والنُّقطة الثّانية وهي الّتي نختم بها المدخل إلى الفقه كيف تُخطِّط لتكون فقيهًا؟
أوّلُ الفقه ومفتاحُ البركة وأساس الخير أنْ تحرِص على حفظ القُرآن الكريم، لا تُهْمِل الحرص على حفظِ القُرآن، احرِص على أنْ تحفظ وخصِّص لك جُزءًا، وأحسن وقتٌ يُحفظ فيه القُرآن آخر اللّيل؛ فإنّه من أبْرَكِ الأوقات في حِفظ القُرآن الكريم، ومِمّا يُثبِّتُ الحفظ تثبيتًا عجيبًا أنْ تقرأ ما حفِظتَ في وِردِك من اللّيل، فلا أبْرَكَ في تثبيتِ حِفظِ القُرآن من هذا، تجعل الوقتَ الّذي تُخصِّصه لحفظ القُرآن في آخر اللّيل، ثُمّ إذا كُنتَ تُصلِّي وِرْدَك من اللّيل تُراجع حفظك في هذا الوِرْدِ، والله.. إنّه من أقوى المُثبِّتات لحفظ القُرآن في قلب الإنسان. وأنا أتعجّبُ من طُلاّب العلم الّذين يبتغون المُكْنَةَ في العلم ويُهملون العناية بالقُرآن مع سَعَةِ الوقت _في الحقيقة_ ولله الحمد والمِنّة، فأوّل أمر ومفتاح التّوفيق وآية البركة أنْ تعتني بحفظ القُرآن الكريم.
والأمر الثّاني أنْ تحرِص على الإطِّلاع على كُتب السُّنّة والقراءة فيها لاسيَّما أحاديث الأحكام، وأنْ لا تُعْرِيَ نفسَك من النّظر في هذه الكُتب المُباركة الّتي هي أنفاس مُحمّد بن عبدالله صلّى الله عليه وسلّم.
والأمر الثّالث وضع خُطّة صحيحة للقراءة بحيث تبدأ بمتنٍ تختاره تقرأه ولو حفِظته لكان حسنًا، والحفظ للمتن يا إخوة مقصودٌ به فائدة عظيمة وهي أنْ تكون فهرسةُ العلم في صدرِك، الكُتب والأبواب والمسائل في صدرِك؛ فتضبط ترتيب العلم، ثُمّ تقرأ شرحًا للمتن يَحُلُّ ألفاظ المتن حلاًّ، ثُمّ تقرأ شرحًا للمتن يُوضِّح الرّاجحَ من المرجوح فقط، ثُمّ تقرأ في فقه الخلاف.
أمّا أنْ تبدأ في فقه الخلاف مُباشرة فما تُطيق هذا، وينطبق على ذلك المقولة: "كيف يطير ولمّا يُريِّش؟!".
على سبيل التّقريب: اختيار المتن طبعًا من حيث الأصل يُنظر فيه إلى مصالح، منها وهذا أنصح به كثيرًا أنْ يكون المتن من المذهب المشهور في بلادك؛ لأنّ هذا نافعُ جدًا في نشر الحقّ، فإنّك إذا عُدتَ إلى أهل البلد وأنت مُتمكِّن من متن يُعرف عند أهل البلد؛ فإنّ هذا يجعل النّاس يثقون في علمك، وتستطيع أنْ تُوصِل الحقّ إلى النّاس بهذا الطّريق .
ومن أسباب اختيار المتن أنْ يكون المتنُ مخدومًا مخدومًا ولاسيَّما بشرحٍ يُسمع، فعلى سبيل المثال لو قُلنا هُنا نقول اختر زاد المُستقنع واقرأه، اقرأ.. ولو حفِظتَ فَحسَنٌ، ثُمّ اقرأ الشّرح المُختصر على زاد المُستقنِع للشّيخ صالح الفوزان؛ لأنّه حلّل ألفاظ الكتاب، ثُمّ اقرأ الشّرح المُمتع للشّيخ العُثيمِين رحمه الله؛ لأنّه بيّن الرّاجحَ من المرجوح، ثُمّ اقرأ المُغني لابن قُدامة، ثُمّ ادخل في الفقه حيثُ شئت فأنتَ فقيه.
النُّقطة الرّابعة إتِّباع الطّريقة الصّحيحة في القراءة، الفقه لا يُقرأ هدًا، ولا يُقرأ بطريقة الثّقافة، وإنّما الفقه كاسمِه فهمٌ، فلا بدّ أنْ يُقرأ بطريقة الفهم بحيثُ تقرأ المسألة، وتفهم معناها، وتُحاول أنْ تُورِد عليها اعتراضات، وأنْ تُجيب على الاعتراضات أو تُراجع حتى تجد جوابًا عليها، أي من أقوى ما يُثبِّت الفقه والفهم في نفس طالب العلم، والأحسن أنْ تتّخذ صديقًا ذا هِمّة في هذا الباب، فتقرآن معًا المسألة وتتناقشان فيها، ثُمّ تورد أنتَ اعتراضًا ويورِد هو اعتراضًا وتُحاولان الجواب، فإنْ وجدتُما الجواب فهذا حسنٌ، وإنْ لم تجدا الجواب تُراجعان الكُتب الأُخرى للنّظر فيها؛ فهذه الطّريقة هي الطّريقة النّافعة لمن أراد أنْ يكون فقيهًا، أمّا من أراد أنْ يكون مُثقّفًا كشأن كثير من طُلاّب العلم اليوم فهذا له طريقٌ آخر.
أنا دائمًا أقول للإخوة طريقة الطُّيور لا تُثبِّتُ العلمَ، كُلُّ يوم على شجرة، وكُلُّ يوم بطريقة وتقع على الشّجرة كيفما اتّفق؛ في أيِّ علم من العلوم لن تتمكّن منه. لا بدّ أنْ تدرُسَ على طريقةٍ صحيحةٍ حتى تتمكّن من العلم.
أختم بشيءٍ يتعلّق بالمدخل إلى الفقه وهو ما يُسمّى بتقسيمات الفقه والمُناسبات بين الكُتب والأبواب والفُصول والمسائل، وهذا باب نافع وماتع في الفقه، ولكن لو أوردناه فقد يكون ثقيلاً عن السّمع ويكون طويلاً، لكنِّي أُحِيل الإخوة إلى كتاب نافع في هذا الباب وهو كتاب "ترتيب الموضوعات الفقهيّة ومُناسباتُه في المذاهبِ الأربعة" للدُّكتور عبدالوهّاب أبو سُليمان، وهو كتاب طُبع عِدّة طبعات منها طبعة جامعة أم القرى، وهذا الكتاب في هذا التّخصُّصِ مُفيد جدًا ودقيق جدًا في بيان التّرتيب عند الحنفيّة، التّرتيب عند المالكيّة.. عند الشّافعيّة، عند الحنابلة، والمُناسبات.. لماذا ذَكَرُوا هذا الباب بعد هذا الباب؟ ما الرّابط بينهما؟ وهذا مُفيد جدًا لمن أراد أنْ يدرس الفقهَ.
أسأل اللهَ عزَّ وجلَّ أنْ يُفقِّهنا في دينه. في الدّرس القادم إنْ شاء الله سنبدأ في المدخل إلى أصول الفقه.. والله أعلم، وصلّى اللهُ على نبيِّنا وسلّم.
أوّلُ الفقه ومفتاحُ البركة وأساس الخير أنْ تحرِص على حفظ القُرآن الكريم، لا تُهْمِل الحرص على حفظِ القُرآن، احرِص على أنْ تحفظ وخصِّص لك جُزءًا، وأحسن وقتٌ يُحفظ فيه القُرآن آخر اللّيل؛ فإنّه من أبْرَكِ الأوقات في حِفظ القُرآن الكريم، ومِمّا يُثبِّتُ الحفظ تثبيتًا عجيبًا أنْ تقرأ ما حفِظتَ في وِردِك من اللّيل، فلا أبْرَكَ في تثبيتِ حِفظِ القُرآن من هذا، تجعل الوقتَ الّذي تُخصِّصه لحفظ القُرآن في آخر اللّيل، ثُمّ إذا كُنتَ تُصلِّي وِرْدَك من اللّيل تُراجع حفظك في هذا الوِرْدِ، والله.. إنّه من أقوى المُثبِّتات لحفظ القُرآن في قلب الإنسان. وأنا أتعجّبُ من طُلاّب العلم الّذين يبتغون المُكْنَةَ في العلم ويُهملون العناية بالقُرآن مع سَعَةِ الوقت _في الحقيقة_ ولله الحمد والمِنّة، فأوّل أمر ومفتاح التّوفيق وآية البركة أنْ تعتني بحفظ القُرآن الكريم.
والأمر الثّاني أنْ تحرِص على الإطِّلاع على كُتب السُّنّة والقراءة فيها لاسيَّما أحاديث الأحكام، وأنْ لا تُعْرِيَ نفسَك من النّظر في هذه الكُتب المُباركة الّتي هي أنفاس مُحمّد بن عبدالله صلّى الله عليه وسلّم.
والأمر الثّالث وضع خُطّة صحيحة للقراءة بحيث تبدأ بمتنٍ تختاره تقرأه ولو حفِظته لكان حسنًا، والحفظ للمتن يا إخوة مقصودٌ به فائدة عظيمة وهي أنْ تكون فهرسةُ العلم في صدرِك، الكُتب والأبواب والمسائل في صدرِك؛ فتضبط ترتيب العلم، ثُمّ تقرأ شرحًا للمتن يَحُلُّ ألفاظ المتن حلاًّ، ثُمّ تقرأ شرحًا للمتن يُوضِّح الرّاجحَ من المرجوح فقط، ثُمّ تقرأ في فقه الخلاف.
أمّا أنْ تبدأ في فقه الخلاف مُباشرة فما تُطيق هذا، وينطبق على ذلك المقولة: "كيف يطير ولمّا يُريِّش؟!".
على سبيل التّقريب: اختيار المتن طبعًا من حيث الأصل يُنظر فيه إلى مصالح، منها وهذا أنصح به كثيرًا أنْ يكون المتن من المذهب المشهور في بلادك؛ لأنّ هذا نافعُ جدًا في نشر الحقّ، فإنّك إذا عُدتَ إلى أهل البلد وأنت مُتمكِّن من متن يُعرف عند أهل البلد؛ فإنّ هذا يجعل النّاس يثقون في علمك، وتستطيع أنْ تُوصِل الحقّ إلى النّاس بهذا الطّريق .
ومن أسباب اختيار المتن أنْ يكون المتنُ مخدومًا مخدومًا ولاسيَّما بشرحٍ يُسمع، فعلى سبيل المثال لو قُلنا هُنا نقول اختر زاد المُستقنع واقرأه، اقرأ.. ولو حفِظتَ فَحسَنٌ، ثُمّ اقرأ الشّرح المُختصر على زاد المُستقنِع للشّيخ صالح الفوزان؛ لأنّه حلّل ألفاظ الكتاب، ثُمّ اقرأ الشّرح المُمتع للشّيخ العُثيمِين رحمه الله؛ لأنّه بيّن الرّاجحَ من المرجوح، ثُمّ اقرأ المُغني لابن قُدامة، ثُمّ ادخل في الفقه حيثُ شئت فأنتَ فقيه.
النُّقطة الرّابعة إتِّباع الطّريقة الصّحيحة في القراءة، الفقه لا يُقرأ هدًا، ولا يُقرأ بطريقة الثّقافة، وإنّما الفقه كاسمِه فهمٌ، فلا بدّ أنْ يُقرأ بطريقة الفهم بحيثُ تقرأ المسألة، وتفهم معناها، وتُحاول أنْ تُورِد عليها اعتراضات، وأنْ تُجيب على الاعتراضات أو تُراجع حتى تجد جوابًا عليها، أي من أقوى ما يُثبِّت الفقه والفهم في نفس طالب العلم، والأحسن أنْ تتّخذ صديقًا ذا هِمّة في هذا الباب، فتقرآن معًا المسألة وتتناقشان فيها، ثُمّ تورد أنتَ اعتراضًا ويورِد هو اعتراضًا وتُحاولان الجواب، فإنْ وجدتُما الجواب فهذا حسنٌ، وإنْ لم تجدا الجواب تُراجعان الكُتب الأُخرى للنّظر فيها؛ فهذه الطّريقة هي الطّريقة النّافعة لمن أراد أنْ يكون فقيهًا، أمّا من أراد أنْ يكون مُثقّفًا كشأن كثير من طُلاّب العلم اليوم فهذا له طريقٌ آخر.
أنا دائمًا أقول للإخوة طريقة الطُّيور لا تُثبِّتُ العلمَ، كُلُّ يوم على شجرة، وكُلُّ يوم بطريقة وتقع على الشّجرة كيفما اتّفق؛ في أيِّ علم من العلوم لن تتمكّن منه. لا بدّ أنْ تدرُسَ على طريقةٍ صحيحةٍ حتى تتمكّن من العلم.
أختم بشيءٍ يتعلّق بالمدخل إلى الفقه وهو ما يُسمّى بتقسيمات الفقه والمُناسبات بين الكُتب والأبواب والفُصول والمسائل، وهذا باب نافع وماتع في الفقه، ولكن لو أوردناه فقد يكون ثقيلاً عن السّمع ويكون طويلاً، لكنِّي أُحِيل الإخوة إلى كتاب نافع في هذا الباب وهو كتاب "ترتيب الموضوعات الفقهيّة ومُناسباتُه في المذاهبِ الأربعة" للدُّكتور عبدالوهّاب أبو سُليمان، وهو كتاب طُبع عِدّة طبعات منها طبعة جامعة أم القرى، وهذا الكتاب في هذا التّخصُّصِ مُفيد جدًا ودقيق جدًا في بيان التّرتيب عند الحنفيّة، التّرتيب عند المالكيّة.. عند الشّافعيّة، عند الحنابلة، والمُناسبات.. لماذا ذَكَرُوا هذا الباب بعد هذا الباب؟ ما الرّابط بينهما؟ وهذا مُفيد جدًا لمن أراد أنْ يدرس الفقهَ.
أسأل اللهَ عزَّ وجلَّ أنْ يُفقِّهنا في دينه. في الدّرس القادم إنْ شاء الله سنبدأ في المدخل إلى أصول الفقه.. والله أعلم، وصلّى اللهُ على نبيِّنا وسلّم.