الدعوة للعلم والعمل
العلامة الشيخ عبد الرزاق عفيفي
رحمه الله
الدعوة إلى العلم والعمل
وبعد ، فالعلم نور يتبين به الضار من النافع ، ويتميز به الخبيث من الطيب ، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر ، سيما علوم الدين التي تفرق بين الحق والباطل ،والهدى والضلال فتبصر العبد بربه ، وتعرفه بحقه سبحانه وحق عباده ، تكسبه رشدًا بعد غي ، وتفتح منه أعينًا عميًا ، وآذانًا صمًّا ، وقلوبًا غلفًا ، وبذلك ينعم في دنياه ، ويسعد السعادة الأبدية في أخراه ، ولا يكاد يعرف إنسان ناجح في الحياة العملية من عبادة أو دراسة أو كتابة أو سياسة أو صناعة أو زراعة أو غير ذلك إلا من كان على بينة وبصيرة بالوسائل العلمية التي يتوقف عليها عمله .
من هذا كان للعلم مزيته وفضيلته ، ومكانته في الحياة العاجلة والآجلة ، ولهذا سارع في طلبه العقلاء ، وتنافس فيه المتنافسون ، وبه تفاوت الكثير من الناس في منازلهم ودرجاتهم حسب تفاوتهم في مداركهم وتحصيلهم وإنتاجهم ، وبه انتظم الكون ونهضت الأمم ، وكان لمن برز فيه القدح المعلى ، والمقام الأسمى .
وإنما يكون ذلك لمن سدد الله خطاه ، وبصره بشئون دينه ودنياه ، فعلم وعلَّم ، وكان مثالاً يحتذى في قوله وعمله ، وسيرته وخلقه ، قال تعالى : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ )[الزمر :9] وقال : ( وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ(19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ(20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ(21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ )[فاطر : 19 - 22] وقال : ( أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ(19)
الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ(20)وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ(21)وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ )[الرعد : 19 -22] الآيات .
وليست منافع العلم وآثاره ، وأجره وثوابه ، وقفًا على من علم وعلّم ، وألف ودوّن ، بل ينال ذلك بفضل الله ورحمته من أعان عليه بوسائلهالمتنوعة ، وأسبابه الكثيرة ، من طبع الكتب النافعة والرسائل المفيدة ، ونشرها بين طلاب العلم ، وتيسير طريق وصولها إلى أيديهم ، وإنشاء المباني المناسبة لدراستهم وسكناهم ، وبذل ما يلزم لفقرائهم من النفقات ، والسخاء بما يكفل لهم راحة بالهم وتفرغهم لما قصدوا إليه ليتوفروا على الدراسة والتحصيل ، ويتمكنوا من التأليف والتبليغ ، فإن للوسائل حكم مقاصدها ، والساعي في الخير كفاعله : (وإنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه ) وفي الحديث : (لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الخير ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس ) .
ولقد انتدب في عصرنا جماعة من ذوي الوجاهة والثراء للإسهام في نشر العلوم الإسلامية ، وأخذتهم أريحية الكرم والجود ، وهزت مشاعرهم الآيات والأحاديث التي حثت على البلاغ ونشر الدين ، فبذلوا الأموال الطائلة في طبع الكتب والرسائل النافعة ، استجابة لما وقر في قلوبهم من الإيمان الصادق ، وغيرة على الإسلام وأهله ، ورغبة في الأجر والمثوبة عند الله ، وليكون له ذلك لسان صدق في الآخرين ، فيقتفي آثارهم من بعدهم من المحسنين ، ويصنع مثل صنيعهم ، وتلهج ألسنتهم بالدعاء بالرحمة والمغفرة لهم .
أسأل الله أن يوزع الجميع شكر نعمه ، ويهب لنا عزيمة صادقة ، وهمة عالية ، ونية صالحة ، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، ويجعل ما ذكر من الثناء والمحامد حافزًا لأهل الخير إلى الإكثار من فعل البر والإحسان ، ابتغاء مرضاة الله ، وطلبًا للحسنى والمثوبة عنده يوم لا ينفع المرء إلا ما قدمت يداه ، إنه جواد كريم رءوف رحيم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .