بسم الله الرحمن الرحيم ،،
إن الحمد لله، نحمده، و نستعينه ، و نستغفره، ونعوذ بالله، من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
وبعد :
فضل العلماء :
للعلماء فضائل كثيرة وردت في القرآن العظيم والسنة النبوية، والله سبحانه وتعالى يقول: )أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ( (الزمر:9).
ومن فضائلهم :
1ـ أنه لصبرهم وتقواهم كانت لهم الإمامة في الدين:
قال الله تبارك وتعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ( (البقرة:247) .
فبين لهم نبيهم عليه الصلاة والسلام أن الله اصطفاه عليهم ونوّه إلى اتصافه بالبسط في العلم والجسم، ففي هذا إشارة إلى أن ذلك من أوصاف من يكون قائداً .
)وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ( (السجدة:24).
قال ابن تيمية رحمه الله : "جعل الإمامة في الدين موروثة عن الصبر واليقين بقوله في السجدة: ) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ ( فإن الدين كله علم بالحق وعمل به فالعمل به لا بد فيه من الصبر بل وطلب علمه يحتاج إلى الصبر. كما قال معاذ بن جبل: " عليكم بالعلم؛
فإن طلبه لله عبادة. ومعرفته خشية. والبحث عنه جهاد. وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة. ومذاكرته تسبيح. به يعرف الله ويعبد. به يمجد ويوحد. يرفع الله بالعلم أقوما يجعلهم للناس قادة وأئمة يهتدون بهم وينتهون إلى رأيهم"؛ فجعل البحث عن العلم من الجهاد، ولا بد في الجهاد من الصبر؛ ولهذا قال تعالى :
)وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ( (العصر:1ـ3)، وقال تعالى في ص: )وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ( (صّ:45)، فالعلم النافع هو أصل الهدى والعمل بالحق هو الرشاد وضد الأول هو الضلال وضد الثاني هو الغي؛ فالضلال العمل بغير علم.
والغي إتباع الهوى. قال تعالى: )وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى. مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى( (النجم:1ـ2)، فلا ينال الهدى إلا بالعلم، ولا ينال الرشاد إلا بالصبر؛ ولهذا قال علي: ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا انقطع الرأس بان الجسد ثم رفع صوته فقال: ألا لا إيمان لمن لا صبر له( )"( ) .
وقال رحمه الله: "وكلام الإمام أحمد في هذا الباب جار على كلام من تقدم من أئمة الهدى ليس له قول ابتدعه ولكن أظهر السنة وبينها وذب عنها وبين حال مخالفيها وجاهد عليها وصبر على الأذى فيها لما أظهرت الأهواء والبدع وقد قال الله تعالى وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون فالصبر واليقين بهما تنال الإمامة في الدين فلما قام بذلك قرنت باسمه من الإمامة في السنة ما شهر به وصار متبوعا لمن بعده كما كان تابعا لمن قبله وإلا فالسنة هي ما تلقاه الصحابة عن رسول الله وتلقاه عنهم التابعون ثم تابعوهم إلى يوم القيامة وإن كان بعض الأئمة بها أعلم وعليها أصبر والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم والله أعلم"اهـ( ).
2ـ أن طاعتهم من طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم:
قال الله تبارك وتعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً((النساء:59).
وأولي الأمر هم الأمراء والعلماء.
فطاعة العلماء تبع لطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وطاعة الأمراء تبع لطاعة العلماء؛ فإن باب الخروج على الأمراء والحكام هو العلماء، فإن أضيع حق العلماء ضاع حق الأمراء، وإذا ضاع حق العلماء والأمراء خرج الناس عليهم؛ فحياة العالِم وصلاحه حياة العالَم وصلاحه! فإذا ضاعت حقوق العلماء ضاعت حقوق الأمراء وإذا ضاعت حقوق العلماء والأمراء فسد العالَم!
3ـ أن الرد إليهم عند نزول النوازل لما خصّهم الله به من القدرة على الاستنباط:
قال الله تبارك وتعالى: )وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً( (النساء:83).
ففي الآية الرجوع إليهم عند نزول النوازل وطلب حكمها، وترك الافتئات عليهم والتقدم عليهم فيها.
وفي الآية أن الرجوع إلى أهل الرأي رد لما أمر الله عزوجل به من الرد إلى العلماء الذين يستنبطونه، لأن أهل الرأي ليسوا من أهل الاستنباط.
4ـ ومن فضلهم أنه قرنت شهادتهم بشهادة الله تعالى والملائكة:
قال الله تبارك وتعالى: )شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ( (آل عمران:1.
5ـ ومن فضلهم أن اتباعهم يهدي إلى الصراط السوي :
قال الله تبارك وتعالى: )يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً( (مريم:43).
وقال تبارك وتعالى: )وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ( (الأنعام:153).
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا ثُمَّ قَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ سُبُلٌ مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ: )إِنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ("( ).
فمن اتبع العلماء اتبع الصراط المستقيم، ومن خالف العلماء وأضاع حقهم فقد خرج إلى سبيل الشيطان، ففارق الصراط المستقيم الذي عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه.
قال محمد بن الحسين الآجري رحمه الله: "فما ظنكم ـ رحمكم الله ـ بطريق فيه آفات كثيرة، ويحتاج الناس إلى سلوكه في ليلة ظلماء فإن لم يكن فيه ضياء وإلا تحيروا فقيــض الله لهم فيه مصابيح تضيء لهم فسلكوه على السلامة والعافية، ثم جاءت طبقات من الناس لا بد لهم من السلوك فيه فسلكوا، فبينما هم كذلك إذ طفئت المصابيح فبقوا في الظلمة فما ظنكم بهم! هكذا العلماء في الناس. لا يعلم كثير من الناس كيف أداء الفرائض، و لا كيف اجتناب المحارم، و لا كيف يعبد الله في جميع ما يعبده به خلقه؛ إلا ببقاء العلماء، فإذا مات العالم تحيّر الناس ودرس العلم بموتهم وظهر الجهل، فإنا لله وإنا إليه راجعون، مصيبة ما أعظمها مصيبة"اهـ( ).
6ـ ومن فضلهم أنهم ورثة الأنبياء :
عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة والملائكة تضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن العالم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب إن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وأورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر"( ).
قال أبو حاتم ابن حبان رضي الله عنه: " في هذا الحديث بيان واضح أن العلماء الذين لهم الفضل الذي ذكرنا هم الذين يعلمون علم النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره من سائر العلوم ألا تراه يقول العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء لم يورثوا إلا العلم وعلم نبينا صلى الله عليه وسلم سنته فمن تعرى عن معرفتها لم يكن من ورثة الأنبياء"اهـ( ).
قال ابن القيم رحمه الله: "قوله: "إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وأورثوا العلم" هذا من كمال الأنبياء وعظم نصحهم للأمم وتمام نعمة الله عليهم وعلى أممهم أن أزاح جميع العلل وحسم جميع المواد التي توهم بعض النفوس أن الأنبياء من جنس الملوك الذين يريدون الدنيا وملكها فحماهم الله سبحانه وتعالى من ذلك أتم الحماية.
ثم لما كان الغالب على الناس أن أحدهم يريد الدنيا لولده من بعده ويسعى ويتعب ويحرم نفسه لولده سد هذه الذريعة عن أنبيائه ورسله وقطع هذا الوهم الذي عساه أن يخالط كثيرا من النفوس التي تقول: فلعله أن لم يطلب الدنيا لنفسه فهو يحصلها لولده فقال: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا هو صدقة"، فلم تورث الأنبياء دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم. وأما قوله تعالى: )وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ( (النمل:16).
فهو ميراث العلم والنبوة لا غير وهذا باتفاق أهل العلم من المفسرين وغيرهم وهذا لأن داود عليه السلام كان له أولاد كثيرة سوى سليمان فلو كان الموروث هو المال لم يكن سليمان مختصا به، وأيضا فإن كلام الله يصان عن الإخبار بمثل هذا فإنه بمنزلة أن يقال: مات فلان وورثه ابنه ومن المعلوم أن كل احد يرثه ابنه وليس في الإخبار بمثل هذا فائدة، وأيضا فإن ما قبل الآية وما بعدها يبين أن المراد بهذه الوراثة وراثة العلم والنبوة لا وراثة المال قال تعالىوَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ. وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ( (النمل:15ـ16). وإنما سيق هذا لبيان فضل سليمان وما خصه الله به من كرامته وميراثه ما كان لأبيه من أعلى المواهب وهو العلم والنبوة )إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ( (النمل:16).
وكذلك قول زكريا عليه الصلاة والسلام: )وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّا( (مريم:5ـ6)؛ فهذا ميراث العلم والنبوة والدعوة إلى الله وإلا فلا يظن نبي كريم انه يخاف عصبته أن يرثوه ماله فيسأل الله العظيم ولدا يمنعهم ميراثه ويكون أحق به منهم وقد نزه الله أنبياءه ورسله عن هذا وأمثاله فبعدا لمن حرف كتاب الله ورد على رسوله كلامه ونسب الأنبياء إلى ما هم برآء منزهون عنه والحمد لله على توفيقه وهدايته" اهـ( ).
فالعلماء ورثوا العلم فبه يسوسون العباد والبلاد والممالك فموتهم فساد لنظام العالم.
7ـ أنهم ممن أراد الله عزوجل بهم الخير.
عن معاوية رضي الله عنه، قَالَ رَسُول اللّه صَلى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: "من يرد اللّه بِهِ خيراً يفقهه فِي الدين"( ).
فالعالم ممن أراد الله به خيراً.
والعلماء ثلاثة : عالم بالله وبأمره. عالم بالله غير عالم بأمره. عالم بأمره غير عالم به.
وقال علي بن خشرم: سمعت ابن عيينة يقول: قال بعض الفقهاء: كان يقال العلماء ثلاثة:
عالم بالله
عالم بأمر الله
وعالم بالله وبأمر الله
وأما العالم بأمر الله فهو الذي يعلم السنة ولا يخاف الله. وأما العالم بالله فهو الذي يخاف الله ولا يعلم السنة. وأما العالم بالله وبأمر الله فهو الذي يعلم السنة ويخاف الله فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات"( ) .
8ـ إن الله وملائكته وأهل السماوات والأراضين يصلون على معلم الناس الخير:
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: "ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالْآخَرُ عَالِمٌ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ"( ).
قال الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ: "عَالِمٌ عَامِلٌ مُعَلِّمٌ يُدْعَى كَبِيرًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ"( ).
9ـ أن العالم لا ينقطع عمله ما بقي علمه ينتفع به الناس.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"( ).
والحديث يدل على أن عمل العالم والثواب عليه لا ينقطع بمجرد موته مادام الناس ينتفعون بعلمه، وهذا يشمل ما خلفه من تعليم علمه للناس، وما خلفه من تصانيف ينتفع بها الناس، ويشمل في زماننا ما في حكم التصانيف من دروس وفتاوى مسجلة.
من كتاب معاملة العلماء :
للشيخ الدكتور / محمد بن عمر بازمول حفظه الله .
************************
منقول
إن الحمد لله، نحمده، و نستعينه ، و نستغفره، ونعوذ بالله، من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
وبعد :
فضل العلماء :
للعلماء فضائل كثيرة وردت في القرآن العظيم والسنة النبوية، والله سبحانه وتعالى يقول: )أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ( (الزمر:9).
ومن فضائلهم :
1ـ أنه لصبرهم وتقواهم كانت لهم الإمامة في الدين:
قال الله تبارك وتعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ( (البقرة:247) .
فبين لهم نبيهم عليه الصلاة والسلام أن الله اصطفاه عليهم ونوّه إلى اتصافه بالبسط في العلم والجسم، ففي هذا إشارة إلى أن ذلك من أوصاف من يكون قائداً .
)وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ( (السجدة:24).
قال ابن تيمية رحمه الله : "جعل الإمامة في الدين موروثة عن الصبر واليقين بقوله في السجدة: ) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ ( فإن الدين كله علم بالحق وعمل به فالعمل به لا بد فيه من الصبر بل وطلب علمه يحتاج إلى الصبر. كما قال معاذ بن جبل: " عليكم بالعلم؛
فإن طلبه لله عبادة. ومعرفته خشية. والبحث عنه جهاد. وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة. ومذاكرته تسبيح. به يعرف الله ويعبد. به يمجد ويوحد. يرفع الله بالعلم أقوما يجعلهم للناس قادة وأئمة يهتدون بهم وينتهون إلى رأيهم"؛ فجعل البحث عن العلم من الجهاد، ولا بد في الجهاد من الصبر؛ ولهذا قال تعالى :
)وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ( (العصر:1ـ3)، وقال تعالى في ص: )وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ( (صّ:45)، فالعلم النافع هو أصل الهدى والعمل بالحق هو الرشاد وضد الأول هو الضلال وضد الثاني هو الغي؛ فالضلال العمل بغير علم.
والغي إتباع الهوى. قال تعالى: )وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى. مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى( (النجم:1ـ2)، فلا ينال الهدى إلا بالعلم، ولا ينال الرشاد إلا بالصبر؛ ولهذا قال علي: ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا انقطع الرأس بان الجسد ثم رفع صوته فقال: ألا لا إيمان لمن لا صبر له( )"( ) .
وقال رحمه الله: "وكلام الإمام أحمد في هذا الباب جار على كلام من تقدم من أئمة الهدى ليس له قول ابتدعه ولكن أظهر السنة وبينها وذب عنها وبين حال مخالفيها وجاهد عليها وصبر على الأذى فيها لما أظهرت الأهواء والبدع وقد قال الله تعالى وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون فالصبر واليقين بهما تنال الإمامة في الدين فلما قام بذلك قرنت باسمه من الإمامة في السنة ما شهر به وصار متبوعا لمن بعده كما كان تابعا لمن قبله وإلا فالسنة هي ما تلقاه الصحابة عن رسول الله وتلقاه عنهم التابعون ثم تابعوهم إلى يوم القيامة وإن كان بعض الأئمة بها أعلم وعليها أصبر والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم والله أعلم"اهـ( ).
2ـ أن طاعتهم من طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم:
قال الله تبارك وتعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً((النساء:59).
وأولي الأمر هم الأمراء والعلماء.
فطاعة العلماء تبع لطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وطاعة الأمراء تبع لطاعة العلماء؛ فإن باب الخروج على الأمراء والحكام هو العلماء، فإن أضيع حق العلماء ضاع حق الأمراء، وإذا ضاع حق العلماء والأمراء خرج الناس عليهم؛ فحياة العالِم وصلاحه حياة العالَم وصلاحه! فإذا ضاعت حقوق العلماء ضاعت حقوق الأمراء وإذا ضاعت حقوق العلماء والأمراء فسد العالَم!
3ـ أن الرد إليهم عند نزول النوازل لما خصّهم الله به من القدرة على الاستنباط:
قال الله تبارك وتعالى: )وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً( (النساء:83).
ففي الآية الرجوع إليهم عند نزول النوازل وطلب حكمها، وترك الافتئات عليهم والتقدم عليهم فيها.
وفي الآية أن الرجوع إلى أهل الرأي رد لما أمر الله عزوجل به من الرد إلى العلماء الذين يستنبطونه، لأن أهل الرأي ليسوا من أهل الاستنباط.
4ـ ومن فضلهم أنه قرنت شهادتهم بشهادة الله تعالى والملائكة:
قال الله تبارك وتعالى: )شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ( (آل عمران:1.
5ـ ومن فضلهم أن اتباعهم يهدي إلى الصراط السوي :
قال الله تبارك وتعالى: )يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً( (مريم:43).
وقال تبارك وتعالى: )وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ( (الأنعام:153).
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا ثُمَّ قَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ سُبُلٌ مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ: )إِنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ("( ).
فمن اتبع العلماء اتبع الصراط المستقيم، ومن خالف العلماء وأضاع حقهم فقد خرج إلى سبيل الشيطان، ففارق الصراط المستقيم الذي عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه.
قال محمد بن الحسين الآجري رحمه الله: "فما ظنكم ـ رحمكم الله ـ بطريق فيه آفات كثيرة، ويحتاج الناس إلى سلوكه في ليلة ظلماء فإن لم يكن فيه ضياء وإلا تحيروا فقيــض الله لهم فيه مصابيح تضيء لهم فسلكوه على السلامة والعافية، ثم جاءت طبقات من الناس لا بد لهم من السلوك فيه فسلكوا، فبينما هم كذلك إذ طفئت المصابيح فبقوا في الظلمة فما ظنكم بهم! هكذا العلماء في الناس. لا يعلم كثير من الناس كيف أداء الفرائض، و لا كيف اجتناب المحارم، و لا كيف يعبد الله في جميع ما يعبده به خلقه؛ إلا ببقاء العلماء، فإذا مات العالم تحيّر الناس ودرس العلم بموتهم وظهر الجهل، فإنا لله وإنا إليه راجعون، مصيبة ما أعظمها مصيبة"اهـ( ).
6ـ ومن فضلهم أنهم ورثة الأنبياء :
عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة والملائكة تضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن العالم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب إن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وأورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر"( ).
قال أبو حاتم ابن حبان رضي الله عنه: " في هذا الحديث بيان واضح أن العلماء الذين لهم الفضل الذي ذكرنا هم الذين يعلمون علم النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره من سائر العلوم ألا تراه يقول العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء لم يورثوا إلا العلم وعلم نبينا صلى الله عليه وسلم سنته فمن تعرى عن معرفتها لم يكن من ورثة الأنبياء"اهـ( ).
قال ابن القيم رحمه الله: "قوله: "إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وأورثوا العلم" هذا من كمال الأنبياء وعظم نصحهم للأمم وتمام نعمة الله عليهم وعلى أممهم أن أزاح جميع العلل وحسم جميع المواد التي توهم بعض النفوس أن الأنبياء من جنس الملوك الذين يريدون الدنيا وملكها فحماهم الله سبحانه وتعالى من ذلك أتم الحماية.
ثم لما كان الغالب على الناس أن أحدهم يريد الدنيا لولده من بعده ويسعى ويتعب ويحرم نفسه لولده سد هذه الذريعة عن أنبيائه ورسله وقطع هذا الوهم الذي عساه أن يخالط كثيرا من النفوس التي تقول: فلعله أن لم يطلب الدنيا لنفسه فهو يحصلها لولده فقال: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا هو صدقة"، فلم تورث الأنبياء دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم. وأما قوله تعالى: )وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ( (النمل:16).
فهو ميراث العلم والنبوة لا غير وهذا باتفاق أهل العلم من المفسرين وغيرهم وهذا لأن داود عليه السلام كان له أولاد كثيرة سوى سليمان فلو كان الموروث هو المال لم يكن سليمان مختصا به، وأيضا فإن كلام الله يصان عن الإخبار بمثل هذا فإنه بمنزلة أن يقال: مات فلان وورثه ابنه ومن المعلوم أن كل احد يرثه ابنه وليس في الإخبار بمثل هذا فائدة، وأيضا فإن ما قبل الآية وما بعدها يبين أن المراد بهذه الوراثة وراثة العلم والنبوة لا وراثة المال قال تعالىوَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ. وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ( (النمل:15ـ16). وإنما سيق هذا لبيان فضل سليمان وما خصه الله به من كرامته وميراثه ما كان لأبيه من أعلى المواهب وهو العلم والنبوة )إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ( (النمل:16).
وكذلك قول زكريا عليه الصلاة والسلام: )وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّا( (مريم:5ـ6)؛ فهذا ميراث العلم والنبوة والدعوة إلى الله وإلا فلا يظن نبي كريم انه يخاف عصبته أن يرثوه ماله فيسأل الله العظيم ولدا يمنعهم ميراثه ويكون أحق به منهم وقد نزه الله أنبياءه ورسله عن هذا وأمثاله فبعدا لمن حرف كتاب الله ورد على رسوله كلامه ونسب الأنبياء إلى ما هم برآء منزهون عنه والحمد لله على توفيقه وهدايته" اهـ( ).
فالعلماء ورثوا العلم فبه يسوسون العباد والبلاد والممالك فموتهم فساد لنظام العالم.
7ـ أنهم ممن أراد الله عزوجل بهم الخير.
عن معاوية رضي الله عنه، قَالَ رَسُول اللّه صَلى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: "من يرد اللّه بِهِ خيراً يفقهه فِي الدين"( ).
فالعالم ممن أراد الله به خيراً.
والعلماء ثلاثة : عالم بالله وبأمره. عالم بالله غير عالم بأمره. عالم بأمره غير عالم به.
وقال علي بن خشرم: سمعت ابن عيينة يقول: قال بعض الفقهاء: كان يقال العلماء ثلاثة:
عالم بالله
عالم بأمر الله
وعالم بالله وبأمر الله
وأما العالم بأمر الله فهو الذي يعلم السنة ولا يخاف الله. وأما العالم بالله فهو الذي يخاف الله ولا يعلم السنة. وأما العالم بالله وبأمر الله فهو الذي يعلم السنة ويخاف الله فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات"( ) .
8ـ إن الله وملائكته وأهل السماوات والأراضين يصلون على معلم الناس الخير:
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: "ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالْآخَرُ عَالِمٌ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ"( ).
قال الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ: "عَالِمٌ عَامِلٌ مُعَلِّمٌ يُدْعَى كَبِيرًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ"( ).
9ـ أن العالم لا ينقطع عمله ما بقي علمه ينتفع به الناس.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"( ).
والحديث يدل على أن عمل العالم والثواب عليه لا ينقطع بمجرد موته مادام الناس ينتفعون بعلمه، وهذا يشمل ما خلفه من تعليم علمه للناس، وما خلفه من تصانيف ينتفع بها الناس، ويشمل في زماننا ما في حكم التصانيف من دروس وفتاوى مسجلة.
من كتاب معاملة العلماء :
للشيخ الدكتور / محمد بن عمر بازمول حفظه الله .
************************
منقول