فهذه درر من كتاب البداية والنهاية لإبن كثير في همة السلف في حفظ العلم وكتابته وتعليمه
همة السلف في الحفظ:
كان من بحور العلم في اللغة والعربية والتفسير والحديث، وغير ذلك.
سمع الكديمي وإسماعيل القاضي وثعلبا وغيرهم، وكان ثقة صدوقا أديبا، دينا فاضلا من أهل السنة.
كان من أعلم الناس بالنحو والادب، وأكثرهم حفظا له، وكان له من المحافيظ مجلدات كثيرة، أحمال جمال وكان لا يأكل إلا النقالى ولا يشرب ماء إلا قريب العصر، مراعاة لذهنه وحفظه، ويقال: إنه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيرا، وحفظ تعبير الرؤيا في ليلة، وكان يحفظ في كل جمعة عشرة آلاف ورقة، وكانت وفاته ليلة عيد النحر من هذه السنة.
الهمة في الكتابة
همة السلف في تعليم العلم
إبراهيم بن عبد الله بن مسلم الكجي أحد المشايخ المعمرين، كان يحضر مجلسه خمسون ألفا ممن معه محبرة، سوى النظارة، ويستملي عليه سبعة مستملين كل يبلغ صاحبه، ويكتب بعض الناس وهم قيام وكان كلما حدث بعشرة آلاف حديث تصدق بصدقة.
ولما فرغ من قراءة السنن عليه عمل مأدبة غرم عليها ألف دينار، وقال: شهدت اليوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلت شهادتي وحدي، أفلا أعمل شكرا لله عز وجل ؟.
وروى ابن الجوزي والخطيب عن أبي مسلم الكجي قال: خرجت ذات ليلة من المنزل فمررت بحمام وعلي جنابة فدخلته فقلت للحمامي: أدخل حمامك أحد بعد ؟ فقال: لا، فدخلت فلما فتحت باب الحمام الداخل إذا قائل يقول: أبا مسلم أسلم تسلم.
ثم أنشأ يقول:
لك الحمد إما على نعمة * وإما على نقمة تدفع تشاء فتفعل ما شئته * وتسمع من حيث لا يسمع قال: فبادرت فخرجت فقلت للحمامي: أنت زعمت أنه لم يدخل حمامك أحد.
فقال: نعم ! وما ذاك ؟ فقلت: إني سمعت قائلا يقول كذا وكذا.
قال: وسمعته ؟ قلت: نعم.
فقال: يا سيدي هذا رجل من الجان يتبدى لنا في بعض الاحيان فينشد الاشعار ويتكلم بكلام حسن فيه مواعظ.
فقلت: هل حفظت من شعره شيئا ؟ فقال: نعم.
ثم أنشدني من شعره فقال هذه الابيات أيها المذنب المفرط مهلا * كم تمادى تكسب الذنب جهلا كم وكم تسخط الجليل بفعل * سمج وهو يحسن الصنع فعلا كيف تهدا جفون من ليس يدري * أرضي عنه من على العرش أم لا عبد الحميد بن عبد العزيز أبو حاتم القاضي الحنفي، كان من خيار القضاة وأعيان الفقهاء ومن أئمة العلماء، ورعا نزها كثير الصيانة والديانة والامانة.
وقد ذكر له ابن الجوزي في المنتظم آثارا حسنة وأفعال جميلة، رحمه الله.
تعليم الصبيان الفاتحة
محمد بن أحمد ابن محمد بن علي بن عبد الرزاق، أبو منصور الخياط (1)، أحد القراء والصلحاء، ختم ألوفا من الناس، وسمع الحديث الكثير، وحين توفي اجتمع العالم في جنازته اجتماعا لم يجتمع لغيره مثله، ولم يعهد له نظير في تلك الازمان.
وكان عمره يوم توفي سبعا وتسعين سنة رحمه الله، وقد رثاه الشعراء، ورآه بعضهم في المنام فقال له: ما فعل بك ربك ؟ فقال: غفر لي بتعليمي الصبيان الفاتحة.