- فوائد المذاكرة -
أيها الأحبة الكرام ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
” فإن أولى ما يصرف في تحصيله الزمان ، و أجدر ما يدأب في إدراك تأويله العاقل في كل عصر و آن ، و أحرى ما ينافس في نيله ذو اللب و الجنان ، و أحق ما ينفق فيه العمر عند ذوي العرفان ، العلم النافع و العمل الصالح ؛ إذ بهما فوز كل فائز و إفلاح كل فالح ، فلا شك أن العمل ثمرة العلم ، كما أن التصوير ثمرة الفهم ، فرجعت السعادة و السيادة إلى تحصيل العلوم التي هي من مشكاة الرسالة مستفادة ” [ من مقدمة السفاريني على نفثات صدر المكمد ]
إن مذاكرة العلم من أهم الوسائل التي تعين طالب العلم في تحصيله طلبه ، فلقد كان يحرص السلف على مذاكرة العلم أشد الحرص لعظم فوائد هذه المذاكرات و كبير نفعها ، فإنها تشحذ همة المشارك ، تفيد القارئ المطلع ، و إليك نبذاً منفوائد مثل هذه المذاكرات :
أولاً : أنها تهيج في الذهن مسائل أخرى تحصل الهمة لبحثها ، كما روى الدارمي في سننه [ باب مذاكرة العلم ] ( 1/ 146) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه { تذاكروا الحديث ، فإن الحديث يهيج الحديث }
ثانياً : أنه يرسخ هذه المسألة العلمية المبحوثة في ذهن الطالب فيتمكن منها ، فينتفع بذلك أيما انتفاع ، كما روى الدارمي أيضاً ( 1/ 147) عن ابن عباس رضي الله عنه قوله : { تذاكروا هذا الحديث لا ينفلت منكم ، فإنه ليس مثل القرآن مجموع محفوظ ، و إنكم إن لم تذاكروا هذا الحديث ينفلت منكم ، ولا يقولن أحدكم حدثت أمس فلا أحدث اليوم ، بل حدث أمس ، ولتحدث اليوم ، ولتحدث غداً }
ثالثاً : فيه الفائدة الجليلة للسامعين فإن الدال على الخير له مثل أجر فاعله ، وقد روى الدارمي (1/ 147) عن ابن عباس كذلك : { ردوا الحديث واستذكروه ، فإنه إن لم تذكروه ذهب ، ولا يقولون رجل لحديث قد حدثه مرة ، فإنه من كان سمعه يزداد به علماً ، ويسمع من لم يسمع }
رابعاً : في هذه المذاكرة إحياء لهذا العلم ، ونشر لهذا الفقه بين الناس ، كما روى الدارمي (1/ 147) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى { تذاكروا ، فإن إحياء الحديث مذاكرته } ومثله ذكر عن علقمة ، وقد روى ( 1/ 150) عن علي رضي الله عنه { تذاكروا هذا الحديث ، وتزاوروا ، فإنكم إن لم تفعلوا يدرس }
وقد اشتهرت النسبة إلى المزي قوله :
من حاز العلم وذاكرهُ — صلحت دنياه وآخرتُه
فأدم للعلم مذاكرَةً — فحياة العلم مذاكرته
فأدم للعلم مذاكرَةً — فحياة العلم مذاكرته
خامساً : يبصر الطالب بعيوب نفسه ، ويذكره بجهلها وقلة علمها ، فيتواضع و يتنشط لطلب المزيد ، وقد روى الدارمي (1/ 151 ) عن الزهري : { كنت أحسب بأني أصبت من العلم ! فجالست عبيد الله فكأني كنت في شعب من الشعاب } !
سادساً : مذاكرة العلم عبادة ، بل من أفضل العبادات ، ولا ننسى قول النبي صلى الله عليه وسلم : { فضل العلم خير من فضل العبادة } [ قال الشيخ الألباني في صحيح الترغيب و الترهيب : صحيح لغيره ] ، وانظر للفائدة [ جامع بيان العلم و فضله ، باب تفضيل العلم على العبادة ] .
وانظر أيضاً : [ فضل مجالس الفقه على مجالس الذكر ] و [ ذكر الرواية أن حلق الفقه هي رياض الجنة ] و [ فضل الفقه على كثير من العبادات ] من كتاب الفقيه و المتفقه للخطيب البغدادي .
ولأجل ذلك كان السلف يفنون أعمارهم في طلب العلم وبذله ، فلقد روى الدارمي (1/ 149) عن ابن عباس رضي الله عنهما { تدارس العلم ساعة من الليل خير من إحيائها }
وروى (1 / 150) عن عثمان بن عبد الله قال : { كان الحارث العكلي وأصحابه يتجالسون بالليل و يذكرون الفقه } .
و روى الخطيب البغدادي في الفقيه و المتفقه (2/ 129) عن الإمام أحمد : { كان ابن شبرمة و المغيرة ، و الحارث ، و العكلي ، و القعقاع بن زيد ، وغيرهم يسمرون في الفقه ، فربما لم يقوموا حتى يسمعوا النداء بالفجر } ، ومثله روى عن محمد بن فضيل عن أبيه .
فأردت مثل ذلك ، نتطارح المسائل فيما بيننا و نذكر الأدلة و نأتي بكلام العلماء و الأئمة ، فهذا ابن عباس رضي الله عنه يوصي من سمع منه حديثاً أن يتذاكروه بينهم ، كما روى عنه الدارمي (1/ 14 ، وهذا لأجل الفوائد السابقة ، وحفظاً لهذا العلم من النسيان و الذهاب كما قال الزهري : { آفة العلم النسيان ، وترك المذاكرة } ، و كما قاله الحسن البصري { غائلة العلم النسيان } ذكر ذلك عنهما وغيرهما الدارمي في سننه باب مذاكرة العلم (1/ 150)
وفقنا الله وإياكم إلى كل خير .
تعليق