فهذا شرح لأثر علي بن أبي طالب رضي الله عنه - الناس ثلاثة -
و قد قام بشرحه الشيخ محمد عثمان العنجري في مجلسين عبر إذاعة النهج الواضح
الأحد 7 شعبان 1434هـ -الأحد 14 شعبان 1434هـ
عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ:-
" أَخَذَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِي فَأَخْرَجَنِي إِلَى نَاحِيَةِ الْجَبَّانِ، فَلَمَّا أَصْحَرْنَا جَلَسَ ثُمَّ تَنَفَّسَ ثُمَّ قَالَ:-
" يَا كُمَيْلُ بْنَ زِيَادٍ الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا، وَاحْفَظْ مَا أَقُولُ لَكَ: النَّاسُ ثَلَاثَةٌ: فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ، وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ. الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ، الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ، وَأَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ، الْعِلْمُ يَزْكُو عَلَى الْعَمَلِ، وَالْمَالُ تُنْقِصُهُ النَّفَقَةُ، وَمَحَبَّةُ الْعَالِمِ ديْنٌ يُدَانُ بِهَا، الْعِلْمُ يُكْسِبُ الْعَالِمَ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ، وَجَمِيلَ الْأُحْدُوثَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَصَنِيعَةُ الْمَالِ تَزُولُ بِزَوَالِهِ. مَاتَ خُزَّانُ الْأَمْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ، أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ، وَأَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ، هَاهْ إِنَّ هَهُنَا - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ - عِلْمًا لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً، بَلَى أَصَبْتُهُ لَقِنًا غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ، يَسْتَعْمِلُ آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا، يَسْتَظْهِرُ بِحُجَجِ اللهِ عَلَى كِتَابِهِ، وَبِنِعَمِهِ عَلَى عِبَادِهِ، أَوْ مُنْقَادًا لِأَهْلِ الْحَقِّ لَا بَصِيرَةَ لَهُ فِي إِحْيَائِهِ، يَقْتَدِحُ الشَّكَّ فِي قَلْبِهِ، بِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ، لَا ذَا وَلَا ذَاكَ، أَوْ مَنْهُوَمٌ بِاللَّذَّاتِ، سَلِسُ الْقِيَادِ لِلشَّهَوَاتِ، أَوْ مُغْرًى بِجَمْعِ الْأَمْوَالِ وَالِادِّخَارِ، وَلَيْسَا مِنْ دُعَاةِ الدِّينِ، أَقْرَبُ شَبَهًا بِهِمَا الْأَنْعَامِ السَّائِمَةِ، كَذَلِكَ يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ، اللهُمَّ بَلَى لَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ، لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُهُ، أُولَئِكَ هُمُ الْأَقَلُّونَ عَدَدًا، الْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللهِ قَدْرًا، بِهِمْ يَدْفَعُ اللهُ عَنْ حُجَجِهِ، حَتَّى يَؤُدُوهَا إِلَى نُظَرَائِهِمْ، وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ، هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ فَاسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَ مِنْهُ الْمُتْرَفُونَ، وَأَنِسُوا مِمَّا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ، صَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلَى، أُولَئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ فِي بِلَادِهِ، وَدُعَاتُهُ إِلَى دِينِهِ. هَاهْ هَاهْ شَوْقًا إِلَى رُؤْيَتِهِمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكَ، إِذَا شِئْتَ فَقُمْ "
أخرجه أبو نعيم في ((الحلية))، (1/79)،
وابن عبد البر في ((جامع بيان العلم وفضله))، (187،
والخطيب في ((الفقيه والمتفقه))، (1/182).
تحميل المجلس الأول
تحميل المجلس الثاني