ورد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة، يعني ريحها" رواه أبو داود.
قال ابن رجب رحمه الله على هذا الحديث:
سبب هذا والله أعلم أن في الدنيا جنة معجلة وهي معرفة الله ومحبته والأنس به والشوق إلى لقائه وخشيته وطاعته، والعلم النافع يدل على ذلك فمن دله علمه على دخول هذه الجنة المعجلة في الدنيا دخل الجنة في الآخرة ومن لم يشم رائحتها لم يشم رائحة الجنة في الآخرة، ولهذا كان أشد الناس عذاباً في الآخرة عالم لم ينفعه الله بعلمه وهو من أشد الناس حسرة يوم القيامة الحديث حيث كان معه آلة يتوصل بها أعلى الدرجات وأرفع المقامات فلم يستعملها إلا في التوصل إلى أخس الأمور وأدناها وأحقرها فهو كمن معه جوهرة نفيسة لها قيمة فباعها ببعرة أو شيء مستقذر لا ينتفع به، فهذا حال من يطلب الدنيا بعلمه، بل أقبح وأقبح من ذلك من يطلبها بإظهار الزهد فيها فإن الزهد فيها فإن ذلك خداع قبيح جداً.
وقال رحمه الله: النوع الثاني من يطلب بالعلم والعمل والزهد الرئاسة على الخلق والتعاظم عليهم وأن ينقاد الخلق له ويخضعون له ويصرفون وجوههم إليه وأن يظهر للناس زيادة علمه على العلماء ليعلو به عليهم فهذا موعده النار، لأن قصد التكبير على لخلق محرم في نفسه. فإذا استعمل فيه آلة الآخرة كان أقبح وأفحش من أن يستعمل فيه آلات الدنيا من المال والسلطان.
انتهى.
وعن كعب بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار" رواه الترمذي وغيره. قال شيخ الإسلام رحمه الله: كثير من طلبة العلم ليس مقصودهم به إلا تحصيل رئاسة أو مال ولكل امرئ ما نوى، وأما أهل العلم والدين الذين هم أهله فهو مقصود عندهم لنفعه لهم وحاجتهم إلي في الدنيا والآخرة، ولهذا تجد أهل الانتفاع به يزكون به نفوسهم ويقصدون فيه اتباع الحق لا اتباع الهوى ويسلكون فيه سبيل العدل والإنصاف ويحبونه ويتلذذون به ويحبون كثرته وكثرة أهله وتنبعث هممهم على العمل به وبموجبه وبمقتضاه، بخلاف من لم يذق حلاوته وليس مقصوده إلا مالاً أو رئاسة فإن ذلك لو حصل بطريق آخر لسلكة وربما رجحه إذا كان أسهل عليه.
وقال: وأكمل أنواع طلب العلم أن تكون همة الطالب مصروفة في تلقي العلم الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم وفهم مقاصد الرسول صلى الله عليه وسلم في أمره ونهيه وسائر كلامه واتباع ذلك وتقديمه على غيره، وليعتصم في كل باب من أبواب العلم بحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحيحة الجوامع. انتهى.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
والجهلُ داءٌ قاتِل وشِفاؤُهُ أَمْرَانِ في التَّركِيْبِ مُتَّفِقَانِ
نَصٌ مِن القرآنِ مِن سُنَّةٍ وَطَبِيْبُ ذَاكَ العَالِمُ الرَّبَّانِي
والعِلْمُ أَقْسَامٌ ثلاثٌ مَا لَها مِن رَابِعٍ والحَقُّ ذُو تِبْيانِ
عِلُمٌ بأوصافِ الإلَهِ وفِعْلِهِ وكَذلِكَ الأَسْمَاءِ لِلرَّحمنِ
والأَمْرُ والنهيُ الذي هُوَ دِيْنُهُ وَجَزَاؤُهُ يومَ المَعَادِ الثَّانِي
والكلُّ في القُرآنِ والسُّنَنِ التِي جَاءَتْ عن المَبْعُوثِ بالفُرقَانِ .
وقال بعضهم: واعلم أن للتعلم ست مراتب: أولاً حسن السؤال، ثانيهاً حسن الإنصات والاستماع، ثالثاً حسن الفهم، رابعاً الحفظ، خامساً التعليم، سادساً وهي الثمرة العلم به ومراعاة حدوده.
وحرمانه يكون بستة أوجه: أولاً ترك السؤال، ثانياً سوء الإنصات وعدم إلقاء السمع، ثالثاً سوء الفهم، رابعاً عدم الحفظ، خامساً عليه الصلاة والسلام عدم نشره وتعليمه فمن خزن علمه ولم ينشره ابتلاه الله بنسيانه جزاء وفاقاً، سادساً عدم العمل به فإن العلم به يوجب تذكره وتدبره ومراعاته والنظر فيه فإذا أهمل العمل به نسيه. قال بعض السلف كنا نستعين على حفظ العلم بالعمل به وقال بعضهم العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل فما استدر العلم واستجلب بمثل العمل به.
وللعلم ثلاث مراتب: المرتبة الأولى علم اليقين وهو انكشاف المعلوم للقلب بحيث يشاهده ولا يشك فيه كانكشاف المرئي للبصر، ثم يليها المرتبة الثانية وهي مرتبة عين اليقين ونسبتها إلى العين كنسبة الأولى بالنسبة للقلب، ثم تليها المرتبة الثالثة وهي حق اليقين وهي مباشرة المعلوم وإداركه الإدراك التام، فالأولى كعلمك أن في هذا الموضع ماء والثانية كرؤيتك لهذا الماء والثالثة كالشرب منه.
فالعلم من أفضل الأعمال الصالحة، وهو من أفضل وأجلَ العبادات، عبادات التطوع، لأنه نوع من الجهاد في سبيل الله، فإن دين الله – عز وجل – إنما قام بأمرين :
أحدهما: العلم والبرهان.
والثاني: القتال والسنان، فلا بد من هذين الأمرين، ولا يمكن أن يقوم دين الله ويظهر إلا بهما جميعاً ، والأول منهما مقدًم على الثاني، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغيٌر على قوم حتى تبلغهم الدعوة إلى الله - عز وجل – فيكون العلم قد سبق القتال.
قال تعالي: )أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) (الزمر، الآية:9) فالاستفهام هنا لابد فيه من مقابل أمن هو قائم قانت آناء الليل والنهار أي كمن ليس كذلك، والطرف الثاني المفضل عليه محذوف للعلم به، فهل يستوي من هو قانت آناء الليل ساجداً أو قائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة
ربه، هل يستوي هو من هو مستكبر عن طاعة الله ؟
الجواب: لا يستوي فهذا الذي هو قانت يرجو ثواب الله ويحذر الآخرة هل فعلُهُ ذلك عن علم أو عن جهل ؟ الجواب : عن علم، ولذلك قال: ] أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [ (الزمر الآية: 9). لا يستوي الذي يعلم والذي لا يعلم، كما لا يستوي الحي والميت، والسميع والأصم، والبصير والأعمى، العلم نور يهتدي به الإنسان، ويخرج به من الظلمات إلى النور، العلم يرفع الله به من يشاء من خلقه ] يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [ (المجادلة: الآية11). ولهذا نجد أن أهل العلم محل الثناء، كلما ذُكروا أثنى عليهم، وهذا رفع لهم في الدنيا، أما في الآخرة فإنهم يرتفعون درجات بحسب ما قاموا به من الدعوة إلى الله والعمل بما عملوا .
المصدر:<<الكواشف الجلية عن معاني الواسطية>> - الشيخ عبد العزيز السلمان
ومن أهم فضائل العلم ما يلي:
1-أنه إرث الأنبياء، فالأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – لم يورثوا درهماًَ ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم، فمنْ أخذ بالعلم فقد أخذ بحظ وافر من إرث الأنبياء، فأنت الآن في القرن الخامس عشر إذا كنت من أهل العلم ترث محمداً وهذا من أكثر الفضائل.
2-أنه يبقى والمالي يفني، فهذا أبو هريرة - رضي الله عنه – من فقراء الصحابة حتى إنه يسقط من الجوع كالمغمي عليه وأسألكم بالله هل يجري لأبي هريرة ذكر بين الناس في عصرنا أم لا ؟ نعم يجري كثيرا فيكون لأبي هريرة أجر من انتفع بأحاديثه، إذ العلم يبقى والمال يفنى، فعليك يا طالب العلم أن تستمسك بالعلم فقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا مات الإنسان، انقطع عمله إلا من ثلاث؛ صدقة جارية أو عمل ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ))
3-أنه لا يتعقب صاحبه في الحراسة؛ لأنه إذا رزقك الله علماً فمحله في القلب لا يحتاج إلى صناديق أو مفاتيح أو غيرها، هو في القلب محروس، وفي النفس محروس، وفي الوقت نفسه هو حارس لك؛ لأنه يحميك من الخطر بإذن الله – عز وجل – فالعلم يحرسك، ولكن المال أنت تحرسه تجعله في صناديق وراء الأغلاف، ومع ذلك تكون غير مطمئن علي
ه.
4-أن الإنسان يتوصل به إلى أن يكون من الشهداء على الحق، والدليل قوله تعالي: ] شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ (آل عمران: الآية1. فهل قال: (( أولو المال))؟ لا، بل قال : ] وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ [ فيكفيك فخراً يا طالب العلم أن تكون ممن شهد الله أنه لا إله إلا هو مع الملائكة الذين يشهدون بوحدانية الله – عز وجل –
5-أن أهل العلم هو أحد صنفي ولاة الأمر الذين أمر الله بطاعتهم في قوله تعالي: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [ (النساء: من الآية59). فإن ولاة الأمور هنا تشمل ولاة الأمور من الأمراء والحكام، والعلماء وطلبة العلم؛ فولاية أهل العلم في بيان شريعة الله ودعوة الناس إليها وولاية الأمراء في تنفيذ شريعة الله وإلزام الناس بها.
6-أن أهل العلم هو القائمون على أمر الله تعالي حتى تقوم الساعة، ويستدل لذلك بحديث معاوية – رضى الله عنه – يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقوم: (( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله )) . رواه البخاري.
وقد قال الإمام أحمد عن هذه الطائفة: (( إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم )).
وقال القاضي عياض – رحمه الله - : (( أراد أحمد أهل السنة ومن يعتقد مذهب الحديث)).
7-أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يرغب أحداً أن يغبط أحداً على شيْ من النعم التي أنعم الله بها إلا على نعمتين هما
:
1-طلب العلم والعمل به.
2-التاجر الذي جعل ماله خدمة للإسلام. فعن عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا حسد إلا في إثنتين: رجل أتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمةً فهو يقضي بها ويعٌلّمٌها))
8-ما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكان منها طائفة طيبة، قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعُشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تُمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقُُه في دين الله ونفعهُ ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ، ولم يقبل هُدى الله الذي أرسلتُ به ))
9-أنه طريق الجنة كما دل على ذلك حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله قال: (( ومن سلك طريقا يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة. )) . رواه مسلم.
10-ما جاء في حديث معاوية – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله : (( من يرد الله به خيراً يُفقهه في الدين )) . أي يجعله فقيهاً في دين الله – عز وجل - ، والفقه في الدين ليس المقصود به فقه الأحكام العملية المخصوصة عند أهل العلم بعلم الفقه فقط، ولكن المقصود به هو: علم التوحيد، وأصول الدين، وما يتعلق بشريعة الله – عز وجل -. ولو لم يكن من نصوص الكتاب والسنة إلا هذا الحديث في فضل العلم لكان كاملاً في الحثً على طلب علم الشريعة والفقه فيها.
11-أن العلم نور يستضيء به العبد فيعرف كيف يعبد ربه، وكيف يعامل عباده، فتكون مسيرته في ذلك على علم وبصيرة.
12-أن العالم نور يهتدي به الناس في أمور دينهم ودنياهم، ولا يخفي على كثير منّا قصة الرجل الذي من بني إسرائيل قتل تسعا ًوتسعين نفساً، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عابد فسأله هل له من توبة ؟ فكان العابد استعظم الأمر فقال: لا. فقتله فأتم به المئة، ثم ذهب إلى عالم فسأله فأخبره أن له توبة وأنه لاشيء يحول بينه وبين التوبة، ثم دله على بلد أهله صالحون ليخرج إليها، فخرج فأتاه الموت في أثناء الطريق. والقصة مشهورة . فانظر الفرق بين العالم والجاهل.
13-أن الله يرفع أهل العلم في الآخرة وفي الدنيا، أما في الآخرة فإن الله يرفعهم درجات بحسب ما قاموا به من الدعوة إلى الله – عز وجل – والعمل بما علمـوا ، وفي الدنيا يرفعهم الله بين عبـاده بحسب ما قاموا به. قال الله تعالي: ] يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ[ (المجادلة: الآية11).
المصدر:<<كتاب العلم>>-الشيخ محمد بن صالح العثيمين
----------------------------
قال العز بن عبد السلام:<< و الله لن يصلواالى شئ بغير الله، فكيف يوصل الى الله بغير الله>>.
قال ابن رجب رحمه الله على هذا الحديث:
سبب هذا والله أعلم أن في الدنيا جنة معجلة وهي معرفة الله ومحبته والأنس به والشوق إلى لقائه وخشيته وطاعته، والعلم النافع يدل على ذلك فمن دله علمه على دخول هذه الجنة المعجلة في الدنيا دخل الجنة في الآخرة ومن لم يشم رائحتها لم يشم رائحة الجنة في الآخرة، ولهذا كان أشد الناس عذاباً في الآخرة عالم لم ينفعه الله بعلمه وهو من أشد الناس حسرة يوم القيامة الحديث حيث كان معه آلة يتوصل بها أعلى الدرجات وأرفع المقامات فلم يستعملها إلا في التوصل إلى أخس الأمور وأدناها وأحقرها فهو كمن معه جوهرة نفيسة لها قيمة فباعها ببعرة أو شيء مستقذر لا ينتفع به، فهذا حال من يطلب الدنيا بعلمه، بل أقبح وأقبح من ذلك من يطلبها بإظهار الزهد فيها فإن الزهد فيها فإن ذلك خداع قبيح جداً.
وقال رحمه الله: النوع الثاني من يطلب بالعلم والعمل والزهد الرئاسة على الخلق والتعاظم عليهم وأن ينقاد الخلق له ويخضعون له ويصرفون وجوههم إليه وأن يظهر للناس زيادة علمه على العلماء ليعلو به عليهم فهذا موعده النار، لأن قصد التكبير على لخلق محرم في نفسه. فإذا استعمل فيه آلة الآخرة كان أقبح وأفحش من أن يستعمل فيه آلات الدنيا من المال والسلطان.
انتهى.
وعن كعب بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار" رواه الترمذي وغيره. قال شيخ الإسلام رحمه الله: كثير من طلبة العلم ليس مقصودهم به إلا تحصيل رئاسة أو مال ولكل امرئ ما نوى، وأما أهل العلم والدين الذين هم أهله فهو مقصود عندهم لنفعه لهم وحاجتهم إلي في الدنيا والآخرة، ولهذا تجد أهل الانتفاع به يزكون به نفوسهم ويقصدون فيه اتباع الحق لا اتباع الهوى ويسلكون فيه سبيل العدل والإنصاف ويحبونه ويتلذذون به ويحبون كثرته وكثرة أهله وتنبعث هممهم على العمل به وبموجبه وبمقتضاه، بخلاف من لم يذق حلاوته وليس مقصوده إلا مالاً أو رئاسة فإن ذلك لو حصل بطريق آخر لسلكة وربما رجحه إذا كان أسهل عليه.
وقال: وأكمل أنواع طلب العلم أن تكون همة الطالب مصروفة في تلقي العلم الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم وفهم مقاصد الرسول صلى الله عليه وسلم في أمره ونهيه وسائر كلامه واتباع ذلك وتقديمه على غيره، وليعتصم في كل باب من أبواب العلم بحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحيحة الجوامع. انتهى.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
والجهلُ داءٌ قاتِل وشِفاؤُهُ أَمْرَانِ في التَّركِيْبِ مُتَّفِقَانِ
نَصٌ مِن القرآنِ مِن سُنَّةٍ وَطَبِيْبُ ذَاكَ العَالِمُ الرَّبَّانِي
والعِلْمُ أَقْسَامٌ ثلاثٌ مَا لَها مِن رَابِعٍ والحَقُّ ذُو تِبْيانِ
عِلُمٌ بأوصافِ الإلَهِ وفِعْلِهِ وكَذلِكَ الأَسْمَاءِ لِلرَّحمنِ
والأَمْرُ والنهيُ الذي هُوَ دِيْنُهُ وَجَزَاؤُهُ يومَ المَعَادِ الثَّانِي
والكلُّ في القُرآنِ والسُّنَنِ التِي جَاءَتْ عن المَبْعُوثِ بالفُرقَانِ .
وقال بعضهم: واعلم أن للتعلم ست مراتب: أولاً حسن السؤال، ثانيهاً حسن الإنصات والاستماع، ثالثاً حسن الفهم، رابعاً الحفظ، خامساً التعليم، سادساً وهي الثمرة العلم به ومراعاة حدوده.
وحرمانه يكون بستة أوجه: أولاً ترك السؤال، ثانياً سوء الإنصات وعدم إلقاء السمع، ثالثاً سوء الفهم، رابعاً عدم الحفظ، خامساً عليه الصلاة والسلام عدم نشره وتعليمه فمن خزن علمه ولم ينشره ابتلاه الله بنسيانه جزاء وفاقاً، سادساً عدم العمل به فإن العلم به يوجب تذكره وتدبره ومراعاته والنظر فيه فإذا أهمل العمل به نسيه. قال بعض السلف كنا نستعين على حفظ العلم بالعمل به وقال بعضهم العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل فما استدر العلم واستجلب بمثل العمل به.
وللعلم ثلاث مراتب: المرتبة الأولى علم اليقين وهو انكشاف المعلوم للقلب بحيث يشاهده ولا يشك فيه كانكشاف المرئي للبصر، ثم يليها المرتبة الثانية وهي مرتبة عين اليقين ونسبتها إلى العين كنسبة الأولى بالنسبة للقلب، ثم تليها المرتبة الثالثة وهي حق اليقين وهي مباشرة المعلوم وإداركه الإدراك التام، فالأولى كعلمك أن في هذا الموضع ماء والثانية كرؤيتك لهذا الماء والثالثة كالشرب منه.
فالعلم من أفضل الأعمال الصالحة، وهو من أفضل وأجلَ العبادات، عبادات التطوع، لأنه نوع من الجهاد في سبيل الله، فإن دين الله – عز وجل – إنما قام بأمرين :
أحدهما: العلم والبرهان.
والثاني: القتال والسنان، فلا بد من هذين الأمرين، ولا يمكن أن يقوم دين الله ويظهر إلا بهما جميعاً ، والأول منهما مقدًم على الثاني، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغيٌر على قوم حتى تبلغهم الدعوة إلى الله - عز وجل – فيكون العلم قد سبق القتال.
قال تعالي: )أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) (الزمر، الآية:9) فالاستفهام هنا لابد فيه من مقابل أمن هو قائم قانت آناء الليل والنهار أي كمن ليس كذلك، والطرف الثاني المفضل عليه محذوف للعلم به، فهل يستوي من هو قانت آناء الليل ساجداً أو قائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة
ربه، هل يستوي هو من هو مستكبر عن طاعة الله ؟
الجواب: لا يستوي فهذا الذي هو قانت يرجو ثواب الله ويحذر الآخرة هل فعلُهُ ذلك عن علم أو عن جهل ؟ الجواب : عن علم، ولذلك قال: ] أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [ (الزمر الآية: 9). لا يستوي الذي يعلم والذي لا يعلم، كما لا يستوي الحي والميت، والسميع والأصم، والبصير والأعمى، العلم نور يهتدي به الإنسان، ويخرج به من الظلمات إلى النور، العلم يرفع الله به من يشاء من خلقه ] يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [ (المجادلة: الآية11). ولهذا نجد أن أهل العلم محل الثناء، كلما ذُكروا أثنى عليهم، وهذا رفع لهم في الدنيا، أما في الآخرة فإنهم يرتفعون درجات بحسب ما قاموا به من الدعوة إلى الله والعمل بما عملوا .
المصدر:<<الكواشف الجلية عن معاني الواسطية>> - الشيخ عبد العزيز السلمان
ومن أهم فضائل العلم ما يلي:
1-أنه إرث الأنبياء، فالأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – لم يورثوا درهماًَ ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم، فمنْ أخذ بالعلم فقد أخذ بحظ وافر من إرث الأنبياء، فأنت الآن في القرن الخامس عشر إذا كنت من أهل العلم ترث محمداً وهذا من أكثر الفضائل.
2-أنه يبقى والمالي يفني، فهذا أبو هريرة - رضي الله عنه – من فقراء الصحابة حتى إنه يسقط من الجوع كالمغمي عليه وأسألكم بالله هل يجري لأبي هريرة ذكر بين الناس في عصرنا أم لا ؟ نعم يجري كثيرا فيكون لأبي هريرة أجر من انتفع بأحاديثه، إذ العلم يبقى والمال يفنى، فعليك يا طالب العلم أن تستمسك بالعلم فقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا مات الإنسان، انقطع عمله إلا من ثلاث؛ صدقة جارية أو عمل ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ))
3-أنه لا يتعقب صاحبه في الحراسة؛ لأنه إذا رزقك الله علماً فمحله في القلب لا يحتاج إلى صناديق أو مفاتيح أو غيرها، هو في القلب محروس، وفي النفس محروس، وفي الوقت نفسه هو حارس لك؛ لأنه يحميك من الخطر بإذن الله – عز وجل – فالعلم يحرسك، ولكن المال أنت تحرسه تجعله في صناديق وراء الأغلاف، ومع ذلك تكون غير مطمئن علي
ه.
4-أن الإنسان يتوصل به إلى أن يكون من الشهداء على الحق، والدليل قوله تعالي: ] شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ (آل عمران: الآية1. فهل قال: (( أولو المال))؟ لا، بل قال : ] وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ [ فيكفيك فخراً يا طالب العلم أن تكون ممن شهد الله أنه لا إله إلا هو مع الملائكة الذين يشهدون بوحدانية الله – عز وجل –
5-أن أهل العلم هو أحد صنفي ولاة الأمر الذين أمر الله بطاعتهم في قوله تعالي: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [ (النساء: من الآية59). فإن ولاة الأمور هنا تشمل ولاة الأمور من الأمراء والحكام، والعلماء وطلبة العلم؛ فولاية أهل العلم في بيان شريعة الله ودعوة الناس إليها وولاية الأمراء في تنفيذ شريعة الله وإلزام الناس بها.
6-أن أهل العلم هو القائمون على أمر الله تعالي حتى تقوم الساعة، ويستدل لذلك بحديث معاوية – رضى الله عنه – يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقوم: (( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله )) . رواه البخاري.
وقد قال الإمام أحمد عن هذه الطائفة: (( إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم )).
وقال القاضي عياض – رحمه الله - : (( أراد أحمد أهل السنة ومن يعتقد مذهب الحديث)).
7-أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يرغب أحداً أن يغبط أحداً على شيْ من النعم التي أنعم الله بها إلا على نعمتين هما
:
1-طلب العلم والعمل به.
2-التاجر الذي جعل ماله خدمة للإسلام. فعن عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا حسد إلا في إثنتين: رجل أتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمةً فهو يقضي بها ويعٌلّمٌها))
8-ما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكان منها طائفة طيبة، قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعُشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تُمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقُُه في دين الله ونفعهُ ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ، ولم يقبل هُدى الله الذي أرسلتُ به ))
9-أنه طريق الجنة كما دل على ذلك حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله قال: (( ومن سلك طريقا يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة. )) . رواه مسلم.
10-ما جاء في حديث معاوية – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله : (( من يرد الله به خيراً يُفقهه في الدين )) . أي يجعله فقيهاً في دين الله – عز وجل - ، والفقه في الدين ليس المقصود به فقه الأحكام العملية المخصوصة عند أهل العلم بعلم الفقه فقط، ولكن المقصود به هو: علم التوحيد، وأصول الدين، وما يتعلق بشريعة الله – عز وجل -. ولو لم يكن من نصوص الكتاب والسنة إلا هذا الحديث في فضل العلم لكان كاملاً في الحثً على طلب علم الشريعة والفقه فيها.
11-أن العلم نور يستضيء به العبد فيعرف كيف يعبد ربه، وكيف يعامل عباده، فتكون مسيرته في ذلك على علم وبصيرة.
12-أن العالم نور يهتدي به الناس في أمور دينهم ودنياهم، ولا يخفي على كثير منّا قصة الرجل الذي من بني إسرائيل قتل تسعا ًوتسعين نفساً، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عابد فسأله هل له من توبة ؟ فكان العابد استعظم الأمر فقال: لا. فقتله فأتم به المئة، ثم ذهب إلى عالم فسأله فأخبره أن له توبة وأنه لاشيء يحول بينه وبين التوبة، ثم دله على بلد أهله صالحون ليخرج إليها، فخرج فأتاه الموت في أثناء الطريق. والقصة مشهورة . فانظر الفرق بين العالم والجاهل.
13-أن الله يرفع أهل العلم في الآخرة وفي الدنيا، أما في الآخرة فإن الله يرفعهم درجات بحسب ما قاموا به من الدعوة إلى الله – عز وجل – والعمل بما علمـوا ، وفي الدنيا يرفعهم الله بين عبـاده بحسب ما قاموا به. قال الله تعالي: ] يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ[ (المجادلة: الآية11).
المصدر:<<كتاب العلم>>-الشيخ محمد بن صالح العثيمين
----------------------------
قال العز بن عبد السلام:<< و الله لن يصلواالى شئ بغير الله، فكيف يوصل الى الله بغير الله>>.
تعليق