في نفسي حسرة من مسألة متعلِّقة بأصنافٍ من الكتب المتداولة، هذا أوان التنفيس عنها، وهي انكباب الطَّلبة على أصناف من الكتب يصدق على أكثرها أنَّه إضاعةٌ للمداد وتسويد للقراطيس، انشغل الناس بها عن الأصول المعتمدة من كتب العلم المحرَّرة الَّتي اعتنى العلماء بدراستها وتدريسها وإحالة النَّاس إليها، يجمع هذه الأصناف جذر "فرغ"، لأنَّها راجت على حين فراغ في ساحة العلم من مهمَّاتٍ كثيرة، فهي: الفارغ، والمفرَّغ، وما لم يُفرغ منه.
فالأوَّل لا فائدة منه.
والثَّاني والثَّالث ضررٌ على العلم والمتعلِّم والعالم.
فالفارغ أعني به تلك البحوث التي يكتبها بعض الطَّلبة وتكون:
1- إمَّا في مسائل قد أوعب العلماء الكلام فيها فلا يحصى كم تكلَّموا فيها بحثًا وتحريرًا ونقلًا وحجاجًا، ثمَّ يكتب فيها مرَّة أخرى بعض الطَّلبة فتجده لم يحرِّر مشكلًا، ولا حقَّق مبحثًا، فما ذا فعل هذا غير كونه كتب ليكتب، وقد كثر ضجيج أهل الفضل من هذا الصَّنيع، ومن أحدث ذلك ما كتبه شيخنا أبو محمَّد عبد الخالق ماضي في مقدِّمة تحقيق "الأجوبة المستوعبة" لابن عبد البرِّ فطالعه.
2- وربَّما تكون تلك البحوث في مواضيع مهمَّة وأفكار بحثيَّة جديدة، لكن ليس للطَّالب فيها مادَّة غير نقل المعلومة من مظانِّها المعتادة، فلا هو جمع نقلًا يعزُّ الوقوف عليه، ولا هو وفَّى النَّقل المعروف حقَّه من النَّظر والتَّمحيص والتَّحقيق.
3ـ وقد تكون لوكًا لأشياء معروفة متداولة مبثوثة في النَّاس، بحيث يكون جمع ما لا يُحتاج أن يُجمع، ورسم نفسه مؤلِّفا.
وأمَّا المفرَّغ فهي الدُّروس الَّتي يلقيها العالم لفظًا ثمَّ تسجَّل وتُكتب من التَّسجيل فتنتقل من اللَّفظ إلى الخطِّ، وسُمِّي هذا العمل تفريغًا كأنَّهم قصدوا أنَّه فرَّغ الآلة المسجَّلة ممَّا احتوت عليه، مع أنَّ ما في الآلة بقي على حالته قبل كتابته، فأصدق وصف لهذا العمل أنَّه "الكتابة" لأنَّه كتب ما تكلَّم به العالم، وبه كانوا يعبِّرون، يقولون: كتب عنه الدرس، وكتب عنه الإملاء، وقيَّد عنه، وعلَّقه في مجلس فلان.
والغرض أنَّ لكتابة المسموع (التَّفريغ) في تاريخنا أصلًا، وأوَّل كتاب وصل إلينا من هذا النَّوع فيما أعلم هو "المعلم في شرح مسلم" للإمام المحقق أبي عبد الله لمازري، كتبه عنه تلاميذه في المجالسة، بعضُه من لفظه وأكثر من معناه، ثمَّ نظر فيه وحرَّره.
وفي ترجمة ابن تيميَّة من "البداية والنِّهاية" و"الردِّ الوافر" أنَّ أوَّل درس له كتبه شيخ الإسلام تاج الدِّين الفزاري لكثرة فوائده.
فهذا العمل له أصل، لكن دخله الدَّاخل، ولأضرب لذلك أمثلة:
1-فمن ذلك لغتها، فلغة الإلقاء غير لغة التَّحرير، فربَّما تكلَّم العالم بتركيب جرى على لسانه ولا يرضى أن ينسب إليه تحريرًا، وهو مدوَّن في كتاب بل كتبٍ منسوبًا إليه. وربَّما تكون بعض تلك العبارات والتَّراكيب بالعاميَّة التي يستعملها العالم لتفهيم المخاطبين، وتكون مع ذلك ممَّا تنَزَّه عنها كتب العلم، وإن صلحت أن يخاطب النَّاس بمثلها في الإلقاء.
2- وربَّما تجد فيها اللَّحن الجليَّ والأخطاء النَّحويَّة الظاهرة الَّتي يفضِّل العالم أن لا تنسب إليه وأن لا يكون ألَّف، وهذا وإن لك يكن مختصًّا بالمفرَّغ إلا أنَّه شائع فيه كثير الوقوع.
3- وربَّما يتكلَّم العالم بالشَّيء يسبقه إليه لسانه فيثبت كما هو، وهذا "الشَّرح الممتع" لعلَّه أكبر عمل من هذا النَّوع وأجوده مطلقًا، هو إلى العيدين سلِسٌ جيِّد، لأنَّ الشَّيخ قد انتهى في المراجعة إلى هناك، ثمَّ بعد ذلك يظهر رفيه النَّقص في التَّحرير، وقد رأيت فيه موضعا ذكر فيه الشيخ تقدير الدينار الذهبي بالغرام فذكر غير ما قدَّمه أوَّلًا في الطَّهارة، وهو فيما يظهر سبق لسان أثُبت في الكتاب كما هو.
ومن المعلوم أنَّ أحسن ما بين أيدي النَّاس من هذا النَّوع كُتب الشَّيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله فهوكان أكثرُ ما يلقيه في المجالس يحرِّره خطًّا قبل أن يلقيه نطقًا، فكلامه أقرب إلى التَّحرير ومرتَّب ترتيبًا يصلح أن تُنسج التَّواليف على منواله، ولما انتبه بعض الفضلاء إلى هذا امتنع من أن يأذن بتفريغ دروسه لما يعلمه من عدم ترتيب إلقائه كترتيب ابن عثيمين.
فإذا كانت كتب ابن عثيمين على تحريرها والعناية بها، يقع فيها مثل هذا فكيف بغيرها؟
ويتأكَّد هذا في الكتب الَّتي لم يراجعها ولم ينظر فيها أصحابها المنسوبة إليهم، فإن الكتاب إذا لم يكن من الأصل تحريرا خطيا نقص، ولو راجعه مؤلِّفه، فكيف إذا لم ينظر فيه، ولهذا لما شرع القاضي عياض في شرح صحيح مسلم اعتذر عن عدم الاستيعاب والاستيفاء في كتاب شيخه المازري بأنَّه لم يستجمع له مؤلِّفه وإنَّما هو دروس قيَّدها عنه الطَّلبة. وانظر مقدِّمة تحقيق "المعلم" (1/195).
وقال الشَّيخ صالح آل الشيخ في تقديمه لشرحه المفرَّغ على كتاب التَّوحيد: "وقد فرِّغ من الأشرطة المسجَّلة، وأصلحت بعض الألفاظ بما يناسب المكتوب، فلم أقصد إلى تأليف شرح، ولذلك فإنِّي أرغب من المحقِّقين في مقاصد التأليف أن يغضوا الطَّرف عمَّا قد يرد في الشَّرح من عدم استيعاب أو علوِّ عبارة".
وانظر كلام الشَّيخ ابن عثيمين في ذلك في تقديمه لشرحه المفرَّغ على العقيدة الواسطيَّة (ص11).
هذا، وليس غرضي التَّنفير من هذا النَّوع من الكتب وعيبها بإطلاق، بل فيها خير كثير،ولا سيَّما في سهولة العبارة، فهي في الغالب أقرب تناولًا إلى الطَّالب المبتدئ، لكن الغرض:
ـ الدَّعوة إلى بذل عناية زائدة في تصحيح لغة الكتاب وتدقيق معلوماته.
ـ أنَّ لا يجعلها الطَّالب غاية مرامه من كتب العلم، فقصارى أمر الجيِّد منها أن يكون كتابًا مساعدًا لا أصلًا.
ـ الحذر من أن يُنسب إلى العالم شيء لا يدين به ممَّا تكلَّم به في ساعته من غير تحرير.
وأمَّا ما لم يُفرغ منه فهو أنَّ العالم ربَّما كتب شيئًا لينظر فيه ويزيده تحريرًا، فأحيانًا يفعل وأحيانًا تبقى المسوَّدة على ما هي عليه، وقد اجترأ بعض وارثي الكتب أو أصحاب الحقوق فيها على طبع هذا النَّوع، وقد خرج منه أشياء لإمامين من أئمَّة التَّحقيق و التَّدقيق هما الألباني و المعلِّمي رحمهما الله.
فالشيخ الألباني رحمه الله كـ"صحيح أبي داود" و"الثَّمر المستطاب"، فهذه فيها من الخلل ما لا يخفى، فلو أراد أحدٌ أن يتعقَّب الألبانيَّ في تخريجه في "السِّلسلتين" و "الإرواء" لأعياه ذلك، أمَّا تخريجه للحديث في "صحيح أبي داود" فإنَّ في بعض الأحاديث يتَّضح أنَّ الشَّيخ لم يتمَّ الكلام عليها، ولم يستوعب طرقها جمعًا وبحثًا فليُعلم هذا.
وهكذا يقال في حقِّ المعلِّمي رحمه الله كمسوَّداته في السنَّة والبدعة وغيرها، النَّاظر فيها يجزم أنَّ من كتبهالم يعد النَّظر فيها ولم يستقص البحث، ومن ذلك مسألة اعتبار التَّقوى في ترجيح بعض المفتين على بعض فقد صرَّح بعدم اعتبارها في ذلك، مع أن في كثير من نصوص الشرع ما يدل على أنَّ المتَّقي أولى النَّاس بأن يوفق إلى الصَّواب، ولهذا لمَّا قيل لأحمد رحمه الله: من نسأل بعدك؟ قال: عبد الوهاب، فقيل له: ليس له في اتِّساع في العلم فقال: إنَّه رجل صالح مثله يوفَّق.
وضرر هذا النزع بالعلم في إدخال ما ليس بمحقَّق فيه، وضرره على العالم أن ينسب إليه ما لا يليق بمقامه، وقد قال الذَّهبي رحمه الله في الحاكم: "لو لم يؤلِّف المستدرك كان خيرًا له".
وضرره بالمتعلِّم أوضح، فإنَّه يغترُّ بما يعلمه من ذلك العالم من عنايته بالاستقصاء والتَّحرِّي، ولا يتنبَّه إلى أن ذاك الكتاب أو الموضع ممَّا لم يحرِّره، والله أعلم.
فالأوَّل لا فائدة منه.
والثَّاني والثَّالث ضررٌ على العلم والمتعلِّم والعالم.
فالفارغ أعني به تلك البحوث التي يكتبها بعض الطَّلبة وتكون:
1- إمَّا في مسائل قد أوعب العلماء الكلام فيها فلا يحصى كم تكلَّموا فيها بحثًا وتحريرًا ونقلًا وحجاجًا، ثمَّ يكتب فيها مرَّة أخرى بعض الطَّلبة فتجده لم يحرِّر مشكلًا، ولا حقَّق مبحثًا، فما ذا فعل هذا غير كونه كتب ليكتب، وقد كثر ضجيج أهل الفضل من هذا الصَّنيع، ومن أحدث ذلك ما كتبه شيخنا أبو محمَّد عبد الخالق ماضي في مقدِّمة تحقيق "الأجوبة المستوعبة" لابن عبد البرِّ فطالعه.
2- وربَّما تكون تلك البحوث في مواضيع مهمَّة وأفكار بحثيَّة جديدة، لكن ليس للطَّالب فيها مادَّة غير نقل المعلومة من مظانِّها المعتادة، فلا هو جمع نقلًا يعزُّ الوقوف عليه، ولا هو وفَّى النَّقل المعروف حقَّه من النَّظر والتَّمحيص والتَّحقيق.
3ـ وقد تكون لوكًا لأشياء معروفة متداولة مبثوثة في النَّاس، بحيث يكون جمع ما لا يُحتاج أن يُجمع، ورسم نفسه مؤلِّفا.
وأمَّا المفرَّغ فهي الدُّروس الَّتي يلقيها العالم لفظًا ثمَّ تسجَّل وتُكتب من التَّسجيل فتنتقل من اللَّفظ إلى الخطِّ، وسُمِّي هذا العمل تفريغًا كأنَّهم قصدوا أنَّه فرَّغ الآلة المسجَّلة ممَّا احتوت عليه، مع أنَّ ما في الآلة بقي على حالته قبل كتابته، فأصدق وصف لهذا العمل أنَّه "الكتابة" لأنَّه كتب ما تكلَّم به العالم، وبه كانوا يعبِّرون، يقولون: كتب عنه الدرس، وكتب عنه الإملاء، وقيَّد عنه، وعلَّقه في مجلس فلان.
والغرض أنَّ لكتابة المسموع (التَّفريغ) في تاريخنا أصلًا، وأوَّل كتاب وصل إلينا من هذا النَّوع فيما أعلم هو "المعلم في شرح مسلم" للإمام المحقق أبي عبد الله لمازري، كتبه عنه تلاميذه في المجالسة، بعضُه من لفظه وأكثر من معناه، ثمَّ نظر فيه وحرَّره.
وفي ترجمة ابن تيميَّة من "البداية والنِّهاية" و"الردِّ الوافر" أنَّ أوَّل درس له كتبه شيخ الإسلام تاج الدِّين الفزاري لكثرة فوائده.
فهذا العمل له أصل، لكن دخله الدَّاخل، ولأضرب لذلك أمثلة:
1-فمن ذلك لغتها، فلغة الإلقاء غير لغة التَّحرير، فربَّما تكلَّم العالم بتركيب جرى على لسانه ولا يرضى أن ينسب إليه تحريرًا، وهو مدوَّن في كتاب بل كتبٍ منسوبًا إليه. وربَّما تكون بعض تلك العبارات والتَّراكيب بالعاميَّة التي يستعملها العالم لتفهيم المخاطبين، وتكون مع ذلك ممَّا تنَزَّه عنها كتب العلم، وإن صلحت أن يخاطب النَّاس بمثلها في الإلقاء.
2- وربَّما تجد فيها اللَّحن الجليَّ والأخطاء النَّحويَّة الظاهرة الَّتي يفضِّل العالم أن لا تنسب إليه وأن لا يكون ألَّف، وهذا وإن لك يكن مختصًّا بالمفرَّغ إلا أنَّه شائع فيه كثير الوقوع.
3- وربَّما يتكلَّم العالم بالشَّيء يسبقه إليه لسانه فيثبت كما هو، وهذا "الشَّرح الممتع" لعلَّه أكبر عمل من هذا النَّوع وأجوده مطلقًا، هو إلى العيدين سلِسٌ جيِّد، لأنَّ الشَّيخ قد انتهى في المراجعة إلى هناك، ثمَّ بعد ذلك يظهر رفيه النَّقص في التَّحرير، وقد رأيت فيه موضعا ذكر فيه الشيخ تقدير الدينار الذهبي بالغرام فذكر غير ما قدَّمه أوَّلًا في الطَّهارة، وهو فيما يظهر سبق لسان أثُبت في الكتاب كما هو.
ومن المعلوم أنَّ أحسن ما بين أيدي النَّاس من هذا النَّوع كُتب الشَّيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله فهوكان أكثرُ ما يلقيه في المجالس يحرِّره خطًّا قبل أن يلقيه نطقًا، فكلامه أقرب إلى التَّحرير ومرتَّب ترتيبًا يصلح أن تُنسج التَّواليف على منواله، ولما انتبه بعض الفضلاء إلى هذا امتنع من أن يأذن بتفريغ دروسه لما يعلمه من عدم ترتيب إلقائه كترتيب ابن عثيمين.
فإذا كانت كتب ابن عثيمين على تحريرها والعناية بها، يقع فيها مثل هذا فكيف بغيرها؟
ويتأكَّد هذا في الكتب الَّتي لم يراجعها ولم ينظر فيها أصحابها المنسوبة إليهم، فإن الكتاب إذا لم يكن من الأصل تحريرا خطيا نقص، ولو راجعه مؤلِّفه، فكيف إذا لم ينظر فيه، ولهذا لما شرع القاضي عياض في شرح صحيح مسلم اعتذر عن عدم الاستيعاب والاستيفاء في كتاب شيخه المازري بأنَّه لم يستجمع له مؤلِّفه وإنَّما هو دروس قيَّدها عنه الطَّلبة. وانظر مقدِّمة تحقيق "المعلم" (1/195).
وقال الشَّيخ صالح آل الشيخ في تقديمه لشرحه المفرَّغ على كتاب التَّوحيد: "وقد فرِّغ من الأشرطة المسجَّلة، وأصلحت بعض الألفاظ بما يناسب المكتوب، فلم أقصد إلى تأليف شرح، ولذلك فإنِّي أرغب من المحقِّقين في مقاصد التأليف أن يغضوا الطَّرف عمَّا قد يرد في الشَّرح من عدم استيعاب أو علوِّ عبارة".
وانظر كلام الشَّيخ ابن عثيمين في ذلك في تقديمه لشرحه المفرَّغ على العقيدة الواسطيَّة (ص11).
هذا، وليس غرضي التَّنفير من هذا النَّوع من الكتب وعيبها بإطلاق، بل فيها خير كثير،ولا سيَّما في سهولة العبارة، فهي في الغالب أقرب تناولًا إلى الطَّالب المبتدئ، لكن الغرض:
ـ الدَّعوة إلى بذل عناية زائدة في تصحيح لغة الكتاب وتدقيق معلوماته.
ـ أنَّ لا يجعلها الطَّالب غاية مرامه من كتب العلم، فقصارى أمر الجيِّد منها أن يكون كتابًا مساعدًا لا أصلًا.
ـ الحذر من أن يُنسب إلى العالم شيء لا يدين به ممَّا تكلَّم به في ساعته من غير تحرير.
وأمَّا ما لم يُفرغ منه فهو أنَّ العالم ربَّما كتب شيئًا لينظر فيه ويزيده تحريرًا، فأحيانًا يفعل وأحيانًا تبقى المسوَّدة على ما هي عليه، وقد اجترأ بعض وارثي الكتب أو أصحاب الحقوق فيها على طبع هذا النَّوع، وقد خرج منه أشياء لإمامين من أئمَّة التَّحقيق و التَّدقيق هما الألباني و المعلِّمي رحمهما الله.
فالشيخ الألباني رحمه الله كـ"صحيح أبي داود" و"الثَّمر المستطاب"، فهذه فيها من الخلل ما لا يخفى، فلو أراد أحدٌ أن يتعقَّب الألبانيَّ في تخريجه في "السِّلسلتين" و "الإرواء" لأعياه ذلك، أمَّا تخريجه للحديث في "صحيح أبي داود" فإنَّ في بعض الأحاديث يتَّضح أنَّ الشَّيخ لم يتمَّ الكلام عليها، ولم يستوعب طرقها جمعًا وبحثًا فليُعلم هذا.
وهكذا يقال في حقِّ المعلِّمي رحمه الله كمسوَّداته في السنَّة والبدعة وغيرها، النَّاظر فيها يجزم أنَّ من كتبهالم يعد النَّظر فيها ولم يستقص البحث، ومن ذلك مسألة اعتبار التَّقوى في ترجيح بعض المفتين على بعض فقد صرَّح بعدم اعتبارها في ذلك، مع أن في كثير من نصوص الشرع ما يدل على أنَّ المتَّقي أولى النَّاس بأن يوفق إلى الصَّواب، ولهذا لمَّا قيل لأحمد رحمه الله: من نسأل بعدك؟ قال: عبد الوهاب، فقيل له: ليس له في اتِّساع في العلم فقال: إنَّه رجل صالح مثله يوفَّق.
وضرر هذا النزع بالعلم في إدخال ما ليس بمحقَّق فيه، وضرره على العالم أن ينسب إليه ما لا يليق بمقامه، وقد قال الذَّهبي رحمه الله في الحاكم: "لو لم يؤلِّف المستدرك كان خيرًا له".
وضرره بالمتعلِّم أوضح، فإنَّه يغترُّ بما يعلمه من ذلك العالم من عنايته بالاستقصاء والتَّحرِّي، ولا يتنبَّه إلى أن ذاك الكتاب أو الموضع ممَّا لم يحرِّره، والله أعلم.
بقلم الأخ