محاضرة مفرغة
التأصيــل في طلب العلـــم
لفضيلة الشيخ
محمد بن هادي المدخلي
حفظه الله
[شريط مفرغ]
بسم الله الرحمٰن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾ [الأحزاب:70-71].
أما بعد..
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .
أما بعد..
فإنه من دواعي السرور هذا الإجتماع مع إخواننا وأبنائنا في هذه الفترة الزمنية التي تُحسب عند الناس دقائقها فضلاً عن ساعاتها هذه الأيام فصل الإمتحانات وهي على الأبواب، وقد بدأ فيها آخرون في مراحل متقدمة.
ولعلَّ من المناسب لها أن نتكلم عن العِلم؛ لكن من زاويةٍ أخرى وقد طُرقَت؛ ولكن أحبُّ أن يكون الحديث فيها لتتجلى بقدر ما أستطيع أن أجلّي في هذا الباب، تِلكم القضية العِلمية في الطلب والتحصيل: هي قضية التأصيل التي نسمع الكلام عنها كثيراً، ولعلَّ الإخوة يشاركونني هذا، فإننا نسمع التأصيل، التأصيل، التأصيل، فأنا أقول: هذا الكلام في هذه القضية ألا وهي قضية التأصيل في الطلب والتحصيل، فإننا في هذا الوقت مع كثرة العوارض والصوارف عند بعض الناس التي [ثبَّطت] عن الطلب الحقيقي. والآن بهذه المناسبة؛ مناسبة كلمة "الطلب الحقيقي"، كثيرٌ من الناس يُدرج ضمن طلبة العلم؛ ولكن في الحقيقة إذا نظرتَ وإذا به أشبه ما يكون بالمُجالِس المُستمِع الذي يُفيد نفسه بالمُجالسة في هذه المجالس. أما الطلب الذي يُطلق على أهله الطلب فهذا قليل القائمون به.
فأقول: إنَّ قضية التأصيل في الطلب والتحصيل مهمة جداً؛ بل هي عَصَبُ العلم و قِوامه، هي عموده الذي يقوم عليه، وهي ذات شقين:
الشقّ الأول: في المحصول، ألا وهو العلم المطلوب المدروس.
والشقّ الثاني: المحصَّل عليه وهو المفيدُ لك، الذي تأخذ على يديه.
فأمَّا الشقُّ الأول: وهو الحصيلة العلمية: فهذه طالب العلم الحقيقي فيها الذي يُقال عنه "طالب علم"، ويستحق أن يُطلق عليه هذا اللقب، هذه لا تأتي إلا بعد جِدّ وإجتهادٍ و إتعابٍ للنفس بقطعها عن ملذاتها وشهواتها وما تميلُ إليه من الصوارف التي تُقلل الفائدة أو تَعدَم معها الفائدة، فإذا خلا من هذه الصوارف والشواغل والموانع وأقبل على الطلب فهذا الذي يستفيد.
والطلب هنا لابد أن يكون -معشر الإخوة و الأبناء- على المتون المُعتبَرة، وقد تُكلِّم في هذا كثيراً، ولن نتكلم عليه في هذه الناحية؛ ولكن أنا أؤكد عليه في ناحيتين أخريين:
هذه المتون المعتبرة التي هي أصول في الفنون كلها في أصول الدين و فروعه و علوم الآلة، هذه الكُتب المُعتبَرة لابد أن تحفظها.
والحفظ -يا معشر الإخوة والأبناء- في أبنائنا اليوم ضعيف إلا من رحم الله، ولهذا جاء الهُزال العلمي، فتجد طالب العلم الذي يُقال عنه طالب علم يصل إلى المرحلة الجامعية وهذا يجرُّه تارة يمنة وآخر يجرُّه إلى اليسار مرة أخرى؛ بسبب ضحالة حصيلته العلمية، فالمحفوظ يبقى، والمقروء يُنسى، والذي يبقى ولو كان قليلا نفعه عظيم؛ لأنه هو الذي يمكث فينتفع به الإنسان، والله -جل وعلا- قد ضرب لهذا مثلاً في كتابه العظيم، والنبي -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- كذلك ضرب له مثلاً، وهذه الأمثال تُضرب للناس؛ ولكن لا يعقلها إلا العالمون، فقال عن الماء الذي يمكث في الأرض بأنه هو الذي ينفع الناس -كما نعلم ذلك-، فأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، وهذه القلوب من بني آدم هي بمثابة الأرض للماء، و قد بيَّن ذلك رسول الله -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- في الحديث المشهور الذي نعرفه جميعا: ((مثل ما بعثني الله به من الهدى و العلم كمثل غيثٍ أصاب أرضاً ..))الحديث.
فالشاهد كما أن الأرض التي تُمسك الماء في جوفها تنتفع به و ينتفع منها الناس، هكذا العلم، علم الوحي الذي يستقرُّ في القلوب، يُحيي الله به قلوب العباد.
والله -سبحانه وتعالى- قد أشار إلى ذلك في كتابه المبين حينما رد على قريش سؤالهم أن ينزل هذا القرآن جُملة، قال الله -سبحانه وتعالى- ردا عليهم: ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾ [الفرقان:32].فثبات القلوب -يا معشر الإخوة و الأبناء- بحسب ما هو فيها من الوحي: نُثبت به فؤادك، هؤلاء يأتونك بالصوارف: ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾[الفرقان:33]، الآية الأخرى: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾ [الفرقان:32]، هذا قول من؟ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾.السرّ: ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾، فتثبيت الفؤاد بما يقع فيه ويستقر فيه وينزل فيه، والعلم الشرعي هو الوحي.
ما العلم إلا كتاب الله أو أثر ** يجلو بنور هُداه كل منبهم
فالوحي مكانه القلوب، فلابد له من حفظ، فلما ضَعُف الحفظ قلّت الإستفادة، وفي وقت أشد الحاجة إليها تفتقدها، فيأتيك من يصرفك يمنة و يسرة.
-وكما قُلتُ- تجد الطالب في الجامعة أو بعد تخرجه حتى من الجامعة؛ ولكن:
يوماً يمان إذا أبصرت ذا يمن ** وإن لقيت معدياً فعدنانـي
هذا يجره إلى اليمين، وهذا يجره إلى اليسار، لماذا؟ لأن القلب لا يوجد فيه الركيزة العلمية التي حصل بها تثبيت فؤاد النبي -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- في مقابل ما يورده عليه أهل الشبه، فالله إمتنَّ عليه في إنزال القرآن مفرقا منجماً، إمتن عليه بهذه النعمة مبينا له هذه الفائدة العظيمة:﴿لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾.
والنبي -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- حينما ذكر الطائفة الطيبة هي الأرض التي قبلت الماء، وفي رواية ... بالياء المثناة التحتية المثَقَّلة، فانتفعت ونفعت، انتفعت هي في نفسها فتزينت وأخرجت الروض الباسم المُشتمل على أنواع الخضرة التي تُبهج النفس، ورويت هي في نفسها واستبطنت شيئا في باطنها واستفاد الناس منها.
فإذا لم يكن محفوظ مفهوم مستقر في القلب تكشف به ما يرد عليك من جميع أنواع الواردات فإنك -ثق تماما أنك- ستبقى كالأرجوحة ما حييت، لا ثبات لك، والعلم هو الحفظ.
وَإِنَّمَا التَّعْلِيمُ بِالتَّعَلُّمِ ** وَالْحِفْظِ وَالتَّدْقِيقِ وَالتَّفَهُّمِ
و هذا قد قلناه عندكم و عند غيركم.
التعليم بالتعلُّم: ﴿وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل:78]، هذه آلات علم، يُكتسب بها العلم، فـ"لا" هنا: نافية ودخلت على المضارع وقال إنها تنفي الحال والإستقبال، و قد ردّ بعض المحققين عليهم بأنها: ليست نافية للإستقبال وإن نفت الحلال. فهذه الآية فيها نفي الحال و أما الإستقبال فلا.
وقد أورد هذا على من قال إن "لا" إذا دخلت على المضارع تنفي الحال و الإستقبال، هذه مسألة نحوية نخرج منها.
الشاهد: أن المحفوظ هو الأول، أنت تتعلم، إذا لم تكن حافظاً لما تتعلم وتجمع، ما الفائدة؟، متى ستجني؟، أنت تتعلم لتجني، والجنَى هو الثبات على الحق ومعرفة الهدى بدليله، هذا هو الحق، هذا هو العلم الصحيح.
العلم معرفة الهدى بدليله ** ماذاك والتقليد يستويانِ
والجهل داء قاتل ودواؤه ** أمران في التركيب متفقانِ
نص من القرآن أو من سنة ** وطبيب ذاك العالم الربانِ
والجهل داء قاتل ودواؤه ** أمران في التركيب متفقانِ
نص من القرآن أو من سنة ** وطبيب ذاك العالم الربانِ
فهذا الذي تستفيده و يقِرُّ في قلبك هو الذي تنتفع به.
أما إذا لم يكن الحفظ: فثقوا تماماً أنه لا إنتفاع، وإن حصل فهو قليل في جانب ما بُذل من الجهد، فلابد من حفظ المتون أولا: ورأسها كتاب الله -تبارك وتعالى-، ثم سُنة رسول الله -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم-، ولا أقلّ من ضبط آيات الأحكام وأحاديث الأحكام التي يحتاج إليها المسلم، فالتعليم بالعلم، والتعلم لا يكون إلا ببدايته الحفظ، والحفظ بالمداومة عليه و تدقيقه.
قال الله -جل وعلا- مبينا لنا حرص رسول الله -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- على هذا؛ على الحفظ: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ [القيامة:16]، فهذا الذي تستفده ويقرّ في قلبه هو الذي ...عليه: ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (1 ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ(19)﴾ [القيامة:18-19].
فالشاهد: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَه﴾ [القيامة:17]،فالجمع في الصدر هذا هو العلم، إذا لم تكن حافظا واعياً فجمعك للكتب لا ينفعك، فهذه المتون إذا لم تُحفظ لا فائدة منها، وهذا الحفظ إذا لم يُدقق خانك وقت الحاجة إليه، فلا بد من تدقيقه حتى يصبح مستقراً في القلب تصرف منه متى شئت، نعم.
أما الكتب فهذه للمراجعة وللبحث وللتصنيف، أما هداية النفس والإستدلال ومواجهة الناس وإفادتهم فهذا مما في القلب من المحفوظ. والكتب مَثلها مع طالب العلم وحاجته إليها أقول لهم بلغة العصر -أقول لأبنائنا- مثل: بطاقة الصرَّاف، إذا [كنت] أنت في مكان ولا صراف فيه والبطاقة ماتنفع شيء، فإذا كانت الكتب موجودة؛ لكن ماهي معك الآن؟ لا تنتفع بشيء، موجودة؛ ولكن ماهي معك حاضرة، فأنت لا تستفيد منها بشيء، ... بطاقة الصراف معك؛ لكن الصراف ما في؟ ما تستفيد منها في شيء، فهذا الكتاب الذي ليس معك فانتظر حتى تمر من أقرب صراف فاصرف منه، وها أنت فقير؛ لكن عند الصراف غني، وبُعدك عن مكتبتك إذا لم تكن حافظاً فقير، وإذا كانت قريبة منك غني فلابد من الحفظ. هذه الكتب المـُعتبرة لا بد من حفظها و إتقانها حتى تكون مُستَحضَرة معك متى شئت.
ونُجْمِل ولن ندخل في تفاصيل هذه الكتب؛ لأننا قد تكلمنا فيها عندكم أنتم بالذات أكثر من مرة، فلابد من الكتب المعتبرة في الفنون أن يُعمل معها هذا العمل من حفظها و تدقيقها. فتكون جاهزة معك مستحضرة أينما كنت و حيثما كنت و متى شئت.
الشق الثاني: هذه الكتب المُعتبرة تفيدك في شيء آخر وهو: أن الكتب غير المُعتبرة عند العلماء في جميع الفنون إذا ورد منها شيء عليك أو نُقل منها وسألتَ من نقل عن المصدر وإذا بك تعلم أن هذا المصدر ماهو مُعتبر.
المُعتبَر: يُقصد به المُعتمد، فهناك كُتب تشارك هذه الكتب في إحتوائها للأبواب؛ لكن ما هي مُعتبرة: إما لكونها غير محررة ومحكمة التحرير، أو لكونها غير جامعة؛ بمعنى أن العلماء إنصرفوا عنها إلى هذه الكتب التي ذكرتها ولم يعتمدوها لأمر من هذين الأمر[ين] أو لهما جميعا:إما ان تكون هذه الكتب غير محررة، وإما أن تكون غير وافية، فيها نقص؛ فلذلك سبر العلماء فقالوا: هذه كتب مُعتبرة وهذه كتب غير معتبرة، فأنت حينما تأتي إلى الكتب المعتبرة، ما يلقى ويؤتى به إليك من غير المُعتبرة تكشفه على طول، ما عليك لأنك أخذت من المعتبر، ويوفر الجهد كما ذكرنا أيضا سابقا.
هذه الكتب المعتبرة المحررة اعتنى بها العلماء؛ لأجل ذلك تُوفر عليك الوقت؛ لأن العلماء اعتبروها بعد ما سبروها أو سُبرت لهم ممن قبلهم بوضع الشروح والحواشي عليها فأنارت، فالتعب فيها قليل، والكشف عن المراد فيها سريع، بخلاف غير المعتبر، فأنت حينما تأتي إليها تجد العلماء إنصرفوا عنها ولم يشرحوها ولم يعولوا عليها في تجليسهم، لا طعناً فيهم؛ ولكن لأنها لا تؤدي الغرض الوافي، وهم إنما أرادوا أن يقدموا لنا هذه الهبة الثمينة الكاملة من جميع الجوانب فقدموا لنا هذه الكتب.
هذا الجانب الأول، فاحرص أخي؛ ابني طالب العلم على هذه الكتب ولا تتعداها.
و اليوم لعلكم ترون، تأتينا كتب ما سمعنا بها. فلعل قائلا يقول: أنا أسألك: ماهو الضابط في كون هذه الكتب معتبرة؟
وهذا سؤال وجيه لابد من الجواب عليه: هناك ضابطان في كون الكتاب معتبر:
الإعتبار العام أو الإعتبار الخاص.
إما أن يكون إعتبارا عام، وإما أن يكون هذا الإعتبار خاصًّا.
فالإعتبار العام: أضرب لكم مثال: كاعتبار الورقات في أصول الفقه، كاعتبار ألفية ابن مالك والأجرومية في النحو،عند الجميع تجد العمدة في النحو على هذا، عند الثلاثة -اتباع المذاهب الثلاثة- لا يستنكر المالكي أن يدرس في الورقات، والشافعي أن يدرس في الورقات، والحنبلي يدرس في الورقات؛ لأن الأصول متقاربة واحدة، فتجد شروح أتباع المذاهب على الورقات وصاحبها شافعي، تجد شروح جميع المدارس النحوية لابن مالك؛ مع أن ابن مالك مدرسته مدرسة متميزة على نحو مدرسة أهل الـ[...].
فالشاهد: إما أن يكون معتبراً عموماً عند جميع العلماء بإختلاف الأزمان والأوطان.
وإما ان يكون إعتبارا خاصًّا: وهذا الإعتبار نقصد به إعتبار أهل قُطره لكتبٍ معينة فتتلقى عليهم الكتب المعتبرة عندهم، فإذا إنتهيت ارحل. و هذا الذي يقوله السابقون: يبدأ بأهل بلده -طالب العلم- و يحصِّل ما عندهم، ثم يرحل بعد ذلك في طلب المزيد.
فهذه الكتب التي اعتبرها الناس -نعني بهم أهل العلم-: إما الإعتبار العام في جميع الأزمنة والأمكنة، أو الإعتبار الخاص، هذا الكتاب هو المعتبر عند أهل هذا الإقليم أو أهل هذا القطر، فأنت تأخذ عليهم كتبهم المعتبرة في العلوم الشرعية؛ لأنهم قد تواردوا عليها وشرحوها وحققوها ومتنوا هذه المتون وحشوا عليها وبينوها غاية البيان.
فتأتي الآن تنظر وإذا بنا في هذه الآونة الأخيرة تأتينا كتب غير معتبرة ولا محررة، وتأتي عليها الطامة الثانية، وهي الشق الثاني: وسندخل إليه ألا وهو المفيد المدرس، فإن المحصول والثمرة التي نحصلها من هذه الكتب المعتبرة المحررة عند العلماء وفير، وذلك -كما قلت قبل قليل- أن العالم يوضحه لك ويبينه لك، وما فات على هذا العالم تحصله عن العالم الأخر في الدرس الثاني، إذا كنت قرأت الكتاب على أكثر من عالم، وما فاتهما تجده في الشروح، تُعينك، ترجع إليها، هذه الشروح المُيسرة المهيأة.
أما الحال الثانية أو الشق الثاني: ألا وهو المفيد المحصَّل عليه، فنحن الآن نرى العجائب مما يُنقل ويُسمع، فتجد هناك من يتنكر لكتب العلماء في الفنون أو في فن معين مخصوص وينسفها نسفاً،كتب محررة معتبرة، وعند العلماء مقررة، فيأتيك الآتي في هذه الأزمان ويقول: "هؤلاء كتبهم غير صحيحة و فيها خلل"، طيب من الذي ما بلغنا وهو معتبر وضاع علينا وما وجدناه؟ لا يستطيع أن يأتي لك بواحد من العلماء.
وإذا به هو ابن بلدتها هو ابن جلا وطلاع الثنايا كما قال الشاعر، متى يضع العمامة تعرفه، و إذا به حينما يتكلم لا يرضيه لا الحافظ ابن حجر ولا الحافظ العراقي ولا الحافظ ابن العراقي ولا الحافظ بن سيد الناس ولا الحافظ ابن دقيق ولا الحافظ ابن دقيق العيد والحافظ الذهبي ولا الحافظ ابن كثير ولا الحافظ البغدادي ولا الحافظ فلان، ما ... فين منهج المتقدمين؟، ما هو منهج المتقدمين؟؛ بل الصحيح ماهو؟؛ لأن ما منهج فهو لا تدخل عليه ما، ما منهج المتقدمين هذا؟، من هم المتقدمون؟، عدّدهم. قلتُ: يا الله العجب، حينما تعدد مثل هؤلاء تأتي إلى (الكفاية) مثلا في فنٍّ واحد، نتحدث عن أصول الحديث، (الكفاية في فنون الرواية) للحافظ الخطيب البغدادي، وإذا به تنظر فيه وهو مُحصَّل كلام أحمد وابن معين وابن المديني والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وكلام هؤلاء، مُحَصَّله كلام هؤلاء؛ بل أسماؤهم مذكورة فيه ومنقولة عنهم، فهذا جَمَع كلامهم وجاءك به، لا يُرضيه بعض الناس هذا، ويريد أن يأخذ هو من المتقدمين، ولا يستطيع أن يقف على عشر ما جمع الخطيب أو عشر معشاره، وجاء به في كتبه المتناثرة، الذي قال فيه الحفاظ: "كل من أنصت ونظر علم أن الناس عالة على كتب الخطيب في علم الحديث، وما من باب إلا وله فيه مُصنف مستقل"، ما من فن من الفنون إلا وله فيه مصنف مستقل، فهو جامع لكلام هؤلاء المتقدمين، وجاء به في هذا الكتاب، وقعّد القواعد عليه، فيأتيك مثل هذا في هذا الزمن ويقول: "هذه الكتب غير محررة"!، تعاقب عليها الحفاظ جيلاً بعد جيل، وعصراً بعد عصر، وقرناً بعد قرن حتى وصلت إلينا وإذا بهؤلاء يطلعون بين ظهرانينا فيقولون مثل هذا الكلام، فانظر وإذا نتاجهم لا شيء إلا شيء واحد، إلا شيء واحد: التشتيت (بالتاء)، بعثرة الجهود، والتشكيك؛ التشكيك في العلوم المكررة.
تشتيت للجهود: يريدون أن يأتوا بعلوم جديدة ومناهج جديدة، وتشكيك في هذا العلم الذي انتهى إلينا، واستمر عليه الآن العلم جيلا بعد جيل وقرنا بعد في جميع الأقطار والأمصار، على إختلاف الأ...، هؤلاء حينما يتكلمون بزخرف القول وببهرجه عند من ليس عنده الأصول المستقاة من هذه الكتب المعتبرة، أليسوا يصرفونه ويشككونه؟ بلى، صح و لا لا يا إخوان؟ حينما يأتون عند من لا حصيلة عنده ويلقون عليه مثل هذا الكلام، يستطيع يرد عليهم ولاّ ما يستطيع؟ ما يستطيع، يُشككونه ولا لا؟ فإذا شككوه جاءهم سائل متحير، وجهوه، إلى أين؟ إلى ما يضيع عليه جهده و يشتته، لا كتاب، تلقى بس علينا نحن، هذه الجهود لا قيمة لها؛ لأنه مشكوك فيها. فالتشكيك أودى بهم إلى التشتيت، فشتتوا طلبة العلم؛ وهذا بسبب -كما قلت- الذهاب إلى أمثال هؤلاء، وهو العمود الثاني أو الشق الثاني وهو المحصَّل عليه.
إذن فلا بد مع هذه المتون المعتبرة أن تأخذها على مُعْتَـبَر، و ما كل من تصدى يقال عنه إنه معتبر، ولا كل من برز يقال عنه إنه متأهل، فقد يبرُز بالشذوذات، وهذا الآن في هذا الزمن للأسف الشذوذ عند كثير من المغرورين المخدوعين بهؤلاء هو العلم، يأتوكم بما لم تعرفوه و بما لم تسمعوه من آبائكم و لا مَن قبلهم، هذا هو العلم عند من قلّ نصيبه من العلم في هذا الوقت.
فلأجل ذلك نوصي ونُنبه على هذا الشق الثاني المهم: ألا وهو أخذ هذه الكتب المعتبرة على المعتبرين، فما كل من جلس يؤخذ عليه، ولا كل من تكلم يُسمع منه؛ حتى يتوافر فيه شرطان:
إما أن يحصل له التزكية من العلماء المعتبرين بأنه مؤهل: بأن يؤخذ عليه أو يشتهر ويشيع بين الناس ذلك عنه شيوعاً واسعاً بحيث يعرف الناس ذلكم الشيخ ويعرفون الفائدة منه، فهذا الذي تُؤخذ عليه هذه العلوم، يقول مالك -رحمه الله-: "أدركت سبعين في هذا المسجد -يعني مسجد النبي -صلّى اللهُ عليهِ و سلّم-، وكلهم لو وضع على بيت المال لكان أميناً، ولو آخذ عنهم، فلما قدم علينا ابن شهاب إبتدرناه، -أو قال- تسابقنا إليه؛ لأنه من أهل هذا الشأن يدري"، هذا الشأن يعني علم الحديث.
فالشاهد: ما كل من أنتسب إلى العلم أو قعد للتدريس فهو أهله، فكما أن الطلبة متفاوتون كذلك المدرسون بينهم تفاوت، فهذا متوسط وهذا قوي وهذا ضعيف، وأنتم الآن ترون في واقعنا الحالي العملي التربية التعليمية المدرسون الذين يقومون بتدريس أبنائنا في المدارس الحكومية، أليس يمر عليهم المقوِّمون بين فترة وأخرى؟ ألا يمر عليهم هؤلاء الذين نسميهم نحن إيش؟ موجهين، ولا ما يمرون على المدرس ويرون تدريسه ويقوِّمونه؟ يمرون، فأحيانا بعض المدرسين يوصون بحجبهم عن التدريس؛ لكن بأدب، يقولون هذا يُرفع إلى الإرشاد الطلابي، يُرفع إلى كذا، لأنه لا يصلح ان يباشر العملية التعليمية، تفقيه أبنائنا و تثقيف أولادنا.
فالشاهد: هكذا قد يكون في المدرسين من هو ضعيف، فالمقصد هؤلاء إذا حصل للإنسان أن يقرأ عليهم فلا يتوانى وعليه أن يُبادر؛ لأنهم اليوم أحياء وغداً أموات، فإذا فرّطت ...، فإن هؤلاء العلماء هم المعتبرون، وهم الذين يفيدونه في هذه الكتب المعتبرة، فإذا حصّل عليهم فقد حصل الفهم الصحيح، وحينئذٍ يجتمع الحفظ وتدقيق الحفظ والتفهم الصحيح في هذا المحفوظ، فإذا حصل الحفظ والتدقيق والتفهم، وهو الذي أشرنا إليه سابقا، فهذا -يا معشر الإخوة والأبناء- يصعب أن يحرف صاحبه، ويصعب أن تجد صاحبه خراجا ولَّاجا كل يوم في مكان؛ بل تجده ثابتا ثبات الجبال، فعلمه الشرعي مؤَصَّل حقيقة، هذا هو التأصيل؛ لأنه أخذ بأصول معتبرة في جميع الفنون على أهلها المعتبرين، وسلك فيها الطريقة المعتبرة.
والطريقة المعتبرة -كما قلنا-: حفظ، تدقيق للحفظ، وتفهم فيه على أيدي هؤلاء العلماء المعتبرين تفهما كاملا؛ بحيث إذا جاءت هذه الشُّبه وهذه الأقوال الشاذة المنكَرة في أي جانب كانت في الأصلين أو في الفروع؛ بل وحتى في الآلات، إذا وردت عليه تجده لا يستمع إليها؛ لأنه على ثقة مما هو عليه، على ثقة مما عنده، على ثقة مما حصَّله، على ثقة ويقين مما هو عنده من رأس ماله المخزون، ثم ما يضره بعد ذلك أن يزداد و ينمي فيزيد الشيء إلى الشيء، و يضم الشبيه إلى الشبيه، و النظير إلى النظير، فيقبل الأصيل وينفي الدخيل، هذه هي حقيقة خلاصة التأصيل العلمي الذي نسمع الآن الكلام الكثير فيه والخبط والخلط العجيب فيه.
فأعود مرة أخرى وأحث نفسي وإخواني وأبنائي على رأس المال الذي يؤسَّسُ عليه هذا كله ألا وهو: الحفظ، فالله الله في الاعتناء بالحفظ؛ فإن الحفظ هو أساس العلم، فإذا لم يكن فلا علم؛ لأنه حينئذٍ لا يكاد يقرّ في قلبك شيء من هذا العلم، وما سمعتَ -كما قلنا- يُنسى، وأما الذي يُحفظ فهذا الذي يبقى و لو كان قليلا، فمن حفظ قليلا أنتفع كثيرا، ومن قرأ كثيرا انتفع قليلا؛ وذلك لأن الحفظ يقِر، والمقروء يفر، وأسأل الله -سبحانه و تعالى- أن يفقهنا و إياكم.
فالفقه: هو الثمرة التي لأجلها نحفظ هذه العلوم، وهو الذي مدح النبي -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- صاحبه بقوله: ((من يُرد الله به خيرا يفقه في الدين))، و الخير بإتيانك للخير وفعله وتجنبك للشر، فمن وُفِّق للفقه في دين الله الذي هو ثمرة هذا المحفوظ فقد وُفق لخير كثير، والفقه مُدح صاحبه من النبي -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- [في] قوله: ((من يُرد الله به خيرا))، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((بلغوا عني ولو آية))، وقال : ((رُبَّ مُبلَّغٍ أوعى من سامعٍ))، وقال: ((رُبَّ حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)).
فالدرجة الثالثة هنا هي العليا: ((من هو أفقه منه))، والثانية دونها، والثالثة [أي الأولى: حامل فقه] لها أجر الحمل، فإذا لم يكن حاملا فلابد أن يصيبه -إن شاء الله تعالى- أجر تحمّله للسنة وحفظه لها حتى يؤديها؛ لكن إذا لم يكن فقيها:
كالعير في البيداء يقتلها الظمأ ** والماء فوق ظهورها محمول
فأعلى الطوائف هي التي جمعت بين الحفظ والفقه والفهم، وتليها الثانية، وتليها الثالثة.
فنرجو أن نكون وإياكم من المشمرين المسابقين للوصول إلى الدرجة الأولى التي هي درجة الفقيه المتبصر.
وأنتم اليوم ترون كما نرى نحن ما أكثر المتكلم و ما أقل المعلم في الحقيقة، المعلم الذي قال الله -جل وعلا-: وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ، فالواجب علينا أن نعتني بهذا في أنفسنا وأبنائنا وإخواننا؛ لأننا نحس الآن بالفقر يدبّ؛ بل يسعى وقد قطع شوطا كبيرا، فإن العالم يموت ولا يوجد من يسدّ مسدّه؛ ولأجل ذلك كثر هؤلاء النشاز أصحاب أصوات النشاز في زمننا وأصبحوا يتكلمون في هذه الآونة؛ مع أنهم قبل مدة قريبة لم يكن لهم ذكر ولا صوت، وهذا من علامات بوادر الشر -نسأل الله العافية والسلامة-، و أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يحفظنا بحفظه، وأن يجنبنا وإياكم مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يوفقنا جميعا لكل خير، وأن يصرف عنا وعنكم وجميع إخواننا المسلمين كل شر، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
xxxxx
الأسئلة:
· هذا أول سؤال بعد موافقة الفريق عليه، يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فضيلة الشيخ: هناك من خرج في القنوات يقول عن تنظيم القاعدة لا يُنكر أحد أنه تنظيم سني، فهل هذا التنظيم وصاحبه بما يحمله من فكر منحرف مازال من أهل السنة؟
الشيخ: يُمكن السنة التي في ذهنه هو؛ لأن لكل إنسان فهم لسنَّته التي يعتقدها، فجميع أهل الأهواء يسمون أنفسهم أهل السنة ويذمون أهل السنة الحقيقيين، فهذا لعله خارجيٌّ، والخوارج عنده هم أهل السنة، وإلا فهذا التنظيم الذي يسمى تنظيم القاعدة هم خوارج هذا الزمان تجمعوا من ال... من جميع بلدان المسلمين تمردوا على أهليهم وعلمائهم وأوطانهم وآووا إلى هذا، فجاءت هذه النتيجة التي نرى، ولا أظن نحن بحاجة إلى أن نتكلم أكثر في هذا الامر لأنه أمر [ش...].
· هذا يسأل عن رجل أيضا في القنوات الفضائية يمدح أئمة الضلال مثل ابن عربي ويعيب على العلماء الذين كفروا ابن عربي وإلى آخر ذلك ويقول عن السلفية إنها مرحلة زمنية.
الشيخ: أقول: إذا رأيت الإنسان على هذه الشاكلة أو على هذا النحو من القول فاعلم أنه مع من مَدَح:
عن المرء لا تسأل و أبصر قرينه ** فكل قرين بالمقارَن يقتدي
فهذا مادام يمدح ابن عربي وابن سبعين وابن سينا والفرابي وأمثالهم فهو على شاكلتهم؛ لأن القلوب يأوي بعضها إلى بعض، ((الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها أختلف)).
أما ابن عربي فأمره عند أهل السنة والجماعة أشهر من أن أنبه عليه، وأنتم -لله الحمد- كلكم طلبة العلم في هذا المجلس وأمره معروف عندكم -إن شاء الله-، فابن عربي زعيم دعاة وحدة الوجود -نسأل الله العافية والسلامة- صاحب كتاب (فصوص الحِكم)، وقال شيخ الإسلام: "فصوص الكفر والزيغ والزندقة"، فهذا هو ابن عربي و(تنبيه الغبي) للزركشي معروف فيه، كتاب (تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي) معروف فيه، فمن أراد أن يقرأه فليرجع إليه، وهو مطبوع في السوق، فمقالاته الكفرية أشهر من أن تُذكر.
فالشاهد: أن الذي يمدح من كان على هذه الشاكلة فلا شك أنه مثله، فالواجب أن يُحذر ولا يُلتفت إلى كلامه، ومن خُشي عليه أن يغتر به يُحذَّر و يُبين له من هم هؤلاء الذين يمدحهم، فإذا عرفهم الناس عرفوا أنه لا يمدح حينئذٍ أصحاب خير واستقامة، والقلوب -لله الحمد- ستنقلب وتنجفل عنه -بإذن الله تعالى-.
· وهذا يقول: ظهر رجل في القنوات -أيضا السؤال كله عن القنوات اليوم- يستغيث بالرسول -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم-، ويقول: الأولياء يتصرفون في الدنيا و الآخرة.
الشيخ: هذا كُفر إلى آخر الهذيان الذي ذُكر عن الرجل القائل بهذه المقالات الذي في القنوات هذه التي أشار إليها السائل، من زعم أن الرسول يتصرف في الدنيا والآخرة فهو كافر بالله العظيم، حتى أبو جهل وأبو لهب ما زعموا هذا على كُفرهم -فنعوذ بالله من الضلالة-، وهذا الأمر أشهر من أن يُقرر ويُستدل عليه عند أهل الإسلام فضلا عن أهل السنة فضلا عن طلبة العلم من أهل السنة ولله الحمد فهذا لا يُنظر إليه.
· وهذه مستمرة كأن الأوراق كلها صاحبها واحد: أيضا في القنوات يقول: ظهر رجل في القنوات وله أشرطة ويقول إن إبليس لم يكفر بالله!.
الشيخ: إذن أين يكون؟!، كَذِبَ و رب الكعبة، وهذا القرآن يقرؤه الصغار قبل الكبار والصبية والنساء وحتى بعض العجائز الذين عرفناهم من لا يكتبن بقلم في ورقة ويحفظن القرآن، يقرؤون القرآن ويردون على هذا الكذاب هذه الدعوة، و يُخشى على هذا؛ بل هذا كفر لأنه كذَّب القرآن، قائل هذه المقالة مكذب للقرآن رادٌّ على الله -تبارك وتعالى- فعليه أن يتوب إلى الله -سبحانه وتعالى-، ومثل هذا يجب على كل من عرفه أن يهتك ستره وأن يبين أمره؛ لأن السكوت عليه لا يجوز محرم، فبعض الناس لا يأتيهم بالمواجهة الصريحة هكذا أمثال هؤلاء المضللين وإنما يُلبسون عليهم بزخرف القول فيظنهم الناس على شيء وهم رؤوس في الفتنة والظلام -نسأل الله العافية و السلامة-.
· هذا يسأل عن حال الطالب مع المدرس، يقول: نحن نحضر دروس أهل العلم سواء كانت الفجر أو المغرب وغيره، والسؤال الذي أريده ونحتاجه هو: أن الشيخ يستمر في الدرس ساعة إلى ساعة ونصف وهو يشرح ويتكلم، ففي هذه الحالة: ما الأمور التي يكتبها الطالب ويُسجلها لأن الحديث كثير؟
الشيخ: نعم، الذي يتعلق أولا بمتنك:
- بالمتن الذي تقرؤه من فكِّ عبارة إذا كانت العبارة عندك مغلقة يعني ما فهمتها، هذا يُكتب.
- إرجاع ضمير يختلف العلماء الشراح في هذا المتن فيه، وهذا العالم عندك الذي درست عليه من المتمكنين ومن المحققين فإنك تحتاج إلى كتب ذلك عنه؛ لأن علمه معتبر وفقهه أمتن، فأنت تحرص على مثل هذا عنه.
- كذلك في الاحترازات التي تَرِد على عبارة الشارع الملفوظة أو المفهومة.
- كذلك تكتب -ما كان منها مقرر عندك فلا تكتبه، ماكان منها واضحا فلا تكتبه-، وما جاءك من غريب أو أول مرة يجدّ عليك أو تخشى أن تنساه فاكتبه، وهذا يرجع إلى شيء و هو أنه ينبغي للمستفيد أن يمر مروراً خفيفا على الدرس قبل أن يأتي إلى مجلس الشيخ، فيكون حينئذٍ متصوراً، وربما بمروره هذا؛ بل إن شاء الله أكيد بمروره على الدرس ينق في ذهنه ما يُشكل فهذا الذي يحتاج أن يكتبه، وما كان واضحا فهذا لا يكتبه؛ لأن كُتب الشروح موجودة على هذه المتون و أنت تكتب المهم المحتاج إليه، النقطة البديعة و الجديدة تكتبها، نعم.
والحمد لله أيضا في هذا الزمن ليس كالسابق قد يسّر الله أدوات للتسجيل، متى كانت معك الآلة هذه تكون مسجلة وتحفظ عليك كل شيء، وأنت بعد ذلك راجع، فما احتجته مما فات كتبته.
· وهذا يسأل يقول: ما رأيك في الذهاب مع شباب لا يعرفون شيئا في المنهج السلفي وإذا تكلمت قالوا لا تفرقنا... ؟
الشيخ: يعني الحمد لله الذي ساقك إليهم، رأيي أن تُبين أنت لهم، فإن الله قد ساقك إليهم غنيمة باردة، إذا كان عندك علم فبين لهم الصواب في مثل هذا الباب، فإذا وجدت عندهم جهلا بسيطا يعني سهل أجبتهم؛ ولكن المشكلة في الجهل المركب، فإذا وجدت فيهم الجاهل المركب فحاول أن تزيل عنه الشبه التي رُكِّبت في عقله ولم يعلم كيف يردّ عليها فيظن أنه يدري، ولا يدري أنه في الحقيقة لا يدري، هذا هو الجهل المركب، وأنت بحاجة إلى ان تتعب معه قليلا و أحتسب الأجر، ثم إذا جاءت الثالثة وهي: المعاندة، هذا صاحب هوى، فالله -سبحانه وتعالى- قد نصَّ على ذلك في كتابه في قوله: ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[القصص:50]، هذا صاحب هوى، فإذا كان مع هؤلاء فعليك أن تحذرهم منه ومن مجالسته ومصاحبته ليسلموا بذلك.
· وهذا يقول: إذا كان المدرس طالب علم سلفي ولكنه في عمر ليس بعمر العلماء وسمى المشايخ الكبار فهل يحضر طالب العلم له، نرجو التوضيح في هذه المسألة التي نعاني منها.
الشيخ: أقول: نعم، هذا الجواب فيه تحتاج إلى تفصيل -إن شاء الله- يسير، فهذا لا يخلص الطالب من أحد حالين:
الحال الأولى: أن يكون أصغر منه سناً وعلماً: فمثل هذا يحضر عليه؛ لأنه قد يتسنى له عنده ما لا يتسنى له عند الكبار، وإذا حضر عليه -بإذن الله تعالى- هو وأمثاله يهيئونه للعلماء الكبار ويحثونه على العلماء الكبار؛ لأن الناصح لأبنائه يحب لهم الخير فيحب أن يساووه، ما في في الدنيا شخص يحب من دونه أن يساويه أو يفوقه إلا ...،وما عداهم -حتى أخوك- لا يقبل، وهو أخوك لا يرضى أن تساويه، أخوك لا يرضى لك أن تساويه، هذان الرجلان هما الوالد والمعلم، فالوالد يحب لك أن ترتفع؛ ولأنك إذا ارتفعت نُسبت إليه يُقال هذا ولد فلان فيفخر بك ويفرح بك؛ لأنه يرى ثمرته فيك، فالذي يرى ثمرته فيك هذا ما يحسدك وكذلك المعلم.
فطالب العلم السلفي يدل أبناءه و إخوانه الذين تربوا على يديه وتعلموا عليه وطلبوا عليه في صغرهم يدلهم على العلماء؛ لأنه يحب لهم العلوم، ويحب أن يشركهم معه من أخذ عنهم هو ماداموا أحياء، إذا رأى أن ما عنده ... أو أن هؤلاء بحاجة أن يتبحروا ويغرفوا من البحار قال: "عليكم بالعلماء، أدركوهم قبل أن يموتوا"، أولئك لا يقولون: "ماتروحون لهم، ما يصلحون لكم، ما يناسبكم مستواهم".
أما طالب العلم السلفي والمدرس السلفي يقول: "لا يفوتونكم هؤلاء إليهم هلموا"، أولئك يقولون: "لا، لا تذهبوا، هم أكبر من مستواكم"؛ لماذا لأنهم يخشون على أنفسهم؛ لأنكم إن ذهبتم لهؤلاء العلماء طرحتم عليهم ما طرحوه هم عليكم ...، وبالتالي لا يحبون لهم الذهاب إلى أهل العلم.
أما السلفي: فلا، يحب لأبنائه الخير، فإن نُقل عنه ما هو خطأ وجاؤوا إليه بأن العالم الفلاني خطّأ هذا القول فرح بأن الله جعل له من يهدي له هدية ولو كان دونه، فإن هذا من نفع الأبناء ومن نفع التلاميذ أن يدلوهم على المرجوح و على الخطأ، فهذا يفرح به.
أما من سواه: فإنه لا يفرح به؛ لأنه لا يريدك أن تخرج من بين يديه؛ لأن الأصل عندهم ليس هو التعليم وإنما الأصل عندهم -نعوذ بالله- الاسترقاق، كأنك مولى لهم مُنفِّذ لأوامرهم، لا يريد منك أن تذهب إلى غيره.
مثل هذا السلفي -كما قلت لكم- هذا واحد.
الثاني: إذا كان الطالب مساوٍ: فمجلسه مع هذا الأخ المدرس السلفي طالب العلم، مجلسه معه مُذاكرة، والمذاكرة معروفة عند السلف، تفيد، قد تكون أقل مني بسنة أو بسنتين وعندك من الفوائد ما ليس عندي، فإذا جلسنا للمذاكرة أنت تفيدني وأنا أفيدك، فهذا الذي أقول.
ولعلنا به نختم، والله أعلم.
وصلّى اللهُ وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.
انتهت المحاضرة بحمد الله
xxxxx
لمزيد من الإستفادة:
يُرجى مراجعة محاضرة (طلب العلم في زماننا وزمان من قبلنا) للشيخ محمد بن هادي –حفظه الله-
رابط تحميل المحاضرة مفرَّغة من هنا
http://www.ajurry.com/vb/attachment.php?attachmentid=12818&stc=1&d=13121559 72
جزا الله خير الجزاء من قام بتفريغيها
http://www.ajurry.com/vb/attachment.php?attachmentid=12818&stc=1&d=13121559 72
جزا الله خير الجزاء من قام بتفريغيها
تعليق