مجلة الأسرة واغتصاب وسيلة الدعوة في بلاد الدعوة
بسم الله الرحمن الرحيم
أ) في بداية العقد الثاني من القرن الخامس عشر للهجرة ذكر لي أحد القائمين على الوقف الإسلامي (في هولندا) أن الوقف سيُصدر مجلة (إسلامية) لتوعية (الأسرة) المسلمة، ولم يَذْكر من مميَّزاتها إلا أنَّها ستُظهرُ صُوَر النِّساء، وعجبتُ لمؤسسة تُنشأ باسم الدعوة إلى الدِّين في البلاد الأولى والأخيرة التي أُسِّست على منهاج النبوة في الدِّين والدعوة منذ نهاية القرون المفضلة فأقامت شرع الله وهدمت الأوثان (المقامات والمزارات) وحاربت الشرك والابتداع في الدين طيلة القرون الثلاثة الأخيرة؛ ثم يكون أكبر همِّ بعض القائمين عليها التّميّز عن المجلات الدّينيّة (على انحراف أكثرها) بإظهار صور النساء ترغيبا للقرّاء.
ولكني لمعرفتي بهذا الرجل وبُعْده عن العلم الشرعي وأن مبلغ علمه وعمله التقليد والعاطفة, ولعلمي بأنَّ اثنين من القائمين على الوقف من العلماء الملتزمين بالعقد الصّحيح والسنة على لين (أو مرونة أو وسطية بلغة وسائل الأعلام) فيما يتعلق ببعض الأحكام (الدّعوة إليها والذّب عنها بخاصة)… لذلك رجوت الله أن يكون التّقليد باستغلال صور النساء هو أكبر النّقائص في (مجلة الأسرة) المسلمة القادمة.
ب) وبعد أربعة أعوام تقريبًا من صدورها شكا إليّ أحد دعاة دولة الدعوة في الأردن الشيخ جمال الفرّا من سوريا (وهو أقرب إلى المرونة والوسطية) أنّ قبول المجلة وانتشارها يزداد وأنَّ مستواها العلمي الشرعي يتناقص بالدَّرجة نفسها, وأعارني آخر أعدادها (46 في محرم 1418هـ) فوجدت أنها تنافس المجلات الحركيّة والحزبيّة الموصوفة بالإسلاميّة مثل البلاغ والمجتمع ولا تتفوق عليهما أبدًا إلا بكثرة الألوان والصّور والبهرج الصحفي التّجاري فكتبت للمجلة برقم (56) في 23/2/1418هـ, ولاحظت ما يلي:
1 – من أهداف المجلّة المعلنة في العدد نفسه في مقابلة مع أحد أبرز المؤسّسين وأغزرهم علمًا وأوسعهم ثقافة وأحسنهم خلقًا: (بناء الأسرة المسلمة وعدم الاكتفاء بتربية المدرسة) (ص:45).
2 – ومن أهدافها المعلنة: (تحرّي الصّدق في الخبر ,والعدل في الحكم, والتّحرر من الهوى في إعلان الحقائق, والتزام الموضوعيّة) (ص:45).
3 – وإذا قسْنا الخَبَر بالخُبْر, وجدنا المجّلة تسير بخطى ناكصة وحثيثة في مخالفة الهدف الأول إذ لا توجد كلمة واحدة تدعو الأسرة المسلمة إلى إفراد الله بالعبوديّة ولا تحذرها من الشرك الأكبر (دعاء غير الله) ولا ما دونه من الابتداع في الدّين, مع أن أكثر الأسر المسلمة في البلاد العربية (والأعجمية) تجهل أول وأهمّ ما يجب أن تعلمه من ذلك وتخالف شرع الله فيه إلى درجة (بل دَرَكة) أنّ المنتسبين للإسلام والسنة يتنافسون مع اليهود على مَعْبد أوثان في فلسطين سموه الخليل, ويشتركون مع الشيعة والإسماعيلية في تعظيم وثن في الشام ومصر سموه وآباءهم: (زينب)، وتعظيم عدة أوثان في بلاد الشام والعراق ومصر سمّوها: (الحسين) ,ويشتركون مع النصارى في تعظيم عدة أوثان سموها: (الخضر),ومع الدروز في تعظيم وثن سمّوه: (شعيب) وأعداد، هائلة من الأوثان (المقامات والمزارات والأضرحة والمشاهد) لا أظن أن ّلهم منافسًا في عددها غير البوذيين في جنوب شرق آسيا.
وإن كنتم لا تعلمون كما يظهر لي منكم فإن أكثر الأوثان والأصنام أصلها قبور ومقامات الصالحين منذ قوم نوح كما ورد في صحيح البخاري وتفسير
ابن جرير رحمهما الله في تفسير قول الله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح:23] من قول ابن عباس رضي الله عنهما: (أولئك أسماء رجال صالحين ,فلما ماتوا أوحى الشيطان إلى من بعدهم أن ابنوا في مجالسهم أنصابا… ثم عُبدَتْ) وقد تبيّن لي أن أوثان المنتمين للسنة أكثر من أوثان المنتسبين للفرق الضالة كلّها في العراق وفلسطين ومصر والسودان وبقية بلاد المسلمين العربية والأعجمية بعد ربع قرن من البحث.
4 – ولم تتوقف المجلة عند إهمال نشر توحيد العبادة والسنة وإهمال التحذير من الإشراك في العبادة وما دونه من البدع في الدّين بل جارت الجاهلين في أشنع جهلهم ومعاصيهم فقد نَشرتْ تقريرًا لأحد محرّريها من فلسطين بعنوان: (مآذن فلسطين) (ص: 30) يتباكى فيه على (المسجد الخليلي) ويصفه (بأن له مكانة خاصّة في قلوب المسلمين) تقليدا للتّسمية الضّالة: (الحرم الإبراهيمي الشريف) وهو لا صلة له بالحرمة ولا بإبراهيم عليه السلام ولا بالشرف, بل هو معبد أوثان لليهود بدعوى أنه مَدفن إبراهيم وثلاثة من آل بيته: إسحق وزوجتيهما عليهم السلام, ثم استولى عليه الصّليبيون وبنو على المَدفن المزعوم كنيسة, ثم استولى عليه المسلمون بقيادة صلاح الدّين رحمه الله فبنو سبعة أوثان فيه (اثنان في مقدمة المسجد لإسحق وزوجته وأربعة في فنائه الأوسط لإبراهيم ويعقوب وزوجتيهما وسابع باسم يوسف (عليهم السلام) ابتلاه المسلمون باتخاذه وثناً مجاوراً لمصلى النساء كما ابتلته امرأة العزيز بما دون ذلك)؛ إذن فقلوب المبتدعة تهفو إلى المقبورين ليقرّبوهم إلى الله.
5 – وإذا قِسْنا الخَبَر بالخُبْر وجدنا المجلة تسير بخطى ناكصة حثيثة لمخالفة الهدف المعلن الثاني؛ فإشارةً إلى ما سبق لم تتحرّ المجلّة الصّدق ولا العدل في الخبر عن أوثان فلسطين ولا صدقت ولا عدلت في الحكم على السّحر (العَمَل بلغة السّائل) فقد رَدَّت عليه بأن (السّحر حقّ), مع أنّه في بلد السائل يعتمد غالباً على الوهم والوسوسة والتّقاليد الجاهلة فَيُحَمَّل سبب التأخّر في زواج البنت وعدم التّوافق بين الزّوجين, ويعيش أكثر الدّجّالين والمخرّفين على هذا الوهم والجهل الذي تساهم المجلّة في تثبيته بحكمها العام العشوائي, وحقيقة السَّحر على أي حال خيال كما قال الله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه:66], وقال تعالى: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} [الأعراف:116] وإنْ تأثر به المسحور بإذن الله: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ} [البقرة:102] في حال السّحر لا الوهم.
6 – ولم تتحّر المجلة الصّدق والعدل ولا تجرّدت من الهوى (ولا الْتَزَمَت الموضوعية في الإعلان عن الحقائق) كما يَحلُم الهدف الثاني لإصدارها
(ص: 45)؛ بإدّعائها أن الحرب في تركيا (بل وغيرها) حرب على الدّين لا على السّلطة.
أيُّ دينٍ يقوم على الشرك والابتداع والتّصوّف والخرافة؟ والإسلاميّون في كلّ مكان يعايشون الوثنية والوثنيين والبدعة والخرافة وأهلها من المهد إلى اللحد لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر من هذه المنكرات المغلّظة, ويتحالفون مع العلمانيين والقوميّين والشيوعيين للحصول على السّلطة بأيّ ثمن.
7 – وبقية مقالات هذا العدد عن (الهاتف للمرأة) و(الحاسوب للطفل) و(الولادة القيصريّة لنساء الدنمارك) و(السمنة لنساء أو رجال أمريكا) وبعض المقالات السّطحّية عن الأقل أهّمّية في الدّين, ولا مكان ـ إطلاقاً ـ للأهم في كل الرّسالات.
ج) بعد ستّة أشهر تقريباً (في 2/9/1418هـ) ردَّ أحد الأحداث الحركيين الجهلة بشرع الله برسالة تؤكد سوء ظنّي وصدق فهمي لحال المجلة ومغتصبيها من التنفيذيين, وأكد الأخ (فهد المبارك) تعمُّد المجلة إهمال توجيه الأسرة المسلمة لتوحيد الله بالعبادة وإهمال تحذيرها من الشرك الأكبر بحجة: بأنَّ (أكثر جمهور المجلة في الخليج وليسوا مدمنين على زيارة الأضرحة ودعاء الأموات) وهذا يدل على جهل مركّب بحقيقة الدّعوة على منهاج النّبوّة وحقيقة الحال (الواقع):
1 – كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع خير المسلمين في المدينة على تجنّب هذا الشرك, وكان يحذرهم منه في الأيام بل الساعات الأخيرة من حياته كما في الصحيحين وغيرهما.
2 – ولن يخفى على كل ذي غيرة على شرع الله (حَجُّ) المبتدعة من المنتمين للسنة والشيعة سنويا في أشهر الصيف إلى العتبات المدنسة في بلاد الشام والعراق ومصر (بخاصة) لاقتراف الشرك الأكبر في خارج دول الخليج إن لم يتيسر لهم ذلك في الداخل بفضل الله على ولاة الأمر فيه وفضله بهم على أهله.
3 – وكل هَمّ التنفيذيين الحزبيين في المجلة والقائمين عليها فيما يظهر لي انتشارها في الداخل والخارج, ولو على حساب أهداف بعض المؤسسين المعلنة وفوقها شرع الله للداعين إليه.
4 – وحاول الحَدَث الجاهل تسويغ وقوع المجلة في إهمال بل تهوين بل تزيين الوثنية في المسجد الخليلي أولاً: بأني لم أتحقق من خَبَره, ولما أكدت له أني وقفت عليه وتقرّبت إلى الله بتجنّب الصلاة فيه لم يَرعَوِ ولم يرجع إلى الحقّ بل استمرّ في جهله وعناده فقال: (لك رأيك ولنا رأينا), وثانياً: بقياس المسجد الخليلي على بيوت الله المقدّسة التي أدخلت عليها القبور أو الأوثان.
وأنَّى لجاهل حركي أو حزبي أن يُدْرك الفرق بين المسجد الذي أُسِّس على تقوى من أوَّل يوم ولا يؤثر على قداسته ما أضافه الجاهلون إليه وبين مسجد بُنِيَ على موقع وثن (مقام أو مزار أو قبر أو ضريح) فلا تجوز فيه الصّلاة فرضاً ولا نفلاً كما حرَّم الله على نبيِّه وبقية خلقه الصّلاة في مسجد الضّرار وهو أهون منه.
5 – وحاول الحَدَث الحركي أن ينفي عن المجلّة اغتصابها لصالح حزب الإخوان المسلمين وأنني بادعاء ذلك وقَعْت في ادّعاء علم الغيب, وقد حكمتُ بالمشاهدة لا بالغيب؛ فهم الذين يجتنبون نشر إفراد الله بالعبادة والسنة ومحاربة الشرك والبدع وهم الذين يجتنبون الدعوة إلى الله على منهاج النبوة من يقين الوحي والفقه ويركنون إلى الفكر والظن و(تبرير الغاية للوسيلة) ولو غير شرعيّة.
ولم تجد المجلة من علماء الأمّة الأعلام الموحدين قدوة فاستعاضت عنهم بحسن البنّا ومصطفى السباعي من قادة حزب الأخوان المسلمين رحمهما الله وأحمد ياسين وحماس هداهم الله, بل من لا يكاد يُعرف منهم: عبد اللطيف المشتهري تجاوز الله عنا وعنهم جميعاً.
د) ولمّا رأيت أن المجلة لا تستجيب لداعي الحق طلبت من الشيخ عادل الحصيني ابن أحد المؤسسين، وأقربهم ـ فيما أظنّ ـ إلى منهاج النّبوّة في الدعوة أن يعينني على مغتصبيها من الحركيّين والحزبيّين؛ فظهر العدد (57) بوجهٍ لم تعرفه المجلة منذ أنْشِئَتْ قبل خمس سنوات بغلافٍ ومقالٍ عن أوثان مصر وحدها, ومع نقصه واعتماده على البهرج الصّحفي كتبتُ للمجلة شاكراً ومثنياً ومشجّعاً وأبديتُ بعض الملحوظات المهمة برقم (33) وتاريخ 3/2/1419هـ.
1 – نَزَغ الشيطان رئيس التحرير د. (خ. ق) وهو مريد مطيع لأحد أبرز القطبيين التكفيريين في الرّياض د. (ع. م) لإفساد هذه الإشارة اليتيمة للوثنية فساوى بين شرك القبور وبين (شرك الشرعية الدّوليّة) متّبعاً دعوى الحركييّن والحزبييّن (وجود شرك جديد وتوحيد جديد).
واصطلاح (الشرعية الدّوليّة) من اختراع الإعلاميين العرب للإشارة إلى قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ضدّ الاعتداء العراقي على الكويت والاعتداء الصّهيوني على فلسطين ولبنان, وهي من أعدل قراراتهما وليست من الشرك في قليل ولا كثير, بل «إن الله ليؤيد هذا الدّين بالرجل الفاجر».
2 – ونزغ الشيطان رئيس التحرير فاتبع باطل حزبه بادعائه أنَّ النُّخَب هم (الذين يوالون الكفّار ويطعنون في صلاحية الشريعة ويصرفون المحبّة للفسّاق ويتخذونهم رموزًا وأخلاء) فلم أر فيها غير ترجمة لفكر سيّد قطب رحمه الله خاصة وفكر الحزب عامة, وإذا لم يقصد برمز (النُّخَب): الحكام فلعله يبين قصده إذ لا حاجة للتّعمية.
وهذه هي طريقة حزب الأخوان خاصة وبقية الأحزاب المبتدعة عامّة يَخُصّون (النُّخَب) أو الحكام بالخطأ ومعهم اليهود والأمريكان ويتركون عامّة المسلمين معهم في ضلالهم.
والحقّ ـ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ـ أن انحراف العامّة (في الاعتقاد فما دونه) أظهر في كلّ مكان من انحراف الحكام, فلم أر في حياتي حاكمًا يذبح أو ينذر, أو يستغيث أو يستعين, أو يدعو أصحاب القبور كما يفعل الملايين من الأميين والمثقفين عند وثن البدوي أو مزار شريف, بل إن سعي بعض الحكام الثوريين في العراق والسودان مثلاً ـ لتشييد أو تجديد أوثان المزارات أخيرًا ـ يغلب عليه هدف إرضاء أكثرية شعوبهم.
3 – ويتعلق بهذا من لوازم الحركيّين والحزبيّين (الإخوان خاصة) هداهم الله وكفَّ شرهم عن الإسلام والمسلمين: الافتراء على دعاة منهاج النبوّة بأنهم دعاة أحكام الحيض والنفاس (ص: 16) ويظهر لي في هذا استهزاء بشرع الله (ومنه: أحكام الحيض والنفاس) وجحودٌ وبخسٌ للدّعوة على بصيرة فهي تدعو إلى كلّ أحكام الشريعة وأهمها الاعتقاد ثم العبادات ثم المعاملات وإنما تهمل أخبار السياسة الرّخيصة غير الشرعيّة التي تقوم عليها الدّعوة الحزبيّة الحركيّة في مثل مجلة الأسرة والمجتمع وبقية مجلاتها ومؤسساتها.
4 – ويتعلق بهذا من أثر الحزبية والحركيّة: دعوى (ظلم دول التحالف الدّولي (بريطانيا هذه المرّة) للعراق وأنها سبب نكبته) (ص: 9), وخرافة (هجرة اليهود من إسرائيل خوفًا من صدّام (الدّين) وغاراته المحتملة وكيمياوياته)
(ص: 20).
سبحان من لا هادي لمن أضلّ؛ كان الإسلامّيون يكفّرون صدّام وحزبه في حربهم للشيعة الظالمين, وفجأة تحوّلوا إلى تمجيده عندما انتكس لمحاربة أهل السنة المظلومين في الكويت, وشرّد وأفسد وفجر وأحرق فيها ما لم يفعله مستعمر غربي في تاريخ الاستعمار, وخدم مصلحة إسرائيل أكثر مما خدمها عدوّ للعرب والمسلمين.
5 – خالفت المجلة الحقيقة والواقع بل ونصوص الكتاب والسنة بدعواها (ص: 27): أن (مشركي العرب لم يعبدوا القبور)؛ فجلّ أوثانهم قبور أو مقامات أو مزارات أو نُصُب لأوليائهم كما ورد في صحيح البخاري وتفسير ابن جرير عن أوثان قوم نوح وأنها أنصاب أو مقامات للصّالحين بعد موتهم, وما ثبت في الحديث الصحيح عن نقل عمرو بن لُحَي هذه الأنصاب والمقامات إلى قبائل العرب بأسمائها, وما ورد في السّيرة أنّ اللاّت قبر رجل صالح كان يلتّ السَّويْق للحجاج, وفوق ذلك كله قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} [الزُّمر:3]، وقوله تعالى: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل:21].
6 – وخالفت المجلة الحقيقة والواقع في تبرئتها الأيّوبيّين من رجس الأوثان والبدع وأنهم (جاهدوا لتطهير الفكر والسّلوك الدّيني من آثارهم) (ص: 2, من قال بهذه الدعوى الباطلة قبل مجلة الأسرة؟ هذا وثن الحسين في مصر من أبرز أوثان الفاطمييّن لا يزال قائمًا لم يُنْكَر ولم يُغيَّر في ولاية صلاح الدّين (ولا نور الدّين وشيركوه) رحمهم الله.
ولم يذكر التّاريخ ـ فيما أعلم ـ خلافًا على الدّين الحق بينهم وبين الفاطمييّن, وآخر خلفاء (بل مخرّفي) الفاطميّين (العاضد) هو الذي عيَّن صلاح الدّين قائدًا للجيش وهو الذي سمّاه الملك النّاصر, ولم يَصْرِف عنه صلاح الدّين الخطبة بالولاية حتى فقد وعيهُ في مرض موته, ويقول السّيوطي في (ص: 35 من تاريخ الخلفاء: إنّ صلاح الدّين هو الذي بَنَى تُرْبَة (وثن الشافعي) بمصر (عام 572هـ) , تجاوز الله عنا وعنهم جميعًا.
7 – وكعادة المجلة عدم التثبّت قبل الحكم قرَّرَت أنّ (مَن تقام لهم الموالد مختلو العقل) (ص: 29). والموالد تقام للنّبي والخضر والحسين وزينب (عليهم الصّلاة والسلام والبركة) وعدد لا يحصى من الصّالحين كما يقيم النّصارى مولدًا لعيسى عليه السلام وغيره؛ سبحان من نزع من الحزبيين والحركيين نعمة الشرع والعقل.
8 – وتابعت المجلة خطأ العوام وأشباههم من الإسلاميين في ظنّهم أنّ دفن أبي حنيفة رحمه الله خارج المسجد يخفّف الشرك؛ أولاً: لا يُعرَف على وجه التحديد مكان دَفن أبي حنيفة (ولا الزّبير) رضي الله عنهما, ولا أحد من الأنبياء غير محمد صلى الله عليه وسلم, ولا الصحابة غير أبي بكر وعمر رضي الله عنهم جميعا, خلافاً لظن العوام والمجلة.
وثانياً: لا فرق بين وجود الوثن (القبر) في داخل المسجد أو خارجه ما دام المسجد قد بُنِي على غير تقوى من أجل القبر.
9 – وكذبت المجلة في دعواها أنّ (وثن الجيلاني خاص بالأكراد) (ص:30). بل يؤمّه المنتسبون للسّنة عربا وعجما من كل مكان, وإن كان مَقَرّاً للمفتي الكردي الحالي.
10 – وكَذَبت المجلة (ص:29) في دعواها أن شيعة العراق هم أكثر تعلقًا بالقبور والموالد, وبعدهم الجهال والعوام والنّساء من المنتسبين للسّنّة.
والحق أنّ أكثر الأوثان في العراق وغيرها من بلاد العرب والعجم هي للمنتمين للسنة، ذكوراً وإناثاً، مثقّفين وأمّيين.
بل إن من قدوة التنفيذيين في المجلة (أو أكثرهم) مثل حسن البنا رحمه الله مَنْ يمشي (20) كيلو لزيارة هذه الأوثان في دسوق وعزبة النّوّام, ويُحيي المولد في القاهرة كل ليلة من 1 إلى 12 ربيع الأول (مذكرات الدعوة والداعية ص33, و34 و58، ط: الزّهراء, مدينة نصر بالقاهرة عام 1410هـ), ويؤكد رواية البنا عن نفسه بعض خواص أتباعه؛ يقول محمود عبد الحليم عن حسن البنا وكبار متّبعيه أنهم كانوا يحيون المولد بالذهاب إلى وثن السيدة زينب [فيما يسميه العوام الليلة الكبيرة] يتقدّمهم المرشد ينشد بعض مدائح المولد وهم يرددون وراءه (الإخوان المسلمون, أحداث صنعت التّاريخ) (1/109)، ط. دار الدعوة بمصر.
ويؤكد هذه الرواية أخوه عبد الرحمن البنا وذكر من نشيدهما معا: (هذا الحبيب مع الأحباب قد حَضَرا. وسامح الكلّ فيما قد مضى وجرى) مدّعين حضور النبي صلى الله عليه وسلم هذا الابتداع ومغفرته للمبتدعين بسبب ابتداعهم. (حسن البنّا, ص71).
أما السِّيسي فيؤكد استمرار وإصرار قادة الأخوان فضلا عن أتباعهم على هذا الابتداع بعد موت حسن البنّا, وأنَّهم أقاموا سرادقًا في الإسكندرية لإحياء هذه البدعة حضره المرشدُ الهضيبي، وعن يمينه مندوب الكنيسة (في قافلة الإخوان المسلمين) (2/46).
11 – وأخطأت المجلة في ادعائها (ص:30) أنه (مع غياب الخلافة وإعلان الجمهورية في تركيا غابت المؤسسات الإسلامية وغلب التصوف) فالخرافة العثمانية غير الراشدة وغير المهدية هي التي حمت الوثنية والتصوف والابتداع في الدين عامة، بل حاربت دولة التوحيد والسنة الأولى والأخيرة بعد القرون المفضَّلة بمرتزقتها الألبانيِّين وغيرهم فيما شبهه د. صالح العبود (رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية) بالحرب الصليبيَّة، بل ما وصفه بالحرب الصّليبية
د. زكريا بيومي أستاذ التّاريخ الحديث بجامعة المنصورة بمصر (الأول في مقدمة لكتاب حقيقة الدعوة إلى الله تعالى للكاتب, والثاني في مجلة المنار الجديد عدد (1 في محرم 1423هـ), وختمت دولة الخرافة العثمانية حكمها الظالم دِينًا ودُنيا بتحكيم الصّوفي الخرافي القبوري (أبو الهدى الصّيادي) في شؤون الإسلام والمسلمين في عهد السّلطان عبد الحميد قدوة الحركيّين والحزبيّين لمجرد إشاعة رفض توطين اليهود.
هـ) وكنت كتبتُ للمجلة برقم (269) في 26/8/1418هـ بأنَّه سألني بعض الدعاة على منهاج النّبوّة عن علاقة المجلة بالحركيّة والحزبيّة التي يظهر عليها التأثر بها فنفيت أن يكون المؤسسون قد وقعوا في معصية التحزّب والتَّفرّق وقد نهى الله عنهما في كتابه وسنة رسوله وبخاصّة العالم أو طالب العلم فيهم وقد قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام:159] شيعا لآل البيت رضي الله عنهم أو لمن دونهم, وقال تعالى: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون:53], ولكن مذاهب أكثرهم عفا الله عنا وعنهم تتّسع للسنة ومناهج الفكريين المبتدعة، فتركوا مسؤولية التنفيذ للحركيين والحزبيين الضالين عن منهاج النبوة في الدعوة إلى الدين, ولا عجب إن أضلوا:
1 – ليس في العدد الجديد ـ مثله مثل ما سبقه من الأعداد قريبًا من 5 سنوات – كلمة واحدة للتّعريف أو الدعوة إلى توحيد العبوديّة, ولا كلمة واحدة في التّعريف أو التّحذير من خطر الشرك الأكبر الذي ينخر في جسد وقلب ودين الأمّة عرباً وعجماً منذ قرون. طبعًا لن يزيد هذا في رواج المجلّة ولكنه شرع الله للدّعاة إلى سبيله في كلّ زمان ومكان وحال.
2 – تضمّن هذا العدد أيضا دعاية لمصطفى السّباعي وحسن البنّا (ص:22 – 30) لا لفضل علم ولا فضل التزام بمنهاج النّبوّة في الدّين أو الدّعوة بل لمجرد اشتراكهما في وظيفة المرشد في سوريا ومصر لجماعة الإخوان المسلمين الذين وصفهم فيما بعد أمير السنة نايف بن عبد العزيز آل سعود وزير الدّاخليّة في دولة التوحيد والسنة بأنهم سبب الشرور والفتن في بلاد التوحيد والسّنة وفي كلّ بلد مسلم.
وخصّت المجلّة حسن البنّا رحمهم الله جميعًا بكرامة (بل خرافة) الحيّة التي طوّقت مهده فلم تضرّه, ولو صَدَقَت الإشاعة هذه المرّة لكان من الجائز أنَّها شيطان لا يضرّ الشَّرَّ بل يحميه.
3 – أهم ما اهتمت به المجلّة في هذا العدد فصوّرته على الغلاف الأوّل: (مولود يسرّ الخاطر) ليس لمستقبل اعتقاده أو عبادته بل بشقرة شعره وخضرة عينيه مما ميّز الله به الكافرين العجم أكثر من المسلمين العرب.
ز) شكا إليّ رئيس جمعية البّر ـ فرع الشمال تعدّي القائمين التّنفيذيّين في الوقف (والمجلة) بالرَّياض على مؤسسته لطردها من مقرّها المستأجر حديثًا في المبنى الذي اشتراه الوقف, ويعني ذلك خسارة تجهيز المقرّ للاستعمال الذي لم يمتدّ أكثر من عام, وبدا لي أن لا سبب لذلك غير اختلاف منهاج المؤسستين بين الشرع والفكر من جانب, والخوف من المنافسة على إعانات المحسنين من جانب آخر, وللأمر في جانبيه سابقة وقفتُ عليها وتثبَّت منها: محاربة جمعيّة تحفيظ القرآن الفكرّية الحركيّة مؤسَّسة تعليم القرآن والسنة الشرعيّة بالطائف ومحاولة طردها بتقديم شكوى كيديّة ضدها إلى إمارة المنطقة.
وطلبت من خير مؤسّسي الوقف النّظر في هذا الأمر: إذا كان الوقف والتّحفيظ عملا خيريّاً ـ كما يُعلَن ـ أليس من الشرع والعقل الحرص على كثرة الأعمال الخيرية والتّعاون معها والاستفادة من وجودها دينيّاً (أو دنيويّاً في مثل هذه الحالة)؟ فأجاب بالتأكيد وأمر الوقف بكفّ عدوانه على فرع جمعية البرّ (وهو خير فروعها وأقربها إلى منهاج النّبوّة, ولكنّ التّنفيذيّين (سعوديٌّ ع. ز, وسوريٌّ من أعوانه وعلى منهاجه) قَبِلا أمر رئيسهما قولا ورفضاهُ فعلا. ولما فشلت المحاولة الثانية اضطررت إلى كشف عوارهم فشكوتهم إلى معالي وزير الشؤون الإسلامية (لولايته الأمر بفضل الله ثم بفضل دولة الدعوة, ولتميُّزه بحماية منهاج النّبوّة وأهله ومعرفته التّامة بخطر الفكريّين والحركيّين والحزبيّين على الإسلام والمسلمين وعلى البلاد والدّولة المباركة حفظها الله من شرهم)؛ فتوقّف الاعتداء حتى الآن.
ح) كنت أذكر وأشكر لله ثم للشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع على سبقه بالرّدّ على المحاولة الأولى والأشنع لنشر الشرك الأكبر (منذ القرن 13) في بيت الله الحرام من بلاد ودولة الدعوة إلى التوحيد والسّنة في كتابَيْ (الذخائر المحمدية) و (شفاء الفؤاد) بخاصة من مؤلفات محمد بن علوي المالكي الذي سمّاه زميله سفر الحوالي: (مجدّد ملة عمرو بن لحيّ) وكان ردّ الشيخ/عبد الله (وهو أحد كبار العلماء والمفتين منذ اللجنة الأولى للإفتاء) من أوّل وأشمل الرّدود المتتابعة على هذه الجريمة البشعة والمعصية الكبرى.
ولأنه من أكبر مؤسّسي الوقف (والمجلّة) أبديت له عَجَبِي وحَيْرتي وغضبي من إهمال المجلّة الناطقة باسمه نشر التّوحيد والسنة ومحاربة الشرك والبدعة منهاج النّبوّة الذي قامت عليه وتمّيزت به ـ وحدها ـ في القرون الثلاثة الأخيرة هذه البلاد والدّولة المباركة.
وكنّا في بيت الله الحرام في العشر الأواخر من رمضان فتحمّس جزاه الله خير الجزاء وطلب مني مقالات في هذا الباب وضَمِن لي نشرها, فقدّمتها له بعد يومين أو ثلاثة وانتظرت سنة وسنتين وثلاث سنوات, ولأني لا أتوقع لها أن تنشر (على وجازتها وشمولها وأدلّتها من الكتاب والسّنة) فليس جهل القائمين عليها هو عائقها الوحيد وفي المؤسسين أكثر من عالم أو طالب علم؛ سألت الشيخ/ عبدالله عن المقالات فأجاب بأنَّ أحد القائمين عليها رغب ألاّ تُنْشَر بحجة
(صوفيّة فكريّة حزبيّة معروفة): (أسلوب صاحب المقالات فيه شِدَّة).
هل قرأ راجي عدم النّشر (تجاوز الله عنه) شيئًا من المقالات؟ الجواب: لا, وهل قرأتها يا شيخ عبد الله؟ الجواب: نعم قرأتها, ولم أجد فيها شيئا من الشِدَّة، ولكنّ عبد الحميد الزامل نقل لي رغبة زميلي.
إذن, كيف يتحمّل عالم سلفي وِزْر الصّد عن سبيل الله بحَجِب بضع مقالات لمْ يَقْرَأها كُتِبَت بعد بضع عشرة سنة من الانحراف في مجلّته؟
وكيف يتحمّل عالم سلفي وِزْر المشاركة في هذا الصّدّ بحجب المقالات التي طلبها وَوَعَد بنشرها (بعد أن قرأها وأقرها) استجابةً لوسواس الشيطان وأعوانه؟ والاثنان مبرآن من الحزبية المبتدعة ولكنهما التقطا عدوى الجَرَب الحزبي بالمخالطة؛ ومن أمثلة هذا الجرب وصْم الدّعوة إلى التوحيد والسنة (وبالتالي نصوص الوحي والفقه في الدّين من أهله) بالشدّة وقد نفى الله الحرج في الدّين, كما وُصِم تجديد الدّين الأول منذ القرون المفضّلة أوّلاً: بالوهّابيّة وأخيراً: بالجاميّة وما هو إلا منهاج النّبوّة. (وتبيّن أنّ (ع.ز) كذب في نقله).
وليس في هذه المقالات التوحيدية غير آياتٍ محكمة وأحاديث صريحة صحيحة (بفهم فقهاء القرون المفضّلة المعتّد بهم)، وليس فيها نقل عن أئمة السنة بعد الأئمة الأُوَل، لا من كلام ابن تيمية ولا ابن القيِّم ولا ابن عبد الوهاب ولا ابن باز ولا الألباني (فضلاً عن أتباعهم مثل د. محمد أمان الجامي الذي لم أقرأ له ولم أسمع منه ولا نقلت عنه في حياتي حرفًا واحدًا لحرصي على الاكتفاء بمن سبق).
والحقيقة أن اغتصاب (أو اختراق في لفظ الأمير خالد الفيصل نصر الله بهم دينه وحفظهم قدوة صالحة) المؤسسة الإعلامية أو التعليمية أو الدعوية أو الإدارية القيادية بل سرقة التوحيد والسنة وأهلهما (في لفظ د. محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله) وسرقة منهاج النبوة والدعوة السلفية من أهلها ليس خاصًّا بمجلة الأسرة والقائمين عليها, وأن المنكوبين ليسوا هم مؤسسوا الوقف والمجلة وحدهم, بل تعمّ الكارثة أكثر المؤسسات والأفراد في بلاد التوحيد والسنة فضلا عمن دونها.
هدى الله الجميع لأقرب من هذا رشداً, وحفظ الله دينه (ودولة دينه وبلاده الوحيدة) من عبث العابثين وتحريف المحرفين والمخرفين وإفساد المفسدين.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن بن عبد العزيز الحصيّن تعاونا على البر والتقوى وتحذيرا من الإثم والعدوان. 1428هـ.
المصدر
المصدر