الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعزّ محمد علي فركوس -حفظه الله-
الفتوى رقم: 1050
الصنف: متنوعة- العلم والعلماء
في اختيار المتن الفقهي المناسب لمبتدئ في الطلب
السـؤال:طالبُ علمٍ مبتدئ يلتمس من فضيلتكم نصيحة حول أهمِّ الكتب في علم الفقه، والطريقة الناجعة للاستفادة منها، وهل تنصحون -فضيلة الشيخ- بدراسة الفقه المذهبي؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجـواب :
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإنه بغضِّ النظر عن الجوانب العلمية التي ينبغي لطالب علمٍ مبتدئٍ أن يحرص عليها، وكذا الجوانب التربوية والخُلُقية التي يسعى إلى التحلِّي بها، فإنَّ أهمَّ الكتب التي يظهر لي أن أنصح بها المبتدئ في مجال علم فروع الفقه هو متن «الدُّرر البهيَّة في المسائل الفقهيَّة» للإمام محمَّد بن علي الشوكاني -رحمه الله- المتوفى في (1250ﻫ)، فهو متنٌ فقهيٌّ مختصرٌ مباركٌ، صغيرُ الحجم غزير الفائدة، جامع لعيون المسائل الفقهية التي ذكرها المصنِّف وأثبت حُجِّيتَها بالدليل في مجمل كتبه الفقهية الأخرى، وللطالب أن يستفيد من الشروح التي على هذا المختصر الفقهي، وفي طليعتها ما شرحه المصنِّف بنفسه في كتابٍ موسوم ﺑ«الدَّراري المُضيئة شرح الدُّرر البهيَّة»، ثمَّ يليه ما شرحه ابن المصنِّف: أحمد بن محمَّد بن علي الشوكاني -رحمه الله- المتوفى سنة (1281ﻫ) وسمَّى شرحه ﺑ«السُّموط الذَّهبيَّة الحاوية للدُّرر البهيَّة»، وممَّا ينتفع به الطالب -أيضًا- ما شرحه صدِّيق بن حسن خان القِّنَّوجِي البخاري -رحمه الله- المتوفى سنة (1307ﻫ) في كتابٍ سمَّاه «الرَّوضة النَّديَّة شرح الدُّرر البهيَّة»، وللشيخ محمَّد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- المتوفى سنة (1420ﻫ) تعليقات عليها بعنوان «التعليقات الرضية على الرَّوضة النَّديَّة».كما للمبتدئ أن يستفيد من كتاب «فقه السُّنَّة» مع تعليق الشيخ محمَّد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- وهو كتابٌ موسوم ﺑ«تمام المنة في التعليق على فقه السنة»؛ لأنَّ فيه مسائل كثيرة مقرونة بأدلتها، ولئلاَّ يتذبذب المبتدئُ وتفتر هِمَّتُه ويتقهقر في ميدان الطلب فأنصحه بدراسة المسائل على يد أهل الثقة والأمانة والبضاعة في العلم إن تيسَّر له ذلك.
هذا، ولَمَّا كان علم فقه الفروع يحتاج إلى العمل به في الحال بعد تحصيله من غير تأخير وجب على الطالب الاعتصام باتباع الدليل والعمل بالوحي دون الاقتصار على الأقوال المجرَّدة عن أدلتها؛ لأنَّ الله تعالى سمَّى العمل بالوحي اتباعًا في مواضع كثيرة منها قوله تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ﴾ [الأنعام: 155]، وقوله تعالى: ﴿اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ [الأعراف: 3]، وقوله تعالى: ﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ [الأنعام: 106]، فكان المقصود من العلم بفقه الفروع هو العمل على عبادة الله سبحانه وَفْقَ شرعه، وهذه الغاية لا تخدمها الدراسة الفقهية المذهبية المعزولة عن الدليل خاصَّة المختصرات لما فيها من جهود وعناء يضيع فيها جُلُّ الوقت في حَلِّ مُقفَلها وبيان مُجمَلها، وقد نَبَّه العلماء إلى آفة المختصرات لما فيها من مشاقَّ وأضرارٍ، ومن بين أضرارها أنها تورِّث طالب العلم العزوفَ عن معرفة الدليل والاستغناءَ عن الوحي بأقوالِ الرجال ووزْنَ ما جاء في الكتاب والسُّنَّة على رأي المتبوعين، الأمر الذي يفضي إلى التعصُّب المذهبي والانتصار لإمام المذهب والإعراض عن الوحي، وتَنْزِيل الإمام المتبوع في أتباعه مَنْزِلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أُمَّته، ونحو ذلك كما هو مشاهَدٌ وملموس من عموم الملتزمين بالمذهب الذي يجعلونه سبيلاً ودعوةً يدعون إليها يوالون ويعادون عليها، فهذه النتائج السلبية تنعكس على جماعة المسلمين وتحدث الفتن بين أهل المذاهب، وتفرِّق وحدتهم وصفَّهم. ووقوعُ الفتن بين المذاهب من أهمِّ أسباب تسلُّط الأعداء على المسلمين الذين تركوا الاعتصام بالجماعة والائتلاف على الحقِّ.
هذا، وإذا كان لابد من اللجوء إلى المتون والمختصرات الفقهية المذهبية فإنه يلزم قبل دراستها أن تُستتبع بشرحٍ يضع أدلَّتها وينصب أعلامها، ويوضِّح وجوه دلالة أدلتها وأحكامها مع إيراد مذاهب السلف وترجيح ما عَضَّده البرهان وأيَّدته الحُجَّة مع السلوك في الترجيح سبيل الإنصاف بعيدًا عن الجَوْرِ والاعتساف، ليكون أوفر للطالب حظًا لمعرفة الحُجَّة وتبيان المحجة، وأدعى للارتقاء في مدارج هذا العلم باستيعاب المسائل وفهم الأحكام المبنية على أدلتها ووجوه الاستفادة منها.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
تعليق