس! من غير أن نسمّي، لو سمّينا أمكن لكثير منكم صدم الآن! أقول: لو سمّينا بعض الذين زُكّوا لصدمتم! ولا نراهم أهلاً - بارك الله فيكم - ما فيه داعي، نعم. فلذلك التفصيل قد بينّاه وكيفية ذلك قد بينّاه أيضًا مرارًا وتكرارًا؛ فليرجع إليه، نعم.
السائل: أحسن الله إليكم وبارك فيكم. لعلّ هذا يكون السؤال الأخير - إن شاء الله - لكي لا نشق عليكم شيخنا - بارك الله فيكم.
الشيخ: وفيكم بارك الله.
السؤال الرابع:
السائل: يذكر السائل... يقول: هل الخارجون على حكام المسلمين في هذه المظاهرات والإعتصامات التي مرّت، وإلّم يكن لهم تكفيرٌ للحكام، هل يعدّون من قبيل الخوارج أو البغاة؟ بارك الله فيكم.
الشيخ: هذا الفعل، لم تأتِ به الشريعة، أقول: هذا الفعل مخالفٌ لشرع الله، وهو ضربٌ من الخروج، وكما قال ابن حجر رحمه الله - في شرح البخاري: "أن الخروج يكون ولو بأدنى شيء". وأدنى شيء - بارك الله فيك - معلوم، الكلمة. وكما قرر غير واحد من أهل العلم، أن الخروج بالشيء لا يمكن أن يكون إلا وقد سبقه خروجٌ بالكلمة. لا يمكن، لا يمكن أن يخرج خارجيّ فيحمل السيف، إلا وقد كان قد خرج من قبل بلسانه، أو أنّه اعتقد ذلك بقلبه. لا يمكن - بارك الله فيك - والتاريخ يشهد بهذا كثيرًا، وهؤلاء الذين خرجوا في المظاهرات يقولون سلمية، ثم بعد ذلك تنقلب دموية وقاتل ومقتول وتخريب وإلى... دجّالين، دجّالين. يعني إنما خرجت من ظئر وظهر الكفار - بارك الله فيكم - والمشركين هؤلاء. صدّروها فأخذها هؤلاء وينفذون مآربهم. بعدين هؤلاء عندما يخرجون يقولون: ارحل! ارحل! ارحل! ارحل! إيش معنى هذا؟ يقول ارحل، فين يروح؟ يرحل فين؟ ما يخرج يخرج؟ فبارك الله فيك، يرحل فين يروح؟ يترك يعني؟ فإن لم يرحل، رحّلوه! وكيف يرحلّوه، بالكلمة؟
بارك الله فيك، يعني الواحد... هؤلاء مغفلون أم يتغافلون الناس؟ ويعني - بارك الله فيك - أقول: لا يُنظر هذا الكلام يعني... في سوق البحث والتحقيق، أو على ميدان البحث والتحقيق، ما يمكن أبدًا! وما أفلح قومٌ خرجوا، حتى في المظاهرات والواقع خير شاهد. هذه البلدان يعني انظروا فيها، في كثيرٍ من البلدان انظروا كيف آل أمرها نسأل الله السلامة والعافية، اسبتاحة للدماء وقتل لالأنفس المعصونة، أبدًا! استهتار بالدم إلى درجة يعني... ظاهرٌ فيها جدًا جدًا! لا شريعة تحكم هؤلاء ولا أخلاق ولا أعراف ولا أي قيم من قيم الإنسانية كما يقولون إن صحّ هذا.
ما فيه أي نوع... من الأبواب المكارم والأخلاق والبرّ والصلة والآداب، ما فيه، حتى هذا لا يتحاكمون إليه. هذا كلامٌ فارغ - بارك الله فيك - الفعل هذا فعل الخوارج، هذا الفعل فعل الخوارج، ولعلكم تعلمون - بارك الله فيكم - أن من فرق الخوارج القَعَدية، فهم يؤلبون الناس وهم قعود، رضوا بأن يكونوا مع الخوالف، نسأل الله السلامة والعافية، فانتبهوا من هؤلاء من هذه الشرذمة الشاذّة التي تروّج لهذه الأفكار المنحرفة، نعم. وبعضهم يقول أن ولاة الأمور في هذه البلدان يجيزون المظاهرات، يعني قادة بعض الدول - أصلحهم الله - يعني يقولون أن المظاهرة السلمية حقٌّ مكفول لكل أحد. هذا باطل أيضًا! هذا باطل! لا يجوز، لا يجوز.
وقد سئل شيخنا الشيخ ابن عثيمين - الله يرحمه - عن المظاهرات وبيّن أنها لا تجوز في الشريعة. قالوا يا شيخ: لو كان الوالي يسمح بها، قال: هو أصلٌ في أصله غير جائز. ولو سمح به ما جاز؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق أصلاَ. فكما لو أمرك بمعصية أو أباحها لك، هل يعني أن تكون جائزة؟ ما تكون جائزة! إنما الطاعة في المعروف - بارك الله فيكم - هؤلاء يعني... يشوشون على الناس و(...) عليهم، الحمد لله، قد بيّن الصبح كما تقول العرب: قد بيّن الصبح لكل ذي عينين. هذه البلدان خير شاهد فيما يحصل بها ويجري فيها، خرجوا فقتلوا وسفكوا ودمّروا وخرّبوا وسلبوا ونهبوا، ثمّ تراق الدماء فيها ولهذا يكذبون، ما قتلناه... الشرطة قتلته! يقتلونه ثم يقولون ما قتلناه، يرمونه هم الذين... كذّابين دجالين! نسأل الله العافية والسلامة، اللهم (...) من الفتن.
السائل: أحسن الله إليكم شيخنا، وأسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يبارك في وقتكم وعمركم، وأن يجزل لكم المثوبة وأقرئكم سلام الإخوة هنا جميعًا. يسّلمون عليكم، بارك الله فيكم وأحسن إليكم.
الشيخ: وإليكم، حياكم الله، حياكم الله، في أمان الله، السلام عليكم ورحمة الله.
من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأ شهد أن محمدًا عبدُه و رسولُه.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب: 70-71].
أما بعد، فإن أصدق الحديث، كتاب الله تعالى. وخير الهدي، هدي محمدٍ - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. وشر الأمور، محدثاتها، وكل محدثةٍ، بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة. وبعد...
فقد رغب إلي الإخوة أن أشارك الأبناء والإخوة المستمعين في هذا اللقاء، أن أشاركهم بكُليمة تذكيرية مع أنني على سفر. ولا يمنع من التواصي والتواصل بين أهل الحق وطلابه، فإن هذا الأمر - أعني التواصي والتواصل - على الحق وبالحق مما أوصى الله - عز وجل - به وحثّ عليه في قوله - جلّ وعلى -: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر].
.وهذا - إن شاء الله - تحقيقًا لا تعليقًا بأمر التواصي بالحق والتواصي بالصبر. فنسأل الله جلّ وعلا، أن يبارك في جهود الجميع وأن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل، وأن يسددنا جميعًا بما يُصلح أعمالنا وأقوالنا وأن يجعلها لوجه خالصة - سبحانه وتعالى - كما قال الله - جلّ وعلا -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الأحزاب: 70-71]، فنرجوه - جل في علاه - أن يرزقنا القول السديد والعمل الرشيد، الذي تصلح به أعمالنا فنفوز بمغفرة الله - جل وعلا - ورضوانه، وذلك هو الفوز العظيم، إن ربنا لسميع الدعاء.
وهذه الكلمة ... أو الكليمة، التي أرغب في مشاركة الإخوة والأبناء في هذا الإجتماع الذي نسأل الله - جلّ في علاه - أن يبارك فيه وفي جهود الساعين لهذا اللقاء والمجتمعين فيه. أقول وهذه الكُليمة حي حول قضية في نظرتي، تحتاج لإدراكٍ تام، وتصورٌ دقيق لمن يشتغل بالدعوة والتعليم، وهذا الأمر الذي سأنبّه عليه، قد كنت نبّهت عليه فيما مضى، في مواطن متعددة ومواطن أخرى سبقت، ولا يمنع من التذكير والتكرار؛ فإن الذكرى تنفع المؤمنين، ولا شكّ أن هذا مرتبط بما سبق أيضًا أن ذُكّر الجميع به، من ضرورة التسلّح لمن يتصدر للدعوة والتعليم بسلاح العلم. أعني العلم الشرعي الصحيح، المُستقى، المبني على الوحيين ومن الوحيين: الكتاب والسنّة، وفق فهم سلف الأمة الصالح - رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
فما يصلح للدعوة ولا للتعليم من يفقد هذا الأمر الأساس، أعني العلم الشرعي. ذلك أنّ فاقد الشيء لا يعطيه، وكما قال الإمام صالح [بن] بحرام - رحمه الله - كما في طبقات المحدثين بأصبهان "صاحب صناعةٍ، لا يستطيع أن يعمل في صناعته إلا بآلة، وآلة الإسلام، العلم". هذا العلم الذي يرفع الله به أقوامًا ويضع به آخرين، فأنت تتحلى بهذا الإسلام العظيم، بأن يدعوا الناس وأن يعلّمهم وليكون إمامًا ليؤتم به في الهدى والحق، {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24].
ولا أريد أن أعرّج على هذه النقطة لأنني كما قلت، قد سبق التأكيد والتنبيه عليها مرارًا وتكرارًا، فهي أساس لا بدّ منه، وخلوّ المرء من هذا، يُفقده الأهلية للدعوة والتعليم كما قلت، إذ إنّ فاقد الشيء لا يعطيه. لكن القضية التي أرغب التذكير وهي متصلة بهذا الأمر الأساس، إذ هي تطبيقٌ عمليٌ لهذا الأمر الأصيل، ولهذا الأسِّ الذي تبنى عليه الدعوة والتعليم، أعني العلم. فهي قضيةٌ - بارك الله فيكم - يحتاجها كل من يشتغل بدعوة الناس وتعليمهم، ولو تأمّلت مليًا في كل بلاد الأرض بلا استثناء،
شرقًا أو غربًا، شمالاً أو جنوبًا، في بلاد العجم أو في بلاد العرب، في بلاد الإسلام أو غير بلاد الإسلام. كل هذه الأماكن، وكل من يعمل في هذه الأماكن أو هذه البلدان، يحتاج إلى تحقيقٍ وتدقيقٍ في هذه القضية. ذلك أنّ تسلّط أعداء الدين،
من الكفرة والملحدين الأصليين، أو المنافقين المندسين، أو أهل البدع الضالين المُضلين من الحزبيين، وغيرهم وأفراقهم، بلا استثنناء.
وكذلك أهل الشهوات، من العصاة المارقين، وغيرهم من أدعياء التحرّر والتغريب، كل هؤلاء يجتمعون ويتجمّعون لزلزلة هذا الأمر المحوري، والقضية الكبرى، وهي في نظري قضيةٌ جوهريةٌ مفصلية. بل هي ... أستطيع أن أقول: أنها من القضايا الكبرى! وإهمالها وإبطالها والضعف والتواني أمام حملات أولئك من دعاة الشهوة، أو دعاة الشبهة، خطيئةٌ جسيمة! ونكسة عظيمة! وإزالةٌ لأمرٍ عظيم وجليل! ذلك أنّ هذه الفصيلة تختص بالاعتقاد والتعبّد لله - جل وعلا - إذ مما يدخل تحت ذلك،
أعني الاعتقاد، عقيدة الولاء والبراء، وكذلك شعيرة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وشعيرة النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، ويدخل تحتها أيضًا، شعيرة التواصي بالحق والتواصي بالصبر، ويدخل تحتها الإعتزاز في الإعتصام بالسنّة، إلى غير ذلك مما يدخل تحت هذه القضية المحورية الكبرى، فهؤلاء الضلال، والمشوَّهين، والمشوِّهين، من أبواق الإنحراف، وأبواق الشرّ، وأطرافهم وأذنابهم، كلهم يضرب في هذه المسألة بعنف. فكثر المُتفَيْقهون والمتشدقون، والمتكلمون، والناعقون، والكاتبون بالباطل، والمدافعون عن أهل الضلال والبدع، والمعاصي والشهوات، إلى غير ذلك.
كثِروا، لا كثّرهم الله! في الكلام حول هذه القضية والضرب فيها بعنف، أقول: كثر الكلام والضرب فيها بعنفٍ، ويؤكدون ذلك في مقالاتٍ عديدة. في محاضرات، أو لقاءات، أو أو أو غير ذلك. ومؤلفات، أو في الصحف والجرائد،
أو في القنوات الفضائية. المهم، يضربون بهذا بكل ما استطاعوا إليه سبيلاً، بكل وسيلةٍ يستطيعون الوصول إليها بالضرب بعنفٍ في هذه المسألة، فيصرفوا أهل الحق، والمتابعين للحقّ عن الحق. ويزلزلوا ويزعزعوا الحقّ في قلوب الناس والعياذ بالله.
ولو سألت ما السبب في هذا، أعني: في حرصهم للضرب في هذه القضية، والنيل منها والكتابة فيها، كان فيما مضى يكتبوب المؤلفات، أو ينشرون في الجرائد. أما الآن، مع وجود هذه الوسائل التي أتاحت لهم الوصول إلى كثير من عقول الناس عبر الفضائيات، أو الإنترنت أو ... الفيس بوك والأشياء هذه، صاروا ينشرون الضلالات والإنحرافات والخزعبلات، وكما يقولون: التغريدات. ثم إنّ بعضهم والله لا يغرّد، إنما ينعق! وليس يغرد. حاشا ذلكم الطير النبيل، أن يُشبّه بهذا الضال المتخلف والعياذ بالله، فما وأقول ما ذلك منهم، أي سعيهم الحثيث في النيل من هذه القضية إلا إنما وجدوا بعضًا، ولَمَسوا عَوَرًا، من حملة الحق، وأهله. وأقولها كما قرّرها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وتلميذه، شيخ الإسلام ابن القيّم - رحمة الله عليه - والعلامة ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية، وغيرهم. من أهل العلم، أنه لا تقوى أبدًا شوكة أهل الاهواء والبدع والشرك، إلا في حين غفلةٍ وضعفٍ شديدين من أهل الحق وحملته، فلا تظهر السنةٌ في مكانٍ، ويطغى أهلها وحملتها، إدارة الناس،
في تعليم الناس، في بيان الحق للخلق، إلا وضعفت في تلك المنطقة أو تلك البلاد البدعة، وكادت أن تختفي. وكلما ضعفت السنّة، أعني بضعف حملتها، قويت البدعة. المسألة مسألةٌ كما يقال: طردية. تقوى هذه، تضعف تلك، تضعف هذه، تقوى تلك.
فيا لغربة الإسلام - بارك الله فيكم - وغربة الحق وحملته، ودعاته في هذه الأزمان. وكلما ازداد ضربهم في هذا الباب، ونعيبهم في هذا الباب، يظهر لك بصدق وجلاء، أن هذه الغربة تشتد وتستحكم، والتي أخبر عنها النبي الكريم - صلوات الله وسلامه عليه - ما أخرجه مسلم في الصحيح، وغيره: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء". هذا وعدٌ من النبي - صلى الله عليه وسلم - للمتمسّكين بهذا الإسلام الحق، والداعين إليه بصدقٍ، أن له طوبى، طوبى للغرباء، وهؤلاء الغرباء،
سمّوا غرباء لا لشيء، وإنما السبب في هذا، بعدهم وفرارهم مما عليه الناس، من الضلال والهوى والوجوم، والفسق وغير ذلك من الإنحرافات، شهوات كانت أم شبهات. ذنب هؤلاء عند الناس أنهم اقتضوا السنّة ولزموها، هذا هو ذنبهم عند الناس. الذنب الذي اقترفوه هو اعتىصامهم بالسنّة والتزامهم بها على منهاج النبوة.
في أمثال هؤلاء، يقول الإمام ابن القيم - رحمة الله عليه - في كتابه العظيم مدارج السالكين، ثم شرح حديث الغرباء هذا، قال رحمه الله: "المؤمنون في أهل الإسلام غرباء، المسلمون في أهل المِلَلِ غرباء، وأهل السنّة في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم من أهل السنّة في أهل السنّة غرباء، المدبّون عنها، المدافعون عنها من أهل العلم في أهل العلم، غرباء. هؤلاء الداعون الدّابون الصابرون على أذى المخالفين، هم أشدّ هؤلاء غربةً"، ولهذا يقول فيهم - رحمه الله -: "ولكن هؤلاء هم أهل الله حقًا، فلا غربة عليهم، وإنما غربتهم بين الأكثرين الذين قال الله تعالى فيهم: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116]. ويقول - رحمه الله - فيهم، أعني في أولئك المخالفين لدعاة السنّة، الداعين إليها، قال: "فأولئك هم الغرباء من الله ورسوله ودينه وغربتهم هي الغربة الموحشة وإن كانوا هم المعروفين المشار إليهم".
وافتقد - رحمه الله - مبينًا صفة هؤلاء الغرباء الذين وعدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطوبى، وغبطهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر صفتهم، أنه من صفاتهم التمسّك بالسنة إذا رغب عنها الناس، وترك ما أحدثوه، أي كان هو المعروف عندهم. وتجريد التوحيد، وإن أنكر ذلك أكثر الناس، وترك الانتساب إلى أحدٍ غير الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لا شيخٍ ولا طريقةٍ ولا مرحبٍ ولا طائفة، بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية له وحده، وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالإتباع لما جاء به وحده، وهؤلاء يكون فيهم هم القابضون على الجمر حقًا، وأكثر الناس بل كلهم لائمٌ لهم، تجد غربتهم بين هذا الخلق يعدّونهم أهل شذوذٍ وبدعة، ومفارقة للسواد الأعظم. هكذا يعدّونهم، أنهم أهل شذوذٍ وبدعة...
[26:10 - كلام متقطع وغير واضح - 25:31]
لأنهم على خلاف ما يعتقده أولئك وأهواءهم، بل يقول - رحمه الله - بل الإسلام الحق الذي كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه هو اليوم أشد غربة منه في أول ظهوره، وإن كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة، فالإسلام الحقيقي غريب جدًا ، وأهله أشد غربةٍ بين الناس. وكيف لا تكون فرقةً واحدةً قليلة جدًا غريبةً بين اثنتين وسبعين فرقةً، ذات أتباع ورئاسات ومناصب وولايات، ولا يقوم لها سوق إلا بمخالفة ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فإن نفس ما جاء به يضاد أهواءهم ولذاتهم، وما هم عليه من الشبهات والبدع التي هي منتهى فضيلتهم وعملهم، والشهوات التي هي غاية مقاصدهم وإراداتهم، فكيف لا يكون المؤمن السائر إلى الله على طريق المتابعة غريبًا بين هؤلاء الذين قد اتبعوا أهواءهم، وأطاعوا شُحّهم، وأُعجب كل منهم برأيه، فإذا أراد المؤمن الذي قد رزقه الله بصيرةً في دينه، وفقهًا في سنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأراه ما الناس فيه من البدع والضلالات والأهواء، وتنكبهم عن الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فإذا أراد أن يسلك هذا الصراط، ماذا يفعل؟!
فليوطّن نفسه على قدح الجهال وأهل البدع فيه، وطعنهم عليه، وإزرائهم به، وتنفير الناس عنه وتحذيرهم منه، كما كان سلفهم من الكفار يفعلون مع متبوعه وإمامه - صلى الله عليه وسلم. فليوطّن نفسه، من أراد أن يسلك هذا السبيل، وينتهج هذا النهج، ويلزم هذا الطريق، إذاعة الحق للخلق، ودعوة الناس إلى السنّة والتزامها بعلمٍ وعمل، فليوطِّن نفسه على قدح الجهّال وأهل البدع فيه، وطعنهم عليه، وإزرائهم به، وتنفير الناس عنه، وتحذيرهم منه، من (...) هؤلاء، فله في ذلك سلفٌ صالح.
أما هو، فسلفه في ذلك، سلفٌ صالح. كما كان سلفه من الكفار يفعلون - مع من؟ - مع متبوعه وإمامه - صلى الله عليه وسلم - أما إن دعاهم إلى ذلك، يعني بيّن (...) عليه، وضلالهم فيه...
أقول: بارك الله فيكم، يقول رحمه الله، نكمل كلامه. قال - رحمه الله -: "فهناك - ماذا يفعلون؟ - قال "ينصبون له الغوائل... يبغون له الغوائل وينصبون له الحبائل" هكذا هم يفعلون قديمًا وحيثًا بالكذب والبهتان والباطل والدسائس والإفك والإفتراءات، لا يفتُرون لأنهم على ضلال يريدون نصرة الضلال بأي ثمن! والأدهى والأمر أن ينسب هذا للدّين والدّين منه براء".
قال - رحمه الله -: "يبغون له الغوائل وينصبون له الحبائل ولا يكتفون، بل يجلبون عليه بخيل كذبهم ورجله، أبدًا. بل يستعدون عليه السلطان، ولو استطاعوا أن يصلوا لغير ذلك من طواغيت الأرض ليستعثوا الناس عليهم". فما رأيتم بالبارحة وقبل أيام من تغريدةٍ كما يقول أو نهيق أو نعيق لأحد الشبان الضلال عندما يصف وينسب إلى هذه الدعوة المباركة والمذهب الحق الناصع الذي عليه الطائفة المنصورة بحق السلفية، الدعوة النقية، هي الإسلام الحق والقول الصدق، المسمّى بالكلباني ذيّاك الأفّاك عندما يغرّد كما يقولون أو ينعق لأن أولئك الضلال الخوارج المارقون المسمّون بداعش، أنّ داعش سلفية، كذب وفجر! وما قال إلا إفكًا وزورًا، وهذا الكلام سقوطه يغني عن إسقاطه، وكما قيل: "شمشمة أعرفها من أخزم فكل بليّةٍ يكونون وراءها ولما يتبين للناس عوارها ألصقوا تلك الشنائع وتلك القبائح بالدعوة السلفية المباركة"، هكذا يفعلون وعلى هذا يتواردون من قديم الزمان، كما هو سلفهم من الضلال يفعلون.
فقديمًا مثلاً، وليس يعني قديمًا متأخرًا، إنما في هذا العصر عندما خرج الضال جهيمان الخارجي واستباح بيت الله الحرام، ادّعى من ادّعى من أهل الضلال أن هؤلاء يقال عنهم بأنهم سلفيين، وقد ردّ عليهم وانبرى بكشف عَوَارهم والردّ على هذه الفرية المدّعاة، شيخنا العلامة الإمام: محمد أمان - رحمه الله -، في مجلة الجامعة الإسلامية إبّان عمله فيها وكان رئيسًا لمجلة الجامعة. وبيّن إفك هذه المقالة وضلالها وانحرافها عن الحق، وأن الذين قالوا هذا إما أن يكون يريد تأشير هذا الاسم المبارك أو أنهم لا يعلمون ما معنى السلفية وعلى كل حال -بارك الله فيكم - فكما قال: "يجلبون عليه بخيل كبيرهم ورجله، فهو غريبٌ في دينه لفساد أديانهم، غريبٌ في تمسّكه بالسنّة لتمسّكهم بالبدع، غريبٌ في اعتقاده لفساد عقائدهم، غريبٌ في صلاته لسوء صلاتهم، غريبٌ في طريقه لضلال وفساد طرقهم، غريبٌ في نسبته لمخالفة نِسَبهم، غريبٌ في معاشرته لهم؛ لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم".
قال: "وبالجملة، فهو غريبٌ في أمور دنياه وآخرته، لا يجد من العامة مساعدًا ولا معينًا، فهو عالمٌ بين جهال، صاحب سنّة بين أهل بدع، داعٍ إلى الله ورسوله بين دعاةٍ إلى الأهواء والبدع، آمرٌ بالمعروف ناهٍ عن المنكر بين قوم المعروف لديهم منكر والمنكر معروف"، انتهى كلامه - رحمه الله وغفر الله لنا وله. وكما قيل: وما أشبه الله بالبارحة، فهكذا... أقول: هكذا دعاة السنّة بعلمٍ وعدل، الدّابون عنها المبيّنون للناس الحق، والذين هم أرحم الخَلقِ بالخَلقِ أو من أرحم الخلقِ بالخلقْ، ويدعون الناس بالحق، لا يزال أهل الضلال والإفك والعدوان ينصبون لهم الحبائل ويبنون لهم الغوائل ويجلبون عليهم بخيل كبيرهم ورجله، لكن هيهات! هيهات ثم هيهات!
ونقول كما قال الله - جلّ في علاه -: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} [آل عمران: 111] هؤلاء الغرباء أيها الأحبة تشتد وطأة أهل الضلال والهوى من أهل الشهوات والشبهات على حملة الحق وأهله فكان لزامًا على أهل السنّة بحقٍ وصدقٍ، أهل السنّة المحضة أن يلزموا الغرز وأن يتمسّكوا جدًا بالوحيين، وأن يتزودوا كثيرًا وكثيرًا وكثيرًا! دائمًا وأبدًا بالأمر الأساس الذي أشرت إليه من قبل، أعني العلم النقي الصافي. ويزداد منه ولا تتوقفوا عند مرحلةٍ أو نقطةٍ أبدًا، تزودوا بهذا العلم السنّي النقي، فبالتمسّك بالعلم الصحيح نجاةٌ وعصمةٌ وفلاحٌ وسعادةٌ بإذن الله تحقيقًا لا تعليقًا في الدارين لمن صدق وبرّ، قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله -: "الفوز والسعادة والكمال والفلاح في نوعين اثنين، في العلم النافع والعمل الصالح".
فالله الله في التزوّد بهذا العلم وعدم الانتكاس عنه لحظة والتزود منه، فوالله ما علا سيف السنّة والعلم رؤوس أهل الأهواء والشهوات إلا وقطعها! لماذا؟ لأنّك التجأت إلى المعصوم وسدّدت على تلك الترّهات والأباطيل بسهمٍ لا يخيب، قال الله - جل في علاه -: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15-16]، ويقول الله - جلّ وعلا لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]، هذا التمهيد - إن صح أن نقول عنه تمهيد - للقضية الكبرى التي أشرت إليها، هي قضيةٌ كما قلت ربما لجميع من يسعون سعيًا حثيثًا لخلخلتها وزعزعتها، وهي موجودة سمّها كما شئت بأسماءٍ عديدة، أعني أوجه الخلخلة والتشويه والتشغيل. قضية تميّز أهل السنّة وتمايزهم، هذه القضية يسعون سعيًا حثيثًا أكيدًا بكل ما أوتوا من طرائق ووسائل الشيطان ودسائسه ومكائده وحبائله وأعوانه وأتباعه وأذنابه وأبواقه، نعم.
يسعون سعيًا حثيثًا لإزالتها، فيخرج الناس لا تمييز عندهم ولا تمايز لهم. التمييز أو المَيْزُ يقال في اللغة هو الفصل بين المتشابهات، لهذا يقال: مازه يميزه ميزًا وميّزه تمييزًا. قال الله - جل وعلا -: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: 37]، وفي قراءة حمزة والكساري وغيرهما: {لِيُمِيّزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: 37] ويطلق التمييز أيضًا على قوة الاستنباط وقوة الدماغ والعقل لهذا يقال مثلاً: "فلانٌ عنده تمييز، وفلان لا تمييز عنده"، والذي نعنيه ها هنا بالتمييز والتميّز، تميّز أهل السنّة والحق والنقاء والصفاء بالاعتقاد الناصع الصحيح وتميّزهم بصدق الإتّباع، تميّزوا وتمايزوا وتميزهم أيضًا بصدق الإتباع لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيوحِّدون المرُسِل ويوحِّدون المٌرسَل. يوحِّدون المُرسِل - جل في علاه - تحقيقًا لعبوديته، ويوحِّدون المُرسَل في الإتباع وصدق الانقياد والاستسلام لما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم -، فيعبدون الله حق عبادته، ويتّبعون رسوله - صلى الله عليه و سلم - حق الإتباع ويجرّدون الإتباع لرسول الله - صلى الله عليه و سلم - فلذلك يتميّزون.
[الأنفال: 37]يتميّزون في عبادتهم، يتميزون في اتّباعهم، يتميّزون بحسن سلوكهم يتميّزون في دقيق الأمور وجليلها، كلها لا تفريق. تميّزٌ في العبادة، تميّزٌ في المعاملة، تميّزٌ في السلوك، تميّزٌ، تميّزٌ، تميّزٌ في كل الجوانب! وتميّزٌ في اتّباعهم للحق وبعثهم عنه والتواضع له والإنقياد، ومع هذا كله، إذا استقر لديهم تمايزوا وتباعدوا وتفارقوا مفارقين الباطل وأهله، فتمايزوا وتفارقوا عن كل ما يضاد الحق ويفارقوا كل ما عاند الحق وصدّ عنه، فترى أهل الحق يتمايزون على أهل الضلال والكفر والعناد والبدع. يقول الهل - جل في علاه -: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُون} [الأنفال: 36]، تأملوا الآبة التي بعدها: {لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ}.
يقول الإمام ابن كثير - رحمة الله عليه - في تفسيره عند هذه الآية من سورة الأنفال، ناقلاً قولاً لابن عبّاس - رضي الله تعالى عنهما -، قال في قوله تعالى: {لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ} [الأنفال: 37]، قال: "يميز أهل السعادة من أهل الشقاء"، وذكر عن غيره أيضًا أنه قال: "يميز المؤمن من الكافر"، ويقول شيخ شيوخنا العلامة المحقق السعدي - رحمه الله - في تفسيره في قول الله - جلّ في علاه -: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ * وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 40-41-42]، قال - رحمه الله - {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} [البقرة: 42]، قال: "لا تلبسوا أي لا تخلطوا" قال: "فنهاهم عن شيئين: عن خلط الحق بالباطل - هذا أمر - وكتمان الحق".
خلط الحق بالباطل هذا ليس فيه تميّز، ما الذي يا (...)، طيب لا تمايز يكون. قال: "وكتمان الحق لأن المقصود من أهل الكتاب والعلم أو من أهل الكتب والعلم المقصود أن يكون، تميّز الحق وإظهار الحق" لماذا؟ قال:"ليهتدي لذلك المهتدون ويرجع الضالون وتقوم الحجّة على المعاندين" لماذا؟ قال: "لأن الله فصّل آياته وأوضح بيّناته"، طيب نقول: لماذا فصّل الله آياته وأوضح بيّناته؟ قال رحمه الله: "ليميز الحق من الباطل أو ليميّر الحق من الباطل" ثمّ قال: "ولتستبين سبيل المهتدين من سبيل المجرمين، فمن عمل بهذا من أهل العلم - يعني ميّز الحق من الباطل حتى تستبين سبيل المؤمنين والمهتدين من سبيل المجرمين - فهو من خلفاء الرسل وهداة الأمم، ومن لبّس الحق بالباطل، فلم يميّز هذا من هذا، مع علمه بذلك، وكتم الحق الذي يعلمه، وأُمر بإظهاره، فهو من دعاة جهنم، لأن الناس لا يقتدون في أمر دينهم بغير علمائهم، فاختاروا لأنفسكم إحدى الحالتين". انتهى كلامه - رحمه الله.
ويقول الله - جلّ وعلا -: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 140]، ذكر بعض أهل العلم - رحمة الله تعالى عليهم - أن هذه الآية في تفسيرها، قال: "إنما أصاب المؤمنين في تلك الغزوة - المراد بها غزوة أحد - فحزنتم على ذلك، فقد أصاب المشركين جراحٌ وقتل، مثل ذلك في غزوة بدرٍ من قبل" قال: "وتلك الأيام يصرّفها - جلّ وعلا - بين الناس لما في ذلك من الحكمة"، إلى أن قال: "حتى يظهر ما علمه في الأجل ليميز الله المؤمن الصادق من غيره". ولا يخفى عليكم أيضًا أيها الأحبة قول الله - جل وعلا -: {وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 5] ولقوله - جل وعلا -: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]، وفي هاتين الآيتين بيانٌ وتذكيرٌ وإشارةٌ إلى أنّ القرآن وكذلك السنّة قد فصّلت سبيل المجرمين، وكذلك فصّلت سبيل المؤمنين، فمن ترك سبيل المؤمنين هلك وضلّ، {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].
يقول الإمام ابن القيّم - رحمه الله - في الفوائد عند هاتين الآيتين معلقًا: "قد بيّن سبحانه في كتابه سبيل المؤمنين مفصلةً وسبيل المجرمين مفصلةً، وعاقبة هؤلاء مفصلة، وعاقبة هؤلاء مفصّلة، وأعمال هؤلاء وأعمال هؤلاء، وأولياء هؤلاء وأولياء هؤلاء، وخذلانه لهؤلاء وتوفيقه لهؤلاء، والأسباب التي وفّق بها هؤلاء والأسباب التي خذل بها هؤلاء". بيّن ذلك - سبحانه وتعالى - الأمرين في كتابه، وكشفهما وأوضحهما وبيّنهما غاية البيان. يقول: "حتى شاهدتهما البصائر كمشاهدة الأبصار للضياء والظلام"، يعني أن الأمر بيّنٌ ظاهرٌ واضحٌ جليٌّ لدرجة أن البصائر شاهدت ذلك كمشاهدة ذلك الأبصار. المرء المبصر يميّز بين الظلام والضياء، إلى هذا الحدّ من الوضوح والبيان، قال: "فالعاملون بالله وكتابه ودينه عرفوا سبيل المؤمنين معرفةً تفصيلية وسبيل المجرمين معرفةً تفصيلية، فاستبانت لهم السبيلة، كما يستبين للسالك الطريق الموصل إلى مقصوده والطريق الموصل إلى الهلكة، فهؤلاء - يعني القسم هذا العالمون بالله وكتابه، العارفون لسبيل المؤمنين وسبيل المجرمين بالتفصيل - هؤلاء أعلم الخلق، وأنفعهم للناس وأنصحهم لهم".
شوف هذه الأبصار - بارك الله فيك -: أعلم وأنفع وأنصح للخلق. زدنا يا ابن اليم! زاد فقال: "وهم الأدلاء الهداة"، هناك أدلاء ضلال وهناك أدلاء هداة، هؤلاء أدلاء هداة؛ لأنهم يقولون بالحق ويعملون به ويحذّرون الناس من الشر وينتهون عنه، قال: "وهم الأدلاء الهداة وبذلك برز الصحابة على جميع من أتى بعدهم الى يوم القيامة"، قولوا لي بركم، هؤلاء المتطاولون - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأقدام الأغمار الأغرار الفجّار عن صراط الله المستقيم، ما مقامهم؟! أمام أولئك العمالقة الطوال الأدلاء الهداة، رضي الله تعالى عنهم. ولهذا المتكلّم فيها الذي ينال من مقامهم ومناقبهم قد آذى نفسه وأوردها الهلكة والعياذ بالله. قال: "وبذلك برز الصحابة على جميع من أتى بعدهم إلى يوم القيامة، فإنهم نشـأوا في سبيل الضلال والكفر والشرك والسبل الموصلة إلى الهلاك وعرفوها مفصّلة، ثم جاءهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأخرجهم من تلك الظلمات إلى سبيل الهدى وصراط الله المستقيم، فخرجوا من الظلمة الشديدة إلى النور التام، ومن الشرك إلى التوحيد، ومن الجهل إلى العلم، ومن الغيّ إلى الرشاد، ومن الظلم إلى العدل، ومن الحَيْرة والعمى إلى الهدى والبصائر، فعرفوا مقدار ما نالوه وظفروا به، ومقدار ما كانوا فيه، فإن الضدّ يظهر حُسنه بالضد، وإنما تتبيّن الأشياء بأضدادها، فازدادوا رغبةً ومحبة فيما انتقلوا إليه، ونفرة وبغضًا لما انتقلوا عنه، وكانوا أحبّ الناس في التوحيد والإيمان والإسلام، وأبغض الناس في ضده، عالمين بالسبيل على التفصيل، وأما من جاء بعد الصحابة، فمنهم من نشأ في الإسلام غير عالمٍ تفصيل ضده، فالتبس عليه بعض تفاصيل سبيل المؤمنين بسبيل المجرمين، فإن اللّبس إنّما يقع إذا ضعف العلم بالسبيلين أو أحدهما، كما قال عمر [بن] الخطاب - رضي الله عنه -: "إنما توقد عُرى الإسلام عروةَ عروة، إذا مشى في الإسلام من لا يعرف الجاهلية"، يقول معلقًا على هذا، قال: "وهذا من كمال علم عمر - رضي الله عنه - فإنه إذا لم يعرف الجاهلية وحكمها، وهو كل ما خالف - الآن يعرف لك ما هي الجاهلية - أنه كل ما خالف ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه من الجاهلية، هي منسوبة إلى الجهل، وكل ما خالف الرسول - عليه الصلاة والسلام - هو من الجهل، فمن لم يعرف سبيل المجرمين، ولم تستبن له أو شكّ أن يظن في بعض سبيلهم أنها من سبيل المؤمنين كما وقع في هذه الآية من أمورةٍ كثيرةٍ في باب الاعتقاد والعلم والعمل، هي من سبيل المجرمين والكفار وأعداء الرسل، أدخلها من لم يعرف أنها من سبيلهم في سبيل المؤمنين". ماذا فعل؟ ما هو فقط أدخلها، قال: "ودعى إليها" ثم "وكفّر من خالفها" ثم "واستحل منه ما حرّمه الله ورسوله" مثل: قال "كما وقع لأكثر أهل البدع من الجهمية والقدرية والخوارج والروافض وأشباههم ممن ابتدع بدعةً ودعا إليها وكفّر من خالفها".
وكان مما ذكر - رحمه الله - في أقسام الناس في هذا الباب أنهم على أربعة أقسام:
القسم الأول الذي سبق.
قال، والفرقة الثانية: من عَمِيَت عنه السبيلان، من أشباه الأنعام، لا يعرف سبيل الحق المفصّل ولا سبيل الباطل المفصّل، قال في هؤلاء: "وهو في سبيل المجرمين أحضر ولها أسلك". عَمِيت عليه السبيلان، لا يعرف. هو لا يفرق ولا يميز ولا يحسن التمييز، قال: "وهو في سبيل المجرمين أحضر ولها أسلك".
ثم قال، والفرقة الثالثة: من صرف عنايته إلى معرفة سبيل المؤمنين دون ضدها، فهو يعرف ضدها من حيث الجملة والمخالفة فقط، يعني يشتغل بمعرفة الحق المفصّل دون معرفة الباطل المفصّل، يعرف الحق المفصل يقول: "معرفة سبيل المؤمنين دون ضدها، معرفته في الضد معرفةٌ من حيث الجملة والمخالفة"، قال: "وأنّ كل ما خالف سبيل المؤمنين فهو باطلٌ". هكذا فقط يعرف، كل ما خالف هذا فهو باطل"، قال: "وفيه من يتصوره على التفصيل، بل إذا سمع شيئًا مما خالف سبيل المؤمنين صرف عنه سمعه"، ما أريد أسمع ما أريد أعرف ولا أريد أن أتعبد ولا ولا ... وهكذا! بدعوى أنه لا تشغلني بهذا القيل والقال.
طيب، ثم يقول - رحمه الله -: "صرف عنه سمعه ولم يشغل نفسه بفهمه أو يُشغل نفسه بفهمه، ومعرفة وجه بطلانه"، طيب ما هي حال هذا؟ قال: "وهو بمنزلة من سلمت نفسه من إرادة الشهوات فلم تخطر بقلبه ولم تدعُهُ إليها نفسه، بخلاف الفرقة الأولى؛ فإنهم يعرفونها وتميل إليها نفوسهم ويجاهدونها على تركها"، قال: "وهكذا من عرف البدعة والشرك والباطل وطرقه، فأبغضها لله، وحذرها وحذّر منها، ودفعها عن نفسه، ولم يدعها تخدش وجه إيمانه، ولا تورثه شبهةً، ولا شكًا، بل يزداد بمعرفتها بصيرةً في الحق، ومحبةً له، وكراهةً لها، ونفرةً عنها، هذا أفضل مِمّن لا تخطر بباله ولاتمر بقلبه".
ثم قال عن الفرقة التي بعد هذه، الرابعة: "فرقةٌ عرفت سبيل الشر والبدع والكفر مفصّلة، وسبيل المؤمنين مَجْمَلة - عكس الثالثة - وهذا حال كثيرٍ ممن اعتنى بمقالات الأمم ومقالات أهل البدع، فعرفها على التفصيل، ولم يعرف ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - كذلك، بل عرفه معرفة مجملة، وإن تفصّلت له بعض الأشياء ومن تأمل كتبهم رأى ذلك عِيانًا، وكذلك من كان عارفًا بطريق الشر والظلم والفساد على التفصيل سالكًا لها، إذا تاب ورجع عنها إلى سبيل الأبرار يكون علمه بها مُجملاً، غير عارفٍ بها على التفصيل معرفة من أفنى عمره في تصرّفها وسلوكها. والمقصود، أن الله تعالى يحب أن تُعرف سبيل أعدائه - لماذا؟ - لتُجتنب وتبغض، كما يحب أن تُعرف سبيل أوليائه لتُحبّ وتُسلك"، قال: "وفي هذه المعرفة من الفوائد والأسرار ما لا يعلمه إلا الله". انتهى كلامه - رحمه الله.
إذًا التميّز والتمايز ظاهرٌ في جميع الأبواب. أقول: وظاهرٌ في جميع الأبواب، والسنّة... أقول: السنّة داعيةٌ إلى هذا ومبيّنة وظاهرةٌ فيها لمن تأمّل - بارك الله فيكم -، وقل لمن تأملها بصدق فيجب على من يسلك على هذا السبيل ويسير على هذا الطريق أن يكون مميّزًا متمايزًا. متميّزٌ بسنّة تمسّكه واتّباعه وصدق ذلك، متمايزٌ مفارقٌ منابذٌ للضلال وأهله والعياذ بالله، بصنوفهم. والمتأمل أيضًا في سير الصحابة الصالحين والدعاة المصلحين يجدهم كلهم تجتمع فيهم هذه - ماذا؟ - هذا الوصف من التميّز والتمايز. ولا يكتفي عن الحق بأن كل ندّ جاءهم من أهل الضلال المخالفين الصادّين عن الحق، يكون سببًا في تركهم للحق؛ فهؤلاء المشركون قديمًا كانوا يقولون عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن آمن بالتوحيد كانوا يسمونهم بالصابئة، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - تميّز بدعوته، دعوة الناس إلى التوحيد، وتمايز عنهم فأعرض عنهم - أقول - فأعرض عنهم، ودعاهم إلى الحق، وسلك المسلك الحسن الرفيع، إلى غير ذلك مما هو معروف من شمائله وسيرته - عليه الصلاة والسلام. تميّز بذلك أصحابه - رضوان الله تعالى عليهم - وتمايزوا باعتصامهم وتمسّكهم، فهؤلاء بعضهم كان يُجلد ويُضرب على رمضاء مكة على أن يرجع عن دينه فلا يرجع، حتى قال أحدهم لأمه :"والله يا أماه لو أن لكِ مئة نفس، تخرج الواحدة تلو الأخرة ما تركت هذا الدين".
وفي الصحيحين أن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان يمرّ على بعض أصحابه وهم يعذّبوا في رمضاء مكة، وبعضهم كان يقول: "يا رسول الله ادع الله لنا"، يعني أن يخفّف، فغضب النبي - عليه الصلاة والسلام - فقال: "إنّ من كان قبلكم كان يؤتى بالرجل فيوضع على مفرق رأسه المنشار أو المئشار فيفلق فلقتين على أن يرجع عن دينه ولا يرجع". هكذا تميّزوا - رضي الله عنهم - وتمايزوا على الكفر والإلحاد، وثبتوا على الحق ودعوا الناس إليه، والأمثلة في هذا الباب كثيرة كما قلنا من أئمة السنّة ممن جاء بعد الصحابة والتابعين وأئمة الهدى حتى يومنا هذا، أقول: حتى يومنا هذا، كل من كان على الحق وثبت عليه وبعلمٍ وعدل هو متميزٌ متمايزٌ.
نسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لما فيه الهدى والرشاد، وأن يثبتنا وإياكم على الحق حتى نلقاه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الأسئلة
السؤال الأول:
السائل: كيف نتعامل شيخنا - بارك الله فيكم - مع ما يجري في هذه الأيام مما يروّج له الحدادية من الطعن على الشيخ ربيع - حفظه الله - من أنه ليس على ما عليه العلماء الكبار في مسائل الإيمان والعقيدة، وأنه على انحراف في هذا؟
الشيخ: أقول، قد أجبنا مرارًا عن مثل هذا الكلام الـ(...) - بارك الله فيكم - وهؤلاء لا يفتُرون، وقد بينّا - بارك الله فيكم - في محاضرة لنا فيها ذكر جملة من صفات هؤلاء الحدادية، أنهم في حقيقتهم خوارج مارقون تكفيرية، لكن جعلوا قضايا الإنتصار بالتوحيد والسنّة، أقول: جعلوها مدخلاً للنيل من دعاة الحق والسنّة، فيستبيحون منهم ما لا يجوز استباحته، هكذا كان سلفهم يفعلون، أقول هكذا كان سلفهم يفعلون مع أهل الهدى ودعاة الحق. التكفيريون، سيد قطب وجماعته وهؤلاء من المعاصرين، وما تقرر عنه من أفكاره وتحملته جملة من المدارس، كانوا يرفعون بعض الشعارات الأخرى بدعوى أيضًا تحكيم الشريعة، وقضية الحاكمية، فاستباحوا الدماء والأعراض وغير ذلك، وقتلوا وسفكوا والأمر ظاهرٌ في هذا بيّن، أقول: بيّنٌ في كثير من البلدان مما تولّد من هذا الفكر المنحرف، أعني فكر سيّد قطب التكفيري.
فلما أنبر أهل السنّة وعلماء الحق برد ودحض فكره وبيان ضلاله وضلالاته انكشف هؤلاء جدًا، فما هي الفرية التي يتسترون من ورائها للنيل أيضًا من أهل السنّة وعلماء الحق؟ وبالتالي يكفّرون الناس ويستبيحون منهم ما لا يجوز استباحته كما فعلوا من قبل، فـ(...) بكتاب ماذا؟! الدعوة والإنتصار والتوحيد ومسائل الإيمان، وهم والله من أجهل الناس في هذا الباب! أقول مخالفون منابذون لأهل الحق جميعًا، وانتصارهم بالتوحيد والسنّة كذبٌ وزور، أقول: كذب وزور! وهي شمشمةٌ نعرفها من أقدم، كذّابون دجّالون! فلا أدري هذا الذي تبيّن لهم بالنسبة للشيخ، شيخنا الله يحفظه ... يعني هل غاب هذا الحق؟ أقول هل غاب هذا الحق الذي يدّعونه؟ نعم ... عن العلماء الذين عرفوا شيخنا وقرؤوا كتبه وأثنوا عليه وأيّدوه، نعم.
أقول: هل غاب عنهم أولئك؟ ورضوا بانحرافه العَقَدي؟ فإن كان الأمر كذلك؛ فهم يلحقون به أيضًا بناءً على قاعدتهم الفاسدة، وإن لم يكن كذلك، فما الذي جدّ إذًا؟ فهؤلاء - بارك الله فيك - لا يفتُرون من الكذب أبدًا، والافتيات على أهل العلم، ويتعاملون معهم، تعاملوا مع هؤلاء الضلال بكل صرامة! هؤلاء لا نعمة لهم ولا كرامة! نفعل معهم لو كان ثمة يعني... الواجب على ولاة أمور المسلمين أن يقفوا من هؤلاء المبتدعة الضلال موقفًا حازمًا، كما فعل عمر رضي الله عنه مع صبيّه، وهكذا...
فهؤلاء لا يلتفت إليهم ويرد عليهم - بارك الله فيك - ويعني... ينكّل بهم من حيث الردّ، ومن كان ولي أمرٍ رفع إليه أمرهم، يجب أن يأخذ عليهم وأن يعزّرهم التعزير البليغ الشديد، وأما من أليس كذلك فيبيّن عوارهم لمقتضى المصلحة، وأما عامة الناس فلا يكلمونهم ولا يسلمون عليهم ولا يجالسونهم ولا يلتفتون إلى مقالاتهم ولا يردون في مقالاتهم ولا تُعِر سمعك ولا نصف كلمة لواحدٍ من هؤلاء! لأنهم للحق ليسوا أهلاً للإستماع ولا للنظر ولا للكلام ولا لأي شيء! حتى يتوبوا، توبةً صالحة ناصحة صادقة، يرجع إلى الحق ويترك الباطل الذي هم فيه ويبيّن ما كانوا عليه من ضلال ويرجعوا إلى حضيرة أهل الحق، يعني - بارك الله فيك - هذا كلام قديم، الحدّاد شيخ الضلالة هذا كان له كتاب يدّعيه من زمان، اسمه الخميس يقصد به الجيش. من قديم، من قديم نحن نسمع أن له... يتبجّح عندي كتاب الخميس، ماذا في هذا الخميس؟ أنه ردٌ على الألباني في ألف صفحة! ماذا فيه؟! موضوع متعلق بالإيمان والإرجاء والكلام الفارغ هذا، ولماذا يُخرج خبيثه حتى الآن؟ لأنّ عساكر وجيوش أهل السنّة قمعته! وأبادت خميسه في محلّه، فهمتم؟ فما صار خميسه خميسًا.
بدأ يجمّع أتباعه وأذنابه من جديد من هؤلاء الشذّاذ التكفيرية، المارقون، ويُخرجون هذه الكتابات من جديد، وكذلك يفعلون - بارك الله فيكم - يعني... فكرة خبيثة دسيسة على أهله، (...) وهم من أكذب الناس انتصارًا للتوحيد، و... الشيخ يخالف الكبار، لا ندري أي كبارًا يعتبرون؟ كما قلت في سؤال مضى في أحدى اللقاءات أيضًا في مسجد الرضوان، هؤلاء لا يقيمون وزنًا لأحد.
.كما كان (...) يعني أذنابهم وأصولهم من قبل فريد المالكي وشلّته، لا يقيمون وزنًا، لا لابن جرير ولا ابن خزيمة ولا أحد ولا حتى ابن تيمية ولا غيره، أي كبارٌ يعتدّون من هؤلاء؟ هذا ما تهواه أنفسهم، وكما قلت: هم من أجهل الناس في هذه المسائل، والله من أجهل الناس! وكتاباتهم تظهر جهلهم الفاضح! لو أردنا أن نعاملهم بميزانهم، من زمان تعاملنا معهم على أنهم ليسوا من أهل الإسلام، نعوذ بالله! لأنهم يقولون مقالات نسأل الله العافية والسلامة، لكن أهل السنّة على علمٍ وعدل، أهل علمٍ وعدل، ما هو القول فيهم؟ ضلالٌ مبتدعة مارقون كذّابون تكفيريون خوارج، نعم.
السؤال الثاني:
السائل: بارك الله فيكم شيخنا وأحسن إليكم. سؤالٌ آخر: شيخنا أحسن الله إليكم وبارك فيكم، نحن طلاب العلم الحضور نشكركم جدًا على ما تقدّمون، وندعو الله لكم أن يجعل هذا الوقت والجهد في ميزان حسناتكم...
الشيخ: آمين.
السائل: شيخنا الفاضل، نظرًا لاجتماع ثلةٍ - يعني طلبة العلم - في دور الحديث وفي غيرها وطلاب العلم في المملكة المغربية جميعها في هذا المكان المبارك، في هذه الساعة المباركة، نريد أن نسمع منكم - حفظكم الله - ماذا نُقل عنكم في أنّكم قد تكلّمتم في المدعو: هشام القصاص؛ لأن بعض الناس يشكّك في هذا الأمر، فنريد أن نسمع منكم - بارك الله فيكم - ما دام أن الإخوة جميعًا حاضرون يسمعون، جزاكم الله خيرًا.
الشيخ: يشكّكوا في ماذا؟
السائل: يشكّكون في تحذير الشيخ عُبيد وأنّ الشيخ ربيع قال له درّس، مثل هذه الأمور...
الشيخ: يعني يشكّكون فيما نقل عني ولا فيما نقل عن غيري؟
السائل: فيما نقل عنكم، نعم أيضًا. يقولون: نحن نريد أن نسمع بصوت الشيخ.
الشيخ: يريدون أن يسمعوا بصوت الشيخ؟
السائل: نعم، يقولون هذا.
الشيخ: على كل حال - بارك الله فيكم - قد تكلّم شيخنا الشيخ عٌبيد وكفّى الحمد لله. فبارك الله فيكم، نعم، أنا قلت فيه... ذلك الأخ الذي مرةً في بعد مسجدٍ أو لقاء في مسجد ذي النورين، نعم. نسيت الأخ السائل... الرجل على كل حال هذا أنا ناسيته، الآن يعني نسيت اسمه أو كنيته، قلت له: قال لي: يبلّغك السلام، قلت: وعليك السلام لكني لا أرتضيه. وعلى كل حال - بارك الله فيك - لا تشتغلوا به، نسأل الله أن يهديه وأن يصلحه وأن يردّه إلى الحق ردًا جميلاً، أما إن بقي على ما هو عليه، فالله المستعان. يجب أن يُحذَر منه، بارك الله فيك.
السائل: بارك الله فيكم شيخنا وأحسن إليكم.
الشيخ: آمين، وإياك. يعني يجب أن تكون التوبة توبةً نصوحة، صادقة، صحيحة، ظاهرة. وهذا أمرٌ يعني... واجبٌ عليه وعلى غيره ممن وقع في مثل ما وقع فيه، وكان الواجب عليه إذا ما نُصح نصيحةً ظاهرة وبُيّنت له وأريد له الخير، الواجب أنه ينساق وينقاد ويتواضع للحق، ما هذه المكابرة والمعاندة واللف والدوران، أقول: واللف والدوران، والمماحكة، هذا يضرّ الإنسان ولا ينفعه. يعني... ما تحتاج الدعوة، لا تتحمل مثل هذا التلاعب - بارك الله فيكم، نعم.
السائل: نعم شيخنا، جزاكم الله خيرًا وأحسن إليكم.
السؤال الثالث:
السائل: ينقل بعض الطلبة عنكم - حفظكم الله - أنكم لا تجيزون التدريس إلا بشرط التزكية، فنرجو منكم توضيحًا في هذا الأمر - بارك الله فيكم.
الشيخ: أين سمعوا هذا؟
السائل: هكذا كُتب إليّ السؤال فألقيته عليكم شيخنا - بارك الله فيكم.
الشيخ: ما اختلفنا - بارك الله فيك -، من هؤلاء الذين يقولون؟ أين سمعوا منّي؟ وأين قلت هذا؟
السائل: يعني يطالبون بهذا الذي يقولون؟
الشيخ: فليثبوا هذا - بارك الله فيك -، لا شكّ أنه لا يجوز أن يدرّس من ليس أهلاً - بارك الله... يجب أن يكون المدرّس والمعلم أهلاً لذلك. وقد تتحقق هذه الأهلية - بارك الله فيكم - (...) عند أهل العلم، قد بينّاها - بارك الله فيكم - مرارًا وتكرارًا، أما هكذا أنّي لا أجيز... حتى من بعض الذين زُكّوا من بعض المشائخ ليسوا أهلاً للتدريس! من غير أن نسمّي، لو سمّينا أمكن لكثير منكم صدم الآن! أقول: لو سمّينا بعض الذين زُكّوا لصدمتم! ولا نراهم أهلاً - بارك الله فيكم - ما فيه داعي، نعم. فلذلك التفصيل قد بينّاه وكيفية ذلك قد بينّاه أيضًا مرارًا وتكرارًا؛ فليرجع إليه، نعم.
السائل: أحسن الله إليكم وبارك فيكم. لعلّ هذا يكون السؤال الأخير - إن شاء الله - لكي لا نشق عليكم شيخنا - بارك الله فيكم.
الشيخ: وفيكم بارك الله.
السؤال الرابع:
السائل: يذكر السائل... يقول: هل الخارجون على حكام المسلمين في هذه المظاهرات والإعتصامات التي مرّت، وإلّم يكن لهم تكفيرٌ للحكام، هل يعدّون من قبيل الخوارج أو البغاة؟ بارك الله فيكم.
الشيخ: هذا الفعل، لم تأتِ به الشريعة، أقول: هذا الفعل مخالفٌ لشرع الله، وهو ضربٌ من الخروج، وكما قال ابن حجر رحمه الله - في شرح البخاري: "أن الخروج يكون ولو بأدنى شيء". وأدنى شيء - بارك الله فيك - معلوم، الكلمة. وكما قرر غير واحد من أهل العلم، أن الخروج بالشيء لا يمكن أن يكون إلا وقد سبقه خروجٌ بالكلمة. لا يمكن، لا يمكن أن يخرج خارجيّ فيحمل السيف، إلا وقد كان قد خرج من قبل بلسانه، أو أنّه اعتقد ذلك بقلبه. لا يمكن - بارك الله فيك - والتاريخ يشهد بهذا كثيرًا، وهؤلاء الذين خرجوا في المظاهرات يقولون سلمية، ثم بعد ذلك تنقلب دموية وقاتل ومقتول وتخريب وإلى... دجّالين، دجّالين. يعني إنما خرجت من ظئر وظهر الكفار - بارك الله فيكم - والمشركين هؤلاء. صدّروها فأخذها هؤلاء وينفذون مآربهم. بعدين هؤلاء عندما يخرجون يقولون: ارحل! ارحل! ارحل! ارحل! إيش معنى هذا؟ يقول ارحل، فين يروح؟ يرحل فين؟ ما يخرج يخرج؟ فبارك الله فيك، يرحل فين يروح؟ يترك يعني؟ فإن لم يرحل، رحّلوه! وكيف يرحلّوه، بالكلمة؟
بارك الله فيك، يعني الواحد... هؤلاء مغفلون أم يتغافلون الناس؟ ويعني - بارك الله فيك - أقول: لا يُنظر هذا الكلام يعني... في سوق البحث والتحقيق، أو على ميدان البحث والتحقيق، ما يمكن أبدًا! وما أفلح قومٌ خرجوا، حتى في المظاهرات والواقع خير شاهد. هذه البلدان يعني انظروا فيها، في كثيرٍ من البلدان انظروا كيف آل أمرها نسأل الله السلامة والعافية، اسبتاحة للدماء وقتل لالأنفس المعصونة، أبدًا! استهتار بالدم إلى درجة يعني... ظاهرٌ فيها جدًا جدًا! لا شريعة تحكم هؤلاء ولا أخلاق ولا أعراف ولا أي قيم من قيم الإنسانية كما يقولون إن صحّ هذا.
ما فيه أي نوع... من الأبواب المكارم والأخلاق والبرّ والصلة والآداب، ما فيه، حتى هذا لا يتحاكمون إليه. هذا كلامٌ فارغ - بارك الله فيك - الفعل هذا فعل الخوارج، هذا الفعل فعل الخوارج، ولعلكم تعلمون - بارك الله فيكم - أن من فرق الخوارج القَعَدية، فهم يؤلبون الناس وهم قعود، رضوا بأن يكونوا مع الخوالف، نسأل الله السلامة والعافية، فانتبهوا من هؤلاء من هذه الشرذمة الشاذّة التي تروّج لهذه الأفكار المنحرفة، نعم. وبعضهم يقول أن ولاة الأمور في هذه البلدان يجيزون المظاهرات، يعني قادة بعض الدول - أصلحهم الله - يعني يقولون أن المظاهرة السلمية حقٌّ مكفول لكل أحد. هذا باطل أيضًا! هذا باطل! لا يجوز، لا يجوز.
وقد سئل شيخنا الشيخ ابن عثيمين - الله يرحمه - عن المظاهرات وبيّن أنها لا تجوز في الشريعة. قالوا يا شيخ: لو كان الوالي يسمح بها، قال: هو أصلٌ في أصله غير جائز. ولو سمح به ما جاز؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق أصلاَ. فكما لو أمرك بمعصية أو أباحها لك، هل يعني أن تكون جائزة؟ ما تكون جائزة! إنما الطاعة في المعروف - بارك الله فيكم - هؤلاء يعني... يشوشون على الناس و(...) عليهم، الحمد لله، قد بيّن الصبح كما تقول العرب: قد بيّن الصبح لكل ذي عينين. هذه البلدان خير شاهد فيما يحصل بها ويجري فيها، خرجوا فقتلوا وسفكوا ودمّروا وخرّبوا وسلبوا ونهبوا، ثمّ تراق الدماء فيها ولهذا يكذبون، ما قتلناه... الشرطة قتلته! يقتلونه ثم يقولون ما قتلناه، يرمونه هم الذين... كذّابين دجالين! نسأل الله العافية والسلامة، اللهم (...) من الفتن.
السائل: أحسن الله إليكم شيخنا، وأسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يبارك في وقتكم وعمركم، وأن يجزل لكم المثوبة وأقرئكم سلام الإخوة هنا جميعًا. يسّلمون عليكم، بارك الله فيكم وأحسن إليكم.
الشيخ: وإليكم، حياكم الله، حياكم الله، في أمان الله، السلام عليكم ورحمة الله.