بسم الله الرحمن الرحيم
خاتمة كتاب قواعد في التعامل مع العلماء تقديم سماحة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز –رحمه الله تعالى- تأليف عبدالرحمن اللويحق
( في نهاية هذا البحث الذي أسأل الله أن ينفع به , أختم ببيان أهم النتائج التي توصلت إليها , وهي تمثل خلاصة هذه الورقات :
1- أن للعلماء ميزات تميزهم عن غيرهم من الناس رأسها العلم الذي تحويه صدورهم , والفقه الذي تميزوا به , وبهذا يعرفهم الناس فيشهدوا لهم بالعلم والفضل والمؤمنون شهداء الله في أرضه .
2- أن العلماء يتميزون عن غيرهم من الناس وخصوصاً من يظن الجهلة أنهم من العلماء وليسوا كذلك من مثل : القراء و(المفكرين) والمثقفين والوعاظ والخطباء . إذ معرفة العالم عائدة إلى معنى غير المعاني المتوافرة في هؤلاء الأصناف وإن كانوا في جملتهم أهل فضل ولكن لكل فنٍ رجاله .
3- أن للعلماء اعتبار في الشريعة ومنزلة في الدين لم ينالها غيرهم من الناس , وقد بينت في طيات البحث أدلة ذلك الاعتبار .
أ- أن اعتبار العلماء لا يعني تقديس ذواتهم إذ طاعتهم تبع لطاعة الله عز وجل وإنما هم أدلاء على حكم الله .
ب- أن اعتبار العلماء اعتبار كلي في جميع جوانب الحياة كما أن الشرع شرع ينتظم جوانب الحياة كلها فهم يطاعون في أمور الاقتصاد والسياسة كما يطاعون في أمور العبادات .
ج- أن هذا الاعتبار جاء عن طريق الشرع ولا يرفعه إلا الشرع فلا يزيل مكانة العالم أمر دنيوي مثل حسد قرنائه له أو عزله أو عدم رضا أحد من الناس برأيه .
د- أن هذا الاعتبار يقوى كلما كان القول مجمع عليه أو قال به طائفة كبيرة من المعتبرين في الأمة .
4- أن واجب الناس موالاة العلماء ومحبتهم , فهم أحق الناس بالموالاة والمحبة في الله عز وجل , وتلك المحبة عنوان رُشَدِ المرء وسلامة معتقده ومنهجه .
5- أن توقير العلماء واحترامهم سنة ماضية حض عليها النبي – صلى الله عليه وسلم – ودرج عليها سل الأمة .
6- أن طريق صنع العلماء هو الأخذ عن العلماء , والأدله متضافرة على الأمر بالأخذ عن العلماء والسعي إليهم والشأن أن الناس هم الذين يسعون إلى العلماء لا العكس .
7- أن العلم درجات والعلماء مراتب يتفاوتون بعدة اعتبارات , مثل : السن , والتخصص , وعلى الناس أن يراعوا للعلماء مراتبهم .
8- أن القدح في العلماء والطعن فيهم سبيل من سبل أهل الزيغ والضلال , ذلك أن الطعن فيهم طعن في الدين ذاته إذ هم حملته العالمون به .
9- أن العلماء بشر يخطئون , ولكن اتهامهم بالخطأ يعرض فيه مزلقان خطيران :
أ- أن يكون اتهامهم بالخطأ غير صحيح .
ب- أن يحكم على العالم بالخطأ غير العالم ,والجاهل لا يعرف خطأ نفسه فضلاً عن أن يعرف خطأ غيره , فضلاً عن أن يحكم على العالم بالخطأ .
10- أن العلماء هم خير الأمة , ومن الواجب التماس العذر لهم وإحسان الظن بهم فهذا حق لجميع المؤمنين , والعلماء أولا الناس به .
11- أن وقوع الفتن كثير في هذه الأمة , ومن شأن الفتن أن تشتبه الأمور فيها , ويكثر الخلط وتزيغ الأفهام والعقول , والعصمة حين ذاك إنما هي للجماعة والتي يمثل العلماء رأسها فالواجب على الناس الأخذ بآرآئهم والصدور عن أقوالهم في كل حين , وفي حين الفتن على وجه الخصوص .
12- أن الناظر في تراجم العلماء وسيرهم لا يكاد يجد أحداً برز ولم يختلف فيه , فما أن يبرز شخص في هذه الأمة إلا ويُتكلم فيه , ما بين معظم مصوِّبٍ , ومُحَقِّرٍ مخطئ . والموقف الرشيد من ذلك : التثبت الذي أمر به الله عز وجل في قوله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا }.
13- أن من المتقرر في الشرع والعقل أن العلماء غير معصومين من الخطأ ولكن المظنون فيمن عرف في الأمة بالعلم وشُهدَ له بالفضل أن خطأه قليل بالنسبة لصوابه , وإذ كان الأمر كذلك فإن الاعتبار في الحكم إنما يعود إلا كثرة الفضائل , وهذه القاعدة قاعدةٌ سُنية سلفية , وليست بدعية خلفية(*) .
14- أن الموقف السليم من زلات العلماء وأخطائهم ينبني على أمرين :
أ- عدم اعتماد تلك الزلة لمجيئها على خلاف الشرع .
ب- العدل في الحكم على صاحبها فلا يشنع عليه من أجلها ولا ترد أقواله بسببها .
15- أن العلماء من أئمة المسلمين , ومن حقهم إن أخطأوا أن ينصحوا ولكن بالأسلوب اللائق بمقامهم المؤدي إلى الغرض.
16- أن أقوال العلماء في الجرح والتعديل أقوالٌ اجتهادية يعرض للعلماء فيها الخطأ بل قد يكون مبنى كلام بعضهم في بعضٍ العصبية والهوى والحسد , وبناء على ذلك فإن كلام العلماء الأقران في بعضٍ يُطوى ولا يُروى .
17- أن مما يدخل في العدل المأمور به في الشرع العدل في الحكم على المجتهدين ويمكن إجمال ما قيل في هذا في نقاط :
أ- المجتهد مأجور غير مأزور حتى وإن أخطأ .
ب- الاختلاف بين العلماء أمرٌ مقدور لا يمكن تجاوزه والمنهي عنه إنما هو البغي بسبب ذلك الاختلاف .
ج- إن اختلاف المجتهدين ليس اعتباطياً بل له أسباب معتبره أفرد لها العلماء مؤلفات خاصة .
د- إن الأصل الذي يرد إليه الخلاف هو الكتاب والسنة .
هـ- إنه ليس أحدٌ إلا ويؤخذ من قوله ويُردُّ إلا النبي – صلى الله عليه وسلم - .
18- أن ترك الاعتراض على العلماء المعروفين في الأمة بالعلم والأمانة والعدل أمر محمود , إذ على طالب العلم أن يتهم رأيه عند رأي الأجلة من العلماء , ولا يبادر إلى الاعتراض قبل التوثق .
19- إن أكثر الناس استحقاقاً للثقة هم العلماء فعلى المسلم أن يضع ثقته في أهل العلم .
والحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات , وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .)
ـــــــــــــــ
(*) تنبيه قال في ص 138 (وهذا الكلام في الموازنة بين الحسنات والسيئات في الحكم على الشخص .
وأما إذا ذكر خطأ من أخطاء العالم فلا يلزم الذاكر له ذكر الحسنات والسيئات .
وعليه فإذا بينت خطأ إمام , فقلت : أخطأ في الأمر الفلاني كفاك ذلك .
وإذا مدحت عالم بدعة بالجودة في علم البلاغة مثلاً كفاك ذلك .
هذا إذا أُمنت الفتنة على السامع , أما إذا ظُنَّ أن السامع سيفهم الكلام على غير وجهه حكماً مطلقاً فلابد من البيان . )