نصائح لطلبة العلم
منتخبة من
شرح ثلاثة الأصول
للشيخ
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
-حفظه الله تعالى-
[مفرّغ]@
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على رسول الرحمة محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه الأخيار الكرام ومن تبعهم على نهجهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
هذه المجموعة الثانية من النصائح وهي ملتقطة من شرح ثلاثة الأصول للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ لطلبة العلم لعلنا نحصِّل بها حكمة، وقد قال الشاعر وما أحسن ما قال:
اليوم علم وغدا مثلُـه من نُخب العلم التي تُلتقط
يُحصِّل المرء بها حكمة وإنما السيل اجتماع النقط
وقال في أول شرح ثلاثة الأصول الشريط الأول والوجه الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
نسأل الله جل وعلا أن يبصرنا بالحق وأن يمن علينا بالالتزام به، وبالثبات عليه، حتى يتوفانا وهو راضٍ عنّا.
هذه الدروس متنوعة، منها درس في ثلاثة الأصول وهي رسالة لإمام هذه الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وبعدها درس في الورقات للجويني في أصول الفقه, وهذا بعد العصر, وبعد المغرب إن شاء الله تعالى, يكون ثَم درسان؛ الأول في التفسير؛ وسنفسر إن شاء الله تعالى سورة تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير؛ المسماة سورة الملك، وبعدها درس في الحديث؛ نشرح فيه إن شاء الله تعالى، ما نتمكن من شرحه من الأربعين النووية، على وجه الاختصار والإيضاح إن شاء الله تعالى.
سبب الاختيار، أن هذه الدروس مدتها وجيزة أولا من حيث الزمن؛ لأنها مُقْتَطَعة من هذه العطلة، وبالتالي هي غير متصلة، فلهذا يناسب أن يشرح فيها أشياء تُنبه طلاب العلم إلى ما يجب أن يسلكوه في طلب العلم؛ لأن الكثير من الشباب يحب العلم، ويروم طلبه, لكنه لا يوفق إلى الطريق الصحيح لطلب العلم، فمنهم من مضى عليه سِنُون عددا يقرأ وربما يبحث، لكن لو فتّش في نفسه لوجد أنه لم يحصل من العلم ما به يكون على أرض يمكنه المشي عليها في طريق العلم اللاّحد الطويل؛ وسبب ذلك أنه فقد التأصيل العلمي الذي كان يعتني به العلماء منذ قرون كثيرة.
رسالة ثلاثة الأصول, رسالة مهمّة لكل مسلم، وكان العلماءُ -أعني علماءنا- يعتنون بها شرحا، في أول ما يشرحون من كتب أهل العلم، ذلك؛ لأن فيها الجواب عن أسئلة القبر الثلاث؛ ألا وهي سؤال الملكين العبد عن ربه، وعن دينه، وعن نبيه، وهي ثلاثة الأصول يعني معرفة العبد ربه؛ وهو معبوده، ومعرفة العبدِ دينه؛ دين الإسلام بالأدلة، ومعرفة العبد نبيه عليه الصلاة والسلام، فمن هاهنا جاءت أهمية هذه الرسالة؛ لأن فيها من أصول التوحيد والدين الشيء الكثير.
وأصول الفقه مهمة أيضا والعناية بها ضعيفة فيما أحسب وأسمع، وتأتي أهميتها لأنه كثر المجتهدون دون معرفةٍ لأصول الاستنباط، والاستنباط له أصوله؛ أصول الاستنباط هي أصول الفقه, فكم سمعنا من متكلم في مسائل شرعية, لم يحسن الكلام عليها تأصيلا و لا استنباطا, ويظن أنه محسن مصيب في استدلاله, لم؟ من أين أتاه الغلط؟ أتاه من ضعفه بأصول الفقه, نعم, إن هذه الورقات مقدمة في أصول الفقه, لم تشتمل من أصول الفقه إلا على أشياء يسيرة, فلا تهيئ تلك الرسالة طالب العلم إلى أن يفهم الأصول كما ينبغي, ولكنها تعطيه مفاتيح يدخل بها بيت أصول الفقه.
وأما التفسير, تأملتُ فترة فيما أختاره في التفسير, هل أختار تفسير سورة الفاتحة؟ أم أختار تفسير جزء عم؟ باعتبار أنه كثيرا ما يقرأ في المساجد في الصلوات الجهرية, وربما قرأه كثيرا من المسلمين, بله طلاب العلم في صلاتهم، وربما لم يدركوا، أو لم يعلموا كثيرا من معاني التي يتلونها كثيرا ويسمعونها كثيرا, لكن لقصر الوقت نظرت في أن سورة تبارك اشتملت على أصول عظيمة, ويمكن ببيان وتفسير آياتها ما يُنبه طلاب العلم على ضرورة الاعتناء بالتفسير, خاصة تفسير الآيات التي تحفظُها, والتي تقرأُها في صلاتك والتي تسمعها، فكم يُعاب المرء أن يَسمع كلاما يردد عليه وهو يجهل معناه، تُردد عليه قصار السور وربما جهل بعض تلك المعاني، ليس الجهل عيبا, لكن الإصرار على الجهل هو العيب, وما أحسن قول أبي الطيب المتنبي حيث قال:
ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام
وأنتم أيها الشّبَبَة قادرون بلا شك على التعلم، قادرون على الفهم, قادرون على الفقه, لكن العيب يأتي من إضاعة الوقت في غير ما ينفع, التفسير مهم ومعرفة معاني الآيات وسيلة –لاشك- من وسائل الثبات على الإيمان, وتحصيل العلم النافع.
بعد التفسير الأربعون النووية, وهذه الأربعون النووية جمعت أحاديث، شهد العلماء بعد محي الدين يحيى بن زكريا النووي -رحمه الله تعالى رحمة واسعة- على حسن اختياره لها, وعلى أنها جمعت الأحاديث التي عليها مدار الإسلام, لهذا اعتنى العلماءُ بشرحها؛ هذه الأربعون, ينبغي لنا أن نحفَظَها, وينبغي أن نفهم معانِيَها, وأن نقرأَ ما قاله العلماء في شرحها.
هذه مقدمات لهذه الدروس, هذه المقدمات التي قدمتُ بها, أردتُّ منها أن أرشدك إلى أن العلم لا يُنال مرة واحدة, وإنما يُنال العلم على مر الأيام والليالي, كما قال ابن شهاب الزهري رحمه الله تعالى، فيما رواه ابن عبد البر في كتاب الجامع قال: "من رام العلمَ جملة ذهب عنه جملة، إنما يُطلب العلم على مرِّ الأيام والليالي" وهذا حق, العلم يبدأ بتحصيل صغاره قبل كباره، إذا حصلت صغار المسائل قبل الكبار فأنت على طريق العلم، وأما إذا ابتدأت بالكبار دون معرفة الصغار؛ صغار المسائل؛ واضحات المسائل, وابتدأت بالكبار التي فيها خلاف، تحتاج إلى بحث، تحتاج إلى ترتيب, تنازع العلماء فيها, كما هو ديدن بعض طلبة العلم، أو بعض المبتدئين في العلم، فإنه يذهب عنك العلم، لهذا أأكد على ضرورة تأصيل العلم والسير فيه خطوة فخطوة, وإنما يطلب العلم على مر الأيام والليالي:
اليوم علم وغدا مثلُـه من نُخب العلم التي تُلتقط
يُحصِّل المرء بها حكمة وإنما السيل اجتماع النقط
وهذا واقع، وقد ذكر الخطيب البغدادي بإسناده في كتاب الجامع ببيان أدب السامع، ذكر حكاية عن أحد رواة الأحاديث، بأنه طلب العلم، وحرص على لقاء الشيوخ، وأخذ عنهم، لكنه لم يحفظ، مرت عليه الأيام ولم يحفظ، لم يفهم، ومضى الوقت وهو على هذا فظن أنه لا يصلح للعلم فترك العلم، فبينما هو يسير مرة إذا بماء يتقاطر على صخرة، وهذا الماء قد أثَّر في الصخرة، فحفر فيها حفرة، فنظر متأملا فقال: هذا الماء على لطافته أثر في هذا الصخر على كثافته، فليس العلم بألطفَ من الماء، يعني بأخف من الماء، وليس قلبي وعقلي بأكثف من الصخر، ورجع يطلب العلم من جديد، وحصَّل وأصبح من رواة الحديث الذين لهم شهرة.
إذن فالعلم يحتاج إلى مواصلة ما نيأس نواصل, نواصل, نحفظ، ندارس, لكن ينبغي بل يجب أن يكون على أصوله خطوة فخطوة، ومن بدأ من الأهم ثم أعقبه بالمهم، فإنه يحصّل إن شاء الله تعالى.
وقال في الوجه الثاني من الشريط الأول
لأجل أن هذه الرسالة؛ رسالة علم، كلها شرح وبيان للمسألة الأولى، للواجب الأول، ألا وهو العلم، فينبه طالب العلم أن العلم مهم, مهم للغاية، حتى إنه قبل القول والعمل، فقبل أن يستغفر العبد، لابد أن يعلم العلم الواجب عليه، وهذا العلم هو الذي ينجيه بنفسه، هو الذي ينجي به نفسَه -بفضل الله جل وعلا- إذا سئل عن هذه المسائل الثلاثة.
الشيخ رحمه الله تعالى يريد أن يبين لك، ثلاثة الأصول هذه، والمسائل المتعلقة بها، فأكد لك أهمية العلم بقوله، فيما ساق عن البخاري (باب العلم قبل القول والعمل)، العلم قبل ولاشك؛ ولهذا قال ابن القيم رحمه الله تعالى، وما أحسن ما قال، يقول:والجهلُ داءٌ قاتل. صدق؛ الجهل داء قاتل، قال:
والجهلُ داء قاتلٌ وشفـــاؤه
أمران في التركيب متفقـانِ
أمران في التركيب متفقـانِ
[نص من القرآن أو من سنـة
وطبيب ذاك العالم الربانـي
والعلم أقسام ثلاث]([1]) مالــها
من رابع والحق ذو تبيــانِ
علم بأوصاف الإلـه وفعلــه
وكذلك الأسماء للديـــانِ
والأمر والنهي الذي هو دينـهوجزاؤه يوم المعاد الثانــي
جاءت عن المبعوث بالفرقان
والله ما قال امرؤ متحذلــق
بسواهما إلا من الهذيــان
بين أن الجهل داء قاتل، بما يُزال الجهل؟ قال (بنص من القرآن أو من سنة).
من طبيب ذاك الذي يرشدك ويبين لك؟ قال(وطبيب ذاك العالم الرباني), ليس كل منتسب للعلم ولكن هو العالم الرباني، الذين وصفهم الله جل وعلا في سورة آل عمران، بقوله ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ﴾[آل عمران:79].
ثم بين العلم هذا ما هو -الذي تسعى إليه-؟، فقال (علم بأوصاف الإلـه وفعلـه وكذلك الأسماء للديـان)، هذه شملت التوحيد؛ توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
ثم قال العلم الثاني ما هو؟ قال(والأمر والنهي الذي هو دينه) يعني الفقه؛ الأمر والنهي، الأحكام؛ الحلال والحرام، هذا مأمور به، وهذا منهي عنه، هذا افعله، وذاك لا تفعله، هذا النوع الثاني من العلم النافع.
والثالث (وجزاءه يوم المعاد الثاني)الذي هو العلم بما يكون يوم القيامة، ووسائل ذلك.
الشيخ رحمه الله تعالى يقول (العلم قبل القول والعمل)، نعم، وصدق رحمه الله، فالعلم إذا كان قبل القول والعمل بورك لصاحبه في القليل، وإن كان العملُ و القول قبل العلم ربما كانت الأعمال و الأقوال جبالا، ولكنها ليست على سبيل نجاة، ولهذا روى الإمام أحمد في الزهد وأبو نعيم وجماعة عن أبي الدّرداء أنه قال: «يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم، كيف يغبِطُنا سهر الحمقى وصومهم، ولمثقال ذرة مع بِرٍّ ويقين أعظم عند الله من أمثال الجبال عبادةً من المغترين» يقول يا حبذا، يعني يتمنى نوم الأكياس, الأكياس من؟ (إن لله عبادا فطنا) هؤلاء هم الأكياس الذين حيوا؛ قلوبهم صحيحة، عقولهم صحيحة، يقول يا حبذا نوم الأكياس؛ أهل العلم، وإفطارهم، ناموا، والحمقى على كلام أبي الدرداء سهروا ليلهم في صلاة، لكن هؤلاء لا يستوون عند أبي الدرداء مع أولئك؛ لأن أولئك عبدوا الله جل وعلا على جهل، وهؤلاء عبدوا الله بعبادات قليلة، ولكنها مع علم وبصيرة فكانوا أعظم أجرا، بحيث قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ولمثقال ذرة مع بر ويقين أعظم من أمثال الجبال عبادة من المغترين.
لهذا نقول العلم في غاية الأهمية, العلم في غاية الأهمية، ويُبدأ به قبل أي شيء, خاصة العلم الذي يصحح العبادة، يصحح العقيدة، يصحح القلب، ويجعل المرء في حياته يسير على بيِّنة وفق سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ليس على جهالة.
وقال في الوجه الأول من الشريط الثالث
مما ينبغي أن يتنبه له طالب العلم في مقامات الاستدلال أن تنويع الاستدلال عند الاحتجاج على الخرافيين والقبوريين وأشباههم مما يقوي الحجة؛ تُنوِّع الاستدلال؛ مرة بأدلة مجملة، مرة بأدلة مفصلة، مرة بأدلة عامة، مرة بأدلة خاصة حتى لا يُتوهَّم أنه ليس ثَم إلا دليل واحد يمكن أن ينازع المستدل به الفهم، فإذا نوعتها صارت الحجة أقوى والبرهان أجلى.
وقال في الوجه الأول من الشريط الرابع
الذبح من العبادات العظيمة، لكن قد يغفل الناس عن تعلق القلب وفعل الجوارح حين الذبح، وكيف تكون لله جل وعلا، ولهذا على طالب العلم أن يتعلم هذا إن لم يحسنه، يتعلم كيف يكون حال الذبح؛ حال ذبحه لذبيحته للأضحية وهي آكد وآكد وآكد، أو لغيرها، أن يكون موحدا تماما، يرجو في ذبحه أن يكون على غاية من العبودية في لسانه وقلبه وجوارحه؛ لأنه فيه حركة لسان للتسمية والتكبير، وفيه عمل القلب بأنواع من العبوديات ذكرت بعضها، وفيه أيضا حركة اليد، وهذا كله مما يجب أن يكون لله جل وعلا وحده.
وقال في الوجه الأول من الشريط الخامس
على طالب العلم أن يكون معنى الشهادتين واضحا في قلبه، واضحا في ذهنه، فاهما له، بحيث يستطيع أن يعبر عن ذلك بأيسر عبارة وبتنوع العبارة؛ لأن أعظم ما يدعا إليه ما دلت عليه الشهادتان.
فعلى طالب العلم أن يعوّد لسانه على تفسير الشهادتين بتنويع العبارة، وعلى حفظ الأدلة التي فيها معنى الشهادتين، وعلى تفسير ذلك.
وإذا دَرَبَ على ذلك، فسوف يرى أنه ستفتح له أبواب بفضل الله جل وعلا وبرحمته بمعرفة التوحيد وحسن التعبير عنه، وأما أن يترك طالب العلم نفسه لفهم ما دلّت عليه، دون أن يمرن نفسه على تأدية المعنى وتعليمه لأهله وللصغار، ولمن حوله ولمن يلقاه ممن لا يعلم حقيقة معنى هذه الكلمة، فإن هذا تضيعه النفس ولا يصدق على فاعله أنه طالب العلم؛ لأن العامي هو الذي يفهم ذلك؛ يفهم ذلك فهما، لكن لا يستطيع أن يعبر عن فهمه بالتعبير العلمي الصحيح، وأما طالب العلم فعليه أن يهتم بأصل الأصول هو تفسير الشهادتين، ومر معنا بعض ما يتصل بتفسيرها.
أسأل الله جل وعلا أن يلهمني وإياكم الرشد والسداد، وأن يجعل ألسنتنا لاهجة بالثناء عليه وبذكره، وجوارحنا مقيمة على طاعته، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
(1) غير موجودة فربما الشريط هو المقطوع.
فأرجو من الله عز وجل أن يرزقنا العمل بما نعلم وأن يزيدنا علما نافعا، آمين.
أخوكم:سالم الجزائري
منقول.......