[موصل الطلاب لأبي حاتم اليافعي]
[المنهجية في تحصيل الفرض الكفائي من العلم]
لم يتعرض الشوكاني رحمه الله لدخول حفظ القرآن سوى الواجب منه كالفاتحة و حفظ السنة فيما يتعلق بالقيام للفرض الكفائي من العلم و الذي يظهر – و الله أعلم – أن سبب إغفاله ذكر ذلك باعتبار أن ما يتوقف عليه الفرض الكفائي من ذلك يجده طالب العلم في مظانه من كتب العلم مذكوراً مبيناً في كل موضوع و مقصود من فقه و عقيدة و توحيد أو لأنه حاصل بكتب القرآن و تدوينه في المصاحف و بتدوين السنة في الصحاح و المسانيد و سائر كتب الحديث و الرجوع إليها عند الحاجة إلى الاستدلال على الأحكام الشرعية بها .
قلت : و لا سيما في أيامنا هذه التي عظمت فيها العناية بخدمة القرآن و السنة و تقريب دلائلها و تسهيل الوصول إلى المقصود منها فالقرآن بجمع الآيات في كل موضوع في جزء مستقل أو بفهرسة كلماته و السنة بصنع الفهارس الحرفية و الموضوعية لكل كتاب أو جمع الأحاديث في كتب مستقلة كـ(بلوغ المرام) للحافظ ابن حجر و(الأحكام الوسطى) للأشبيلي و (المحرر) لابن عبد الهادي و (عمدة الأحكام الكبرى) لعبد الغني المقدسي و (المنتقى) للمجد ابن تيمية و غيرها.
و مما يدل على صحة المعنى أن أهل العلم من الأصوليين و غيرهم ذكروا من شروط الاجتهاد الذي هو فرض الكفائي من العلم بأدلة الأحكام الشرعية من القرآن و السنة ثم ذكروا أنه لا يشترط حفظ ذلك و بينوا ما يكفي و يفي بالغرض.
قلت : و ليس معنى هذا تزهيد طالب العلم عن حفظ القرآن وما تيسر من السنة. بل الأولى بطالب العلم أن يعتني بحفظ القرآن لأنه حياة القلوب و انشراح الصدور و أن يأخذ قسطاً وافراً من السنة و أن يكون له نصيب من ذلك حتى يقوى اجتهاده و يسهل عليه الوصول إلى المقصود في وقت قريب لأن الحفظ يرشد إلى محل الدلائل و إلا فإن طالب العلم إذا خلا من ذلك يُلمس ضعفه و هزل تقريره للمسائل في كلامه و كتاباته و من حفظ الحجج و الدلائل قوي باعه و اتسع اطلاعه و من جرب عرف.
قال النووي في (مقدمة المجموع) (1\633) : و ينبغي - أي لطالب العلم – أن يبدأ من دروسه على المشايخ و في الحفظ و التكرار و المطالعة بالأهم فالأهم .اهـ.
** (القرآن) :
فيبدأ بحفظ القرآن فإنه أصل العلوم و أمها و أهمها كما قاله ابن جماعة في (التذكرة) (ص135) مع العناية بدراسة أحكام التجويد و القراءة و يكفيه (متن تحفة الأطفال) للجمزوري مع شرحها (فتح الأقفال) له – أيضاً - أو شرح الفقيه المسمى بـ( فتح ذي الجلال) أو يأخذ (فتح المجيد في أحكام التجويد) لأبي تراب الإندونيسي أو (الملخص المفيد) لبعض المعاصرين أو نحوه مما يقوم مقامه و يحفظ في ذلك متن (تحفة الأطفال) و هذا كاف – إن شاء الله – لمعرفة مهمات أحكام التجويد الواجبة.
قال الآجري في (أخلاق أهل القرآن) (ص135) في بيان ما ينبغي على من يقرأ القرآن قال : و أحب أن يتلقن ما يعلم أن يضبط و هو أعلم بنفسه إن كان يعلم أنه يحتمل في التلقين أكثر من خمس خمس فلا ينبغي له أن يسأل الزيادة و أن كان يعلم أنه لا يحتمل أن يتلقن إلا ثلاث آيات لم يسأل أن يلقنه خمساً فإن لقنه الأستاذ ثلاثاً لم يزد عليها و علم هو من نفسه أن يحتمل خمساً سأله أن يزيده على أرفق ما يكون.اهـ
قال النووي في (مقدمة المجموع) (1\633) : و إذا حفظ -أي القرآن- فليحذر من الاشتغال عنه بالحديث و الفقه و غيرها اشتغالاً يؤدي إلى نسيان شيء منه أو تعريضه للنسيان.اهـ
** (السنة ) :
و ينتقل بعد الانتهاء من حفظ القرآن إلى حفظ كتاب من كتب السنة و يحفظ كل يوم بحسب قدرته و طاقته بإتقان – أيضاً –
قال ابن الجوزي في (الحث على حفظ العلم) (ص23) بعد أن ذكر ما ينبغي تقديمه من معرفة الاعتقاد و الواجبات قال : حفظ القرآن ثم سماع الحديث. اهـ
و قال الخطيب في (الجامع) : ثم الذي يتلو القرآن من العلوم –أي الحفظ- أحاديث رسول الله ﷺ و سننه ... إذا كانت أسُّ الشريعة و قاعدتها قال الله تعالى : ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر : 7].
و قال تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾[ النساء : 80]
و قال تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (*) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [ النجم
: 4-5]
و قال ابن أبي العز الحنفي في (الإتباع) (ص8 : فالواجب على من طلب العلم النافع أن يحفظ كتاب الله و يتدبره و كذلك من السنة ما تيسر له و يطلع منها و يتروى.اهـ
و الأولى بطالب العلم أن يسلك في حفظ السنة الطريقة القريبة الجامعة النافعة فيحفظ:
1) (صحيح مسلم ) لسهولته و حسن سياقه باتفاق و إن كان لا شك أن (صحيح البخاري) أعظم فائدة و نفعاً و أصح و لكن المقصود اختيار الطريقة السهلة في الحفظ.
2) ثم ينتقل إلى أفراد البخاري تكميلاً لحفظ (الصحيحين) و فيه كتاب أخينا الشيخ أبي عمرو الحجوري المسمى بـ(تلبية الأماني) أو غيره مما يقوم مقامه فإن شاء بعد ذلك مر على
3) (صحيح البخاري) للوقوف على تبويباته الفقهية النافعة . و إن شاء بدا بحفظ (صحيح البخاري) ثم أتم حفظ (الصحيحين) بحفظ أفراد مسلم.
4) ثم ينتقل بعد حفظ الصحيحين إلى كتاب (الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين) للشيخ الإمام الوادعي رحمه الله لمجيئه في الرتبة و الصحة بعد (الصحيحين) و لأنه شامل لكثير من الأحاديث الصحيحية التي في السنن و المسانيد و غيرها و بحفظه يقف طالب العلم على أصح ما خرج عن الصحيحين من الأحاديث لأن مؤلفه رحمه الله سلك فيه مسلك التحري و التزم فيه الصحة فيجتمع له بذلك فائدة عظيمة إن شاء الله.
فبهذا يكون قد جمع من حفظ السنة التي تدور عليها الأحكام أكثرها.
ويغنيه ذلك عن حفظ ما دونها من الكتب كـ(بلوغ المرام) و (عمدة الأحكام) و(رياض الصالحين) لأن ما حفظه يجمع له كل ما فيها سوى أحاديث قليلة في بعضها كـ(البلوغ)و (الرياض) مما لم تذكر في (الصحيح المسند) لضعفها و يمكنه أن يمر عليها مروراً لا سيما كتاب رياض الصالحين ليفيده في الخطب و المواعظ.
و ما قد يفوته يمر معه إن شاء الله مع الاستمرار في طلب العلم و البحث و القراءة و المطالعة في كتب الحديث لا سيما المخرج منها كـ(كتب الإمام الألباني) رحمه الله و غيرها من كتب التخريج المشهورة التي يأتي ذكرها في بابها.
.......[يتبع - إن شاء الله- النقل المنتخب من كتب المنهجية في الطلب ].......
تعليق