بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
أما بعد
فإن من المعلوم - إخوتي الأكارم - أن السلفي مُطَالَب بالحرص على سُمْعَةِ الدعوة السلفية وَحَمَلَتِها, وبالحرص على تقويم إخوانه السلفيين إذا رأى مِن أحدهم خللًا, لا سيما إن كان هذا الخلل متعدِّيًا صاحبَه, فضلًا عمّا لو كان هذا الخلل قد يضر بالدعوة السلفية في الوسط الذي يوجد فيه
ومِن هذا المنطلَق؛ أحب أن أنبه ههنا على بعض الأمور التي لمستُها مِن بعض الإخوة الذين عايَشتُهم - وأظنها موجودة عند غيرهم في أماكنَ أخرى -, عسى أن يكون في هذه الكلمات نفعًا وتذكيرًا
فأقول - مستعينًا بالله, طالبًا منه التوفيق والسداد -:
* رأيتُ أن بعضَ الناس لا يعرِف لكثيرٍ مِن أئمة التابعين وأتباع التابعين ومَن بعدَهم قدرَهم ومنزلتَهم ومقدارَ عِلْمِهِم؛ فنجده يساويهم بالعلماء المعاصرين, أو يتعامل مع أقوالِهم في المسائل العِلْمية كما لو كانت أقوالًا صادرةً مِن علماء معاصرين, مع أن البونَ شاسعٌ والفرقَ كبير بينهم وبين العلماء المعاصرين, سواء في العلم أو في الفهم أو في الحفظ أو في الديانة أو أو أو(1)
فرأيتُ بعضَ أولئك إذا وجدَ في مسألةٍ ما عدةَ أقوالٍ؛ بحثَ عن أقوال المعاصرين قبل أقوال المتقدمين, فإذا وجدها؛ جعل اعتمادَه عليها دون أقوالِ المتقدمين!
ورأيتُ بعضَهم إذا أتيتَه بقول الإمام الشافعي - مثلًا - قال: (وما هو دليله؟), وإذا أتيتَه بقول أحد العلماء المعاصرين لا يطلب الدليل!
ورأيتُ بعضَهم إذا جئتَه بفتوى للإمام الأوزاعي أو للإمام الزهري أو للإمام الحسن البصري أو للإمام الشافعي أو للإمام مالك أو لغيرهم من الأئمة - في حكم شيء معيَّنٍ؛ قال لك - مثلًا -: (وما هو قول الشيخ ابن باز في المسألة؟)!
* ورأيتُ البعضَ إذا تبنَّى رأيًا بناءً على ترجيح أحدِ العلماء له؛ يذهبُ ويخطِّئُ غيرَه مِن دون أن يقفَ على أدلةِ غيرِه ويتأملَ فيها!
بل وربما البعضُ إذا ظهر له رجحانُ قولٍ - بعد البحث - يذهب وينكِر على مَن خالفَه دون أن يعرف هل هذا الخلافُ قويٌّ أم ضعيفٌ!!
* ورأيتُ البعضَ إذا وجد علماء الحديث اختلفوا في صحة حديثٍ ما؛ بحثَ عن حكم العلامة الألباني عليه, فإن وجده؛ أخذ به ولم يلتفت إلى ما سواه, مع أنه قد يكون الذي خالفَ العلامةَ الألبانيَّ هو الإمامُ البخاري أو الإمام مسلم أو الإمام أحمد أو الإمام ابن تيمية أو الإمام الذهبي أو الإمام ابن حجر أو الإمام السخاوي... وغيرهم, مع أن هؤلاء - بلا ريب - أعلمُ أحفَظُ وأرسخُ قدمًا في هذا العلم من العلامة الألباني
* ورأيتُ البعضَ إذا قرأ كتابًا لأحد العلماء أو طلاب العلم أو سمع له شريطًا أو حضر عنده درسًا؛ جعل ذلك العالم أو ذلك الطالب هو العمدة في الترجيح, فما رجَّحه كان هو الراجح عنده, دون أن ينظر ويتأمل في أدلة الأقوال الأخرى!
* ورأيتُ البعضَ يضعِّف حديثًا في باب من الأبواب مستنِدًا إلى أن الشيخَ الفلانيَّ قد ضعَّفَه بعد أن أطالَ الكلام عليه في الكتاب الفلاني وذكر قولَ الإمام أبي حاتم الرازي والإمام شعبة في تضعيف أحدِ رواة ذلك الحديث..., بينما الذين صححوه لم يفعلوا ذلك!
وهو لا يدري أنه قد يكون قول الذين صححوه هو الصواب, ولكنه يظن أن تفصيلَ الكلام على الحديث وإيرادَ أقوالِ الإمامين أبي حاتم وشعبة هو الذي قوَّى قولَ مَن ضعَّفَ, مع أنه من المعروف أن الإمامين أبا حاتم وشعبة من المتشددين في الجرح, ومن المعروف أيضًا أنه قد يكون للحديث شواهد أو متابعات يتقوى بها, ومن المعروف أيضًا أنه ليس كل جرح يُقبَل, ومن المعروف أيضًا أن الإطالة في الكلام على الأحاديث ليست هي المقياس؛ فقد يأتي عالم ويضعِّف حديثًا أو يصححه ويذكر حجته في التضعيف أو التصحيح في سطر أو اثنين ويكون الصواب معه, ويكون الخطأ مع مخالفه الذي أسهب في الكلام حتى بلغ صفحات!
* ورأيت البعضَ يغتر بالإطالة في الكلام على المسائل!؛ فيظن أن الذي يطيل الكلام على مسألةٍ ما هو أدرى وأعلم بتلك المسألة ممن لم يُطِلْ!
وهذا ليس بصواب؛ فإن عليه أن لا يَغُرَّه الكَمُّ
ألا ترى أن كلام السلف كان قليل الألفاظ ومع ذلك كان الظمآن يرتوي منه, بينما كلام كثير مِن الخلف تجده كثيرَ المبنى قليل الفائدة!
* ورأيتُ البعضَ إذا جاء إلى المطويات التي فيها أذكار الصباح والمساء؛ عَمَدَ إلى الأحاديث التي ضعَّفَها العلامةُ الألباني وشطب عليها, مع أن بعض هذه الأحاديث يكون قد صححها بعضُ الحفَّاظ الكبار - ممن سبق ذكرهم أو مِن غيرهم -!
وكان على هذا - على الأقل - أن يكتب أمام الحديث: (ضعفه الألباني) ويكتفي بذلك, أمّا أن يشطب الحديثَ! فهذا من العجب!
وفي الختام أقول:
أخي - طالبَ العلم -, قد لا أكون أحسنتُ صياغةَ هذه الأسطر التي كتبتُ؛ وقد أكون أطلقتُ عبارات كان لابد أن تقيَّد, وقد أكون أخطأتُ في بعضِ المواضع... كل هذا وارد على كلامي؛ فلا تعوِّل عليه كثيرًا
المهم أن تكون الفكرة قد وصلَت, وخلاصتُها: أنزلوا الناس منازلَهم, واحرصوا على أن تكونوا طلبة علمٍ مؤصَّلين تعرفون كيف تتعاملون مع مسائل الخلاف
كما أرجو أيضًا أن يكون في كلامي إشارةٌ لمن هو ذكي يكتفي بمختصر العبارة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
_____________________
(1) لستُ أقصد بكلامي هذا الدعوةَ إلى تعصُّبٍ لأحد, أو إلى التقليد الأعمى, أو الانتقاصَ مِن قدر علمائنا المعاصرين, أعوذ بالله!, ولكنني أريد أن أصل بهذا الكلام إلى أنه علينا أن نُنزل الناس منازلَهم.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
أما بعد
فإن من المعلوم - إخوتي الأكارم - أن السلفي مُطَالَب بالحرص على سُمْعَةِ الدعوة السلفية وَحَمَلَتِها, وبالحرص على تقويم إخوانه السلفيين إذا رأى مِن أحدهم خللًا, لا سيما إن كان هذا الخلل متعدِّيًا صاحبَه, فضلًا عمّا لو كان هذا الخلل قد يضر بالدعوة السلفية في الوسط الذي يوجد فيه
ومِن هذا المنطلَق؛ أحب أن أنبه ههنا على بعض الأمور التي لمستُها مِن بعض الإخوة الذين عايَشتُهم - وأظنها موجودة عند غيرهم في أماكنَ أخرى -, عسى أن يكون في هذه الكلمات نفعًا وتذكيرًا
فأقول - مستعينًا بالله, طالبًا منه التوفيق والسداد -:
* رأيتُ أن بعضَ الناس لا يعرِف لكثيرٍ مِن أئمة التابعين وأتباع التابعين ومَن بعدَهم قدرَهم ومنزلتَهم ومقدارَ عِلْمِهِم؛ فنجده يساويهم بالعلماء المعاصرين, أو يتعامل مع أقوالِهم في المسائل العِلْمية كما لو كانت أقوالًا صادرةً مِن علماء معاصرين, مع أن البونَ شاسعٌ والفرقَ كبير بينهم وبين العلماء المعاصرين, سواء في العلم أو في الفهم أو في الحفظ أو في الديانة أو أو أو(1)
فرأيتُ بعضَ أولئك إذا وجدَ في مسألةٍ ما عدةَ أقوالٍ؛ بحثَ عن أقوال المعاصرين قبل أقوال المتقدمين, فإذا وجدها؛ جعل اعتمادَه عليها دون أقوالِ المتقدمين!
ورأيتُ بعضَهم إذا أتيتَه بقول الإمام الشافعي - مثلًا - قال: (وما هو دليله؟), وإذا أتيتَه بقول أحد العلماء المعاصرين لا يطلب الدليل!
ورأيتُ بعضَهم إذا جئتَه بفتوى للإمام الأوزاعي أو للإمام الزهري أو للإمام الحسن البصري أو للإمام الشافعي أو للإمام مالك أو لغيرهم من الأئمة - في حكم شيء معيَّنٍ؛ قال لك - مثلًا -: (وما هو قول الشيخ ابن باز في المسألة؟)!
* ورأيتُ البعضَ إذا تبنَّى رأيًا بناءً على ترجيح أحدِ العلماء له؛ يذهبُ ويخطِّئُ غيرَه مِن دون أن يقفَ على أدلةِ غيرِه ويتأملَ فيها!
بل وربما البعضُ إذا ظهر له رجحانُ قولٍ - بعد البحث - يذهب وينكِر على مَن خالفَه دون أن يعرف هل هذا الخلافُ قويٌّ أم ضعيفٌ!!
* ورأيتُ البعضَ إذا وجد علماء الحديث اختلفوا في صحة حديثٍ ما؛ بحثَ عن حكم العلامة الألباني عليه, فإن وجده؛ أخذ به ولم يلتفت إلى ما سواه, مع أنه قد يكون الذي خالفَ العلامةَ الألبانيَّ هو الإمامُ البخاري أو الإمام مسلم أو الإمام أحمد أو الإمام ابن تيمية أو الإمام الذهبي أو الإمام ابن حجر أو الإمام السخاوي... وغيرهم, مع أن هؤلاء - بلا ريب - أعلمُ أحفَظُ وأرسخُ قدمًا في هذا العلم من العلامة الألباني
* ورأيتُ البعضَ إذا قرأ كتابًا لأحد العلماء أو طلاب العلم أو سمع له شريطًا أو حضر عنده درسًا؛ جعل ذلك العالم أو ذلك الطالب هو العمدة في الترجيح, فما رجَّحه كان هو الراجح عنده, دون أن ينظر ويتأمل في أدلة الأقوال الأخرى!
* ورأيتُ البعضَ يضعِّف حديثًا في باب من الأبواب مستنِدًا إلى أن الشيخَ الفلانيَّ قد ضعَّفَه بعد أن أطالَ الكلام عليه في الكتاب الفلاني وذكر قولَ الإمام أبي حاتم الرازي والإمام شعبة في تضعيف أحدِ رواة ذلك الحديث..., بينما الذين صححوه لم يفعلوا ذلك!
وهو لا يدري أنه قد يكون قول الذين صححوه هو الصواب, ولكنه يظن أن تفصيلَ الكلام على الحديث وإيرادَ أقوالِ الإمامين أبي حاتم وشعبة هو الذي قوَّى قولَ مَن ضعَّفَ, مع أنه من المعروف أن الإمامين أبا حاتم وشعبة من المتشددين في الجرح, ومن المعروف أيضًا أنه قد يكون للحديث شواهد أو متابعات يتقوى بها, ومن المعروف أيضًا أنه ليس كل جرح يُقبَل, ومن المعروف أيضًا أن الإطالة في الكلام على الأحاديث ليست هي المقياس؛ فقد يأتي عالم ويضعِّف حديثًا أو يصححه ويذكر حجته في التضعيف أو التصحيح في سطر أو اثنين ويكون الصواب معه, ويكون الخطأ مع مخالفه الذي أسهب في الكلام حتى بلغ صفحات!
* ورأيت البعضَ يغتر بالإطالة في الكلام على المسائل!؛ فيظن أن الذي يطيل الكلام على مسألةٍ ما هو أدرى وأعلم بتلك المسألة ممن لم يُطِلْ!
وهذا ليس بصواب؛ فإن عليه أن لا يَغُرَّه الكَمُّ
ألا ترى أن كلام السلف كان قليل الألفاظ ومع ذلك كان الظمآن يرتوي منه, بينما كلام كثير مِن الخلف تجده كثيرَ المبنى قليل الفائدة!
* ورأيتُ البعضَ إذا جاء إلى المطويات التي فيها أذكار الصباح والمساء؛ عَمَدَ إلى الأحاديث التي ضعَّفَها العلامةُ الألباني وشطب عليها, مع أن بعض هذه الأحاديث يكون قد صححها بعضُ الحفَّاظ الكبار - ممن سبق ذكرهم أو مِن غيرهم -!
وكان على هذا - على الأقل - أن يكتب أمام الحديث: (ضعفه الألباني) ويكتفي بذلك, أمّا أن يشطب الحديثَ! فهذا من العجب!
وفي الختام أقول:
أخي - طالبَ العلم -, قد لا أكون أحسنتُ صياغةَ هذه الأسطر التي كتبتُ؛ وقد أكون أطلقتُ عبارات كان لابد أن تقيَّد, وقد أكون أخطأتُ في بعضِ المواضع... كل هذا وارد على كلامي؛ فلا تعوِّل عليه كثيرًا
المهم أن تكون الفكرة قد وصلَت, وخلاصتُها: أنزلوا الناس منازلَهم, واحرصوا على أن تكونوا طلبة علمٍ مؤصَّلين تعرفون كيف تتعاملون مع مسائل الخلاف
كما أرجو أيضًا أن يكون في كلامي إشارةٌ لمن هو ذكي يكتفي بمختصر العبارة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
_____________________
(1) لستُ أقصد بكلامي هذا الدعوةَ إلى تعصُّبٍ لأحد, أو إلى التقليد الأعمى, أو الانتقاصَ مِن قدر علمائنا المعاصرين, أعوذ بالله!, ولكنني أريد أن أصل بهذا الكلام إلى أنه علينا أن نُنزل الناس منازلَهم.
تعليق