أصول وآداب طلب العلم للشيخ صالح الفوزان
الحمد لله رب العالمين، خلق الإنسان، علمه البيان، علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا.
أما بعد، فإن طلب العلم هو أول واجب على العبد قبل العمل، قال تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) [سورة محمد: 19]
قال الإمام البخاري رحمه الله: باب العلم قبل القول والعمل، وذكر هذه الآية: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) [سورة محمد: 19]
وبدأ الله بالعلم قبل القول والعمل، لأن العلم هو الأساس الذي يبنى عليه القول والعمل، فعمل بدون علم ضلال، كما أن العلم بدون عمل أيضا ضلال، ومغضوب على عالم لا يعمل بعلمه، ولهذا قال سبحانه وتعالى معلما عباده في آخر سورة الفاتحة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) [سورة الفاتحة: 7].
فالمنعم عليهم هم الذين جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح، والمغضوب عليهم هم الذين أخذوا العلم وتركوا العمل، والضالون هم الذين أخذوا العمل وتركوا العلم. فأنت تسأل الله في كل ركعة حينما تقرأ هذه السورة العظيمة سورة الفاتحة أن يهديك طريق المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن يجنبك طريق المغضوب عليهم، وهم العلماء الذين لا يعملون بعلمهم، وطريق الضالين وهم الذين يعملون بدون علم. وهذا هو الذي بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم به، أرسل رسوله بالهدى ودين الحق. فالهدى هو العلم النافع، ودين الحق هو العمل الصالح، فالرسول صلى الله عليه وسلم بُعث بالعلم النافع والعمل الصالح، وهما قرينان لا يفترقان، العلم والعمل قرينان لا يفترقان.
ولهذا حث الله سبحانه وتعالى عباده على طلب العلم والتفقه في الدين، قال تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [سورة التوبة: 122]. "فلولا نفر" هذا حث من الله سبحانه وتعالى لعباده، بأن تنفر طائفة لطلب العلم والتفقه في دين الله، يطلبون العلم في أي مكان يسافرون إليه في مكانه أينما وجدوه فيتفقهون في دين الله، فيحصلون على بشارة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: "من يُرد اللهُ به خيرًا يفقهه في الدين".
فهؤلاء مَنَّ اللهُ عليهم بهذه الميزة لأنهم سافروا في طلب العلم في أماكنه من أهل العلم وتفقهوا في دين الله، ثم إذا تفقهوا في دين الله ورجعوا إلى بلادهم وأهليهم فإنهم ينذرونهم ويعلمونهم هذا العلم الذي تحملوه، ويكونون دعاة إلى الله على بصيرة، عاملين بعلمهم وداعين إليه، هذه طريقة أهل النجاة وأهل الفلاح، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه عِلمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة" وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع.
فالذي يسعى في طلب العلم ويسلك طريقه، فإنه يسهل الله طريقه إلى الجنة، وكفى بهذا فخرًا وعِزًا في الدنيا والآخرة. بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر". والعلم لا يحصل عفوًا بدون طلب، لابد من طلب العلم، ولا يحصل عفوًا للإنسان أو إلهامًا أو تلقائيًا كما يقول أهل التصوف، وسعي في تحصيله وصبر في تلقيه.
كذلك العلم لا يؤخذ من الكتب وحدها، لا يؤخذ العلم عن المتعالمين، الذين لم يتفقهوا في دين الله، غاية ما يكون أنهم يقرؤون في الكتب أو يحفظون شيئًا من النصوص ولا يفقهون معناها ولا يتلقونها عن أهل العلم. فهذه طريقة ضارة، لأن العلم لا يؤخذ إلا عن أهل العلم بالتلقي عن العلماء جيلاً بعد جيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فمن أصول التعلم وأساسات التعلم هذا الأمر، أنه يؤخذ عن العلماء الربانيين العلماء المعروفين بالعلم الذين تحملوه عن مشائخهم وهم يحملونه لطلابهم ويتوارثونه بينهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فهذا من أصول طلب العلم، الرحلة إلى العلماء والتماس العلماء في أي مكان حتى يؤخذ عنهم العلم، وهذا هو الطريق الذي من سلكه سهل الله له به طريقًا إلى الجنة.
ومن أصول التعلم كذلك المهمة أن الإنسان لا يبدأ العلم من فروعه وأعلاه، وإنما يبدأ العلم من الأساس، شيئا فشيئا، ويتلقاه شيئا فشيئا، من الكتب المختصرة في كل فن حفظًا وفهمًا، على أيدي العلماء، فلا يقرأ ويبدأ في المطولات من الكتب، ولا يبدأ بكتب الخلاف والأقوال، وإنما يؤخذ العلم شيئًا فشيئًا، ويتدرج فيه شيئًا فشيئًا. والعلم لا يؤخذ دفعة واحدة، لا يؤخذ إلا عن طريق التدرج شيئا فشيئا.
كذلك من أصول طلب العلم، أن طالب العلم لا يقتصر على فن واحد، كأن يقتصر على فن في الفقه مثلاً أو يقتصر على فن الحديث مثلاً أو فن التفسير، وإنما يأخذ من كل علم بمختصر مفيد، لأن العلوم يرتبط بعضها ببعض.
فلابد أن طالب العلم أول شيء يقرأ القرآن، ويحفظ القرآن، أو يجيد تلاوته من غير حفظ، فالأساس هو كتاب الله سبحانه وتعالى، ويقرأ ما تيسر من تفسير القرآن حتى يفهم الآيات، ولا يقرأها على نفسه، وإنما يقرأ على أهل العلم وأهل التفسير، يتلقى التفسير عن المفسرين المعروفين بذلك. ثم أيضًا يقرأ الحديث، يقرأ في الحديث حفظا وفهمًا، على أيدي علماء الحديث المعروفين به، ثم أيضًا يقرأ في الفقه، وهو الأحكام المستنبطة من الكتاب والسنة، هذا هو الفقه: الأحكام الشرعية المستنبطة من الكتاب والسنة. يقرأ أيضًا في كتب النحو، لأن القرآن والسنة نزلا بلغة العرب، فلا بد أن يقرأ في النحو، حتى يعرف معاني الآيات والأحاديث، ويعرف أيضًا روابط الكلام من الناحية اللغوية، حتى يسلم من اللحن والخطأ، ولأن علم النحو يعين على فهم النصوص، كذلك كل فن له أصول وقواعد، هناك في الحديث مصطلح الحديث، ضوابط الحديث الصحيح من الحسن من الضعيف من الموضوع، لابد أن تعرف ولو مختصرًا في مصطلح الحديث، كذلك لابد من مختصر في أصول الفقه وقواعد الفقه، تقرأه على عالم من علماء الأصول، كذلك لابد من مختصر في أصول التفسير، لأن التفسير له أصول، وله منهج، وهذا ما يسمى بأصول التفسير، فتقرأ في أصول التفسير من المختصرات في ذلك.
هذه مفاتيح العلوم، والعلم يؤتى من بابه لا يؤتى من فرعه (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا) [سورة البقرة: 189]. فكل علم له باب لابد أن تدخل من هذا الباب، وهذه الأبواب هي المختصرات، والحمد لله العلماء رحمهم الله اعتنوا بهذه المختصرات فاختصروها للطلاب وضبطوها نثرًا ونظمًا، حتى تحفظ وتشرح لهم على أيدي العلماء، وهذه العلوم مترابطة كما ذكرنا، علم الفقه مرتبط بعلم التفسير وعلم الحديث وعلم النحو، فهي مترابطة كل علم مرتبط بالعلم الآخر، فلذلك لا يقتصر طالب العلم على فن واحد.
وهذه المختصرات سهلة لمن وفقه الله وتدرج معها شيئًا فشيئًا على أيدي أهل العلم، تكون الدراسة إما منهجية في المدارس والمعاهد والكليات على أيدي المدرسين وضمن المقررات الدراسية في كل فن، وإما أن تقرأ على العلماء في حلق العلم في المساجد، أو في دور العلم المعروفة.
العلم لا يُطلب سرًا، العلم علانية، ما يُطلب سرًا في جلسات سرية أو يطلب في استراحات أو في أمكنة خفية، وإنما يطلب العلم علانية ويستفيد منه الحاضرون من العوام وغيرهم. فالعلم يعلن ولا يسر، لأن الله أنزله للناس، ولم ينزله لطائفة خاصة. فلابد من أن يكون طلب العلم علانية في المساجد أو يكون علانية في المدارس النظامية، فهذه أصول طلب العلم.
ويقول العلماء: مَنْ ضَيَّع الأصول حُرم الوصول. إذا ضيعت هذه الأصول وهجمت على العلم هجومًا من غير طريقه فإنك تحرم إياه، من ضيع الأصول حرم الوصول، فيجب على طالب العلم أن يسير على هذه الأصول، ويتلقى العلم من أصوله ومبادئه، لا يتلقاه من فروعه، فإن هذا يضيعه ولا يحصل على شيء.
كذلك لا بد لطالب العلم أن يصبر، لا بد لطالب العلم أن يصبر على مشقة الطلب وعلى طول المدة، يصبر ويسير مع طريق العلم ولو طال ولا يضجر ولا يمل.
اطلب العلم ولا تضجرا فآفة الطالب أن يضجرا
ألم تر الحبل بتكراره في الصخرة الصماء قد أثرا
فلا تيأس أو تستصعب طلب العلم أو تستطيل مدته، فاصبر وأنت على أجر، طالب العلم تستغفر له الملائكة، تضع له أجنحتها رضا بما يصنع. ولا بد في طلب العلم من المشقة، ولا بد من التحمل، ولابد من الصبر، ومن لم يذق ذل التعلم ساعة، تجرع كأس الجهل طول حياته، فعليك أن تصبر وعليك أن تواصل الطلب، ولا تمل، حتى تبلغ الغاية بإذن الله، ومن سار على الدرب وصل.
فهذه نبذ في كيفية طلب العلم، ثم أيضًا فيه ناحية مهمة تعينك على طلب العلم وتنمي معلوماتك وهي العمل، العمل بما علمك الله، فكلما تعلمت شيئًا من العلم تعمل به، حتى يزداد علمك وتكون فيه بركة، ويكون فيه خير، وفي الحكمة : من عمل بما علِم، ورثه الله علم ما لم يعلم. والله عز وجل يقول: (وَاتَّقُواْ اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [سورة البقرة: 282].
فعليك بالعمل بما تتعلمه، ولا تأخذ العلم وتخزنه بدون عمل، إن هذا علم لا بركة فيه، وهو حجة عليك يوم القيامة، فعلم بلا عمل كشجرة بلا ثمر، والناظم يقول : (وعالم بعلمه لم يعملاً معذب من قبل عباد الوثن) لأنه في يوم القيامة أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، عالم لا يعمل بعلمه، هو أول من تسعر بهم النار يوم القيامة. فالأمر مهم جدًا، وعلى طلبة العلم أن يأخذوا العلم من أصوله ومبادئه ومن أهله وأن يعملوا به وأن يعلموه للناس (وَإِذَ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ) [سورة آل عمران: 187].
فعلى طالب العلم أن يعمل أولا بعلمه ثم يعلمه للناس وينشره في الناس، وفى الحديث: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له"، وخير هذه الثلاث هو العلم الذي ينتفع به، لأن الصدقة الجارية التي هي الوقت قد ينقطع وقد يخرب، الولد الصالح يموت، لكن العلم يستمر نفعه لصاحبه ما بقي علمه في طلابه وفي مؤلفاته يبقى علمه ويجرى أجره عليه وهو ميت، فالعلم فيه بركة وفيه خير، لكن لابد أن يؤخذ العلم من أصوله وعلى قواعده وعن أهله، ولا بد أن يثبت وينمى بالعمل الصالح.
على طالب العلم أن يخلص النية لله في طلبه للعلم، ولا يطلب العلم للرياء والسمعة، ولا يطلب العلم ليقال هو عالم، أو يطلب العلم للدنيا وللوظيفة الدنيوية، وإنما يطلب العلم لوجه الله سبحانه وتعالى، لأن طلب العلم عمل صالح، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"، فيخلص النية لله عز وجل في طلبه للعلم، أما إن كان يطلب العلم لأجل أن يمدح به فإنه جاء في الحديث "أنه يؤتى بالعالم يوم القيامة فيقول الله له: ماذا عملتَ؟ فيقول: يا رب تعلمتُ فيك العلم وعلمته. فيقول الله: كذبتَ، وإنما تعلمتَ ليقال: هو عالم، وقد قيل. ثم يؤمر به إلى النار"، يُسحب إلى النار والعياذ بالله.
كذلك لا يطلب العلم من أجل طمع الدنيا، وإنما يطلب العلم طمعًا في ثواب الله، طمعًا في الأجر والثواب، يطلب العلم من أجل أن ينتفع وينفع. أما إذا طلبه لأجل الوظيفة أو لأجل المال فالله جل وعلا قال من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها، يعنى يريدها بالعمل الصالح أو طلب العلم (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة هود: 15]. العلم أشرف من ذلك، أشرف من الدنيا وما فيها، فيطلبه لوجه الله، يطلبه للعمل به، يطلبه للخروج من الجهل.
كذلك من أصول طلب العلم، أن يبدأ الطالب بعد كتاب الله، يبدأ بعلم العقيدة علم التوحيد، يبدأ بعلم التوحيد فيعرف التوحيد ويعرف الشرك، يعرف التوحيد لأجل أن يعمل به، ويعرف الشرك من أجل أن يجتنبه، فيجعل في مقدمة اهتمامه بطلب العلم، علم العقيدة الصحيحة، يجعل في مقدمة اهتمامه الطلابية طلب العقيدة الصحيحة، من أجل أن يستقيم عليها ويؤسس أعماله كلها عليها، ومن أجل أن يدعو إليها على بصيرة ويبصر الناس، فيهتم بالعقيدة لا نقول يقتصر على دراسة العقيدة، لكن يجعلها في أول اهتماماته، ولا يجعلها أمرًا ثانويًا أو يؤخر طلب العقيدة، بل يقدمه ويهتم به لأن العقيدة هي الأساس الذي تبنى عليه سائر أعمال العبد. فيهتم بعقيدة التوحيد وإفراد الله بالعبادة، ومعرفة ما يضادها مما ينافيها أو ينقصها من الشرك الأكبر والأصغر ومن النفاق، يعرف هذا جيدًا حتى يؤسس علمه على أساس صحيح، بل يؤسس عمله أيضًا على أساس صحيح، فهذه جملة من آداب طالب العلم وكيفية الطلب.
فعلى طالب العلم أن يراعى هذا ويهتم به، هذه هي أصول طلب العلم، كذلك كما أشرنا ونشير إلى أن العلم لا يؤخذ عن أي أحد، وإنما يؤخذ عن العلماء الأتقياء المعروفين به، قال بعض السلف: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم. فاختر من العلماء أتقاهم لله عز وجل، وأعلمهم بالله عز وجل، حتى يدلك على الطريق الصحيح. لا تأخذ العلم عن جاهل، لا تأخذ العلم عن ضال، لا تأخذ العلم عن مبتدع، خذ العلم عن أهله المعروفين به المعروفين بالاستقامة، المعروفين بتقوى الله سبحانه وتعالى، وهم كثير ولله الحمد إذا طلبتهم وبحثت عنهم وحتى إن لم يكونوا في بلدك تسافر إليهم، وتطلب العلم عندهم تتصل بهم، واليوم والحمد لله وسائل الاتصال متيسرة، وكذلك وسائل النقل متيسرة، وبسرعة، فليس لنا عذر في التكاسل عن طلب العلم، فإن الله يسر لنا كل سبيل إلى طلب العلم، ولكن الشأن بالاهتمام والتوجه.
نحن كما تعلمون الآن في فتن شديدة ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومستقبل الزمان تزيد هذه الفتن، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فتن في الدين وفتن في الدنيا وفتن من كل ناحية، ولا مخرج من هذه الفتن إلا بالعلم النافع، من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" وفي رواية: "وكل ضلالة في النار"، فلا عاصم من الفتن إلا بتوفيق الله جل وعلا وهدايته ثم بالعلم النافع المأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلا فإذا كنت جاهلاً وأحاطت بك الفتن، فإنك لا تدري كيف تخرج منها، لكن إذا وفقك الله وصار عندك علم من كتاب الله وسنة رسول الله، فإنك تهتدي إلى الخروج منها بإذن الله سبحانه وتعالى.
وهذا لا يكون إلا بتعلم العلم النافع، لأجل أن تخرج به من الفتن المتلاطمة التي تعرفونها، وربما تزيد ويحدث فتن لا تعرفونها، فلا مخرج لنا من هذه الفتن إلا بالعلم النافع والعمل الصالح والاعتصام بحبل الله سبحانه وتعالى (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) [سورة الأنعام: 153]، والنبي صلى الله عليه وسلم كما سمعتم قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي". فالمخارج من الفتن بأيدينا ولله الحمد، ولكن الشأن في أن نعرفها وأن نتفقه فيها، فالفتن لا ينجي منها إلا التمسك بكتاب الله سبحانه وتعالى وبسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وبالسير على منهج السلف الصالح والقرون المفضلة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم والأئمة المهديين، قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [سورة التوبة: 100] الذين اتبعوهم، اتبعوا المهاجرين والأنصار من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، اتبعوهم بإحسان، أي بإتقان.
ولا تتبع السلف الصالح بإحسان إلا إذا تعلمت منهجهم، تعلمت طريقتهم. تعلمت، ما يكفي الانتساب تقول: أنا سلفي أنا متبع للسلف، وأنت لا تعرف منهج السلف ولا تعرف مذهب السلف، فهذا لا يغني عنك شيئًا. لابد أن يكون إتباعك لهم بإحسان، أي بإتقان، ومعرفة، وعلم بمنهجهم وسيرتهم حتى تسير على نهجهم.
هذا ونسأل الله لنا ولكم التوفيق للعلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.