الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذا تفريغ كامل للقاء الشيخ الفاضل الوقور عبد الرحمن بن عوف كوني حفظه الله ورعاه مع أحد طلبة العلم من أحد بلدان المغرب العربي حرسها الله وسائر بلاد المسلمين من كل شر وسوء.
وهو لقاء تأصلي بين فيه الشيخ سدده الله ورعاه المنهج العلمي الذي يلزم الطالب السير عليه في طريق طلبه للعلم، وقد كنت نشرت منه جزء قبل سنوات، وأنا الآن أضعه بين يدي إخواني كاملا مفرغا، وقد أرسلته للشيخ حفظه الله عسى أن يعينه على مراجعته ومن ثم إخراجه لطلبة العلم.
والآن أترككم مع التفريغ، وأسأل الله ربي أن يجعله خالصا لوجهه ولا يجعل فيه لأحد نصيبا، إنه ربي مجيب الدعاء وهو أهل الرجاء، وهو حسبي ونعم الوكيل.
رابط لتحميل التفريغ على صيغة pdf لمن أراد تحميله
http://ar.salafishare.com/1aNأما بعد:
فهذا تفريغ كامل للقاء الشيخ الفاضل الوقور عبد الرحمن بن عوف كوني حفظه الله ورعاه مع أحد طلبة العلم من أحد بلدان المغرب العربي حرسها الله وسائر بلاد المسلمين من كل شر وسوء.
وهو لقاء تأصلي بين فيه الشيخ سدده الله ورعاه المنهج العلمي الذي يلزم الطالب السير عليه في طريق طلبه للعلم، وقد كنت نشرت منه جزء قبل سنوات، وأنا الآن أضعه بين يدي إخواني كاملا مفرغا، وقد أرسلته للشيخ حفظه الله عسى أن يعينه على مراجعته ومن ثم إخراجه لطلبة العلم.
والآن أترككم مع التفريغ، وأسأل الله ربي أن يجعله خالصا لوجهه ولا يجعل فيه لأحد نصيبا، إنه ربي مجيب الدعاء وهو أهل الرجاء، وهو حسبي ونعم الوكيل.
رابط لتحميل التفريغ على صيغة pdf لمن أراد تحميله
الشريط الصوتي للإستماع :
أو لمن أراد تحميله :
http://archive.org/details/kawni-tohfahأو لمن أراد تحميله :
****************************
بسم الله الرحمن الرحيم
* [الطالب]: شيخنا أولا يعني في نيتي بإذن الله سبحانه وتعالى أن أدرس عليكم كتاب القطر بعد أن قرأت الآجرومية، وأردت أن أسأل الآن يعني [هل] من نصيحة في كيفية دراسة هذا الكتاب خصوصا أو غيره؟ الكيفية، وقضية المراجعة، وكيف تكون الدراسة؟
*[الشيخ عبد الرحمن كوني]: نعم كيفية الدراسة أو كيفية تحصيل هذا الكتاب، وكذلك كيفية تحصيل غيره من الكتب في أي فن من الفنون تكون: بأن يُقرأ نص الكتاب ويُشرح لك هذا النص.
عند قراءة هذا النص بالشرح لك ينبغي ألا تكثر من النص المشروح، بل تقرأ مقدارا من النص الذي يشرح لك مقدارا تستطيع أن تضبط معناه وتفهمه جيدا ولا يصعب عليك ضبط هذا الشرح لهذا المقدار من النص.
وإنما ذلك لأنك بعدما في أي درس إذا قرأت الشرح في أي درس فإنك تعود وتكرر المتن، والأولى أن تكرر المتن لتحفظه لتحفظ المتن الذي شُرح لك، المقدار الذي شُرِح لك من المتن تكرره تكرارا تحفظه، هذا الأَوْلَى.
وهذه الطريقة هي طريقة التدرج الذي مشى عليها السلف، لأن علمهم أو تعلمهم ليس لأغراض محددة منتظرة، إنما الغرض لهم في طلب العلم هو أن يضبطوا العلم لله ويعملوا به، فيسلكون الطريق الذي يؤديهم إلى حفظ وضبط هذا العلم، والطريقة التي تؤدي إلى حفظ وضبط العلم من حيث الجملة هي الطريقة المتأنية التي لا عَجَلَ فيها من حيث الجملة، ولذلك يقرؤون الفنون، فيختارون عند قراءة الفنون يلجؤون أو يُقبلون على فن واحد، ويدرسون هذا الفن.
قراءة كتب في هذا الفن بدءا من كتاب مختصر فمتوسط فمطول وهكذا، وعند قرائتهم لأي كتاب من هذه الكتب فإنهم يسلكون هذا المنهج: حفظ المتن بالتكرار مع ضبط المعنى لهذا الذي شُرِح لك، وهذا تفعله في كل درس تقرأه في هذا الكتاب سواء كان قطرا أو غيره حتى تنتهي من القطر بهذه الطريقة، وإذا انتهيت من القطر بهذه الطريقة تعود فتراجع القطر من أوله إلى آخره حتى تَتَثَبَتَ من المسائل التي قرأتَ من أوله من قبل، ثم تنتقل إلى كتاب مطول في هذا الفن الذي هو فن النحو، وإن شئت من الممكن أن تقرأ في فن آخر في كتاب آخر بعدما تنتهي من القطر مثلا، قبل أن تدخل في كتاب مطول كالألفية ونحوها من الممكن أو يجوز أن تخمض في قراءة الكتب في الفنون فتنتقل إلى كتاب في فن آخر، كأن تنتقل إلى فن الصرف فتقرأ فيه كتابا مختصرا وبعدما تنتهي من كتاب، قرأت هذا الكتاب المختصر، تأتي إلى كتاب مطول في النحو مثلا. هذا يمكن وإن شئت واصلت في هذا الفن وقرأت الألفية بعد القطر، ثم تشرع في قراءة فن الصرف فتقرأ كتابا مختصرا فمتوسطا فمطولا على المنهج الذي سلكته في قراءة كتب النحو وفي تحصيل النحو وهكذا الفنون.
ومثل هذه الطريقة إنما ينتفع الإنسان إذا كان ابتدأ طلب العلم مبكرا، ويجوز أن يسلك هذه الطريقة ولو لم يبدأ طلب العلم مبكرا أو ولو لم يشرع في طلب العلم مبكرا، لأن [هذه] الطريقة هي طريقة الإتقان سواء كان لمن بَكَّرَ أو لمن تأخر، هي طريقة الإتقان على كل حال وهكذا.
وعند قراءتك للكتاب أو للمتن لا تكثر من النظر في الحواشي لشروح هذا الكتاب، إلا إذا كان النظر في هذه الحواشي لحل مشكلات في شرح هذا المتن بحيث إنك لم تفهم بعض المراد من هذا المتن، وكان فهم المراد في بعض الحواشي إذا لم يكن الشارح لك الذي تقرأ عليه إذا لم يكن قد حل لك أو شرح لك ما تريد شرحا كاملا، لأنه قد يحصل هذا أحيانا، هو لم يشرح لك شرحا كاملا وأنت ما سألته مثلا قد يكون ([1])، لكن لو سألته فينبغي أن يحل لك الإشكال الذي في هذا الدرس من الكتاب حتى تضبط المراد من النص من أقرب طريق، لأن شرحه لك هذا يوفر عليك الوقت؛ فإنك إذا لم تكن فهمت متنا أو درسا من الدروس وأردت بنفسك أن تفهمه من الشروح والحواشي فهذا قد يأخذ منك وقتا طويلا وربما لا تصل إلى المراد لأنك ما تعرف.
إذن فوجود من تقرأ عليه من أهل العلم هذا ركن من أركان تحصيل العلم من عدة وجوه منها: أن قراءتك على من يعرف هذا يوفر لك الوقت في تحصيل العلوم أو الفوائد، لأن نفسك إذا أردت أن تحصل الفوائد أو الإشكالات بنفسك تتعب وربما لا تصل، هذا وقد تفهم شيئا خطأً وأنت لا تدري أنه خطأ عندما تقرأ في الكتب بنفسك ولم تبلغ درجة تستطيع أن تستقل بهذه الدرجة أن تقرأ بنفسك وحدك في الكتب، ولذلك الإنسان في طلب العلم إذا لم يكن يكن يقرأ على شيخ عارف بل اعتمد في أول الطلب على الكتب بنفسه ليأخذ لعلم من الكتب فهذا ليس بجيد، فقد يخطأ كثيرا ربما يظن شيئا صحيحا ليس بصحيح، لكن الذي مارس العلم قبله فإنه يعرف الصحيح من غير الصحيح ويعرف أن المسألة مطلقة في هذا الكتاب ومقيدة في كتاب آخر يفهم مثل هذا لممارسته له، فأنت إذا قرأت على مثل هذا يوفر لك الوقت، ولذلك ينبغي أن يعرف الطالب: بن ناصر السعدي من علماء القصيم ذكر هذا في كتيب له وهو أنه ينبغي أو يجب على طالب العلم أن يعرف قيمة العلم وقيمة من يعطيه العلم، لأنه إذا عرف ذلك معرفة ذلك تساعده على درك العلم حقيقة، وفي الوقت نفسه يؤجر على تحصيل هذا العلم وعلى معرفته، لكن إذا كان لا يعرف قيمة العلم ولا قيمة من يتعلم عليه فهذا تعليم لا يوصل الإنسان إلى العلم حقيقة أو لا يوصل طالب العلم إلى العلم الشرعي الصحيح الذي درج عليه السلف. فهذه الطريقة ، نعم .
[الطالب]: فيما يتعلق بالقطر ([2])، يعني هل الأولى أن نقرأ عليكم المتن أي النص فقط أم مع شرحٍ من شروحه؟
[الشيخ]: هو في الحقيقة الذي يظهر جمعا للفوائد أن تقرأ شرح ابن هشام لقطره أن تقرأه علي مثلا أو على من يعرفه هكذا، فإن قراءتك شرح ابن هشام لقطره في هذا من الفوائد أنك تتدرب على أسلوب ابن هشام، ومعرفة أساليب علمائنا المتقدمين هذا طريق وباب من أبواب العلم، فقراءة الشرح لابن هشام وهذا من فوائده، ولأنك لو فعلت هذا قرأته علي مثلا أو على غيري مثلا فينبغي أن يعلق؛ لأن في كلام ابن هشام في شرح ابن هشام ما يحتاج إلى فك وشرح وتوضيح، إذن فهذا التوضيح يكون أمرا ثالثا إلى المتن وإلى شرح الماتن، فكأنك تجمع بين ثلاثة أشياء بين:
- المتن.
- وبين شرح الماتن.
- وبين المعلق وهو الذي يشرح هذا المتن .
فتجمع بين ثلاثة فوائد.
هذا طريقة وهذه من هذه الفوائد الثلاث في هذه الطريقة، لكن الأصل في قراءة المتون هو أن تقرأ المتن فقط دون شرح ابن هشام، لكن شرح ابن هشام في قطره مخلوط بالمتن خلطا عجيبا بحيث تستفيد كثيرا من قراءة شرحه لهذا المتن، وإلا الأصل أن تقرأ المتن فقط ويُشرح لك، والمتن موجود بدون شرح، موجود، فأنت تنظر إلى وقتك أو إلى شيء من هذه الأمور وتنظر الأولى بملابساتك الزمنية وبأوضاعك وما أشبه ذلك، من الممكن أن تنظر إلى هذا أيضا فتقتصر على المتن يُشرح لك، وإلا فالأكثر فائدة هو أن تجمع بين هذه الثلاث فوائد وذلك بقراءة شرح ابن هشام لمتنه، نعم.
[الطالب]: ولو أخذ وقتا أطول؟
[الشيخ]: نعم ولو أخذ وقتا أطول، هو طول الوقت هذا بالنسبة لطلب العلم، طالب العلم في الحقيقة في الأصل لا ينظر إلى الطول في الوقت، إنما يهتم بالكيفية والطريقة التي تؤديه إلى الضبط الصحيح هذا الأصل معروف، لكن إذا اختلفت أوضاع الناس أو أحوال طلبة العلم وما أشبه ذلك في الأماكن التي يطلبون العلم فيها من البلاد، فلعل هذا يجعلك تنظر إلى الوقت؛ ينبغي أن أحصل في هذا الوقت الفلاني وإذا ما يمكن كذا، هذه مسألة أخرى تجددت الآن، وإلا الأصل أنك إنما تنظر إلى كيفية الإتقان، ولا يهمك طول الوقت هذا الأصل، لكن ليس معنى ذلك أيضا أن تفرط في المثابرة والمواصلة ليس معناه ذلك، أنت تثابر على الطريقة المثلى لضبط العلوم، لكن إذا اختلفت الأحوال فلعل الإنسان يقول متى أنتهي من هذا حتى أدرك هذا وحتى لا يفوتني هذا فهذه مسألة أخرى، فهمت، نعم.
[الطالب]: ..هناك من يذهب إلى بلد ليدرس في كل فن متنا؟
[الشيخ]: هذا المتن يكون مختصرا أو متوسطا أو مطولا؟
[الطالب]: متوسطا.
[الشيخ]: فقط؟
[الطالب]: متوسط فقط، ثم بعد ذلك يتخصص.
[الشيخ]: يتخصص في إيش؟
[الطالب]: يعني يتخصص في فن من هذه الفنون ويدرس فيها كتابا مطولا، خاصة يعني أن كثير من الناس من يتوق إلى دراسة مثلا الأصول والفقه، يعني يختار متنا صغيرا في النحو وما إلى ذلك، ثم مباشرة يدخل في الأصول أو الفقه يعني هل هي طريقة سليمة؟
[الشيخ]: والله لا شك أنها طريقة من طرق التعلم لكنها طريقة مخالفة لمنهج السلف الذين عرفوا وسبروا حقائق العلوم، وهي طريقة تحصل فيها على علم، لكن ما حقيقة هذا العلم الذي ستحصل عليه بهذه الطريقة هذا الذي نريد أن نبحث عنه الآن، لأن العلوم درجات فالذي يريد الثبات أو الرسوخ في العلوم هذه الطريقة ليست جيدة بالإجمال هكذا بالجملة هذه الطريقة ليست جيدة، لكنها طريقة في الحقيقة من الطرق، والإنسان إذا كان ذا همة ووُفِّقَ فإنه لا يسلك هذه الطريقة في تحصيل العلوم، والإخوان يسألون كثيرا فمنهم من يسأل وقد سُأِلَ هذا السؤال كثيرا وهو أنه يريد أن يتبحر في الحديث أو أن يتخصص في الحديث كما تقول أنت الآن فيقول: هل يكفي أن أقرأ الآجرومية مثلا والقطر ويكفيني فأتفرغ لطلب الحديث؟ فأنا قلت لهم: نعم يجوز، لكن اعلم أنه إذا تبحرت أو إذا سلكت طلب الحديث بعد ذلك فإنه هناك إشكالات ستواجهك، هذه الإشكالات تتعلق بمسائل في العربية ما وصلت إلى هذه المسائل في العربية، نعم فربما من المسائل سيأتيه إشكالات وهو يقرأ الحديث إما لأن علم الشرع في وعاء العربية، الكتاب بلسان عربي مبين ([3])، ورسولنا هو بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم أفصح من نطق بالعربية، وكلامه صلى الله عليه وسلم كله عربي فصيح بأساليب عالية، إذن فلابد من معرفة هذه العربية، بقدر ما تعرف العربية بقدر ما تفهم كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فأنت إذا ارتفعت درجة في فهم أساليب العرب أنت تكون أعرف بكثير أو أعرف بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، لكنك إذا طلبت العربية طلبا قليلا فإن هذا وإن مكنك أن تشرع في التبحر في الحديث، فهذا المقدار من المعرفة لا يكفيك عند طلبك للحديث فإنك ستحتاج إلى فك مسائل أو إشكالات تتعلق بالعربية في الحديث، لا يمكن أن تتجاوز هذه الإشكالات حتى ترجع إلى القواعد العربية التي ما كنت قد قرأتها، وتكون هذه الإشكالات تتعلق بهذه القاعدة في الكتب المطولة أو ما أشبه ذلك قد يكون، ولذلك ابن هشام سأله المحدثون في دمشق عن إشكالات في صحيح البخاري فأجابهم عن هذه الإشكالات.
فعلى كل حال أنت إذا اقتصرت على قليل من العربية وأردت أن تتبحر في بعض الفنون هذه كما يقولون، أنا أقول: هذا ممكن، لكن اعلم أنك ما نجوت أوما يعني ما تمضي ما تنجو من الإشكالات، لابد أن تأتيك إشكالات فيما بعد إذ لابد من هذا، إذن فهذه بالنسبة لهذه الطرق كان السلف لا يسلكونها ولذلك كان السلف في طريقتهم يعتنون بطلب الآلات أولا، ولذلك تجد كبارهم في العلوم بدأ طلب العلم وهو صغير، فيطلب العلوم يطلب الفنون ويحاول أن يتبحر في كل فن، فمثل هذا ينتهي إلى علم الكتاب والسنة فلا يجد بعد ذلك في ألفاظ الكتاب والسنة إشكالا عربيا إلا اهتدى إلى فك الإشكال، فيكون عالما حقا.
لكن الذي لايكون كذلك فإنه ولو تبحر في الحديث يتبحر لكن تبحره قد يكون تقليدا أو قد يقلد في العربية في بعض المسائل في الكتاب والسنة إذا كانت هذه المسائل عربية وليس لديه علم ذاتي فيه، أو يرجع ليبحث عن هذه المسائل في العربية ثم يعود إلى الكتاب والسنة بعد ذلك، فلماذا هذا التردد؟؟
ولذلك العلم كثير، العلم ينبغي أن يطلب كما كان السلف يطلبونه إذا كان العلم للعلم لله وليس على سبيل العجلة، لأن طريق العجلة أو سبيل العجلة في طلب العلوم ليس منهجا مرضيا في تحقيق العلم، والإنسان يأخذ المنهج الصحيح ويسأل الله أن يوفقه لسلوك سبيله وهكذا، لكن إذا لم يسلك هذا الطريق الصحيح فإنه لايخلو من إشكال أو لا يخلو من قصور، فهمت هذا؟
هذا الكلام في كثير لو ضربنا مثالا من بعض العلماء كابن تيمية مثلا، تجد الرجل انتهى إلى علم الكتاب والسنة، لكنه دقق وعرف علوم الآلة وانتهى إلى علم الكتاب والسنة، فتجده عند التكلم على مسألة من المسائل في الفقه وما أشبه ذلك في الحلال والحرام تجده يخوض في بحار العلوم، لماذا هذا؟ لماذا يستطيع هذا؟ لأنه طلب العلم على منهج السلف، وما قرأ مثلا وما اكتفى مثلا بعلم القطر فقط في العربية ما اكتفى بهذا، ...سبحان الله تجده يتكلم في مسائل العربية عرضا لا قصدا تجد كما يقال تجد المتخصصين أو كبار علماء العربية لا يتسنى لهم مثل هذا التخطيط الذي يأتي به أحيانا في مسائل العربية أحيانا، تجد هذا عنده أنا أستغفر الله وجدت له أمثلة في مجموع الفتاوى وفي كتاب له طبع جديدا اسمه: تنبيه الرجل العاقل إلى التنويه الجدلي الباطل هكذا، تجده يأتي بفوائد ومسائل في العربية عرضا لا قصدا، فهو لو كان اقتصر على فهم نحو القطر ما يحصل له هذا...
إذن فنأخذ من هذا أن المنهج الصحيح هو أن طلب العلم كما كانت السلف عليه تحاول أن تقرأ مثلا: أقل شيء كتابا مختصرا، متوسطا، مطولا هذا أقل شيء في الفنون، وهذا في درجة الحقيقة كما يقول الشوكاني درجة لأول طبقات طلبة العلم ([4])، لأن طلبة العلم على طبقات ومن أراد طبقة عالية في العلم فينهج منهج السلف في إدراك الفنون والعلوم ويكون مشاركا في هذه العلوم ويطلب كل فن بحيث يكون مشاركا في كل فن أقل شيء، فلا يختصر ويقتصر على كتاب متوسط في كل فن مثلا، وإن كان هذا يحتاج إلى التبكير في طلب العلم لكن هي الطريقة المثلى أو هي طريقة الطبقة الأولى من طبقات العلم، وهي تقريبا طريق طبقة الاجتهاد من العلماء، هذه الطريقة التي أشار إليها الشوكاني لأنه جمع آلات الاجتهاد وهو دون عمر الثلاثين:
وإنني حزت أضعافا الذي شرطوا
قبل الثلاثين من عمري بلا كذب
يقول هكذا أضعاف الذي شرطوا من الجمع لهذه العلوم.
فهذا السؤال الذي سألته يكون تكتفي بشيء قليل وتتخصص في فن آخر كما تقول هذا ممكن، لكن اعلم أنه لا يخلو من إشكال، ليست طريقة التبحر والرسوخ في العلم ليس ذاك لكنه طريق من طرق العلم نقول طريق لأن...لكن أنت لا تكون ذا رسوخ هو هذا، نعم.
[الطالب]: هل يمكن أن تمثل لهؤلاء الراسخين في عصرنا [ بمثل ] الشيخ الأمين الشنقيطي؟
نعم، ولا أعرف أقول: لا أعرف حسب علمي لا أعرف رجلا كان على منهج السلف في جمع العلوم كشيخنا علامة زمانه بلا منازع محمد الأمين بن محمد المختار اليعقوبي الجكني الشنقيطي رحمه الله([5]) ، هذا رجل يعتبر من علماء الماضين ليس من علماء هذا الزمان، يعتبر من الطراز الأول، ولذلك كان يقول الشيخ الألباني رحمه الله فيه وهذه شهادة أهل العلم بعضهم في بعض يقول: كنت إذا رأيت الأمين تذكرت ابن تيمية.
انظر إلى هذه الكلمة الغالية فهو في الحقيقة ليس من علماء هذا الزمان، متأخر زمنا متقدم علما هذا الذي...[ يصلح أن ] تقوله في الشيخ رحمه الله رحمة واسعة.
وأنت لو نظرت إلى الطريقة التي طلب الشيخ العلم عليها لوجدتها طريق المتقدمين، وفي سن مبكر مشى هكذا في طلب العلم هكذا هكذا ووُفِّقَ، فليس من يوفق إلى هذه الدرجة بدون طريقة، ليس هكذا عشواء، لابد من منهج.
شرط النهايات تصحيح البدايات
وفاقد الشرط بالمشروط لا يأتي
فصحح البدأ في أمــر تحاولـه
وارع النتيجة في الأمر الذي تأتي
فهو سلك مسلكا أو منهجا أداه إلى هذا إلى هذه القيمة العلمية التي قل أن تجد لها نظيرا، فهو من علماء السلف ليس من علماء هذا الزمان حقا لمن يعرفه إذا كنت تعرفه، نعم رحمه الله رحمة واسعة ما رأيت عبقريا يفري فريه ولذلك كان بعض الشعراء في المدينة والأدباء يمدح الشيخ بعد درس من دروس المسجد النبوي في التفسير، لأنه كان يعطي درسا عاما في التفسير هكذا، وهي دروس في الحقيقة ليست لتحصيل العلم لطالب العلم، وأكثر دروسه في المسجد النبوي للإفادة العامة وبيان دين الله للمسلمين عموما، ليس على الطريقة التحصيلية للعلم شيئا فشيئا، لكنه نافع جدا تنفع في شيء معين وهو نفع الناس عامة هكذا، فكان الشيخ له دروس في المسجد النبوي في التفسير، والتفسير تفسير كلام الله هذا إنما هذا يكون لمن جمع العلوم رأيت، فهذا الشاعر اسمه محمد المجذوب وأصله من الشام يقول بعد درس للشيخ ([6]):
دمت يا شيخنا الأمين لدين
الله ذخرا وعصمة للحيارى
إنما أنت نفحة من تراث
كان في ظلمة الوجود منارا
قبسٌ من كتاب ربي وينبوع
هدى من بيانه لا يُمارى
ذكرتني (أضوائك) الغرّ أفذا
ذا من السابقين فاقوا البحارا
أورثونا من فضلهم كل علم
لم يسر قط كوكب حيث سارا
لو قضينا حياتنا ننعم الفكر
بأغواره لفاتت وخارا
فيلمتعك ذو الجلال بعمرٍ
يملأ الليل خصبه والنهارا
ود كل لو يستطيع له مدا
بشطر من عمره مختارا
كل طول في عمر مثلك طول
في قوى الحق يرهب الكفارا
وكثيرون إن يعيشوا فلا
خيروإن يهلكوا فشر توارى
أن كل واحد في هذه الدروس يود لو يعطى الشيخ عمرا زيادة في عمره وهذه الزيادة تأخذ من عمر ذلك الداعي له، فهو بحق في حق يعني من أفذاذ العلماء ..عموما رحمه الله رحمة واسعة.
لكن لعل المقصود أنه ما بلغ هذه الطريقة إلا بمنهج، أو ما بلغ هذه الدرجة إلا بطريقة في الطلب هو هذا، هكذا يعرف الأشياء عند العقلاء فيه وفي فن المنطق، نعرف هذه الطريقة أو هذه الدرجة كيف وصل إليها لأنه من الممكن مثلا أن يسلك، والشيخ في الحقيقة له ميزات، فمثلا قد يسلك غيره مثل مسلكه في طلب العلم لكن الغاية التي أو الدرجة التي وصل هو إليها ذلك الذي شاركه في هذا المنهج ربما لا يبلغ هذه الدرجة قد يكون، لكن لابد من هذا المنهج حتى يتصل أو لا تصل لهذه الدرجة، فالشيخ في الحقيقة حباه الله بامتيازات فطرية وعقلية وكذا وكذا مثلا، هذا أيضا مما يجعله يزداد في هذه الغاية أو يبلغ هذه الغاية في العلم، وهذه الدرجة قَلَّ أن يبلغها غيره وإن كان ممكنا، يعني بلغها غيره لكن تجده يكون قليلا فقط.
فغرضنا أنه لابد من منهج أولا، المنهج الصحيح الذي كان عليه السلف لمن يريد العلم للعلم لله، آه تفهم؟ فلابد من معرفة هذا المنهج إلا أن سلوك هذا المنهج في هذه العصور من الأمور الصعبة جدا جدا، لاتجد من يعينك، من الأمور الصعبة جدا وهذا ينبغي أن يعرف أيضا والشيء إذا صَعُبَ قَلَّ من يطلبه، قَلَّ من يطلبه لأنه صعب جدا.
[الطالب]: لكن لابد منه.
[الشيخ]: نعم للحاجة إليه مثلا، الحاجة قائمة إلى مثل هذه العلوم إلى مثل هؤلاء العلماء أو كذا مثلا، وإن كان الأرض أرض الله لا يخلو من مجتهد يبين دينه، لكن المجتهدين درجات، المجتهدون درجات، يقول صاحب مراقي السعود:
والأرض لا عن قائم مجتهد
تخلو إلى تزلزل القواعد
لكن المجتهدين كما يقول علماء المنطق هم من قبيل المشكك أي قد يقال هذا مجتهد وهذا مجتهد وهذا مجتهد لكن درجاتهم العلمية مختلفة، فهذا وإن كان مجتهدا وهذا وإن كان مجتهدا لكن اجتهاد هذا أرفع من اجتهاد ذاك، فالمجتهدون موجودون لكن الاجتهاد درجات، فمثلا المجتهدون في الزمن الأول ليسوا كالمجتهدين في زماننا الأخير، فالمجتهدون في الزمن الأول يكونون أحرى وأجمع للعلم من المجتهدين في العصور المتأخرة، قد يكون هكذا، مع أن العلماء وطلبة العلم في العصور المتأخرة يتاح لهم الحصول على أمور لم تكن متاحة للمجتهدين الأوائل وذلك مثلا الحصول على الكتب، فهذا في الحقيقة في العصور المتأخرة ثورة، لكن سهولة الحصول على الكتب كسرت المعنويات وضعفت الهمم.
[الطالب]: يا شيخ كم من يسر ولد عسرا.
[الشيخ]: هذا هو، رأيت وإلا فالاجتهاد في هذه العصور المتأخرة بالنظر إلى الوسائل من الكتب ونحوه نقول سَهُلَ، سَهُلَ الاجتهاد آه، لكن من يسلك هذا الطريق للاجتهاد؟ هذا صعب جدا رأيت، الأمور في أمور المسلمين حصل فيها تغيير كثير، يقول محمد حبيب الله بن مايابا الجكني الشنقيطي في منظومته الأصولية:
والاجتهاد اليوم صار أيسرا
لو كان إنسان له ميسرا
والعلماء في قديم الزمان سبحان الله أخلاقهم وأحوالهم تختلف عن العلماء في هذه الأزمنة المتأخرة، العالم مثلا إذا جاء من بلد إلى هذه المدينة النبوية مثلا أو إلى بلد من بلاد المسلمين، فإنه يكون مشتاقا حريصا إلى الاجتماع بأمثاله من أهل العلم في ذلك البلد، وذلك ليستفيد استفادة للعلم لله فقط وهذا الآن منقطع، أليس منقطعا؟ آه.
[الطالب]: بلى.
[الشيخ]: نعم منقطع وذلك لأن النيات في العلم وما أشبه ذلك يعني نقول قد دخلها تغير، فهؤلاء كانوا قديما هكذا، إذا وصل عالم إلى بغداد في قديم الزمان تجد العلماء يتسارعون إليه رغبة منهم في الاستفادة مما عنده إذا كان عنده شيء، ليس عندهم لأخلاقهم سبحان الله، لكن هذه الأخلاق يا إخوتي قد ذهبت وذلك لأن النيات في طلب العلم والطرق في طلب العلم قد تغيرت، ....رأيت وهذا كله يؤدي إلى ضعف العلم ويؤدي إلى أن الوضع الحالي للعلم ليس كالوضع، العلم سابقا واللباس الذي كان العلماء قديما يلبسونها ليست مثل اللباس الذي يلبسه العلماء الآن، فكان العلم عندهم في الصدور والآن تغيرت لأن العلم عندهم الآن ليس في الصدور حقيقة رأيت، وإنما هي في درجات علمية هذه الدرجات في الحقيقة لا تقول إنها لسيت درجات هي درجات موضوعة لم تكن معروفة في السلف لكنها درجات في الحقيقة، إلا أنها لا تحقق العلم كما كانت الدرجات تحقق العلم للمتقدمين، وذلك لاختلاف المناهج في طلب العلم، المناهج التي يطلب العلم عليها الآن في أغلب الأحوال ليست هي المناهج التي طلب السلف أي علماء السلف عليها العلم سابقا، وإذا اختلفت المناهج اختلفت النتائج وهذا لابد منه، اختلفت النتائج والأحوال وما أشبه ذلك، على كل هذا ينبغي لطالب العلم أن يعرف هذه الأشياء ويعرف بعد ذلك [كيف] تعاملوا مع الوضع الذي في زمنهم، لكن الإنسان ينبغي أن يحاول دائما أن يسير على منهج السلف ليس شيء كالسير عليه فهو المفضي إلى السعادة والنجاة والنجاح لاغير، وخاصة في باب طلب العلم فإن العلم في اضمحلال في الحقيقة.
[الطالب]: ألا يسمح بأن نتمثل بقول الإمام مالك رحمه الله: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها؟
نعم هذا أيضا من الأدلة على أن التمسك بمنهج السلف في طلب العلم هو الأولى لاسيما في طلب العلم مثلا، لأن علماء السلف سبقونا إلى هذا الطلب للعلم لله، إذن الطريقة التي سبقونا عليها في طلب العلم ينبغي أن نعرف هذه الطريقة ونتمسك بها حتى نصل إلى ما وصلوا إليه لاسيما في العلم لأننا نحن الآن نعتقد أن مالكا مجتهد، وأن الشافعي مجتهد، وأن ابن حنبل مجتهد، وأن أبا حنيفة مجتهد، لكن كيف وصلوا للاجتهاد؟ بطرق، إذن إذا كان ذلك كذلك فينبغي للمتأخرين أن يسلكوا هذه الطرق، فهذه الطرق التي سلكوها للاجتهاد أنجح الطرق للوصول للاجتهاد، فإذا لم تتبع طريقتهم في طلب العلم على ذلك أن الوصول للاجتهاد يكون صعبا.
ولذلك لما ..الاجتهاد في أفراد العلماء في غالب العصور المتأخرة تجد بعض من ينتسب إلى العلم في هذه العصور يقول بالاجتهاد الجماعي، إذن فالشخص في نفسه لا تجده وحده مجتهدا جامعا لعلوم الاجتهاد، فإذا حدثت حادثة فلا يمكن أن يكون لكل عالم في هذا العصر مثلا رأي يستقل به لابد أن يجتمعوا ويتباحثوا وهكذا في المسألة، بخلاف السلف فإن الواحد منهم من أهل الاجتهاد له رأي مستقل.
نعم، وهذا لا يمنع أن يتباحث ويتذاكر مع عالم آخر لا يمنع، لكنه في أصله هو مستقل برأيه علما، لكن بخلاف أحوال المسلمين الآن، ولذلك عندهم المجمعات أو مجمع الفقه أو ما أشبه ذلك وهذه في الحقيقة هذه الأمور تناسب وضع العصر وهو جيد لاشك في ذلك لأنه ليس هناك شيء إلا هذا رأيت فيناسب العصر على كل حال.
لكن لو نظرت إلى أفراد من يكون في هذه الاجتماعات مثلا لا تجد الأفراد من هؤلاء قد بلغت رتبة الاجتهاد لأنه ليس هناك سبل لبلوغ الاجتهاد في هذه العصور: المناهج في طلب العلم وما أشبه ذلك والناس أصلا ما يتفكرون في الاجتهاد أصلا هذا ليس عند الناس التفكر في هذا، وهذا كله يدل على غربة العلم أو غربة الدين في العلم الشرعي أو في الدرجة العليا في العلم الشرعي، [فـ]ـلابد من مراعاة منهج السلف.
[الطالب]: بالنسبة للترتيب، الأولى بي في دراسة الفنون؟
[الشيخ]: الترتيب؟ كيف الترتيب؟
[الطالب]: بما يبدأ من الفنون؟
[الشيخ]: آه هو في الحقيقة البدء في العلوم ينبغي أولا للإنسان أن يعرف ربه، هذا التقديم يكون للتوحيد فيعرف مختصرا فيه أو مختصرا وما أشبه ذلك، أو كتابين من الكتب الجيدة في أصول عقيدة السلف الصحيحة، هذا الذي ينبغي لأن القضية قضية تدين أي طلب العلم هذا للديانة للعبادة، إذن فاعرف الله أولا، ينبغي أن تسبق معرفة الله إليك، ثم يبدأ في الآلات وهكذا.
والتوحيد علم العقائد علم واسع جدا، واتسع علم العقائد في العصور المتأخرة لأن المتقدمين إلى زمن مالك وهكذا ما كثر الكلام في مسائل العقائد في زمنه بخلاف الزمن الذي بعده، في زمن الإمام أحمد مثلا فتجد المسائل في العقائد والمشكلات قد ظهرت، ولذلك كلام الإمام أحمد في العقائد في الرد على المبتدعة وما أشبه ذلك في العقائد تجده أكثر من كلام مالك مثلا.
واتسع علم العقائد بسبب المشكلات التي تظهر في العصور المتأخرة، لكن أصول العقائد المطلوبة التي تكفي طالب العلم في البداية هي لا تكثر إلى هذه الدرجة في الحقيقة، لكنها في الحقيقة مع تأخر الزمن وهكذا ومع حدوث أمور أخرى تجد في علم العقائد سعة.
على كل يبدأ بعلم العقائد بالتوحيد، وهذا جيد ثم يشرع في طلب الآلات آلالات الاجتهاد وهكذا الفنون التي تخدم علم الكتاب والسنة، وعلم الكتاب والسنة هو الغاية أي أن تعرف الحلال والحرام سواء كان يتعلق بمعرفة الله أو يتعلق بأحكامه أو ما أشبه ذلك هذه الغاية من العلوم الشرعية، الحلال والحرام وماذا يستفاد من قول الله وقول رسوله من كلامهما، ماذا يريد الله بهذا الكلام؟ أو ماذا يريد رسوله صلى الله عليه وسلم بكلامه هذا؟ لكن ما تصل إلى معرفة هذا المراد تماما إلا إذا جمعت علم الآلات تماما، فبقدر ما تجمع علم الآلات بقدر ما أي بقدر ما تجمع علم الآلات يكون تمكنك في فهم المراد من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
فلذلك لا ينبغي أن يستهان بعلم الآلات، وهي ليست غايات على كل حال هي وسائل ينبغي أن يفهم هذا، ولذلك من اجتهد في طلب علم الآلات وأهمل وترك علم الغايات من معرفة المقصود من كلام الله وكلام رسوله ومن المعرفة للأحاديث فهذا ليس بجيد، وهذا يدل على أن العلم كثير والعمر قصير والمتمكن من العلوم هو الذي يوفق على الطلب على منهج السلف بالتمهل شيئا فشيئا، ويرى نفسه دائما في البداية فيطلب العلم، لايظن أنه بلغ الغاية في العلوم لا، الإنسان يموت وما يقول أنا انتهيت إلى الغاية، ولذلك الله سبحانه وتعالى يقول: -(وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)- [طه/114] فالعلم يحتاج إلى الزيادة، ولذلك ينبغي أن يكون طالب العلم يتفكر ذلك...[انقطاع]
[السائل]: شيخ هنا سؤال يراودني كثيرا فيما يخص علوم الآلات ما القدر الذي يكتفي به طالب العلم؟ متى يعلم أنه تمكن في علوم الآلات في مثلا النحو والصرف والأصول و...؟
[الشيخ]: هو تقدم في الكلام الذي قلناه ما يشير إلى جواب هذا السؤال وهو: أنه إذا اتبع الطريقة الجيدة في تحصيل فن من الفنون فقرأ كتابا مختصرا، ثم متوسطا ثم مطولا، وأتقن هذه الكتب فهذا في الحقيقة يغلب على الظن أن ذلك هو أدنى حد يُكْتَفَى به، وإلا لو قرأ كتابا مطولا في فن النحو مثلا كالألفية، فإنه ليس معنى ذلك أنه أحاط بالنحو علما، لكنه في الحقيقة حصل على مقدار كبير جدا، به يستطيع أن ينتقل إلى فن آخر مثلا، لكن في هذا يا أخي يختلف الناس، فمن الناس مثلا من طلبة العلم - وهذا من توفيق الله - تجده عند طلبه للفن الواحد وقراءته لكتاب مختصر وكتاب متوسط وكتاب مطول، تجده في انتقاله لهذه الكتب الثلاثة قد بلغ رتبة كبيرة جدا، بحيث إنه في قراءته للألفية مثلا يمكن أو يستطيع أن يتوسع فيها أكثر، قد يحصل هذا لبعض الطلبة، رأيت هذا، فهذا قد يحصل لبعض الطلبة وقد لا يحصل لبعضهم.
فعلى كل حال من يقرأ الفنون بهذه الطريقة فيقرأ كتابا مختصرا ومتوسطا ومطولا فإنه في الحقيقة سلك منهجا لابد منه للاكتفاء في البداية بقراءة هذا الفن من علوم الآلة، رأيت وهكذا في بقية العلوم، ولذلك ينبغي أن يكون الإنسان دائما على كل حال إذا انتهى من هذا الفن وانتقل إلى فن آخر فقد تَعْرِضُ له مسألة تتعلق بقاعدة من فن قرأه ولم يكن عِلْمُهُ قد وصل أو قد بلغ إلى هذه القاعدة عند قراءته لذلك الفن، قد يحصل هذا.
رأيت ولذلك الإنسان دائما ينبغي أن يكون ذا همة في الازدياد من العلم ولا يفرط في الطرق التي يستفيد منها، والعلم في الحقيقة هذا عمل العمر في الحقيقة، عمل العمر، أنا أذكر هذا له أمثلة مثلا: أنت مثلا تقرأ في فن الصرف فتأتيك مسألة تتعلق بزنة مصدر من مصادر الفعل الثلاثي، فيذكر هذا الوزن لهذا المصدر ابن مالك في لاميته فيقول مثلا: إن خَصَّ يَخُصُّ من مصادره خصوصية، يقول خُصُوصٌ مصدر رأيت وخُصُوصِيَّة مصدر، وخَصُوصِيَّةٌ كذلك مصدر، خَصُوصِيَّة وخُصُوصية يقول هاذان مصدران، وهذا في الحقيقة تحصيل لعلم، المهم تعرف أن خُصُوصية وخَصُوصِيَّة نطقت العرب بهما على أنهما مصدران كما يقول الصرفيون، لكنك قد تجد مثلا عند ابن تيمية مثلا لتبحره في العلوم يقول لك: إن خَصُوصِيَّة ليس بمصدر إنما هو شيء زائد على المصدر مثلا، مع أنك عند قراءتك وتحصيلك علم الصرف أول ما تقف عليه لزنة خَصُوصِيَّة أنه مصدر كما ذكره ابن مالك وكما ذكره شراح لامية الأفعال، لكنك تجد قولا آخر لابن تيمية يخالف هذا، فهذه كلها من الزيادات في العلوم، والإنسان ينبغي أن يعرف دائما أنه كيفما عرف فليعلم أن هناك أشياء ما يعرفهما، قد يعرف الأصول وما أدري كذا، هناك زيادات، رأيت، نعم.
[الطالب]: مسألة ...الترتيب بين الفنون يعني يبدأ بالنحو وينتقل إلى مابعده ..
[الشيخ]: هو الترتيب بين الفنون هو أن فن العربية عموما تشرع فيه أولا، ثم تنظر أهم الفنون العربية في تحصيلك لمعرفة أساليب العرب، تنظر لأهم الفنون لأن العلوم العربية كثيرة وفيها فنون هي أمهات يقدم هذا على هذا، فمثلا علم متن اللغة المفردات هذا في الحقيقة ينبغي أن يُعرف، رأيت. لكنك هل تبدأ بمعرفة متن اللغة ثم تنتقل للنحو فالصرف فالبلاغة، على كل هذه الأربعة أهم العلوم العربية في معرفة كلام الله وكلام رسوله.
لكن الآن يبقى الآن أيها تقدم على غيرها، فهل تقدم علم متن اللغة؟ نعم تبدأ به، رأيت أو تبدأ بالنحو هذا قد يختلف فيه لكن هذه الأربع لابد من تحصيلها، فأنت على كلٍّ إذا بدأت بأي منها فهذا الأولى، لكن ابدأ بالنحو، وكن مُحْمِضاً فإذا بدأت بالنحو إما أن تقرأ الكتب الثلاثة في فن النحو ثم تقرأ في متن اللغة أو تقرأ في الصرف، فعلى كل حال تُقَدِّم قراءة النحو والصرف ومتن اللغة على البلاغة، البلاغة تأتي في المرتبة الأخيرة في الحقيقة، لكن لا مانع من أن تقرأ كتابا مختصرا أومتوسطا في البلاغة لا مانع من ذلك، قبل أن تقرأ كتابا متوسطا أو مطولا في النحو، ممكن هذا، لكن اجتهد في تحصيل هذه الأربع يعني هي: تُقَدِّم النحو فالصرف ثم الصرف ثم الصرف ثم البلاغة، والأَوْلى في الأصل أن تُقَدِّمَ علم اللغة والصرف، كأن تقرأ علم متن اللغة ثم الصرف ثم النحو، لكن الصرف لما كان أعوص من النحو إذن فتبدأ بالنحو لما بَيْنَهُ وبين الصرف من علاقة حتى تتدرج من السهل إلى الصعب، وإلا فالأصل تقديم الصرف، والصرف وعلم متن اللغة بينهما شديد وشيجة وأكيد وطيدة، فهما شديدا الاتصال علم متن اللغة وعلم الصرف، لأن علم الصرف تعرف به هيئات الكلمات، وهيئات الكلمات لها معانٍ لغوية زائدة على المعنى الأصلي للأصل المتحد للكلمة الواحدة، فمثلا أنت تقول الضرب هذا والأصل المتحد ضَرَبَ، لكن هذا الأصل المتحد قد يتغير فيصير مثلا فيصير ضارب، فتجد لفظة أو صيغة ضارب يدل على معنى فيه زيادة على المعنى الأصلي للأصل المتحد، فضارب يشتمل على ضرب فيه معنى الضرب، لكن الضرب معناه واحد، وإنما عرفت أن ضارب معناه يزيد على الضرب بالطريقة الصرفية أو فن الصرف، نعم.
[الطالب]: شيخ فيما يخص دراسة الفقه هل تنصحون بالدراسة على طريقة المذهب؟
[الشيخ]: نعم هو يا أخي لا مانع من دراسة الفقه على المذهب، وإنما ذلك كل هذا لأن دَرْكَ الفقه يكون بهذه الطريقة، تعرف المذاهب المعروفة المشهورة، على أن هذه المذاهب مناهج لأخذ أحكام الكتاب والسنة، فهي بعض المسائل اجتهادية، إذن فتعرف طرق هذه المذاهب في الاستنباط من الكتاب والسنة، ثم بعد ذلك أنت بنفسك إذا بلغت درجة في معرفة هذا تعرف أن هذه طريقة لكنها لا تجعلها كلها - أي المذاهب كلها - لا تجعلها كالشيء المنتهى إليه بحيث لا يوجد هناك ما هو أحسن منها، لا، لكن في بعض المسائل أو في كثير من المسائل تجد أن ما ذكرته المذاهب صحيحا، لكن ليس في كل مسألة، وقد تجد الصحة في غير ما ذكرته المذاهب تارة أو أحيانا أو هكذا.
إذن فدراسة الفقه بطريقة المذاهب لاشيء فيه بل في هذه العصور المتأخرة هذا الذي ينبغي لضعف الناس عن الآلات، أما لو كنتَ مثلا صحابيا أو كنت مثلا تابعيا لك معرفة بهذه الوسائل وهذه الآلات فأنت تقول: أتفقه آخذ فقهي مباشرة من الكتاب والسنة، لكن حتى مع هذا تجد بعض الخلاف بين السلف في بعض المسائل الفرعية، فلابد على هذا من دراسة المذاهب، إذن فتبدأ بالمذهب لأنه هو الطريق الذي تصل به إلى فهم الكتاب والسنة وكيف أخذوا هذه المسائل من الكتاب والسنة، فأنت وحدك الآن لا يمكن أن ترجع إلى الكتاب وتقول اقرأ الكتاب وأستنبط وأعرف ماذا تدل عليه الآيات اجتهادا أو كذا تفقها، هذا لا يجوز لأن هذا فيه خطأ يشتمل هذا على خطأ؛ لأن ما جمعت الآلات التي بها تستطيع أن تتوجه إلى الكتاب والسنة وتستنبط الأحكام منها وتتفقه فيها مباشرة، إذن فدراسة المذاهب على هذا لا شيء فيه، لكن عند دراستك للمذاهب اعلم أنها طرق علمية لاستنباط الأحكام من الكتاب والسنة، فأنت الآن تتأهل لهذه الطرق العلمية، فتقرأ مثلا مذهب مالك إذا كنت في بلد يغلب فيه مذهب مالك؛ لأنك ستجد علماء هذا المذهب، ففي أي بلد تجد فيه علماء المذهب فينبغي أن تقرأ على هذا المذهب، تقرأ ذلك المذهب في ذلك البلد لأنك تجد طريقة استنباط الأحكام من الكتاب والسنة، فتقرأ مذهب مالك إذا كنت في بلد يغلب فيه مذهب مالك، رأيت لاسيما إذا كانوا يعملون بمذهب مالك في ذلك البلد فتقرأ هذا المذهب، وهكذا، وتبدأ بكتاب مختصر ثم متوسط ثم مطول، تبدأ مثلا بالأخضري لاسيما شرح نظم الأخضري، شرح نظم الأخضري هذا من الكتب الجيدة المختصرة في مذهب مالك، ثم تقرأ مثلا بعد ذلك العبقري قي نظم سهو الأخضري، تقرأه بعد شرح نظم الأخضري هذا، ثم تقرأ في المرشد المعين إلى الضروري من علوم الدين لابن عاشر ([7])، ثم تقرأ الرسالة ثم تقرأ مثلا التلقين للقاضي عبد الوهاب، ثم تقرأ مختصر خليل، ثم تقرأ الموطأ مثلا، ثم بعد ذلك لابد من الاجتهاد في معرفة الأدلة للفروع التي قرأتها فيما تقدم من الكتب وهكذا المراحل.
[الطالب]: شيخنا هل يبدأ طالب العلم بالرسالة مباشرة ثم مختصر خليل؟
[الشيخ]: لا مانع لكن كلما اتبعتَ الطريقة التي ذكرناها من قراءة مختصر ثم متوسط ثم مطول كلما فعلت هذا كلما كان ذلك أدعى إلى التمكن، هذا الأصل الذي درج عليه السلف، وإذن لا مانع أن تقرأ في إيش؟ في الرسالة، تبدأ بالرسالة لأن الرسالة كتاب معروف ومعتمد ومؤلفه شيخ المغرب وأقواله صحيحة في المذهب مثلا، وكذلك التلقين للقاضي عبد الوهاب ثم مختصر خليل وهكذا.
من الكتب المتوسطة الجيدة في مذهب مالك الرسالة والتلقين مثلا.
[الطالب]: من الشروحات النافعة للرسالة؟
[الشيخ]: شروح الرسالة كثيرة.
[الطالب]: [شرح الغماري]
- هذا جيد بل هذا في الحقيقة من حيث الاستدلال يُقدم على غيره من شروح الرسالة، لأنه جاء به فذكر الأدلة مع أن هذه الأدلة في الحقيقة تحتاج إلى نظر آخر من ناحية درجة الدليل إذا كان حديث، ومن ناحية الاستدلال والاستنباط للمسألة منه؛ هل هذا شيء اختلف فيه أو ما أشبه منه، فهو على كل حال من حيث البداية نافع جدا، لكن لا يكفي هكذا، هناك مرحلة أخرى للتعرف على درجة الأدلة إذا كانت حديثية من جهة الثبوت، ومن جهة المعنى وكيفية الاستنباط منها، هل هذه الأدلة الحديثية أو هذه النصوص القرآنية هل المسائل التي استنبطت منها عند مالك هل هو شيء متفق عليه أو ليس كذلك أو يأخذ عليه شيء، هذا كله يتصور ويتوقع، لكن الكتاب على كل حال يقدم على غيره من الكتب من شروح الرسالة، فجزاه الله خيرا ورحمه رحمة واسعة، لأنه كان من أوعية العلم وإن كان قد يحصل في بعض الأمور نسأل الله أن يغفر له على كل حال من جهة العقائد ومن جهة بعض الأصول في الاستدلال، على كل حال وإلا هو كان أحسن فعلا، لا نعرف كتابا لشرح الرسالة كهذا الكتاب من حيث القيمة والجودة بالنسبة للاستدلال وكذا رحمه الله رحمة واسعة.
وعندك من شروح الرسالة كفاية الطالب الرباني هذا لابأس به طيب، لعله أربعة أجزاء أو هكذا، والشروح عندما يُفضل بعضها على بعض إذا كان الذي يعتني بفك مراد الماتن على الصحيح من المذهب دون زيادة ولا نقصان، هذا الذي يفضل من الشروح، لأن للشروح طرقا يختلف بعضها عن بعض، لكن الشرح الذي يعتني بفك المراد للماتن على ما هو المذهب فهذا الذي يفضل لطالب العلم المحصل للمتن، نعم.
[الطالب]: حتى الدراسة على المذهب حتى إذا لم يجد الطالب شيخا هل يكتفي لوحده بدراسة الكتب؟
[الشيخ]: والله الدراسة على الكتب ليس بأصل في الدراسة، لكن إذا لم يجد كما تقول فسيسلك هذه الطريقة من باب الضرورة، وإلا ما ينبغي، حتى مع هذا كونه وحده يطلب العلم وحده في البداية هذا في الحقيقة ليس بسليم، لأنه قد يخطأ في فهم كلام العلماء وهو يظن أنه فَهِمَهُ صحيحا، ثم المتون هذه كيف يفهمها؟ يفهمها بالشرح، والله فيه ما فيه.
نكتفي بهذا وصلى الله وسلم على محمد آله وصحبه.
([1]) ومن ذلك ما حصل للعلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، يقول تلميذه الشيخ محمد عطية سالم رحمه الله في ترجمته لشيخه الأمين: حَدَّثَنِي رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ : جِئْتُ لِلشَّيْخِ فِي قِرَاءَتِي عَلَيْهِ فَشَرَحَ لِي كَمَا كَانَ يَشْرَحُ ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَشْفِ مَا فِي نَفْسِي عَلَى مَا تَعَوَّدْتُ ، وَلَمْ يَرْوِ لِي ظَمَئِي . وَقُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَأَنَا أَجِدُنِي فِي حَاجَةٍ إِلَى إِزَالَةِ بَعْضِ اللَّبْسِ وَإِيضَاحِ بَعْضِ الْمُشْكِلِ وَكَانَ الْوَقْتُ ظُهْرًا فَأَخَذْتُ الْكُتُبَ وَالْمَرَاجِعَ فَطَالَعْتُ حَتَّى الْعَصْرِ ، فَلَمْ أَفْرَغْ مِنْ حَاجَتِي فَعَاوَدْتُ حَتَّى الْمَغْرِبِ فَلَمْ أَنْتَهِ أَيْضًا ، فَأَوْقَدَ لِي خَادِمِي أَعْوَادًا مِنَ الْحَطَبِ أَقْرَأُ عَلَى ضَوْئِهَا كَعَادَةِ الطُّلَّابِ ، وَوَاصَلْتُ الْمُطَالَعَةَ وَأَتَنَاوَلُ الشَّاهِيَ الْأَخْضَرَ كُلَّمَا مَلِلْتُ أَوْ كَسِلْتُ وَالْخَادِمُ بِجِوَارِي يُوقِدُ الضَّوْءَ حَتَّى انْبَثَقَ الْفَجْرُ وَأَنَا فِي مَجْلِسِي لَمْ أَقُمْ إِلَّا لِصَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ تَنَاوُلِ طَعَامٍ وَإِلَى أَنِ ارْتَفَعَ النَّهَارُ وَقَدْ فَرَغْتُ مِنْ دَرْسِي وَزَالَ عَنِّي لَبْسِي ، وَوَجَدْتُ هَذَا الْمَحَلَّ مِنَ الدَّرْسِ كَغَيْرِهِ فِي الْوُضُوحِ وَالْفَهْمِ فَتَرَكْتُ الْمُطَالَعَةَ وَنِمْتُ ، وَأَوْصَيْتُ خَادِمِي أَنْ لَا يُوقِظَنِي لِدَرْسِي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ اكْتِفَاءً بِمَا حَصَلْتُ عَلَيْهِ وَاسْتِرَاحَةً مِنْ عَنَاءِ سَهَرِ الْبَارِحَةِ . اهـ من ترجمة الشيخ محمد عطية سالم لشيخه العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمهما الله.
([2]) أي قطر الندى.
([3]) يقول الله تعالى: -(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)- [يوسف/2]، ويقول: -(كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)- [فصلت/3].
([4]) يقسم العلامة الشوكاني طلاب العلم إلى طبقات أربع بحسب اختلاف المقاصد وتباين همم الطالبين وذكائهم ومن ثم أغراضهم وأهدافهم. يقول رحمه الله: فأقول: إنها لما كانت تتفاوت المطالب في هذا الشأن، وتتباين المقاصد بتفاوت همم الطالبين وأغراض القاصدين.
- فقد ترتفع همة البعض منهم فيقصد البلوع إلى مرتبة في الطلب لعلم الشرع ومقدماته يكون ذلك عند تحصيلها إماما مرجوعا إليه مستفادا منه مأخوذا بقوله مدرسا مفتيا.
- وقد تقصر همته عن هذه الغاية فتكون غاية مقصده ومعظم مطلبه ونهاية رغبته أن يعرف ما طلبه منه الشارع من أحكام التكليف والواضع على وجه يستقل فيه بنفسه، ولا يحتاج إلى غيره من دون أن يتصوره أهل الطبقة الأولى من تعدي فوائد معارفهم إلى غيرهم، والقيام في مقام أكابر الأئمة ونحارير هذه الأمة.
- وقد يكون نهاية ما يريده وغاية ما يطلبه أمرا دون أهل الطبقة الثانية، وذلك كما يكون من جماعة يرغبون إلى إصلاح ألسنتهم وتقويم أفهامهم بما يقتدرون به على فهم معاني ما يحتاجون إليه من الشرع وعدم تحريفه وتصحيفه وتغيير إعرابه، من دون قصد منهم إلى الاستقلال، بل يعزمون على التعويل على السؤال عند عروض التعارض والاحتياج إلى الترجيح.
فهذه ثلاث طبقات للطلبة من المتشرعين الطالبين للاطلاع على ما جاء في الكتاب والسنة، إما كلا أو بعضا بحسب اختلاف المقاصد وتفاوت المطالب.
- وثم طبقة رابعة: يقصدون الوصول إلى علم من العلوم أو علمين أو أكثر لعرض من الأعراض الدينية والدنيويةمن دون تصور الوصول إلى علم الشرع، فكانت الطبقات أربع. اهـ أدب الطلب للعلامة الشوكاني ص: 179.
([5]) للشيخ عبدر الرحمن كوني حفظه الله ترجمة صوتية لشيخه العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، يسر الله تفريغها وإخراجها.
([6]) علماء ومفكرون عرفهم لمحمد المجذوب (ج:1/ص:186).
([7]) وللشيخ عبد الرحمن بن عوف كوني شرح عليه، يلقيه أسبوعيا على مسامع أبناءه في المغرب، وقد وصل فيه إلى فصل صلاة الجماعة.
بسم الله الرحمن الرحيم
* [الطالب]: شيخنا أولا يعني في نيتي بإذن الله سبحانه وتعالى أن أدرس عليكم كتاب القطر بعد أن قرأت الآجرومية، وأردت أن أسأل الآن يعني [هل] من نصيحة في كيفية دراسة هذا الكتاب خصوصا أو غيره؟ الكيفية، وقضية المراجعة، وكيف تكون الدراسة؟
*[الشيخ عبد الرحمن كوني]: نعم كيفية الدراسة أو كيفية تحصيل هذا الكتاب، وكذلك كيفية تحصيل غيره من الكتب في أي فن من الفنون تكون: بأن يُقرأ نص الكتاب ويُشرح لك هذا النص.
عند قراءة هذا النص بالشرح لك ينبغي ألا تكثر من النص المشروح، بل تقرأ مقدارا من النص الذي يشرح لك مقدارا تستطيع أن تضبط معناه وتفهمه جيدا ولا يصعب عليك ضبط هذا الشرح لهذا المقدار من النص.
وإنما ذلك لأنك بعدما في أي درس إذا قرأت الشرح في أي درس فإنك تعود وتكرر المتن، والأولى أن تكرر المتن لتحفظه لتحفظ المتن الذي شُرح لك، المقدار الذي شُرِح لك من المتن تكرره تكرارا تحفظه، هذا الأَوْلَى.
وهذه الطريقة هي طريقة التدرج الذي مشى عليها السلف، لأن علمهم أو تعلمهم ليس لأغراض محددة منتظرة، إنما الغرض لهم في طلب العلم هو أن يضبطوا العلم لله ويعملوا به، فيسلكون الطريق الذي يؤديهم إلى حفظ وضبط هذا العلم، والطريقة التي تؤدي إلى حفظ وضبط العلم من حيث الجملة هي الطريقة المتأنية التي لا عَجَلَ فيها من حيث الجملة، ولذلك يقرؤون الفنون، فيختارون عند قراءة الفنون يلجؤون أو يُقبلون على فن واحد، ويدرسون هذا الفن.
قراءة كتب في هذا الفن بدءا من كتاب مختصر فمتوسط فمطول وهكذا، وعند قرائتهم لأي كتاب من هذه الكتب فإنهم يسلكون هذا المنهج: حفظ المتن بالتكرار مع ضبط المعنى لهذا الذي شُرِح لك، وهذا تفعله في كل درس تقرأه في هذا الكتاب سواء كان قطرا أو غيره حتى تنتهي من القطر بهذه الطريقة، وإذا انتهيت من القطر بهذه الطريقة تعود فتراجع القطر من أوله إلى آخره حتى تَتَثَبَتَ من المسائل التي قرأتَ من أوله من قبل، ثم تنتقل إلى كتاب مطول في هذا الفن الذي هو فن النحو، وإن شئت من الممكن أن تقرأ في فن آخر في كتاب آخر بعدما تنتهي من القطر مثلا، قبل أن تدخل في كتاب مطول كالألفية ونحوها من الممكن أو يجوز أن تخمض في قراءة الكتب في الفنون فتنتقل إلى كتاب في فن آخر، كأن تنتقل إلى فن الصرف فتقرأ فيه كتابا مختصرا وبعدما تنتهي من كتاب، قرأت هذا الكتاب المختصر، تأتي إلى كتاب مطول في النحو مثلا. هذا يمكن وإن شئت واصلت في هذا الفن وقرأت الألفية بعد القطر، ثم تشرع في قراءة فن الصرف فتقرأ كتابا مختصرا فمتوسطا فمطولا على المنهج الذي سلكته في قراءة كتب النحو وفي تحصيل النحو وهكذا الفنون.
ومثل هذه الطريقة إنما ينتفع الإنسان إذا كان ابتدأ طلب العلم مبكرا، ويجوز أن يسلك هذه الطريقة ولو لم يبدأ طلب العلم مبكرا أو ولو لم يشرع في طلب العلم مبكرا، لأن [هذه] الطريقة هي طريقة الإتقان سواء كان لمن بَكَّرَ أو لمن تأخر، هي طريقة الإتقان على كل حال وهكذا.
وعند قراءتك للكتاب أو للمتن لا تكثر من النظر في الحواشي لشروح هذا الكتاب، إلا إذا كان النظر في هذه الحواشي لحل مشكلات في شرح هذا المتن بحيث إنك لم تفهم بعض المراد من هذا المتن، وكان فهم المراد في بعض الحواشي إذا لم يكن الشارح لك الذي تقرأ عليه إذا لم يكن قد حل لك أو شرح لك ما تريد شرحا كاملا، لأنه قد يحصل هذا أحيانا، هو لم يشرح لك شرحا كاملا وأنت ما سألته مثلا قد يكون ([1])، لكن لو سألته فينبغي أن يحل لك الإشكال الذي في هذا الدرس من الكتاب حتى تضبط المراد من النص من أقرب طريق، لأن شرحه لك هذا يوفر عليك الوقت؛ فإنك إذا لم تكن فهمت متنا أو درسا من الدروس وأردت بنفسك أن تفهمه من الشروح والحواشي فهذا قد يأخذ منك وقتا طويلا وربما لا تصل إلى المراد لأنك ما تعرف.
إذن فوجود من تقرأ عليه من أهل العلم هذا ركن من أركان تحصيل العلم من عدة وجوه منها: أن قراءتك على من يعرف هذا يوفر لك الوقت في تحصيل العلوم أو الفوائد، لأن نفسك إذا أردت أن تحصل الفوائد أو الإشكالات بنفسك تتعب وربما لا تصل، هذا وقد تفهم شيئا خطأً وأنت لا تدري أنه خطأ عندما تقرأ في الكتب بنفسك ولم تبلغ درجة تستطيع أن تستقل بهذه الدرجة أن تقرأ بنفسك وحدك في الكتب، ولذلك الإنسان في طلب العلم إذا لم يكن يكن يقرأ على شيخ عارف بل اعتمد في أول الطلب على الكتب بنفسه ليأخذ لعلم من الكتب فهذا ليس بجيد، فقد يخطأ كثيرا ربما يظن شيئا صحيحا ليس بصحيح، لكن الذي مارس العلم قبله فإنه يعرف الصحيح من غير الصحيح ويعرف أن المسألة مطلقة في هذا الكتاب ومقيدة في كتاب آخر يفهم مثل هذا لممارسته له، فأنت إذا قرأت على مثل هذا يوفر لك الوقت، ولذلك ينبغي أن يعرف الطالب: بن ناصر السعدي من علماء القصيم ذكر هذا في كتيب له وهو أنه ينبغي أو يجب على طالب العلم أن يعرف قيمة العلم وقيمة من يعطيه العلم، لأنه إذا عرف ذلك معرفة ذلك تساعده على درك العلم حقيقة، وفي الوقت نفسه يؤجر على تحصيل هذا العلم وعلى معرفته، لكن إذا كان لا يعرف قيمة العلم ولا قيمة من يتعلم عليه فهذا تعليم لا يوصل الإنسان إلى العلم حقيقة أو لا يوصل طالب العلم إلى العلم الشرعي الصحيح الذي درج عليه السلف. فهذه الطريقة ، نعم .
[الطالب]: فيما يتعلق بالقطر ([2])، يعني هل الأولى أن نقرأ عليكم المتن أي النص فقط أم مع شرحٍ من شروحه؟
[الشيخ]: هو في الحقيقة الذي يظهر جمعا للفوائد أن تقرأ شرح ابن هشام لقطره أن تقرأه علي مثلا أو على من يعرفه هكذا، فإن قراءتك شرح ابن هشام لقطره في هذا من الفوائد أنك تتدرب على أسلوب ابن هشام، ومعرفة أساليب علمائنا المتقدمين هذا طريق وباب من أبواب العلم، فقراءة الشرح لابن هشام وهذا من فوائده، ولأنك لو فعلت هذا قرأته علي مثلا أو على غيري مثلا فينبغي أن يعلق؛ لأن في كلام ابن هشام في شرح ابن هشام ما يحتاج إلى فك وشرح وتوضيح، إذن فهذا التوضيح يكون أمرا ثالثا إلى المتن وإلى شرح الماتن، فكأنك تجمع بين ثلاثة أشياء بين:
- المتن.
- وبين شرح الماتن.
- وبين المعلق وهو الذي يشرح هذا المتن .
فتجمع بين ثلاثة فوائد.
هذا طريقة وهذه من هذه الفوائد الثلاث في هذه الطريقة، لكن الأصل في قراءة المتون هو أن تقرأ المتن فقط دون شرح ابن هشام، لكن شرح ابن هشام في قطره مخلوط بالمتن خلطا عجيبا بحيث تستفيد كثيرا من قراءة شرحه لهذا المتن، وإلا الأصل أن تقرأ المتن فقط ويُشرح لك، والمتن موجود بدون شرح، موجود، فأنت تنظر إلى وقتك أو إلى شيء من هذه الأمور وتنظر الأولى بملابساتك الزمنية وبأوضاعك وما أشبه ذلك، من الممكن أن تنظر إلى هذا أيضا فتقتصر على المتن يُشرح لك، وإلا فالأكثر فائدة هو أن تجمع بين هذه الثلاث فوائد وذلك بقراءة شرح ابن هشام لمتنه، نعم.
[الطالب]: ولو أخذ وقتا أطول؟
[الشيخ]: نعم ولو أخذ وقتا أطول، هو طول الوقت هذا بالنسبة لطلب العلم، طالب العلم في الحقيقة في الأصل لا ينظر إلى الطول في الوقت، إنما يهتم بالكيفية والطريقة التي تؤديه إلى الضبط الصحيح هذا الأصل معروف، لكن إذا اختلفت أوضاع الناس أو أحوال طلبة العلم وما أشبه ذلك في الأماكن التي يطلبون العلم فيها من البلاد، فلعل هذا يجعلك تنظر إلى الوقت؛ ينبغي أن أحصل في هذا الوقت الفلاني وإذا ما يمكن كذا، هذه مسألة أخرى تجددت الآن، وإلا الأصل أنك إنما تنظر إلى كيفية الإتقان، ولا يهمك طول الوقت هذا الأصل، لكن ليس معنى ذلك أيضا أن تفرط في المثابرة والمواصلة ليس معناه ذلك، أنت تثابر على الطريقة المثلى لضبط العلوم، لكن إذا اختلفت الأحوال فلعل الإنسان يقول متى أنتهي من هذا حتى أدرك هذا وحتى لا يفوتني هذا فهذه مسألة أخرى، فهمت، نعم.
[الطالب]: ..هناك من يذهب إلى بلد ليدرس في كل فن متنا؟
[الشيخ]: هذا المتن يكون مختصرا أو متوسطا أو مطولا؟
[الطالب]: متوسطا.
[الشيخ]: فقط؟
[الطالب]: متوسط فقط، ثم بعد ذلك يتخصص.
[الشيخ]: يتخصص في إيش؟
[الطالب]: يعني يتخصص في فن من هذه الفنون ويدرس فيها كتابا مطولا، خاصة يعني أن كثير من الناس من يتوق إلى دراسة مثلا الأصول والفقه، يعني يختار متنا صغيرا في النحو وما إلى ذلك، ثم مباشرة يدخل في الأصول أو الفقه يعني هل هي طريقة سليمة؟
[الشيخ]: والله لا شك أنها طريقة من طرق التعلم لكنها طريقة مخالفة لمنهج السلف الذين عرفوا وسبروا حقائق العلوم، وهي طريقة تحصل فيها على علم، لكن ما حقيقة هذا العلم الذي ستحصل عليه بهذه الطريقة هذا الذي نريد أن نبحث عنه الآن، لأن العلوم درجات فالذي يريد الثبات أو الرسوخ في العلوم هذه الطريقة ليست جيدة بالإجمال هكذا بالجملة هذه الطريقة ليست جيدة، لكنها طريقة في الحقيقة من الطرق، والإنسان إذا كان ذا همة ووُفِّقَ فإنه لا يسلك هذه الطريقة في تحصيل العلوم، والإخوان يسألون كثيرا فمنهم من يسأل وقد سُأِلَ هذا السؤال كثيرا وهو أنه يريد أن يتبحر في الحديث أو أن يتخصص في الحديث كما تقول أنت الآن فيقول: هل يكفي أن أقرأ الآجرومية مثلا والقطر ويكفيني فأتفرغ لطلب الحديث؟ فأنا قلت لهم: نعم يجوز، لكن اعلم أنه إذا تبحرت أو إذا سلكت طلب الحديث بعد ذلك فإنه هناك إشكالات ستواجهك، هذه الإشكالات تتعلق بمسائل في العربية ما وصلت إلى هذه المسائل في العربية، نعم فربما من المسائل سيأتيه إشكالات وهو يقرأ الحديث إما لأن علم الشرع في وعاء العربية، الكتاب بلسان عربي مبين ([3])، ورسولنا هو بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم أفصح من نطق بالعربية، وكلامه صلى الله عليه وسلم كله عربي فصيح بأساليب عالية، إذن فلابد من معرفة هذه العربية، بقدر ما تعرف العربية بقدر ما تفهم كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فأنت إذا ارتفعت درجة في فهم أساليب العرب أنت تكون أعرف بكثير أو أعرف بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، لكنك إذا طلبت العربية طلبا قليلا فإن هذا وإن مكنك أن تشرع في التبحر في الحديث، فهذا المقدار من المعرفة لا يكفيك عند طلبك للحديث فإنك ستحتاج إلى فك مسائل أو إشكالات تتعلق بالعربية في الحديث، لا يمكن أن تتجاوز هذه الإشكالات حتى ترجع إلى القواعد العربية التي ما كنت قد قرأتها، وتكون هذه الإشكالات تتعلق بهذه القاعدة في الكتب المطولة أو ما أشبه ذلك قد يكون، ولذلك ابن هشام سأله المحدثون في دمشق عن إشكالات في صحيح البخاري فأجابهم عن هذه الإشكالات.
فعلى كل حال أنت إذا اقتصرت على قليل من العربية وأردت أن تتبحر في بعض الفنون هذه كما يقولون، أنا أقول: هذا ممكن، لكن اعلم أنك ما نجوت أوما يعني ما تمضي ما تنجو من الإشكالات، لابد أن تأتيك إشكالات فيما بعد إذ لابد من هذا، إذن فهذه بالنسبة لهذه الطرق كان السلف لا يسلكونها ولذلك كان السلف في طريقتهم يعتنون بطلب الآلات أولا، ولذلك تجد كبارهم في العلوم بدأ طلب العلم وهو صغير، فيطلب العلوم يطلب الفنون ويحاول أن يتبحر في كل فن، فمثل هذا ينتهي إلى علم الكتاب والسنة فلا يجد بعد ذلك في ألفاظ الكتاب والسنة إشكالا عربيا إلا اهتدى إلى فك الإشكال، فيكون عالما حقا.
لكن الذي لايكون كذلك فإنه ولو تبحر في الحديث يتبحر لكن تبحره قد يكون تقليدا أو قد يقلد في العربية في بعض المسائل في الكتاب والسنة إذا كانت هذه المسائل عربية وليس لديه علم ذاتي فيه، أو يرجع ليبحث عن هذه المسائل في العربية ثم يعود إلى الكتاب والسنة بعد ذلك، فلماذا هذا التردد؟؟
ولذلك العلم كثير، العلم ينبغي أن يطلب كما كان السلف يطلبونه إذا كان العلم للعلم لله وليس على سبيل العجلة، لأن طريق العجلة أو سبيل العجلة في طلب العلوم ليس منهجا مرضيا في تحقيق العلم، والإنسان يأخذ المنهج الصحيح ويسأل الله أن يوفقه لسلوك سبيله وهكذا، لكن إذا لم يسلك هذا الطريق الصحيح فإنه لايخلو من إشكال أو لا يخلو من قصور، فهمت هذا؟
هذا الكلام في كثير لو ضربنا مثالا من بعض العلماء كابن تيمية مثلا، تجد الرجل انتهى إلى علم الكتاب والسنة، لكنه دقق وعرف علوم الآلة وانتهى إلى علم الكتاب والسنة، فتجده عند التكلم على مسألة من المسائل في الفقه وما أشبه ذلك في الحلال والحرام تجده يخوض في بحار العلوم، لماذا هذا؟ لماذا يستطيع هذا؟ لأنه طلب العلم على منهج السلف، وما قرأ مثلا وما اكتفى مثلا بعلم القطر فقط في العربية ما اكتفى بهذا، ...سبحان الله تجده يتكلم في مسائل العربية عرضا لا قصدا تجد كما يقال تجد المتخصصين أو كبار علماء العربية لا يتسنى لهم مثل هذا التخطيط الذي يأتي به أحيانا في مسائل العربية أحيانا، تجد هذا عنده أنا أستغفر الله وجدت له أمثلة في مجموع الفتاوى وفي كتاب له طبع جديدا اسمه: تنبيه الرجل العاقل إلى التنويه الجدلي الباطل هكذا، تجده يأتي بفوائد ومسائل في العربية عرضا لا قصدا، فهو لو كان اقتصر على فهم نحو القطر ما يحصل له هذا...
إذن فنأخذ من هذا أن المنهج الصحيح هو أن طلب العلم كما كانت السلف عليه تحاول أن تقرأ مثلا: أقل شيء كتابا مختصرا، متوسطا، مطولا هذا أقل شيء في الفنون، وهذا في درجة الحقيقة كما يقول الشوكاني درجة لأول طبقات طلبة العلم ([4])، لأن طلبة العلم على طبقات ومن أراد طبقة عالية في العلم فينهج منهج السلف في إدراك الفنون والعلوم ويكون مشاركا في هذه العلوم ويطلب كل فن بحيث يكون مشاركا في كل فن أقل شيء، فلا يختصر ويقتصر على كتاب متوسط في كل فن مثلا، وإن كان هذا يحتاج إلى التبكير في طلب العلم لكن هي الطريقة المثلى أو هي طريقة الطبقة الأولى من طبقات العلم، وهي تقريبا طريق طبقة الاجتهاد من العلماء، هذه الطريقة التي أشار إليها الشوكاني لأنه جمع آلات الاجتهاد وهو دون عمر الثلاثين:
وإنني حزت أضعافا الذي شرطوا
قبل الثلاثين من عمري بلا كذب
يقول هكذا أضعاف الذي شرطوا من الجمع لهذه العلوم.
فهذا السؤال الذي سألته يكون تكتفي بشيء قليل وتتخصص في فن آخر كما تقول هذا ممكن، لكن اعلم أنه لا يخلو من إشكال، ليست طريقة التبحر والرسوخ في العلم ليس ذاك لكنه طريق من طرق العلم نقول طريق لأن...لكن أنت لا تكون ذا رسوخ هو هذا، نعم.
[الطالب]: هل يمكن أن تمثل لهؤلاء الراسخين في عصرنا [ بمثل ] الشيخ الأمين الشنقيطي؟
نعم، ولا أعرف أقول: لا أعرف حسب علمي لا أعرف رجلا كان على منهج السلف في جمع العلوم كشيخنا علامة زمانه بلا منازع محمد الأمين بن محمد المختار اليعقوبي الجكني الشنقيطي رحمه الله([5]) ، هذا رجل يعتبر من علماء الماضين ليس من علماء هذا الزمان، يعتبر من الطراز الأول، ولذلك كان يقول الشيخ الألباني رحمه الله فيه وهذه شهادة أهل العلم بعضهم في بعض يقول: كنت إذا رأيت الأمين تذكرت ابن تيمية.
انظر إلى هذه الكلمة الغالية فهو في الحقيقة ليس من علماء هذا الزمان، متأخر زمنا متقدم علما هذا الذي...[ يصلح أن ] تقوله في الشيخ رحمه الله رحمة واسعة.
وأنت لو نظرت إلى الطريقة التي طلب الشيخ العلم عليها لوجدتها طريق المتقدمين، وفي سن مبكر مشى هكذا في طلب العلم هكذا هكذا ووُفِّقَ، فليس من يوفق إلى هذه الدرجة بدون طريقة، ليس هكذا عشواء، لابد من منهج.
شرط النهايات تصحيح البدايات
وفاقد الشرط بالمشروط لا يأتي
فصحح البدأ في أمــر تحاولـه
وارع النتيجة في الأمر الذي تأتي
فهو سلك مسلكا أو منهجا أداه إلى هذا إلى هذه القيمة العلمية التي قل أن تجد لها نظيرا، فهو من علماء السلف ليس من علماء هذا الزمان حقا لمن يعرفه إذا كنت تعرفه، نعم رحمه الله رحمة واسعة ما رأيت عبقريا يفري فريه ولذلك كان بعض الشعراء في المدينة والأدباء يمدح الشيخ بعد درس من دروس المسجد النبوي في التفسير، لأنه كان يعطي درسا عاما في التفسير هكذا، وهي دروس في الحقيقة ليست لتحصيل العلم لطالب العلم، وأكثر دروسه في المسجد النبوي للإفادة العامة وبيان دين الله للمسلمين عموما، ليس على الطريقة التحصيلية للعلم شيئا فشيئا، لكنه نافع جدا تنفع في شيء معين وهو نفع الناس عامة هكذا، فكان الشيخ له دروس في المسجد النبوي في التفسير، والتفسير تفسير كلام الله هذا إنما هذا يكون لمن جمع العلوم رأيت، فهذا الشاعر اسمه محمد المجذوب وأصله من الشام يقول بعد درس للشيخ ([6]):
دمت يا شيخنا الأمين لدين
الله ذخرا وعصمة للحيارى
إنما أنت نفحة من تراث
كان في ظلمة الوجود منارا
قبسٌ من كتاب ربي وينبوع
هدى من بيانه لا يُمارى
ذكرتني (أضوائك) الغرّ أفذا
ذا من السابقين فاقوا البحارا
أورثونا من فضلهم كل علم
لم يسر قط كوكب حيث سارا
لو قضينا حياتنا ننعم الفكر
بأغواره لفاتت وخارا
فيلمتعك ذو الجلال بعمرٍ
يملأ الليل خصبه والنهارا
ود كل لو يستطيع له مدا
بشطر من عمره مختارا
كل طول في عمر مثلك طول
في قوى الحق يرهب الكفارا
وكثيرون إن يعيشوا فلا
خيروإن يهلكوا فشر توارى
أن كل واحد في هذه الدروس يود لو يعطى الشيخ عمرا زيادة في عمره وهذه الزيادة تأخذ من عمر ذلك الداعي له، فهو بحق في حق يعني من أفذاذ العلماء ..عموما رحمه الله رحمة واسعة.
لكن لعل المقصود أنه ما بلغ هذه الطريقة إلا بمنهج، أو ما بلغ هذه الدرجة إلا بطريقة في الطلب هو هذا، هكذا يعرف الأشياء عند العقلاء فيه وفي فن المنطق، نعرف هذه الطريقة أو هذه الدرجة كيف وصل إليها لأنه من الممكن مثلا أن يسلك، والشيخ في الحقيقة له ميزات، فمثلا قد يسلك غيره مثل مسلكه في طلب العلم لكن الغاية التي أو الدرجة التي وصل هو إليها ذلك الذي شاركه في هذا المنهج ربما لا يبلغ هذه الدرجة قد يكون، لكن لابد من هذا المنهج حتى يتصل أو لا تصل لهذه الدرجة، فالشيخ في الحقيقة حباه الله بامتيازات فطرية وعقلية وكذا وكذا مثلا، هذا أيضا مما يجعله يزداد في هذه الغاية أو يبلغ هذه الغاية في العلم، وهذه الدرجة قَلَّ أن يبلغها غيره وإن كان ممكنا، يعني بلغها غيره لكن تجده يكون قليلا فقط.
فغرضنا أنه لابد من منهج أولا، المنهج الصحيح الذي كان عليه السلف لمن يريد العلم للعلم لله، آه تفهم؟ فلابد من معرفة هذا المنهج إلا أن سلوك هذا المنهج في هذه العصور من الأمور الصعبة جدا جدا، لاتجد من يعينك، من الأمور الصعبة جدا وهذا ينبغي أن يعرف أيضا والشيء إذا صَعُبَ قَلَّ من يطلبه، قَلَّ من يطلبه لأنه صعب جدا.
[الطالب]: لكن لابد منه.
[الشيخ]: نعم للحاجة إليه مثلا، الحاجة قائمة إلى مثل هذه العلوم إلى مثل هؤلاء العلماء أو كذا مثلا، وإن كان الأرض أرض الله لا يخلو من مجتهد يبين دينه، لكن المجتهدين درجات، المجتهدون درجات، يقول صاحب مراقي السعود:
والأرض لا عن قائم مجتهد
تخلو إلى تزلزل القواعد
لكن المجتهدين كما يقول علماء المنطق هم من قبيل المشكك أي قد يقال هذا مجتهد وهذا مجتهد وهذا مجتهد لكن درجاتهم العلمية مختلفة، فهذا وإن كان مجتهدا وهذا وإن كان مجتهدا لكن اجتهاد هذا أرفع من اجتهاد ذاك، فالمجتهدون موجودون لكن الاجتهاد درجات، فمثلا المجتهدون في الزمن الأول ليسوا كالمجتهدين في زماننا الأخير، فالمجتهدون في الزمن الأول يكونون أحرى وأجمع للعلم من المجتهدين في العصور المتأخرة، قد يكون هكذا، مع أن العلماء وطلبة العلم في العصور المتأخرة يتاح لهم الحصول على أمور لم تكن متاحة للمجتهدين الأوائل وذلك مثلا الحصول على الكتب، فهذا في الحقيقة في العصور المتأخرة ثورة، لكن سهولة الحصول على الكتب كسرت المعنويات وضعفت الهمم.
[الطالب]: يا شيخ كم من يسر ولد عسرا.
[الشيخ]: هذا هو، رأيت وإلا فالاجتهاد في هذه العصور المتأخرة بالنظر إلى الوسائل من الكتب ونحوه نقول سَهُلَ، سَهُلَ الاجتهاد آه، لكن من يسلك هذا الطريق للاجتهاد؟ هذا صعب جدا رأيت، الأمور في أمور المسلمين حصل فيها تغيير كثير، يقول محمد حبيب الله بن مايابا الجكني الشنقيطي في منظومته الأصولية:
والاجتهاد اليوم صار أيسرا
لو كان إنسان له ميسرا
والعلماء في قديم الزمان سبحان الله أخلاقهم وأحوالهم تختلف عن العلماء في هذه الأزمنة المتأخرة، العالم مثلا إذا جاء من بلد إلى هذه المدينة النبوية مثلا أو إلى بلد من بلاد المسلمين، فإنه يكون مشتاقا حريصا إلى الاجتماع بأمثاله من أهل العلم في ذلك البلد، وذلك ليستفيد استفادة للعلم لله فقط وهذا الآن منقطع، أليس منقطعا؟ آه.
[الطالب]: بلى.
[الشيخ]: نعم منقطع وذلك لأن النيات في العلم وما أشبه ذلك يعني نقول قد دخلها تغير، فهؤلاء كانوا قديما هكذا، إذا وصل عالم إلى بغداد في قديم الزمان تجد العلماء يتسارعون إليه رغبة منهم في الاستفادة مما عنده إذا كان عنده شيء، ليس عندهم لأخلاقهم سبحان الله، لكن هذه الأخلاق يا إخوتي قد ذهبت وذلك لأن النيات في طلب العلم والطرق في طلب العلم قد تغيرت، ....رأيت وهذا كله يؤدي إلى ضعف العلم ويؤدي إلى أن الوضع الحالي للعلم ليس كالوضع، العلم سابقا واللباس الذي كان العلماء قديما يلبسونها ليست مثل اللباس الذي يلبسه العلماء الآن، فكان العلم عندهم في الصدور والآن تغيرت لأن العلم عندهم الآن ليس في الصدور حقيقة رأيت، وإنما هي في درجات علمية هذه الدرجات في الحقيقة لا تقول إنها لسيت درجات هي درجات موضوعة لم تكن معروفة في السلف لكنها درجات في الحقيقة، إلا أنها لا تحقق العلم كما كانت الدرجات تحقق العلم للمتقدمين، وذلك لاختلاف المناهج في طلب العلم، المناهج التي يطلب العلم عليها الآن في أغلب الأحوال ليست هي المناهج التي طلب السلف أي علماء السلف عليها العلم سابقا، وإذا اختلفت المناهج اختلفت النتائج وهذا لابد منه، اختلفت النتائج والأحوال وما أشبه ذلك، على كل هذا ينبغي لطالب العلم أن يعرف هذه الأشياء ويعرف بعد ذلك [كيف] تعاملوا مع الوضع الذي في زمنهم، لكن الإنسان ينبغي أن يحاول دائما أن يسير على منهج السلف ليس شيء كالسير عليه فهو المفضي إلى السعادة والنجاة والنجاح لاغير، وخاصة في باب طلب العلم فإن العلم في اضمحلال في الحقيقة.
[الطالب]: ألا يسمح بأن نتمثل بقول الإمام مالك رحمه الله: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها؟
نعم هذا أيضا من الأدلة على أن التمسك بمنهج السلف في طلب العلم هو الأولى لاسيما في طلب العلم مثلا، لأن علماء السلف سبقونا إلى هذا الطلب للعلم لله، إذن الطريقة التي سبقونا عليها في طلب العلم ينبغي أن نعرف هذه الطريقة ونتمسك بها حتى نصل إلى ما وصلوا إليه لاسيما في العلم لأننا نحن الآن نعتقد أن مالكا مجتهد، وأن الشافعي مجتهد، وأن ابن حنبل مجتهد، وأن أبا حنيفة مجتهد، لكن كيف وصلوا للاجتهاد؟ بطرق، إذن إذا كان ذلك كذلك فينبغي للمتأخرين أن يسلكوا هذه الطرق، فهذه الطرق التي سلكوها للاجتهاد أنجح الطرق للوصول للاجتهاد، فإذا لم تتبع طريقتهم في طلب العلم على ذلك أن الوصول للاجتهاد يكون صعبا.
ولذلك لما ..الاجتهاد في أفراد العلماء في غالب العصور المتأخرة تجد بعض من ينتسب إلى العلم في هذه العصور يقول بالاجتهاد الجماعي، إذن فالشخص في نفسه لا تجده وحده مجتهدا جامعا لعلوم الاجتهاد، فإذا حدثت حادثة فلا يمكن أن يكون لكل عالم في هذا العصر مثلا رأي يستقل به لابد أن يجتمعوا ويتباحثوا وهكذا في المسألة، بخلاف السلف فإن الواحد منهم من أهل الاجتهاد له رأي مستقل.
نعم، وهذا لا يمنع أن يتباحث ويتذاكر مع عالم آخر لا يمنع، لكنه في أصله هو مستقل برأيه علما، لكن بخلاف أحوال المسلمين الآن، ولذلك عندهم المجمعات أو مجمع الفقه أو ما أشبه ذلك وهذه في الحقيقة هذه الأمور تناسب وضع العصر وهو جيد لاشك في ذلك لأنه ليس هناك شيء إلا هذا رأيت فيناسب العصر على كل حال.
لكن لو نظرت إلى أفراد من يكون في هذه الاجتماعات مثلا لا تجد الأفراد من هؤلاء قد بلغت رتبة الاجتهاد لأنه ليس هناك سبل لبلوغ الاجتهاد في هذه العصور: المناهج في طلب العلم وما أشبه ذلك والناس أصلا ما يتفكرون في الاجتهاد أصلا هذا ليس عند الناس التفكر في هذا، وهذا كله يدل على غربة العلم أو غربة الدين في العلم الشرعي أو في الدرجة العليا في العلم الشرعي، [فـ]ـلابد من مراعاة منهج السلف.
[الطالب]: بالنسبة للترتيب، الأولى بي في دراسة الفنون؟
[الشيخ]: الترتيب؟ كيف الترتيب؟
[الطالب]: بما يبدأ من الفنون؟
[الشيخ]: آه هو في الحقيقة البدء في العلوم ينبغي أولا للإنسان أن يعرف ربه، هذا التقديم يكون للتوحيد فيعرف مختصرا فيه أو مختصرا وما أشبه ذلك، أو كتابين من الكتب الجيدة في أصول عقيدة السلف الصحيحة، هذا الذي ينبغي لأن القضية قضية تدين أي طلب العلم هذا للديانة للعبادة، إذن فاعرف الله أولا، ينبغي أن تسبق معرفة الله إليك، ثم يبدأ في الآلات وهكذا.
والتوحيد علم العقائد علم واسع جدا، واتسع علم العقائد في العصور المتأخرة لأن المتقدمين إلى زمن مالك وهكذا ما كثر الكلام في مسائل العقائد في زمنه بخلاف الزمن الذي بعده، في زمن الإمام أحمد مثلا فتجد المسائل في العقائد والمشكلات قد ظهرت، ولذلك كلام الإمام أحمد في العقائد في الرد على المبتدعة وما أشبه ذلك في العقائد تجده أكثر من كلام مالك مثلا.
واتسع علم العقائد بسبب المشكلات التي تظهر في العصور المتأخرة، لكن أصول العقائد المطلوبة التي تكفي طالب العلم في البداية هي لا تكثر إلى هذه الدرجة في الحقيقة، لكنها في الحقيقة مع تأخر الزمن وهكذا ومع حدوث أمور أخرى تجد في علم العقائد سعة.
على كل يبدأ بعلم العقائد بالتوحيد، وهذا جيد ثم يشرع في طلب الآلات آلالات الاجتهاد وهكذا الفنون التي تخدم علم الكتاب والسنة، وعلم الكتاب والسنة هو الغاية أي أن تعرف الحلال والحرام سواء كان يتعلق بمعرفة الله أو يتعلق بأحكامه أو ما أشبه ذلك هذه الغاية من العلوم الشرعية، الحلال والحرام وماذا يستفاد من قول الله وقول رسوله من كلامهما، ماذا يريد الله بهذا الكلام؟ أو ماذا يريد رسوله صلى الله عليه وسلم بكلامه هذا؟ لكن ما تصل إلى معرفة هذا المراد تماما إلا إذا جمعت علم الآلات تماما، فبقدر ما تجمع علم الآلات بقدر ما أي بقدر ما تجمع علم الآلات يكون تمكنك في فهم المراد من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
فلذلك لا ينبغي أن يستهان بعلم الآلات، وهي ليست غايات على كل حال هي وسائل ينبغي أن يفهم هذا، ولذلك من اجتهد في طلب علم الآلات وأهمل وترك علم الغايات من معرفة المقصود من كلام الله وكلام رسوله ومن المعرفة للأحاديث فهذا ليس بجيد، وهذا يدل على أن العلم كثير والعمر قصير والمتمكن من العلوم هو الذي يوفق على الطلب على منهج السلف بالتمهل شيئا فشيئا، ويرى نفسه دائما في البداية فيطلب العلم، لايظن أنه بلغ الغاية في العلوم لا، الإنسان يموت وما يقول أنا انتهيت إلى الغاية، ولذلك الله سبحانه وتعالى يقول: -(وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)- [طه/114] فالعلم يحتاج إلى الزيادة، ولذلك ينبغي أن يكون طالب العلم يتفكر ذلك...[انقطاع]
[السائل]: شيخ هنا سؤال يراودني كثيرا فيما يخص علوم الآلات ما القدر الذي يكتفي به طالب العلم؟ متى يعلم أنه تمكن في علوم الآلات في مثلا النحو والصرف والأصول و...؟
[الشيخ]: هو تقدم في الكلام الذي قلناه ما يشير إلى جواب هذا السؤال وهو: أنه إذا اتبع الطريقة الجيدة في تحصيل فن من الفنون فقرأ كتابا مختصرا، ثم متوسطا ثم مطولا، وأتقن هذه الكتب فهذا في الحقيقة يغلب على الظن أن ذلك هو أدنى حد يُكْتَفَى به، وإلا لو قرأ كتابا مطولا في فن النحو مثلا كالألفية، فإنه ليس معنى ذلك أنه أحاط بالنحو علما، لكنه في الحقيقة حصل على مقدار كبير جدا، به يستطيع أن ينتقل إلى فن آخر مثلا، لكن في هذا يا أخي يختلف الناس، فمن الناس مثلا من طلبة العلم - وهذا من توفيق الله - تجده عند طلبه للفن الواحد وقراءته لكتاب مختصر وكتاب متوسط وكتاب مطول، تجده في انتقاله لهذه الكتب الثلاثة قد بلغ رتبة كبيرة جدا، بحيث إنه في قراءته للألفية مثلا يمكن أو يستطيع أن يتوسع فيها أكثر، قد يحصل هذا لبعض الطلبة، رأيت هذا، فهذا قد يحصل لبعض الطلبة وقد لا يحصل لبعضهم.
فعلى كل حال من يقرأ الفنون بهذه الطريقة فيقرأ كتابا مختصرا ومتوسطا ومطولا فإنه في الحقيقة سلك منهجا لابد منه للاكتفاء في البداية بقراءة هذا الفن من علوم الآلة، رأيت وهكذا في بقية العلوم، ولذلك ينبغي أن يكون الإنسان دائما على كل حال إذا انتهى من هذا الفن وانتقل إلى فن آخر فقد تَعْرِضُ له مسألة تتعلق بقاعدة من فن قرأه ولم يكن عِلْمُهُ قد وصل أو قد بلغ إلى هذه القاعدة عند قراءته لذلك الفن، قد يحصل هذا.
رأيت ولذلك الإنسان دائما ينبغي أن يكون ذا همة في الازدياد من العلم ولا يفرط في الطرق التي يستفيد منها، والعلم في الحقيقة هذا عمل العمر في الحقيقة، عمل العمر، أنا أذكر هذا له أمثلة مثلا: أنت مثلا تقرأ في فن الصرف فتأتيك مسألة تتعلق بزنة مصدر من مصادر الفعل الثلاثي، فيذكر هذا الوزن لهذا المصدر ابن مالك في لاميته فيقول مثلا: إن خَصَّ يَخُصُّ من مصادره خصوصية، يقول خُصُوصٌ مصدر رأيت وخُصُوصِيَّة مصدر، وخَصُوصِيَّةٌ كذلك مصدر، خَصُوصِيَّة وخُصُوصية يقول هاذان مصدران، وهذا في الحقيقة تحصيل لعلم، المهم تعرف أن خُصُوصية وخَصُوصِيَّة نطقت العرب بهما على أنهما مصدران كما يقول الصرفيون، لكنك قد تجد مثلا عند ابن تيمية مثلا لتبحره في العلوم يقول لك: إن خَصُوصِيَّة ليس بمصدر إنما هو شيء زائد على المصدر مثلا، مع أنك عند قراءتك وتحصيلك علم الصرف أول ما تقف عليه لزنة خَصُوصِيَّة أنه مصدر كما ذكره ابن مالك وكما ذكره شراح لامية الأفعال، لكنك تجد قولا آخر لابن تيمية يخالف هذا، فهذه كلها من الزيادات في العلوم، والإنسان ينبغي أن يعرف دائما أنه كيفما عرف فليعلم أن هناك أشياء ما يعرفهما، قد يعرف الأصول وما أدري كذا، هناك زيادات، رأيت، نعم.
[الطالب]: مسألة ...الترتيب بين الفنون يعني يبدأ بالنحو وينتقل إلى مابعده ..
[الشيخ]: هو الترتيب بين الفنون هو أن فن العربية عموما تشرع فيه أولا، ثم تنظر أهم الفنون العربية في تحصيلك لمعرفة أساليب العرب، تنظر لأهم الفنون لأن العلوم العربية كثيرة وفيها فنون هي أمهات يقدم هذا على هذا، فمثلا علم متن اللغة المفردات هذا في الحقيقة ينبغي أن يُعرف، رأيت. لكنك هل تبدأ بمعرفة متن اللغة ثم تنتقل للنحو فالصرف فالبلاغة، على كل هذه الأربعة أهم العلوم العربية في معرفة كلام الله وكلام رسوله.
لكن الآن يبقى الآن أيها تقدم على غيرها، فهل تقدم علم متن اللغة؟ نعم تبدأ به، رأيت أو تبدأ بالنحو هذا قد يختلف فيه لكن هذه الأربع لابد من تحصيلها، فأنت على كلٍّ إذا بدأت بأي منها فهذا الأولى، لكن ابدأ بالنحو، وكن مُحْمِضاً فإذا بدأت بالنحو إما أن تقرأ الكتب الثلاثة في فن النحو ثم تقرأ في متن اللغة أو تقرأ في الصرف، فعلى كل حال تُقَدِّم قراءة النحو والصرف ومتن اللغة على البلاغة، البلاغة تأتي في المرتبة الأخيرة في الحقيقة، لكن لا مانع من أن تقرأ كتابا مختصرا أومتوسطا في البلاغة لا مانع من ذلك، قبل أن تقرأ كتابا متوسطا أو مطولا في النحو، ممكن هذا، لكن اجتهد في تحصيل هذه الأربع يعني هي: تُقَدِّم النحو فالصرف ثم الصرف ثم الصرف ثم البلاغة، والأَوْلى في الأصل أن تُقَدِّمَ علم اللغة والصرف، كأن تقرأ علم متن اللغة ثم الصرف ثم النحو، لكن الصرف لما كان أعوص من النحو إذن فتبدأ بالنحو لما بَيْنَهُ وبين الصرف من علاقة حتى تتدرج من السهل إلى الصعب، وإلا فالأصل تقديم الصرف، والصرف وعلم متن اللغة بينهما شديد وشيجة وأكيد وطيدة، فهما شديدا الاتصال علم متن اللغة وعلم الصرف، لأن علم الصرف تعرف به هيئات الكلمات، وهيئات الكلمات لها معانٍ لغوية زائدة على المعنى الأصلي للأصل المتحد للكلمة الواحدة، فمثلا أنت تقول الضرب هذا والأصل المتحد ضَرَبَ، لكن هذا الأصل المتحد قد يتغير فيصير مثلا فيصير ضارب، فتجد لفظة أو صيغة ضارب يدل على معنى فيه زيادة على المعنى الأصلي للأصل المتحد، فضارب يشتمل على ضرب فيه معنى الضرب، لكن الضرب معناه واحد، وإنما عرفت أن ضارب معناه يزيد على الضرب بالطريقة الصرفية أو فن الصرف، نعم.
[الطالب]: شيخ فيما يخص دراسة الفقه هل تنصحون بالدراسة على طريقة المذهب؟
[الشيخ]: نعم هو يا أخي لا مانع من دراسة الفقه على المذهب، وإنما ذلك كل هذا لأن دَرْكَ الفقه يكون بهذه الطريقة، تعرف المذاهب المعروفة المشهورة، على أن هذه المذاهب مناهج لأخذ أحكام الكتاب والسنة، فهي بعض المسائل اجتهادية، إذن فتعرف طرق هذه المذاهب في الاستنباط من الكتاب والسنة، ثم بعد ذلك أنت بنفسك إذا بلغت درجة في معرفة هذا تعرف أن هذه طريقة لكنها لا تجعلها كلها - أي المذاهب كلها - لا تجعلها كالشيء المنتهى إليه بحيث لا يوجد هناك ما هو أحسن منها، لا، لكن في بعض المسائل أو في كثير من المسائل تجد أن ما ذكرته المذاهب صحيحا، لكن ليس في كل مسألة، وقد تجد الصحة في غير ما ذكرته المذاهب تارة أو أحيانا أو هكذا.
إذن فدراسة الفقه بطريقة المذاهب لاشيء فيه بل في هذه العصور المتأخرة هذا الذي ينبغي لضعف الناس عن الآلات، أما لو كنتَ مثلا صحابيا أو كنت مثلا تابعيا لك معرفة بهذه الوسائل وهذه الآلات فأنت تقول: أتفقه آخذ فقهي مباشرة من الكتاب والسنة، لكن حتى مع هذا تجد بعض الخلاف بين السلف في بعض المسائل الفرعية، فلابد على هذا من دراسة المذاهب، إذن فتبدأ بالمذهب لأنه هو الطريق الذي تصل به إلى فهم الكتاب والسنة وكيف أخذوا هذه المسائل من الكتاب والسنة، فأنت وحدك الآن لا يمكن أن ترجع إلى الكتاب وتقول اقرأ الكتاب وأستنبط وأعرف ماذا تدل عليه الآيات اجتهادا أو كذا تفقها، هذا لا يجوز لأن هذا فيه خطأ يشتمل هذا على خطأ؛ لأن ما جمعت الآلات التي بها تستطيع أن تتوجه إلى الكتاب والسنة وتستنبط الأحكام منها وتتفقه فيها مباشرة، إذن فدراسة المذاهب على هذا لا شيء فيه، لكن عند دراستك للمذاهب اعلم أنها طرق علمية لاستنباط الأحكام من الكتاب والسنة، فأنت الآن تتأهل لهذه الطرق العلمية، فتقرأ مثلا مذهب مالك إذا كنت في بلد يغلب فيه مذهب مالك؛ لأنك ستجد علماء هذا المذهب، ففي أي بلد تجد فيه علماء المذهب فينبغي أن تقرأ على هذا المذهب، تقرأ ذلك المذهب في ذلك البلد لأنك تجد طريقة استنباط الأحكام من الكتاب والسنة، فتقرأ مذهب مالك إذا كنت في بلد يغلب فيه مذهب مالك، رأيت لاسيما إذا كانوا يعملون بمذهب مالك في ذلك البلد فتقرأ هذا المذهب، وهكذا، وتبدأ بكتاب مختصر ثم متوسط ثم مطول، تبدأ مثلا بالأخضري لاسيما شرح نظم الأخضري، شرح نظم الأخضري هذا من الكتب الجيدة المختصرة في مذهب مالك، ثم تقرأ مثلا بعد ذلك العبقري قي نظم سهو الأخضري، تقرأه بعد شرح نظم الأخضري هذا، ثم تقرأ في المرشد المعين إلى الضروري من علوم الدين لابن عاشر ([7])، ثم تقرأ الرسالة ثم تقرأ مثلا التلقين للقاضي عبد الوهاب، ثم تقرأ مختصر خليل، ثم تقرأ الموطأ مثلا، ثم بعد ذلك لابد من الاجتهاد في معرفة الأدلة للفروع التي قرأتها فيما تقدم من الكتب وهكذا المراحل.
[الطالب]: شيخنا هل يبدأ طالب العلم بالرسالة مباشرة ثم مختصر خليل؟
[الشيخ]: لا مانع لكن كلما اتبعتَ الطريقة التي ذكرناها من قراءة مختصر ثم متوسط ثم مطول كلما فعلت هذا كلما كان ذلك أدعى إلى التمكن، هذا الأصل الذي درج عليه السلف، وإذن لا مانع أن تقرأ في إيش؟ في الرسالة، تبدأ بالرسالة لأن الرسالة كتاب معروف ومعتمد ومؤلفه شيخ المغرب وأقواله صحيحة في المذهب مثلا، وكذلك التلقين للقاضي عبد الوهاب ثم مختصر خليل وهكذا.
من الكتب المتوسطة الجيدة في مذهب مالك الرسالة والتلقين مثلا.
[الطالب]: من الشروحات النافعة للرسالة؟
[الشيخ]: شروح الرسالة كثيرة.
[الطالب]: [شرح الغماري]
- هذا جيد بل هذا في الحقيقة من حيث الاستدلال يُقدم على غيره من شروح الرسالة، لأنه جاء به فذكر الأدلة مع أن هذه الأدلة في الحقيقة تحتاج إلى نظر آخر من ناحية درجة الدليل إذا كان حديث، ومن ناحية الاستدلال والاستنباط للمسألة منه؛ هل هذا شيء اختلف فيه أو ما أشبه منه، فهو على كل حال من حيث البداية نافع جدا، لكن لا يكفي هكذا، هناك مرحلة أخرى للتعرف على درجة الأدلة إذا كانت حديثية من جهة الثبوت، ومن جهة المعنى وكيفية الاستنباط منها، هل هذه الأدلة الحديثية أو هذه النصوص القرآنية هل المسائل التي استنبطت منها عند مالك هل هو شيء متفق عليه أو ليس كذلك أو يأخذ عليه شيء، هذا كله يتصور ويتوقع، لكن الكتاب على كل حال يقدم على غيره من الكتب من شروح الرسالة، فجزاه الله خيرا ورحمه رحمة واسعة، لأنه كان من أوعية العلم وإن كان قد يحصل في بعض الأمور نسأل الله أن يغفر له على كل حال من جهة العقائد ومن جهة بعض الأصول في الاستدلال، على كل حال وإلا هو كان أحسن فعلا، لا نعرف كتابا لشرح الرسالة كهذا الكتاب من حيث القيمة والجودة بالنسبة للاستدلال وكذا رحمه الله رحمة واسعة.
وعندك من شروح الرسالة كفاية الطالب الرباني هذا لابأس به طيب، لعله أربعة أجزاء أو هكذا، والشروح عندما يُفضل بعضها على بعض إذا كان الذي يعتني بفك مراد الماتن على الصحيح من المذهب دون زيادة ولا نقصان، هذا الذي يفضل من الشروح، لأن للشروح طرقا يختلف بعضها عن بعض، لكن الشرح الذي يعتني بفك المراد للماتن على ما هو المذهب فهذا الذي يفضل لطالب العلم المحصل للمتن، نعم.
[الطالب]: حتى الدراسة على المذهب حتى إذا لم يجد الطالب شيخا هل يكتفي لوحده بدراسة الكتب؟
[الشيخ]: والله الدراسة على الكتب ليس بأصل في الدراسة، لكن إذا لم يجد كما تقول فسيسلك هذه الطريقة من باب الضرورة، وإلا ما ينبغي، حتى مع هذا كونه وحده يطلب العلم وحده في البداية هذا في الحقيقة ليس بسليم، لأنه قد يخطأ في فهم كلام العلماء وهو يظن أنه فَهِمَهُ صحيحا، ثم المتون هذه كيف يفهمها؟ يفهمها بالشرح، والله فيه ما فيه.
نكتفي بهذا وصلى الله وسلم على محمد آله وصحبه.
([1]) ومن ذلك ما حصل للعلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، يقول تلميذه الشيخ محمد عطية سالم رحمه الله في ترجمته لشيخه الأمين: حَدَّثَنِي رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ : جِئْتُ لِلشَّيْخِ فِي قِرَاءَتِي عَلَيْهِ فَشَرَحَ لِي كَمَا كَانَ يَشْرَحُ ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَشْفِ مَا فِي نَفْسِي عَلَى مَا تَعَوَّدْتُ ، وَلَمْ يَرْوِ لِي ظَمَئِي . وَقُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَأَنَا أَجِدُنِي فِي حَاجَةٍ إِلَى إِزَالَةِ بَعْضِ اللَّبْسِ وَإِيضَاحِ بَعْضِ الْمُشْكِلِ وَكَانَ الْوَقْتُ ظُهْرًا فَأَخَذْتُ الْكُتُبَ وَالْمَرَاجِعَ فَطَالَعْتُ حَتَّى الْعَصْرِ ، فَلَمْ أَفْرَغْ مِنْ حَاجَتِي فَعَاوَدْتُ حَتَّى الْمَغْرِبِ فَلَمْ أَنْتَهِ أَيْضًا ، فَأَوْقَدَ لِي خَادِمِي أَعْوَادًا مِنَ الْحَطَبِ أَقْرَأُ عَلَى ضَوْئِهَا كَعَادَةِ الطُّلَّابِ ، وَوَاصَلْتُ الْمُطَالَعَةَ وَأَتَنَاوَلُ الشَّاهِيَ الْأَخْضَرَ كُلَّمَا مَلِلْتُ أَوْ كَسِلْتُ وَالْخَادِمُ بِجِوَارِي يُوقِدُ الضَّوْءَ حَتَّى انْبَثَقَ الْفَجْرُ وَأَنَا فِي مَجْلِسِي لَمْ أَقُمْ إِلَّا لِصَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ تَنَاوُلِ طَعَامٍ وَإِلَى أَنِ ارْتَفَعَ النَّهَارُ وَقَدْ فَرَغْتُ مِنْ دَرْسِي وَزَالَ عَنِّي لَبْسِي ، وَوَجَدْتُ هَذَا الْمَحَلَّ مِنَ الدَّرْسِ كَغَيْرِهِ فِي الْوُضُوحِ وَالْفَهْمِ فَتَرَكْتُ الْمُطَالَعَةَ وَنِمْتُ ، وَأَوْصَيْتُ خَادِمِي أَنْ لَا يُوقِظَنِي لِدَرْسِي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ اكْتِفَاءً بِمَا حَصَلْتُ عَلَيْهِ وَاسْتِرَاحَةً مِنْ عَنَاءِ سَهَرِ الْبَارِحَةِ . اهـ من ترجمة الشيخ محمد عطية سالم لشيخه العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمهما الله.
([2]) أي قطر الندى.
([3]) يقول الله تعالى: -(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)- [يوسف/2]، ويقول: -(كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)- [فصلت/3].
([4]) يقسم العلامة الشوكاني طلاب العلم إلى طبقات أربع بحسب اختلاف المقاصد وتباين همم الطالبين وذكائهم ومن ثم أغراضهم وأهدافهم. يقول رحمه الله: فأقول: إنها لما كانت تتفاوت المطالب في هذا الشأن، وتتباين المقاصد بتفاوت همم الطالبين وأغراض القاصدين.
- فقد ترتفع همة البعض منهم فيقصد البلوع إلى مرتبة في الطلب لعلم الشرع ومقدماته يكون ذلك عند تحصيلها إماما مرجوعا إليه مستفادا منه مأخوذا بقوله مدرسا مفتيا.
- وقد تقصر همته عن هذه الغاية فتكون غاية مقصده ومعظم مطلبه ونهاية رغبته أن يعرف ما طلبه منه الشارع من أحكام التكليف والواضع على وجه يستقل فيه بنفسه، ولا يحتاج إلى غيره من دون أن يتصوره أهل الطبقة الأولى من تعدي فوائد معارفهم إلى غيرهم، والقيام في مقام أكابر الأئمة ونحارير هذه الأمة.
- وقد يكون نهاية ما يريده وغاية ما يطلبه أمرا دون أهل الطبقة الثانية، وذلك كما يكون من جماعة يرغبون إلى إصلاح ألسنتهم وتقويم أفهامهم بما يقتدرون به على فهم معاني ما يحتاجون إليه من الشرع وعدم تحريفه وتصحيفه وتغيير إعرابه، من دون قصد منهم إلى الاستقلال، بل يعزمون على التعويل على السؤال عند عروض التعارض والاحتياج إلى الترجيح.
فهذه ثلاث طبقات للطلبة من المتشرعين الطالبين للاطلاع على ما جاء في الكتاب والسنة، إما كلا أو بعضا بحسب اختلاف المقاصد وتفاوت المطالب.
- وثم طبقة رابعة: يقصدون الوصول إلى علم من العلوم أو علمين أو أكثر لعرض من الأعراض الدينية والدنيويةمن دون تصور الوصول إلى علم الشرع، فكانت الطبقات أربع. اهـ أدب الطلب للعلامة الشوكاني ص: 179.
([5]) للشيخ عبدر الرحمن كوني حفظه الله ترجمة صوتية لشيخه العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، يسر الله تفريغها وإخراجها.
([6]) علماء ومفكرون عرفهم لمحمد المجذوب (ج:1/ص:186).
([7]) وللشيخ عبد الرحمن بن عوف كوني شرح عليه، يلقيه أسبوعيا على مسامع أبناءه في المغرب، وقد وصل فيه إلى فصل صلاة الجماعة.
تعليق