بسم الله الرحمن الرحيم
محاضرة بعنوان:
نصيحة حول الجرح والتعديل بين الطلاب - لفضيلة الشيخ محمد الإمام - حفظه الله تعالى-.
تفريغ المحاضرة- منقول بعد المراجعة والتدقيق- :
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم-.
أما بعدُ:
روى ابن ماجه وابن عساكر والفسوي في "تاريخه"، والبيهقي في "الشُّعب" -والحديث صحَّحه الألباني-رحمه الله-: أن الرسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- سُئلَ: أي الناس أفضل؟ قال: "أفضل الناس صاحب القلب المخموم، وصدوق اللِّسان"، قالوا: يا رسول الله! أما صَدوق اللسان؛ قد عرفناه، ولكن: مَن هو صاحب القلب المخموم؟ قال: "هو القلبُ التقي النقيُّ؛ لا إثمَ فيه، ولا بغيَ، ولا غِلَّ، ولا حسد".
فهذا الحديث يُبيِّن لنا الأفضليَّة في المؤمنين، وأن مَن كان قلبُه سليمًا من الغِل والحسد على إخوانِه؛ أنه على خيرٍ عظيم، وعلى أفضليَّة.
فنحنُ بحاجة إلى أنَّنا نُفتِّش عمَّا في قلوبنا؛ فالشَّيطان ساعٍ في التحريش، والفِتن ما تترك الناس، والشَّخص قد يضعف، قد يحصل بينه وبين أخيه شيء مِن الخصام والنِّزاع والاختلاف، ثم لا يكون حارسًا على قلبه حتى لا تدب فيه مِن الآفات؛ فيحصل في القلب ما يحصل -مما يكون مِن جملة الآفات التي يحتاج الشَّخص إلى سلامة قلبِه منها-.
فكما تعلمون أن الشخص مُعرَّض إلى الابتلاء والوقوع في مثل هذه الأمور؛ فكل منا بحاجة إلى المُحافظة على قلبه، وإلى حراسة قلبِه؛ بحيث يبقَى قلبُه مليئًا وعامرًا بِذِكر الله وخشية الله ومراقبة الله، وهكذا -أيضًا- يبقى قلبُه عامرًا بمؤاخاة إخوانه المؤمنين -المؤاخاة القائمة على الحب والاحترام، وحب الخير والتناصُح والتعاون على البِرِّ .. إلى غير ذلك مما هو مِن مطالب الشَّريعة-.
فالمطلوب منا -جميعًا- النظر فيما يتعلق بأمر قلوبِنا؛ فنحن بَشر، يقع في قلوبِنا ما يقع؛ فكلٌّ بحاجة إلى حراسة قلبِه أكثر، خصوصًا عند وُجود بعض الأمور التي يريدها الشيطانُ من التَّحريشات.
ألا وإنه مِن المهم أن نعرفَ ما كان عليه السَّلف: فقد جاء عند "البخاري" -تعليقًا-، و عند ابن نصر المَروزي، واللالكائي -وسنده صَحيح-: أن عبد الله بن عَون البصريَّ -رحمه الله- قال: "أحبُّ لنفسي ثلاثًا، وأحبها لإخواني: أحب أن يتعلَّموا هذا القرآن، وأن يَعمَلوا بما فيه، وأحبُّ لهم هذه السُّنة أن يعملوا بما فيها وأن يجتهدوا في العمل بها. ."، قال: "وأحب لهم أن يدَعوا الناس إلا مِن خيرٍ"؛ يعني: أن يدَعوا ذِكر الناس إلا ما كان في أمرِ خيرٍ.
قد جاء عنه بلفظ: "ذِكر الله دواء، وذِكر النَّاس داء".
وجاء عند أحمد في "الزهد"، وهناد بن السَّري في "الزهد" -أيضًا-: عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: "عليكم بذِكر الله؛ فإنه شِفاء، وإيَّاكم وذِكر الناس؛ فإنَّه داء".
والأثر فيه انقطاع، ولكن: معناه صحيح.
وجاء بسندٍ حسنٍ عند الخطيب في "الكفاية": أن رجلًا قال للشَّعبي: ألا أحدِّثك؟ قال له: أعَن الأحياء أم عن الأموات؟ قال له: بل عن الأحياء. قال: لا تُحدِّثني!
بل جاء عند ابن حبان وأبي نعيم في "الحلية" -وغيرهما-: أن الرَّسول -عليه الصلاة والسلام- قال: "يُبصِر أحدُكم القذى في عينِ أخيه، ويَنسى الجذع في عينِه" -الألباني صحَّح هذا الحديث-رحمه الله-.
هذا الحديثُ يدعونا إلى التَّعرُّف إلى عيوبنا: فأنت قد ترى في أخيك عيبًا -أو أكثر-؛ فتظن أنكَ أحسن منه!
ولكن لو فتَّشت؛ لرأيتَ أن فيك عيوبًا كثيرة، ربما وجدت عيوبَك أكثر من عيوبه؛ فلا ينبغي أن نغفل عن عيوبنا؛ فكلُّنا عيوب، كلُّنا فينا العيوب؛ فلا تغفل عن هذه القضية.
فما يريده الشيطان منا أن نشتغل ببعضنا بعضًا، وأن نتكلَّم في بعضنا بعضًا، وأن نحتقر بعضنا بعضًا؛ ليستطيع أن يُفسد علينا أُخوَّتَنا.
فرحم اللهُ امرىءً أقبلَ على إصلاحِ نفسِه.
جاءَ عن بكرِ بن عبد الله المُزَني قال: "إذا رأيتُم الرجلَ يُكثِر من ذِكر عيوب النَّاس وينسى عيوبَه؛ فقد مُكر به"!
وكذلك -أيضًا- جاء بسند لا بأس به: أن سفيان بن حسين كان عند إياس بن معاوية، فتكلَّم في رجل -يعني بطريق الذَّم-، فقال له إياس: أغزوت الدَّيلم؟ قال: لا؟ قال: أغزوتَ الرُّوم؟ قال: لا. قال: أغزَوتَ السِّند؟ قال: لا. قال: سَلم منك الرُّوم والدَّيلم والسِّند والهند ، ولم يسلم منكَ أخوكَ؟!!
فمُرادي من هذا الكلام أنَّنا نَسُد أبواب القدح في بعضِنا بعضًا.
ومَن رأى في أخيه عيبًا؛ فينصح له.
ونَسُد أبواب ما يُسمَّى -الآن- (الجرح والتَّعديل) بين الطلاب؛ يعني: أن يسير طلاب العلم مُجرِّحين ويَشتغلون بشيءٍ لم يُؤذن لهم فيه؛ فهذا مِن جملة ما يُريده مِنا الشَّيطان -أننا نَقدح في بعضنا بعضًا باسمِ أنَّنا يعني سِرنا مَسار الجرح والتعديل!-.
فأنصح لكلِّ طالب: أن يكون حريصًا على سلامة نفسِه، والبعد عما يَعقبه الضَّرر.
فمحافظتك على إخوانه مطلب شرعي، والجَرح إنما هو لأهل العِلم، وبِقَدر الحاجة، وبِقَدر الضرورة، وليس مَن جاء جرَّح، وليس مَن جاء تكلَّم؛ فانتبهوا على أنفسكم؛ فإني أحبُّ لكم ما أحبُّه لنفسي مِن الخير.
فلهذا: أنصح للإخوة الذين جرى بينهم جِدالات أو غير ذلك مما نَنصح بتركِه والابتعاد عنه على أنهم يَحرِصون على الرِّفق بأنفسهم، وعلى الرفق ببعضِهم بعضًا.
ارفق بنفسك وارفِق بأخيك، ودعْك من الشيء الذي يعقب الضير.
فنلاحظ أن الأمر هذا ما صار فيه مصلحة لدعوتِنا، ولا مَنفعة لدعوتِنا.
وكما تعلمون: أن المشائخ في أحد التَّوجيهات الذي أنزلوه وقالوا: إن ما هو حاصل؛ إنما هو مِن باب المغالبة؛ لم تُنصر به سُنَّة، ولم تقمع به بدعة!
فهذا هو المتحقِّق، وهذا هو الحاصل؛ فكونوا على إدراك سديد، وإن لم تُدرِكوا؛ فاستفيدوا ممَّن أدرك، وممَّن يعطيكَ الخبر اليقين، والأمر على حقيقيته، وعلى ما هو حاصل.
فهذا الباب -الطعن في بعضِكم بعضًا، والجدالات-وما أشبه ذلك-؛ صار فيها أضرار تضرُّ بكم؛ لا نرضى لكم بهذا!
ونرضى لطالب العلم أن يحرص على ما ينفعه -أن يُقبل على طلب العلم-.
فربَّما بعضكم ضيَّع نفسه، وهو في حاجة ماسَّة إلى حفظ شيء من القرآن، وشيء من الأحاديث، محافظة على الدُّروس، ومراجعة لها .. إلى غير ذلك مما هو مِن المُهمَّات الكبيرة، وممَّا هو مُحتاج إليه -أيَّما احتِياج-.
فكما سمعتم: هذه نصيحتي للإخوة الذين جرى بينهم شيء من الجدالات -وما أشبه ذلك- على أنهم يحرِصون بأنفسِهم.
أما الإخوة -وهم الكثير- الذين قبِلوا هذه التَّوجيهات مِن سابق ولا يَزالون؛ فقد استراحوا، وسلِمتْ ألسِنتُهم من التَّعدِّي ومن التجاوز، وسلِمتْ أوقاتُهم من الضياع إلى غير ذلك ؛ فهذا نعتبرُه من فضل الله -عزَّ وجل-، هذا يُعتبر من فضل الله.
فالمطلوب: التعاون -فيما بيننا- على الخير والبِر والتقوى.
ألا ولتعلموا: أنكم جميعًا عندي في منزلة واحدة، ليس عندنا ما قد يُتوهَّم؛ أن عندنا تصفية حسابات -مثل ما يُقال-، أو عندنا إرادات لأشياء -مثل ما يُتوهَّم-؛ لا!
أنتم طُلابي، وأنتم إخواني، وأنا أخوكم، والذي بيني وبينكم التعاون على الخير والبِر، والتناصح فيما بيننا، كلنا نخطئ -ما في أحد ما يخطئ-، ولكن قد جعل الله النُّصح دواءَنا وشفاءنا -بحمد الله-، فإن نحن أصغَينا إلى النُّصح، وقَبِلنا التناصُح والتَّعاون؛ صلحت أمورُنا -بحمد الله رب العالَمين-، وكُنا كاليدَين تغسل إحداهما الأخرى، وإن نحن لم نقبل التناصح، أو لم نكثر التناصح؛ فهذا التَّقصير لا ينبغي أن يرضى به أحد، ولا أن يكونَ مسلكًا لأحدٍ مِنا.
فأنتم طُلاب علم في هذه الدار -حرسها الله-، وأنتم في منزلة واحدة، والمطلوب -كما سمعتم- البعد عن التوهُّمات التي لم تكنْ موجودة.
فنحن إخوة؛ نحافظ على أخوَّتنا، وعلى دعوتِنا، ونهتم بالتعاون مع بعضنا بما هو نافع لنا في ديننا، وفي دنيانا، وفي أُخرانا؛ نحرص على هذا، ونتقرب إلى الله -عز وجل- بهذا الأمر؛ فهذا فيه الخير الكثير -بحمد الله رب العالمين-.
ألا وإني أحذِّر الصِّنف الذي يذهب يدفع بعض الشَّباب إلى الفِتن؛ أحذِّر هذا الصِّنف من أن يستمرَّ على هذا التصرُّف السيِّئ، وإن كنا قد لا نعلم هذا الصنف أو أشخاص أو كذا؛ إلا أنه لا يعني أننا إذا لم نعلم أننا عاجِزون؛ لا؛ ممكن أدعو عليه! هذا محل علم، محل تعاون، ليس محل فوضى وفِتن.. من جاء دفع فلان ليثير كذا، ويعمل له كذا!! هذا أمر نترفَّع عنه، وإذا بيني وبين أخي شيء؛ لا يجوز التَّجاوز، ولا استعمال واستخدام أشخاص في إثارة الفتن؛ باسم أنْ: بيني وبين فلان شيء!! هذا فشل! في معالجة القضايا وفي الإصلاح وفي التعاون على البر.
فهذا الصنف -إن كنتم تعلمون أشخاصًا؛ فعرِّفوني بهم-؛ هذا طريق غير صحيح! لا نَقبله -أبدًا-!
بينك وبين فلان شيء؛ اشتكي لي!
ونحن ما زلنا فاتحون صدورنا لمَن يشتكي، ونسمع مِن المُشتكي والمشتَكى به، وننظر في القضية، ونُصلح، ونُوجِّه، ونُؤدِّب إخوانَنا -بحسب ما نرى-في ذلك-مِن التعاون معهم، ومن سدِّ أبواب الخلاف والنِّزاع-؛ هذا موجود -بِحمد لله رب العالمين-، تعرفونهم جميعًا؛ أليس كذلك؟!
فما الداعي لهذه الفتن؟ وما الداعي لدفع بعض الشَّباب أن يثيروا لهم الفتن؟!
أما الشباب هؤلاء فأنا أحذرهم أنهم لا يَقبلون مثل هذه الأمور؛ وإلا: سنُنكِّل بهم! ما نريد أن نجعل أمورَنا يتولَّاها شباب، يتولاها كذا..
المطلوب أن نكون مُدرِكين وعاقِلين.
فكما سمعتم: المطلوب أننا نرفق ببعضِنا بعضًا، ونحافظ على أخوة بعضنا بعضًا، ولا يظن أحدكم أنه سيُمشِّي أمرَه ، يعرض لفلان وسيمشي، إن شاء الله ما يمشي إلا الحق، وما يبقى إلا الخير.
والمطلوب: التَّعاون بصدق، أن نتعاون مع بعضِنا بعض بصِدق، وإخلاص لله، وحُب لدينِنا ولدعوة الله، وحب للأخوة الدينيَّة نحرص عليها جميعًا، فإذا حصل منا هذا التعاون فبحمد الله رب العالمين، فسندحر الشيطانَ الذي يسعى في الإفساد بيننا.
الشيطان يُريد هذا؛ يريد أننا نضيِّع أخوَّتنا، وندخل في التعادي فيما بيننا.
فأنصح لنفسي وإخواني -حفظهم الله- أن يَكونوا مُدرِكين للأمور.
فكما سمِعتم: هذا الأمر يعني المطلوب التعاون فيه.
إذا بينك وبين فلان شيء، ما بقي عندك صبر تصبر عليه -ولا كذا-؛ فلَك أن تشتكي إلي.
أما تعصُّبات، أو دفع أشخاص ليفعلوا كذا، ويُثيروا كذا!! هذا أعتبره فشلًا! فشلًا في التعاون فيما بينهم وفي الإصلاح!
بينك وبين أخيك شيء؛ اشتكي لي، وننظر عند من الخطأ، والحمد لله، وتسير أمورنا كما هي.
ما عندنا جديد -أبدًا-، عندنا ما سمعتم مني الآن، وهذا الذي نسأل الله أن يعيننا على أن نتعاون عليه، وعلى أن نقوم به؛ فهذا أبرُّ بِنا، وأنفع، وأسلم؛ هذا أمر مُدرَكٌ إن شاء الله عند أكثركم -بحمد الله رب العالمين-.
فلنحافظ على بعضِنا بعضًا بالطرق الشرعيَّة النافِعة -كما سمعتُم-، ولا نسمح بإثارة أي شخص، والتعامل بطُرق غير شرعيَّة، لا نُريد هذا، ونُنزِّه ونرى أن الأخ يترفَّع عن التعامُلات بهذه الصورة.
فالإخوة الذين جرى بينهم شيء من الجدالات مع بعضهم بعضًا؛ هم إخواننا جميعًا -على عيوننا ورؤوسنا-، ليس بيننا وبينهم إلا الأخوَّة في الدِّين والتَّناصح والتَّعاون، ليس عندنا أشياء مَخفية ممكن تظهر في المستقبل!
نحن نرى أن الشَّخص يُعاقب حسب خطئه، أن الشخص يُعاقب حسب ما حصل منه الأخطاء.
فنسير على هذا الخير والتعاون.
والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والشباب والأولاد الذين قد استُعمِلوا في إثارة الفِتن في سب بعض التصرُّفات، هؤلاء لا بُد أن يحصل تعاون مِن قبَل الآباء وهم إن شاء الله على خير في هذا- ومن قِبلنا: أن هذه الآمور ما تتكرر آن هذه التصرُّفات ما تتكرَّر في أوساطنا.
المطلوب: على أن أبناءَنا يَقبَلون النصائح والتَّوجيهات، ويكونون حسب ما نوجِّه، وإن كان قد لا يحصل هذا الذي نُريده، أو لا يحصل بأكمله؛ ولكن كلما تجدَّد شيء من الخطأ؛ المطلوب معالجتُه بالطرق النافعة.
والله المُستعان.
تنبيه: تم إرفاق المحاضرة صوتيا عبر المرفقات.