تنبيه: هذه المشاركة كانت جوابًا على سؤال أخٍ في المنتدى فرأيت إفرادها والله أعلم.
*السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أعتذر للإخوان على تطلفي في الإجابة عن السؤال لكن هذه إشارات لعلها تساعد السائل وغيره، فأقول والله المستعان:
أولا: ليُعلم أنَّ أصول السنة للإمام أحمد-رحمه الله- لها روايات عدّة كما في طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى-رحمه الله-، لكن التي اشتهرت في زماننا وعليها عدة شروح - هي التي برواية عبدوس العطار رحمه الله.
ثانيا: إنَّ كتب العقيدة ومتونها تختلف في أسلوبها بالنظر لزمان مؤلفها ومنزلته في العلم والسبب الداعي لتأليفها..الخ، ولذا فإنِّنا نرى كُتب مَنْ عاش في القرن السادس -أو الخامس- وما بعده فيها نوع ترتيبٍ وجمعٍ لمسائل الباب الواحد في محل واحد، وكذا شموليةٍ لغالب أصول مسائل الإيمان، بالإضافة إلى تجنب بعض الاصطلاحات التي ربما كان يستخدمها بعض المتقدمين فرأى المحققون اجتنابها لما طرأ عليها من الإيهام فيما بعد، بالإضافة لمزايا أخرى [1].
فلذا كانت طريقة أكثر العلماء في التدريس التسلسلي للعقيدة الاعتماد على بعض المتون التي كُتبت فيما بعد القرون المفضلة، التي قد رُتبت بل بالغ أصحابها في الاعتناء بترتيبها وإحكام عبارتها، ووفقهم الله لتيسيرها واختصارها [2] بما يناسب مرحلة الطالب [3]، فهم يتحرون ما كان منها جامعًا سهلًا مختصرًا، ثم يرتبونها بحسب السُّلم التعليمي في ذلك الفن.
ولا يعني هذا أنَّ مشايخ السنة لا يهتمون بكتب المتقدمين على وجه التدريس، لا أبدًا! فهي المرجع في تقريراتهم وكتبهم، وإنما قد لا يدخلونها في السُّلم التعليمي الذي يتبعه الناشئة والمتوسطون، لكن قد يُدرِّسونه كدورة منفصلة أو درس جانبي، أو درس مُتقدم للمنتهين إن كان الكتاب مبسوًطا ككتاب الشريعة للآجري، أو أصول السنة للخلال، أو السنة لمحمد بن نصر، أو الإبانة الكبرى لابن بطة وغيرها من كتب المتقدمين المسندة وغير المسندة –رحمة الله عليهم-، وطبيعة هذه الدروس أن تحتوي على تعليقات يسيرة وفوائد شتى، ولا يكون فيه الشرح لكل مسألةٍ وعبارةٍ تمرُّ في الكتاب، باعتبار أنَّ السامع له باعٌ في العلم الشرعي، ويكون مراد الشيخ إفادة الطالب وإيقافه على النكت والدقائق، ولفت نظره إلى بعض البحوث.
ثالثًا: مما ينبغي التنبه له أنَّ حفظ المتون ليس مقصودًا لذاته، وإنما هو وسيلة ليعتاد الطالب على:
أ- تقسيم مسائل الفن ليسهل عليه فهمها.
ب- ليعتاد على ربط المسائل بأدلتها –إن كان المتن مُزينا بالأدلة-.
ت- وليعتاد على سرعة استحضار الأدلة:
فكم منَّا قد يحفظ القرآن وكثيرًا من السنة المطهرة، لكنه إذا قيل له : هاتِ الأدلة على المسالة الفلانية! ربما تتأتأ، وهذا ليس بقادح بإطلاق، لكن مسائل العقيدة وخاصة أصولها -لابد لمن أراد أنْ يَبرع فيها، وأن يكون شوكة في حلوق المخالفين أن يضبط هذه الأبواب وأدلتها.
إلى غير ذلك من الفوائد، وشاهدي مما ذكرتُ أنَّ حفظ هذه المتون إنما هو وسيلة لا غاية مقصودة، وعلى هذا فأنت أخي السائل الآن انظر، هل هذا المتن مما هو للمبتدئ بحيث يكون مشتملًا على التقاسيم وسرد الأدلة..الخ أم لا؟ ، ثم ما هو منزلة هذا المؤلِّف والمؤلَّف؟ وفي حالتنا المؤلِّف هو: إمامٌ جليل بل هو إمام أهل السنة في زمنه، والمؤلَّف مما تداوله أهل العلم وقبلوه[4].
فإذا كان كذلك فإنَّ حفظ بعضَ المقاطع من هذا المتن مهمٌ للطالب ومقوىٍ لحجته، خاصة في المسائل التي كثُر فيها الخلاف مع أهل البدع، فحينها يكون حفظ عبارات الإمام أحمد في تقريرها قاطعٌ للحجة خاصة عند من ينتمي للإمام في مذهبه الفقهي ويعظمه ويجله.
أما حفظه بأكمله فهذا راجعٌ حقيقة لهمتك، لكن كما ذكرتُ لك لو حفِظتَ بعض المقاطع التي تكون حجة لك عند النقاش والتعليم فحسنٌ، وبقية المسائل لو تفهرسها فمثلًا: تجعل فهرسا بكل المسائل التي تكلم عليها الإمام في الرسالة، ثم تحفظها بحيث تستطيع الإحالة على الرسالة فتقول: وقد قرر هذا الإمام أحمد في رسالة عبدوس". وإن لم تحفظ نص العبارة، أما المسائل التي كثُر فيها الخلاف فحبذا لو حفظتها بالنص.
هذه أفضل طريقة أراها وهي التي أمشي عليها أنا والله تعالى أعلى وأعلم.
ولا أنسى أنْ أذكر بخصوص أصول السنة فله شروحٌ عديدة منها:
شرح العلامة ربيع بن هادي المدخلي، وشرح العالم السني عبيد بن سليمان الجابري، وشرح العالم الفقه الأديب زيد المدخلي -حفظ الله الجميع-، والأول مطبوع ولله الحمد، والأخيرين قد فرغهما أخونا الفاضل سالم الجزائري وفيهما فوائد خاصة في الأسئلة الـمُقدَّمة للشيخين والحمدلله رب العالين.
وأعتذر أخيرًا عن القصور الواقع في المشاركة، فبركة الأوقات قد ذهبت، و لولا حب نفع الإخوان لما كتبته، والكريم من يتجاوز عن الزلل والله أعلم.
الهامش:
[1]وكتب المتقدمين هي الأصل كما سيأتي، ويكفي في شرفها شرف من كتبها، إضافة لهذا فإنَّ كثيرا منها قد نال شرف الإسناد فهي منقولة بالأسانيد العالية، فيا حبذا القراءة فيها.
[2] وربما دخل فيها -بسبب الشهرة والتداول بين أهل العلم- ما غيره أولى منه بالنظر لهذه الصفات.
[3] ومما أعان بعض العلماء على ذلك أنه قد يُطلب منهم التأليف لطبقة معينة من الطُلاب فيأتي الكتاب موافقًا غاية الموافقة لتلك المرحلة فقُدم على غيره، ومثاله في ظني "الأصول من علم الأصول" للعلامة العثيمين – رحمه الله
[4] حيث إنَّ بعض الكتب قد طعن فيها علماء السنة، -وإن كانت منسوبةً لأهل الفضل- وذلك إمَّا:
لعدم صحتها عن ذلك الإمام كبعض الرسائل المنسوبة للإمام أحمد ففيها بعض العبارات المنكرة التي هي مخالفة لطريقته رحمة الله عليه.
أو بسبب ما يعتري البشر من الخطأ والزلل، والمعصوم من عصمه الله.
المشاركة الأصلية بواسطة أبو عبد المهيمن علي الليبي
مشاهدة المشاركة
المشاركة الأصلية بواسطة أبو عبد المهيمن علي الليبي
مشاهدة المشاركة
*السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أعتذر للإخوان على تطلفي في الإجابة عن السؤال لكن هذه إشارات لعلها تساعد السائل وغيره، فأقول والله المستعان:
أولا: ليُعلم أنَّ أصول السنة للإمام أحمد-رحمه الله- لها روايات عدّة كما في طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى-رحمه الله-، لكن التي اشتهرت في زماننا وعليها عدة شروح - هي التي برواية عبدوس العطار رحمه الله.
ثانيا: إنَّ كتب العقيدة ومتونها تختلف في أسلوبها بالنظر لزمان مؤلفها ومنزلته في العلم والسبب الداعي لتأليفها..الخ، ولذا فإنِّنا نرى كُتب مَنْ عاش في القرن السادس -أو الخامس- وما بعده فيها نوع ترتيبٍ وجمعٍ لمسائل الباب الواحد في محل واحد، وكذا شموليةٍ لغالب أصول مسائل الإيمان، بالإضافة إلى تجنب بعض الاصطلاحات التي ربما كان يستخدمها بعض المتقدمين فرأى المحققون اجتنابها لما طرأ عليها من الإيهام فيما بعد، بالإضافة لمزايا أخرى [1].
فلذا كانت طريقة أكثر العلماء في التدريس التسلسلي للعقيدة الاعتماد على بعض المتون التي كُتبت فيما بعد القرون المفضلة، التي قد رُتبت بل بالغ أصحابها في الاعتناء بترتيبها وإحكام عبارتها، ووفقهم الله لتيسيرها واختصارها [2] بما يناسب مرحلة الطالب [3]، فهم يتحرون ما كان منها جامعًا سهلًا مختصرًا، ثم يرتبونها بحسب السُّلم التعليمي في ذلك الفن.
ولا يعني هذا أنَّ مشايخ السنة لا يهتمون بكتب المتقدمين على وجه التدريس، لا أبدًا! فهي المرجع في تقريراتهم وكتبهم، وإنما قد لا يدخلونها في السُّلم التعليمي الذي يتبعه الناشئة والمتوسطون، لكن قد يُدرِّسونه كدورة منفصلة أو درس جانبي، أو درس مُتقدم للمنتهين إن كان الكتاب مبسوًطا ككتاب الشريعة للآجري، أو أصول السنة للخلال، أو السنة لمحمد بن نصر، أو الإبانة الكبرى لابن بطة وغيرها من كتب المتقدمين المسندة وغير المسندة –رحمة الله عليهم-، وطبيعة هذه الدروس أن تحتوي على تعليقات يسيرة وفوائد شتى، ولا يكون فيه الشرح لكل مسألةٍ وعبارةٍ تمرُّ في الكتاب، باعتبار أنَّ السامع له باعٌ في العلم الشرعي، ويكون مراد الشيخ إفادة الطالب وإيقافه على النكت والدقائق، ولفت نظره إلى بعض البحوث.
ثالثًا: مما ينبغي التنبه له أنَّ حفظ المتون ليس مقصودًا لذاته، وإنما هو وسيلة ليعتاد الطالب على:
أ- تقسيم مسائل الفن ليسهل عليه فهمها.
ب- ليعتاد على ربط المسائل بأدلتها –إن كان المتن مُزينا بالأدلة-.
ت- وليعتاد على سرعة استحضار الأدلة:
فكم منَّا قد يحفظ القرآن وكثيرًا من السنة المطهرة، لكنه إذا قيل له : هاتِ الأدلة على المسالة الفلانية! ربما تتأتأ، وهذا ليس بقادح بإطلاق، لكن مسائل العقيدة وخاصة أصولها -لابد لمن أراد أنْ يَبرع فيها، وأن يكون شوكة في حلوق المخالفين أن يضبط هذه الأبواب وأدلتها.
إلى غير ذلك من الفوائد، وشاهدي مما ذكرتُ أنَّ حفظ هذه المتون إنما هو وسيلة لا غاية مقصودة، وعلى هذا فأنت أخي السائل الآن انظر، هل هذا المتن مما هو للمبتدئ بحيث يكون مشتملًا على التقاسيم وسرد الأدلة..الخ أم لا؟ ، ثم ما هو منزلة هذا المؤلِّف والمؤلَّف؟ وفي حالتنا المؤلِّف هو: إمامٌ جليل بل هو إمام أهل السنة في زمنه، والمؤلَّف مما تداوله أهل العلم وقبلوه[4].
فإذا كان كذلك فإنَّ حفظ بعضَ المقاطع من هذا المتن مهمٌ للطالب ومقوىٍ لحجته، خاصة في المسائل التي كثُر فيها الخلاف مع أهل البدع، فحينها يكون حفظ عبارات الإمام أحمد في تقريرها قاطعٌ للحجة خاصة عند من ينتمي للإمام في مذهبه الفقهي ويعظمه ويجله.
أما حفظه بأكمله فهذا راجعٌ حقيقة لهمتك، لكن كما ذكرتُ لك لو حفِظتَ بعض المقاطع التي تكون حجة لك عند النقاش والتعليم فحسنٌ، وبقية المسائل لو تفهرسها فمثلًا: تجعل فهرسا بكل المسائل التي تكلم عليها الإمام في الرسالة، ثم تحفظها بحيث تستطيع الإحالة على الرسالة فتقول: وقد قرر هذا الإمام أحمد في رسالة عبدوس". وإن لم تحفظ نص العبارة، أما المسائل التي كثُر فيها الخلاف فحبذا لو حفظتها بالنص.
هذه أفضل طريقة أراها وهي التي أمشي عليها أنا والله تعالى أعلى وأعلم.
ولا أنسى أنْ أذكر بخصوص أصول السنة فله شروحٌ عديدة منها:
شرح العلامة ربيع بن هادي المدخلي، وشرح العالم السني عبيد بن سليمان الجابري، وشرح العالم الفقه الأديب زيد المدخلي -حفظ الله الجميع-، والأول مطبوع ولله الحمد، والأخيرين قد فرغهما أخونا الفاضل سالم الجزائري وفيهما فوائد خاصة في الأسئلة الـمُقدَّمة للشيخين والحمدلله رب العالين.
وأعتذر أخيرًا عن القصور الواقع في المشاركة، فبركة الأوقات قد ذهبت، و لولا حب نفع الإخوان لما كتبته، والكريم من يتجاوز عن الزلل والله أعلم.
الهامش:
[1]وكتب المتقدمين هي الأصل كما سيأتي، ويكفي في شرفها شرف من كتبها، إضافة لهذا فإنَّ كثيرا منها قد نال شرف الإسناد فهي منقولة بالأسانيد العالية، فيا حبذا القراءة فيها.
[2] وربما دخل فيها -بسبب الشهرة والتداول بين أهل العلم- ما غيره أولى منه بالنظر لهذه الصفات.
[3] ومما أعان بعض العلماء على ذلك أنه قد يُطلب منهم التأليف لطبقة معينة من الطُلاب فيأتي الكتاب موافقًا غاية الموافقة لتلك المرحلة فقُدم على غيره، ومثاله في ظني "الأصول من علم الأصول" للعلامة العثيمين – رحمه الله
[4] حيث إنَّ بعض الكتب قد طعن فيها علماء السنة، -وإن كانت منسوبةً لأهل الفضل- وذلك إمَّا:
لعدم صحتها عن ذلك الإمام كبعض الرسائل المنسوبة للإمام أحمد ففيها بعض العبارات المنكرة التي هي مخالفة لطريقته رحمة الله عليه.
أو بسبب ما يعتري البشر من الخطأ والزلل، والمعصوم من عصمه الله.
تعليق