ذِكر الحثِّ على العِلم
والمداومةِ على طلبه
والمداومةِ على طلبه
قال الإمامُ أبو حاتمٍ محمدٌّ بنُ حِبَّان البُسْتِيُّ (رحمَه الله) في كتابِه الفَذِّ «رَوْضَةُ العُقَلَاءِ وَنُزْهَةُ الفُضَلَاءِ»:
« عن زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ قالَ: أتيت صفوانَ بن عسَّال المُرَادِي فقالَ: ما جاء بك ؟ قلتُ: جئتُ أَنْبِطُ العِلمَ، قالَ: فإني سمعتُ رسولَ الله (صلى الله عليه وسلم) يقولُ: «ما من خارجٍ يخرجُ من بيته يطلبُ العلمَ إلا وَضَعَتِ له الملائكةُ أجنحتها رضًا بما يصنعُ.»
الواجبُ على العاقل – إذا فرغ من إصلاح سريرته – أنْ يثنيَ بطلب العِلم والمداومةِ عليه ؛ إذ لا وصول للمرء إلى صفاء شيء من أسباب الدنيا إلا بصفاء العلم فيه، وحكم العاقل ألا يقصِّر في سلوك حالة توجب له بسط الملائكة أجنحتها رضا بما يصنيعه ذلك، ولا يجب أن يكون متأملًا في سعيه الدُّنُوَّ من السَّلاطين أو نوال الدنيا به. فما أقبحَ بالعَالِمِ التذلُّلُ لأهل الدُّنيا !
قال الفُضيْلُ بنُ عِياضٍ [2]: «ما أقبح بالعالم يُؤْتَى إلى منزله فيُقَالُ: أين العَالِم ؟ فيُقَالُ: عند الأمير [3]، أين العَالِم ؟ قيُقال: عند القاضي، وما للعَالِم وما للأمير ؟! وما للعَالِم وما للقاضي ؟! ينبغي للعَالِم أنْ يكونَ في مسجده يقرأٌ في مُصْحَفِه.»
وأنشدني محمَّدٌ بنُ محمدٍّ بنِ عبدِ الله بنِ زنجي:
وفي العِلم والإسـلام للمرء وازع *** وفي تـرك طاعات الفؤاد المتيَّمِ
بـصائـر رشـد للفـتى مستـبـينـة *** وأخلاق صدق عِلْمُها بالتعلُّم
بـصائـر رشـد للفـتى مستـبـينـة *** وأخلاق صدق عِلْمُها بالتعلُّم
العاقل لا يبيع حظ آخرته بما قصد في العلم لما يناله من حطام هذه الدنيا، لأن العلم ليس القصد فيه نفسه دون غيره ؛ لأن المُبْتَغَى من الأشياء كلِّها نفعُها لا نفسُها، والعلم ونفع العلم شيئان، فمن أغضى عن نفعه لم ينتفع بنفسه وكان كالذي يأكل ولا يشبع، والعلم له أوَّلٌ وآخر.
قال سُفْيَان: «أول العلم الإنصات، ثم الاستماع، ثم الحفظ، ثم العمل به، ثم النَّشر.»
وأَنشَدَني الأَبرشُ:
تعلَّم فليـس المرءُ يولـد عالمًا *** وليس أخو العِلم كمنْ هو جاهلُ
وإنَّ كبيرَ القومِ لا عِلم عنـده *** صغـيرٌ إذا التـفَّـت علـيه المَحَـافِلُ
وإنَّ كبيرَ القومِ لا عِلم عنـده *** صغـيرٌ إذا التـفَّـت علـيه المَحَـافِلُ
العاقلُ لا يشتغلُ في طلب العِلم إلا وقصدُه العَمَلُ به، لأنَّ منْ سعى فيه لغير ما وصفنا ازداد فخرًا وتجبُّرًا، وللعملِ تركًا وتضيِيعًا، فيكونُ فسادُه في المُتَأَسِّينَ به فيه أكثر من فساده في نفسه، ويكونُ مَثَلُه كما قالَ تعالى: {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ } [النحل: 25]
أنشدني أحمد بن محمد الصنعاني، أنشدني محمد بن عبد الله العراقي:
عُنوا يطلبون العِلم في كلِّ بلدةٍ | شبـابًـا فـلـما حَـصَّلُوا وحَشَرُوا |
وصحَّ لهم إسـنـادُه وأصـولُــه | وصاروا شيوخًا ضيَّعُوه وأدبرُوا |
ومالُـوا على الدُّنيا فهم يَحْلبونَها | بأخـلافِـها مفتـوحها لا يُصَـرَّرُ |
فيا علماءَ السُّـوء أيْن عقولُكـم | وأيْـن الحـديثُ المُسْـنَدُ المُتَـخَـيَّرُ |
قالَ أبُو الدَّردَاءِ (رضي الله عنه): «الناس عالم ومتعلم ولا خير فيما بين ذلك.»
وأنشدني الكُرَيْزِيُّ:
أَفِـدْ العِـلْــمَ ولا تَــبْـخــلْ بـه |
وإلى عِـلْمِكَ عِـلْـمًا فاسْتَـفِـدْ |
اِسْتَفِدْ ما اسْطَعْتَ منْ عِلْمِ وكنْ |
عَامِـلًا بالعِـلـم والنَّـاس أِفِـدْ |
مـنْ يُــفِــدْهُــم يَجْــزِه اللهُ بِــه |
وسـيُـغْنِي اللهُ عـمَّـن لمْ يُـفِـدْ |
لـيـسَ مـنْ نَـافَـسَ فِـيـه عَاجِزًا |
إِنَّما العَـاجِـزُ مَـنْ لا يَـجتَهِـدْ |
انتهى النَّقلُ من كتابِ «المنتقى من كتاب: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء»
انتقى مادتها وعلق عليها وخرج أحاديثها: أبو همام محمد بن علي الصومعي البيضاني
وللشيخ عبد الرزاق البدر شرحٌ على كتاب «روضة العقلاء ونزهة الفضلاء» يقع في 31 شريطًا تجدونه على موقعه: شرح روضة العقلاء ونزهة الفضلاء
وللمزيد من النصائح المنهجية في طلب العلم تفضلوا بزيارة هذا الفهرس: نصائح منهجية في طلب العلم