قال الإمام العلم النجم الشهم أحمد بن عبد الرحمن بن قدامى المقدسي -رحمه الله- في كتابه الماتع الرائع
(مختصر منهاج القاصدين)
الذي أنصح الجميع وبالخصوص طلبة العلم أن يطالعوه ولو مرة واحد في حياتهم فحقيقة لا يستغنى عن ما ذكر فيه ، منها ما نبه عليه في هذه ثلاثة الفصوص .
الأول : ما المقصود بالعلم الفرض .
الثاني : في أهمية علم المعاملة .
الثالث : في أنواع العلوم المحمودة .
قال رحمه :
فصل [ طلبُ العلمِ فريضةُُ ]
قد روى عن أنس بن مالك رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : “ طلب العلم فريضة على كل مسلم” رواه أحمد فى “العلل” .(مختصر منهاج القاصدين)
الذي أنصح الجميع وبالخصوص طلبة العلم أن يطالعوه ولو مرة واحد في حياتهم فحقيقة لا يستغنى عن ما ذكر فيه ، منها ما نبه عليه في هذه ثلاثة الفصوص .
الأول : ما المقصود بالعلم الفرض .
الثاني : في أهمية علم المعاملة .
الثالث : في أنواع العلوم المحمودة .
قال رحمه :
فصل [ طلبُ العلمِ فريضةُُ ]
قال المصنف رحمه الله تعالى : اختلف الناس فى ذلك .
فقال الفقهاء : هو علم الفقه، إذ به يعرف الحلال والحرام .
وقال المفسرون والمحدثون : هو علم الكتاب والسنة، إذ بهما يتوصل إلى العلوم كلها .
وقالت الصوفية : هو علم الإخلاص وآفات النفوس .
وقال المتكلمون : هو علم الكلام .
إلى غير ذلك من الأقوال التي ليس فيها قول مرضي، والصحيح أنه علم معاملة العبد لربه .
والمعاملة التي كلفها على ثلاثة أقسام :
اعتقاد، وفعل، وترك .
فإذا بلغ الصبى، فأول واجب عليه تعلم كلمتي الشهادة وفهم معناها وإن لم يحصل ذلك بالنظر والدليل، لأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم اكتفى من أجلاف العرب بالتصديق من غير تعلم دليل، فذلك فرض الوقت، ثم يجب عليه النظر والاستدلال .
فإذا جاء وقت الصلاة وجب عليه تعلم الطهارة والصلاة، فإذا عاش إلى رمضان وجب عليه تعلم الصوم، فإن كان له مال وحال عليه الحول وجب عليه تعلم الزكاة، وإن جاء وقت الحج وهو مستطيع وجب عليه تعلم المناسك .
وأما التروك : فهو بحسب ما يتجدد من الأحوال، إذ لا يجب على الأعمى تعلم ما يحرم النظر إليه، ولا على الأبكم تعلم ما يحرم من الكلام، فإن كان فى بلد يتعاطى فيه شرب الخمر ولبس الحرير، وجب عليه أن يعرف تحريم ذلك .
وأما الاعتقادات : فيجب علمها بحسب الخواطر، فإن خطر له شك فى المعاني التي تدل عليها كلمتا الشهادة، وجب عليه تعلم ما يصل به إلى إزالة الشك . وإن كان فى بلد قد كثرت فيه البدع، وجب عليه أن يتلقن الحق، كما لو كان تاجراً فى بلد شاع فيه الربا، وجب عليه أن يتعلم الحذر منه .
وينبغى أن يتعلم الإيمان بالبعث والجنة والنار .
فبان بما ذكرنا أن المراد بطلب العلم الذى هو فرض عين : ما يتعين وجوبه على الشخص .
فأما فرض الكفاية : فهو علم لا يُستغنى عنه فى قِوَام أمور الدنيا، كالطب إذ هو ضروري فى حاجة بقاء الأبدان على الصحة، والحساب، فإنه ضروري فى قسمة المواريث والوصايا وغيرها .
فهذه العلوم لو خلا البلد عمن يقوم بها حَرِجَ أهل البلد، وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن الباقين .
ولا يُتعجب من قولنا : إن الطب والحساب من فروض الكفاية، فإن أصول الصناعات أيضاً من فروض الكفاية، كالفلاحة والحياكة، بل الحجامة فإنه لو خلا البلد عن حَجَّام لأسرع الهلاك إليهم، فإن الذى أنزل الداء أنزل الدواء وأرشد إلى استعماله .
وأما التعَّمق فى دقائق الحساب، ودقائق الطب وغير ذلك، فهذا يعد فضله، لأنه يستغنى عنه (1).
وقد يكون بعض العلوم مباحاً، كالعلم بالأشعار التي لا سخف فيها، وتواريخ الأخبار .
وقد يكون بعضها مذموماً، كعلم السحر، والطلسمات، والتلبيسات .
فأما العلوم الشرعية فكلها محمودة، وتنقسم إلى أصول، وفروع، ومقدمات ومتممات .
فالأصول : كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإجماع الأمة، وآثار الصحابة .
والفروع : ما فهم من هذه الأصول من معان تنبهت لها العقول حتى فهم من اللفظ الملفوظ وغيره، كما فهم من قوله : “لا يقضى القاضي وهو غضبان” أنه لا يقضى جائعاً .
والمقدمات : هي التي تجرى مجرى الآلات، كعلم النحو واللغة، فإنهما آلة لعلم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
والمتممات : كعلم القراءات، ومخارج الحروف، وكالعلم بأسماء رجال الحديث وعدالتهم وأحوالهم، فهذه دهى العلوم الشرعية، وكلها محمودة .
فصل [ في علم المعاملة ]
فأما علم المعاملة وهو علم أحوال القلب، كالخوف، والرجاء، والرضى، والصدق، والإخلاص وغير ذلك، فهذا العلم ارتفع به كبار العلماء، وبتحقيقه اشتهرت أذكارهم، كسفيان ، وأبى حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد .
وإنما انحطت رتبة المسمين بالفقهاء والعلماء عن تلك المقامات، لتشاغلهم بصورة العلم من غير أخذ على النفس أن تبلغ إلى حقائقه وتعمل بخفاياه .
وأنت تجد الفقيه يتكلم فى الِّظهار، واللِّعان، والسبع، والرمى، ويفرع التفريعات التي تمضى الدهور فيها ولا يحتاج إلى مسألة منها، ولا يتكلم فى الإخلاص، ولا يحذر من الرياء، وهذا عليه فرض عين، لأن في إهماله هلاكه، والأول فرض كفاية . ولو أنه سئل عن علة ترك المناقشة للنفس فى الإخلاص والرياء لم يكن له جواب . ولو سئل عن علة تشاغله بمسائل اللعان والرمى، لقال : هذا فرض كفاية، ولقد صدق، ولكن خفي عليه أن الحساب فرض كفاية أيضاً، فهلا تشاغل به، وإنما تبهرج عليه النفس، لأن مقصودها من الرياء والسمعة يحصل بالمناظرة، لا بالحساب !
واعلم : أنه بدلت ألفاظ وحرفت، ونُقلت إلى معان لم يردها السلف الصالح .
الفقه: فإنهم تصرفوا فيه بالتخصيص، فخصوه بمعرفة الفروع وعللها، ولقد كان اسم الفقه فى العصر الأول منطلقاً على علم طريق الآخرة، ومعرفة دقائق آفات النفوس، ومفسدات الأعمال، وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا، وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة، واستيلاء الخوف على القلب .
ولذلك قال الحسن [البصري] رحمه الله : إنما الفقيه الزاهد فى الدنيا، الراغب فى الآخرة، البصير بدينه، المداوم على عبادة ربه، الوَرِع الكافُّ عن أعراض المسلمين، العفيف عن أموالهم، الناصح لهم .
فكان إطلاقهم اسم الفقه على علم الآخرة أكثر، لأنه لم يكن متناولاً للفتاوى، ولكن كان متناولاً لذلك بطريق العموم والشمول، فثار من هذا التخصيص تلبيس بعث الناس على التجرد لعلم الفتاوى الظاهرة، والإِعراض عن علم المعاملة للآخرة .
اللفظ الثاني : العلم : فقد كان ذلك يطلق على العلم بالله تعالى وبآياته، آي : نعمه وأفعاله فى عباده، فخصوه وسموا به الغالب المناظر فى مسائل الفقه وإن كان جاهلاً بالتفسير والأخبار .
اللفظ الثالث : التوحيد : وقد كان ذلك إشارة إلى أن ترى الأمور كلها من الله تعالى رؤية تقطع الالتفات إلى الأسباب والوسائط، فيثمر ذلك التوكل والرضى وقد جعل الآن عبارة عن صناعة الكلام فى الأصول، وذلك من المنكرات عند السلف .
اللفظ الرابع : التذكير والذكر . قال تعالى : { وَذكَّرْ َفإنَّ الذَّكْرَى تْنَفعُ الُمْؤمنينَ } ( الذاريات : 55 ) .
وقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم : ”إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا” قالوا : وما رياض الجنة ؟ قال : مجالس الذكر” فتنقلوا ذلك إلى القصص وما يحتوى عليه اليوم مجلس القاص من الشطح والطامات .
ومن تشاغل فى وعظة بذكر قصص الأولين، فليعلم أن اكثر ما يحكى فى ذلك لا يثبت، كما ينقلون أن يوسف عليه السلام حل تكته، وأنه رأى يعقوب عاضا على يده، وأن داود جهز أوريا حتى قتل، فمثل هذا يضر سماعه .
وأما الشطح والطامات : فمن أشد ما يؤذى العوام، لأنها تشمل على ذكر المحبة والوصال وألم الفراق، وعامة الحاضرين أجلاف، بواطنهم محشوة بالشهوات وحب الصور، فلا يحرك ذلك من قلوبهم إلا ما هو مستكن فى نفوسهم، فيشتعل فيها نار الشهوة، فيصيحون، وكل ذلك فساد .
وربما احتوى الشطح على الدعاوى العريضة فى محبة الله تعالى، وفى هذا ضرر عظيم . وقد ترك جماعة من الفلاحين فلاحتهم، وأظهروا مثل هذه الدعاوى .
اللفظ الخامس : الحكمة . والحكمة : العلم والعمل به .
قال ابن قتيبة رحمة الله : لا يكون الرجل حكيما حتى يجمع العلم والعمل . وقد صار هذا الاسم يطلق فى هذا الزمان على الطبيب والُمنِّجم .
فصل ( في العلوم المحمودة )
وأعلم أن العلوم المحمودة تنقسم إلى قسمين :
الأول : محمود إلى أقصى غاياته، وكلما كان أكثر كان أحسن وأفضل . وهو العلم بالله تعالى، وبصفاته، وأفعاله، وحكمته فى ترتيب الآخرة على الدنيا، فان هذا علم مطلوب لذاته، والتوصل به إلى سعادة الآخرة، وهو البحر الذى لا يدرك غوره وانما يحوم اُلمَحِّومون على سواحله وأطرافه بقدر ما تيسر لهم .
والقسم الثاني : العلوم التي لا يحمد منها إلا مقدار مخصوص، وهى التي ذكرناها من فروض الكفايات، فان فى كل منها افتقاراً واقتصاراً واستقصاءاً .
فكن أحدَ رجلين : إما مشغولاً بنفسك، وإما متفرغاً لغيرك بعد الفراغ من نفسك ،وإياك أن تشتغل بما يصلح غيرك قبل إصلاح نفسك
، واشتعل بإصلاح باطنك وتطهيره من الصفات الذميمة، كالحرص، والحسد، والرياء، والعجب، قبل إصلاح ظاهرك، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى فى ربع المهلكات .
فان لم تتفرغ من ذلك فلا تشتغل بفروض الكفايات، فان فى الخلق كثيراً يقومون بذلك، فإن مهلك نفسه فى طلب صلاح غيره سفيه، ومثله مثل من دخلت العقارب تحت ثيابه وهو يذب الذباب عن غيره .
فإن تفرغت من نفسك وتطهيرها، وما أبعد ذلك ، فاشتغل بفروض الكفايات وراع التدريج فى ذلك .
فابتدأ بكتاب الله عز وجل، ثم بسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم بعلوم القرآن : من التفسير، ومن ناسخ ومنسوخ، ومحكم ومتشابه، إلى غير ذلك .
وكذلك فى السنة، ثم اشتغل بالفروع، وأصول الفقه وهكذا بقية العلوم على ما يتسع العمر ويساعد فيه الوقت .
ولا تستغرق عمرك فى فن واحد منها طلباً للاستقصاء، فان العلم كثير، والعمر قصير، وهذه العلوم آلات يراد بها غيرها، وكل شىء يطلب لغيره فلا ينبغي أن ينسى فيه المطلوب .
الكتاب كما أسلفت كله فوائد فقط أردت الافتصار على الأهم وعدم التطويل لأن للأسف طلاب النت اليوم - وأنا أولهم - أصبحوا يملون من الأسطر الكثيرة والله المستعان ولاحول ولاقوة إلا بالله العظيم .
للتحميل الكتاب [من هنا]
للتحميل الكتاب [من هنا]
تعليق