السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله, نحمده, ونستعينه, ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا.
من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما بعد:
فهذه جملة من النصائح من فضيلة الشيخ/ محمد سعيد رسلان -حفظه الله- لطالب العلم في ضوء قصيدة القاضي الجُرجَاني -رحمه الله تعالى– وإليكم التفريغ:
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
أما بعد:
على طالب العلم أن يكون جاداً مترفعاً, وعليه أن لا يكون هازلاً ولا مائعاً, وعليه أن يكون متوقياً, وللسانه خازناً, وعليه أن يُعرف بليلهِ إذا خلد الناس إلى الراحة والنوم, وبصمته إذا أكثروا من اللغو والهَزَر, وببكائه إذا ما أكثروا من الهزل والضحك, وعليه أن يكون آخذاً للحق باحثاً عنه دائراً على محوره؛ فحينئذٍ يُفلح ويُنجح إن شاء الله.
ويُستحسن لطالب العلم أن يكون مستظهراً لقصيدة القاضي الجُرجَاني صاحب الوساطة -رحمة الله عليه- فإنه إذا تمكن مِنَ العِلم يوماً, وكانت له قانوناً؛ نفعهُ الله تبارك وتعالى بها.
والله رب العالمين كما أخبر النبي الأمين –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- : يحب مكارم الأخلاق ويكره سفسافها, والسفساف: ما تطاير من الهباء, وما يتطاير من الدقيق عند طحنه بالرحى, هذا الهباء المنثور الذي لا حقيقة له ولا وجود ولا استقرار ولا خطر.
إن الله -عز وجل- كريم يحب يحب الكُرماء, جَواد يحب الجَوَدَة, يحب معالي الأمور ويكره سفسافها.
فعلى طالب العلم ألا يكون متدنياً, ومن أراد أن يجعله كذلك وكان سُفلاً فأراد أن يجذبه إليه فعليه أن يكون عليه مترفعاً لا متكبراً؛ لأن الله رب العالمين لا يحب السفاسف وإنما يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها.
يقول القاضي الجُرجَاني -رحمه الله- صاحب الوساطة بين المتنبي وخصومه:
يقولون لي فيك انقباضٌ وإنما *** رأوا رجلاً عن موطنِ الذلِّ أحجما
أرى الناسَ من داناهُمُ هان عندهم *** ومن أكرَمَته عِزةُ النفسِ أُكرِما
ولم أقضِ حَقَّ العلمِ إن كان كُلَّمَا *** بدا مطَمَعٌ صَيَّرتُه لي سُلَّما
وما زلتُ مُنحازاً بعرضي جانباً *** عن الذلِّ أعتدُّ الصيانةَ مَغنما
إذا قيلَ هذا مَنهلٌ قلتُ قد أرى *** ولكنَّ نفسَ الحرِّ تَحتَملَ الظَّمَا
أُنزِّهها عنبَعضِ ما لا يشينُها *** مخافةَ أقوال العدا فيم أو لما
فأصبحُ عن عيبِ اللئيمِ مسلَّما *** وقد رحتُ في نفسِ الكريمِ مُعَظَّما
وإني إذا فاتني الأمرُ لم أبت *** أقلِّبُ كَفي إثره مُتَنَدِّما
ولكنه إن جاء عَفواً قبلتُه *** وإن مَالَ لم أُتبعهُ هَلاَّ وليتَما
وأقبضُ خَطوي عن حُظوظٍ كثيرةٍ *** إذا لم أَنلها وافرَ العرضِ مُكرما
وأكرمُ نفسي أن أُضاحكَ عابساً *** وأن أَتلقَّى بالمديح مُذمَّما
وكم طالبٍ رقي بنعماه لم يَصِل *** إليه وإن كَانَ الرَّئيسَ الُمعظَّما
وكم نعمة كانت على الُحرِّ نقمَةً *** وكم مغنمٍ يَعتَده الحرُّ مَغرَما
ولم أبتذل في خدمة العلمِ مُهجَتي *** لأَخدمَ من لاقيتُ لكن لأُخدما
أأشقى به غَرساً وأجنيه ذِلةً *** إذن فاتباعُ الجهلِ قد كان أَحزَما
وإني لراضٍ عن فتىً متعففٍ *** يروح ويغدو ليس يملك درهما
يبيتُ يراعِي النجمَ من سوءِ حالِه *** ويصبحُ طَلْقا ضاحكا متبسما
ولا يسأل المُثْرين ما بأكفِّهم *** ولو ماتَ جُوعا عِفَّةً وتكرُّما
فإن قلت زَندُ العِلمِ كابٍ فإنما *** كبا حين لم تحرُسْ حِماهُ وأظلَما
ولو أن أهل العلمِ صانوه صانَهُم *** ولو عَظَّمُوه في النفوسِ لَعُظِّما
ولكن أهانوه فهانوا ودَنَّسُوا *** مُحَيَّاه بالأطماعِ حتى تَجهَّما
وما كلُّ برقٍ لاحَ لي يستفزُّني *** ولا كلُّ من لاقيتُ أرضاه مُنْعِما
ولكن إذا ما اضطرني الضُّرُّ لم أَبتِ *** أُقلبُ فكري مُنجداً ثم مُتهما
إلى أن أرى ما لا أغَصُّ بذِكره *** إذا قلتُ قد أسدى إليَّ وأنعما
كان العلماء يوصون طلبتهم باستظهارها, والتأمل في معانيها, والعمل بما فيها, فإنها لا تخرج عن حدود الكتاب والسُنَّة, وهي قانون طالب العلم الشريف؛ حتى إذا ما صار عالماً كان عالماً شريفاً لا عالماً مُدنساً يخبط بلسانه في الدنس كما يفعل الجُعْلُ يتدهدهُ في الخرء فيكون له ذلك من السوء بمكان سحيق.
نسأل الله جلت قدرته وتقدست أسماؤه أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يزيدنا علماً
وصلى الله وسلم على نبينا -محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
قام بتفريغ المادة:
الفقيرُ إلى ربِ العالمين
أبو عبد الله هيثم فايد
--------------------
--------------------
تعليق