بسم الله والصلاة والسلام علي رسول الله اما بعد فهذا الموضوع باذن الله سيكون لي ولمن لمس من نفسه تقصيرا في مطالعة كتب اهل العلم لكثرة الانشغالات والله المستعان وسيكون ذلك بتقسيم الكتاب الي اجزاء وكل مرة اضع شطرا حتي يتسني لنا قراءته وقليل دائم خير من كثير منقطع نسال الله الاخلاص في القول والعمل ونبدا علي بركة الله
1-كتاب زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور لشيخ الاسلام ابن تيمية
وَسُئِلَ أَحمد بن تيمية رحمهُ اللّه تعالى عمن يزور القبور ويستنجد بالمقبور في مرضٍ به أو بفرسه أو بعيره: يطلب إزالة المرض الذي بهم، ويقول: يا سيدي، أنا في جيرتك، أنا في حسبك، فلان ظلمني، فلان قصد أذيتي، ويقول: إن المقبور يكون واسطة بينه وبين اللّه تعالى. وفيمن ينذر للمساجد، والزوايا والمشائخ حيهم وميتهم بالدراهم والإبل والغنم والشمع والزيت وغير ذلك، يقول: إن سلم ولدى فللشيخ على كذا وكذا، وأمثال ذلك. وفيمن يستغيث بشيخه يطلب تثبيت قلبه من ذاك الواقع. وفيمن يجيء إلى شيخه ويستلم القبر ويمرغ وجهه عليه، ويمسح القبر بيديه، ويمسح بهما وجهه، وأمثال ذلك. وفيمن يقصده بحاجته، ويقول: يا فلان، ببركتك، أو يقول: قضيت حاجتي بركة اللّه وبركة الشيخ. وفيمن يعمل السماع ويجيء إلى القبر فيكشف ويحط وجهه بين يدي شيخ على الأرض ساجداً. وفيمن قال: إن ثم قطباً غوثا جامعا في الوجود. أفتونا مأجورين، وابسطوا القول في ذلك.
فأجاب: الحمد للّه رب العالمين، الدين الذي بعث اللّه به رسله وأنزل به كتبه هو عبادة اللّه وحده لا شريك له، واستعانته، والتوكل عليه، ودعاؤه لجلب المنافع، ودفع المضار، كما قال تعالى: {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفي إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 1 3]، وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] وقال تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف: 29]، وقال تعالى: {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 56، 57]. قالت طائفة من السلف: كان أقوام يدعون المسيح وعزيرا والملائكة، قال اللّه تعالى: هؤلاء الذين تدعونهم عبادى كما أنتم عبادى، ويرجون رحمتى كما ترجون رحمتى، ويخافون عذأبي كما تخافون عذأبي، ويتقربون إلىَّ كما تتقربون إلىَّ. فإذا كان هذا حال من يدعو الأنبياء والملائكة فكيف بمن دونهم؟!
وقال تعالى: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا} [الكهف: 102]، وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 22، 23]. فبين سبحانه أن من دعي من دون اللّه من جميع المخلوقات من الملائكة والبشر وغيرهم أنهم لا يملكون مثقال ذرة في ملكه، وأنه ليس له شريك في ملكه، بل هو سبحانه له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأنه ليس له عون يعاونه كما يكون للملك أعوان وظهراء، وأن الشفعاء عنده لا يشفعون إلا لمن ارتضى، فنفي بذلك وجوه الشرك.
وذلك أن من يدعون من دونه، إما أن يكون مالكا، وإما ألا يكون مالكا، وإذا لم يكن مالكا فإما أن يكون شريكا، وإما ألا يكون شريكا، وإذا لم يكن شريكا فإما أن يكون معاوناً، وإما أن يكون سائلا طالباً. فالأقسام الأول الثلاثة وهى: الملك، والشركة والمعاونة منتفية، وأما الرابع فلا يكون إلا من بعد إذنه، كما قال تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]، وكما قال تعالى: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرضي} [النجم: 26]، وقال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الزمر: 43، 44]، وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} [السجدة: 4]، وقال تعالى: {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأنعام: 51]، وقال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 79: 80]. فإذا جعل من اتخذ الملائكة والنبيين أربابا كافراً، فكيف من اتخذ من دونهم من المشايخ وغيرهم أربابا ؟!
وتفصيل القول: أن مطلوب العبد إن كان من الأمور التى لا يقدر عليها إلا اللّه تعالى؛ مثل أن يطلب شفاء مريضه من الآدميين والبهائم، أو وفاء دينه من غير جهة معينة، أو عافية أهله، وما به من بلاء الدنيا والآخرة، وانتصاره على عدوه، وهداية قلبه، وغفران ذنبه، أو دخوله الجنة أو نجاته من النار، أو أن يتعلم العلم والقرآن، أو أن يصلح قلبه ويحسن خلقه ويزكى نفسه، وأمثال ذلك فهذه الأمور كلها لا يجوز أن تطلب إلا من اللّه تعالى، ولا يجوز أن يقول لملك ولا نبي ولا شيخ سواء كان حياً أو ميتاً : اغفر ذنبي، ولا انصرنى على عدوى، ولا اشف مريضى، ولا عافنى أو عاف أهلى أو دابتى،وما أشبه ذلك. ومن سأل ذلك مخلوقا كائناً من كان، فهو مشرك بربه، من جنس المشركين الذين يعبدون الملائكة والأنبياء والتماثيل التى يصورونها على صورهم، ومن جنس دعاء النصارى للمسيح وأمه، قال اللّه تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ} الآية [المائدة: 116]، وقال تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31].
وأما ما يقدر عليه العبد فيجوز أن يطلب منه في بعض الأحوال دون بعض؛ فإن مسألة المخلوق قد تكون جائزة، وقد تكون منهيا عنها، قال اللّه تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 7، 8]، وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس: "إذا سألت فاسأل اللّه، وإذا استعنت فاستعن باللّه"، وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم طائفة من أصحابه: ألا يسألوا الناس شيئا. فكان سوط أحدهم يسقط من كفه فلا يقول لأحد: ناولنى إياه. وثبت في الصحيحين أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: "يدخل الجنة من أمتى سبعون ألفا بغير حساب، وهم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون". والاسترقاء طلب الرقية، وهو من أنواع الدعاء، ومع هذا فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من رجل يدعو له أخوه بظهر الغيب دعوة، إلا وكل اللّه بها ملكا كلما دعا لأخيه دعوة قال الملك: ولك مثل ذلك".
ومن المشروع في الدعاء دعاء غائب لغائب؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه، وطلبنا الوسيلة له، وأخبر بما لنا في ذلك من الأجر إذا دعونا بذلك، فقال في الحديث: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا على، فإن من صلى عليَّ مرة صلى اللّه عليه عشراً، ثم سلو اللّه لى الوسيلة، فإنها درجة في الجنة لا ينبغى أن تكون إلا لعبد من عباد اللّه، وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد. فمن سأل اللّه لى الوسيلة حلت له شفاعتى يوم القيامة".
ويشرع للمسلم أن يطلب الدعاء ممن هو فوقه وممن هو دونه، فقد روى طلب الدعاء من الأعلى والأدنى؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم ودع عمر إلى العمرة، وقال: "لا تنسنا من دعائك يا أخى"، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمرنا بالصلاة عليه وطلب الوسيلة له ذكر أن من صلى عليه مرة صلى الله بها عليه عشراً، وأن من سأل له الوسيلة حلَّت له شفاعته يوم القيامة، فكان طلبه منا لمنفعتنا في ذلك، وفرق بين من طلب من غيره شيئا لمنفعة المطلوب منه، ومن يسأل غيره لحاجته إليه فقط. وثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم ذكر أُوَيْساً القَرَنى وقال لعمر: "إن استطعت أن يستغفر لك فافعل".
وفي الصحيحين أنه كان بين أبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما شىء، فقال أبو بكر لعمر: استغفر لى، لكن في الحديث: أن أبا بكر ذكر أنه حنق على عمر. وثبت أن أقواما كانوا يسترقون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرقيهم.
وثبت في الصحيحين أن الناس لما أجدبوا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يستسقى لهم فدعا اللّه لهم فسقوا. وفي الصحيحين أيضًا: أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه استسقى بالعباس فدعا، فقال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون. وفي السنن: أن أعرابيا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: جهدت الأنفس، وجاع العيال، وهلك المال، فادع اللّه لنا، فإنا نستشفع باللّه عليك، وبك على اللّه. فسبح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، وقال:"ويحك ! إن اللّه لا يستشفع به على أحد من خلقه، شأن اللّه أعظم من ذلك". فأقره على قوله: "إنا نستشفع بك على اللّه"، وأنكر عليه: "نستشفع باللّه عليك"؛ لأن الشافع يسأل المشفوع إليه، والعبد يسأل ربه ويستشفع إليه، والرب تعالى لا يسأل العبد ولا يستشفع به.
سنقرا في المرة القادمة باذن الله[ كيفية الزيارة الشرعية للقبور ]
1-كتاب زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور لشيخ الاسلام ابن تيمية
وَسُئِلَ أَحمد بن تيمية رحمهُ اللّه تعالى عمن يزور القبور ويستنجد بالمقبور في مرضٍ به أو بفرسه أو بعيره: يطلب إزالة المرض الذي بهم، ويقول: يا سيدي، أنا في جيرتك، أنا في حسبك، فلان ظلمني، فلان قصد أذيتي، ويقول: إن المقبور يكون واسطة بينه وبين اللّه تعالى. وفيمن ينذر للمساجد، والزوايا والمشائخ حيهم وميتهم بالدراهم والإبل والغنم والشمع والزيت وغير ذلك، يقول: إن سلم ولدى فللشيخ على كذا وكذا، وأمثال ذلك. وفيمن يستغيث بشيخه يطلب تثبيت قلبه من ذاك الواقع. وفيمن يجيء إلى شيخه ويستلم القبر ويمرغ وجهه عليه، ويمسح القبر بيديه، ويمسح بهما وجهه، وأمثال ذلك. وفيمن يقصده بحاجته، ويقول: يا فلان، ببركتك، أو يقول: قضيت حاجتي بركة اللّه وبركة الشيخ. وفيمن يعمل السماع ويجيء إلى القبر فيكشف ويحط وجهه بين يدي شيخ على الأرض ساجداً. وفيمن قال: إن ثم قطباً غوثا جامعا في الوجود. أفتونا مأجورين، وابسطوا القول في ذلك.
فأجاب: الحمد للّه رب العالمين، الدين الذي بعث اللّه به رسله وأنزل به كتبه هو عبادة اللّه وحده لا شريك له، واستعانته، والتوكل عليه، ودعاؤه لجلب المنافع، ودفع المضار، كما قال تعالى: {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفي إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 1 3]، وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] وقال تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف: 29]، وقال تعالى: {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 56، 57]. قالت طائفة من السلف: كان أقوام يدعون المسيح وعزيرا والملائكة، قال اللّه تعالى: هؤلاء الذين تدعونهم عبادى كما أنتم عبادى، ويرجون رحمتى كما ترجون رحمتى، ويخافون عذأبي كما تخافون عذأبي، ويتقربون إلىَّ كما تتقربون إلىَّ. فإذا كان هذا حال من يدعو الأنبياء والملائكة فكيف بمن دونهم؟!
وقال تعالى: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا} [الكهف: 102]، وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 22، 23]. فبين سبحانه أن من دعي من دون اللّه من جميع المخلوقات من الملائكة والبشر وغيرهم أنهم لا يملكون مثقال ذرة في ملكه، وأنه ليس له شريك في ملكه، بل هو سبحانه له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأنه ليس له عون يعاونه كما يكون للملك أعوان وظهراء، وأن الشفعاء عنده لا يشفعون إلا لمن ارتضى، فنفي بذلك وجوه الشرك.
وذلك أن من يدعون من دونه، إما أن يكون مالكا، وإما ألا يكون مالكا، وإذا لم يكن مالكا فإما أن يكون شريكا، وإما ألا يكون شريكا، وإذا لم يكن شريكا فإما أن يكون معاوناً، وإما أن يكون سائلا طالباً. فالأقسام الأول الثلاثة وهى: الملك، والشركة والمعاونة منتفية، وأما الرابع فلا يكون إلا من بعد إذنه، كما قال تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]، وكما قال تعالى: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرضي} [النجم: 26]، وقال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الزمر: 43، 44]، وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} [السجدة: 4]، وقال تعالى: {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأنعام: 51]، وقال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 79: 80]. فإذا جعل من اتخذ الملائكة والنبيين أربابا كافراً، فكيف من اتخذ من دونهم من المشايخ وغيرهم أربابا ؟!
وتفصيل القول: أن مطلوب العبد إن كان من الأمور التى لا يقدر عليها إلا اللّه تعالى؛ مثل أن يطلب شفاء مريضه من الآدميين والبهائم، أو وفاء دينه من غير جهة معينة، أو عافية أهله، وما به من بلاء الدنيا والآخرة، وانتصاره على عدوه، وهداية قلبه، وغفران ذنبه، أو دخوله الجنة أو نجاته من النار، أو أن يتعلم العلم والقرآن، أو أن يصلح قلبه ويحسن خلقه ويزكى نفسه، وأمثال ذلك فهذه الأمور كلها لا يجوز أن تطلب إلا من اللّه تعالى، ولا يجوز أن يقول لملك ولا نبي ولا شيخ سواء كان حياً أو ميتاً : اغفر ذنبي، ولا انصرنى على عدوى، ولا اشف مريضى، ولا عافنى أو عاف أهلى أو دابتى،وما أشبه ذلك. ومن سأل ذلك مخلوقا كائناً من كان، فهو مشرك بربه، من جنس المشركين الذين يعبدون الملائكة والأنبياء والتماثيل التى يصورونها على صورهم، ومن جنس دعاء النصارى للمسيح وأمه، قال اللّه تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ} الآية [المائدة: 116]، وقال تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31].
وأما ما يقدر عليه العبد فيجوز أن يطلب منه في بعض الأحوال دون بعض؛ فإن مسألة المخلوق قد تكون جائزة، وقد تكون منهيا عنها، قال اللّه تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 7، 8]، وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس: "إذا سألت فاسأل اللّه، وإذا استعنت فاستعن باللّه"، وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم طائفة من أصحابه: ألا يسألوا الناس شيئا. فكان سوط أحدهم يسقط من كفه فلا يقول لأحد: ناولنى إياه. وثبت في الصحيحين أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: "يدخل الجنة من أمتى سبعون ألفا بغير حساب، وهم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون". والاسترقاء طلب الرقية، وهو من أنواع الدعاء، ومع هذا فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من رجل يدعو له أخوه بظهر الغيب دعوة، إلا وكل اللّه بها ملكا كلما دعا لأخيه دعوة قال الملك: ولك مثل ذلك".
ومن المشروع في الدعاء دعاء غائب لغائب؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه، وطلبنا الوسيلة له، وأخبر بما لنا في ذلك من الأجر إذا دعونا بذلك، فقال في الحديث: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا على، فإن من صلى عليَّ مرة صلى اللّه عليه عشراً، ثم سلو اللّه لى الوسيلة، فإنها درجة في الجنة لا ينبغى أن تكون إلا لعبد من عباد اللّه، وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد. فمن سأل اللّه لى الوسيلة حلت له شفاعتى يوم القيامة".
ويشرع للمسلم أن يطلب الدعاء ممن هو فوقه وممن هو دونه، فقد روى طلب الدعاء من الأعلى والأدنى؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم ودع عمر إلى العمرة، وقال: "لا تنسنا من دعائك يا أخى"، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمرنا بالصلاة عليه وطلب الوسيلة له ذكر أن من صلى عليه مرة صلى الله بها عليه عشراً، وأن من سأل له الوسيلة حلَّت له شفاعته يوم القيامة، فكان طلبه منا لمنفعتنا في ذلك، وفرق بين من طلب من غيره شيئا لمنفعة المطلوب منه، ومن يسأل غيره لحاجته إليه فقط. وثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم ذكر أُوَيْساً القَرَنى وقال لعمر: "إن استطعت أن يستغفر لك فافعل".
وفي الصحيحين أنه كان بين أبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما شىء، فقال أبو بكر لعمر: استغفر لى، لكن في الحديث: أن أبا بكر ذكر أنه حنق على عمر. وثبت أن أقواما كانوا يسترقون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرقيهم.
وثبت في الصحيحين أن الناس لما أجدبوا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يستسقى لهم فدعا اللّه لهم فسقوا. وفي الصحيحين أيضًا: أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه استسقى بالعباس فدعا، فقال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون. وفي السنن: أن أعرابيا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: جهدت الأنفس، وجاع العيال، وهلك المال، فادع اللّه لنا، فإنا نستشفع باللّه عليك، وبك على اللّه. فسبح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، وقال:"ويحك ! إن اللّه لا يستشفع به على أحد من خلقه، شأن اللّه أعظم من ذلك". فأقره على قوله: "إنا نستشفع بك على اللّه"، وأنكر عليه: "نستشفع باللّه عليك"؛ لأن الشافع يسأل المشفوع إليه، والعبد يسأل ربه ويستشفع إليه، والرب تعالى لا يسأل العبد ولا يستشفع به.
سنقرا في المرة القادمة باذن الله[ كيفية الزيارة الشرعية للقبور ]
تعليق