بسم الله الرحمن الرحيم
المنهجية في طلب العلم لفضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ
السؤال :
هذان سؤالان يؤديان إلى سؤال واحد أما الأول يقول : يا شيخ كيف الطريقة لطلب العلم النافع ؟ والسائل الآخر يقول : يا شيخ إني أحبكم في الله ، وأسأل الله أن يجمعنا بكم في دار كرامته ، وأريد إن شاء الله أن أكون عالما سلفيا مدافعا عن السلفية حتى آخر نقطة من دمي فما توجيهكم ؟
الجواب :
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه .
أما بعد :
فإجابة على السؤال الأول : قد كتب العلماء في هذا الموضوع : الطريق في طلب العلم ، وكيف يتدرج الإنسان ويترقى فيه ، وما يلزم ذلك من التجرد والإخلاص لله رب العالمين ، الذي هو أساس في طلب العلم ؛ لأن طلب العلم عبادة ومن أفضل ما يتقرب به إلى الله ، بل وأفضل من جميع التطوعات ، التطوع في الجهاد والصلاة وغير ذلك من التطوعات ، لأن السعادة في الدنيا والآخرة متوقفة على العلم الذي جاء به الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ الذي أوحاه إليهم رب العباد ، الذي خلق الخلق لعبادته ، وأرسل الرسل لهداية البشر إلى ما يسعدهم في الدنيا والآخرة .
وعلى كل حال : الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ربّى أصحابه على القرآن ، وكان يعلمهم عشر آيات ، يحفظونها ، ويتفقهون فيها ، ولا ينتقلون إلى غيرها إلا بعد أن أتقنوها علما وعملا .
فأنصح طلاب العلم : بالعناية بالقرآن حفظا ودراسة وتفهما ، وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبدأ من العقائد بالمنهج الذي اختاره أئمة الدعوة فيبدأ في العقيدة في توحيد العبادة بكتاب التوحيد ، أو ( الأصول الثلاثة ) و ( كشف الشبهات ) وأعمها وأحسنها ترتيبا وأوفاها هو ( كتاب التوحيد ) الذي يندر أن يؤلف مثله في أبواب هذا التوحيد .
ثم شروح هذا الكتاب ( فتح المجيد ) و ( تيسيرالعزيز الحميد ) و ( قرة عيون الموحدين ) وما شاكل ذلك ، بالإضافة إلى الرجوع إلى كتب التفسير المتعلقة بالآيات التي تتصدر أبواب هذا الكتاب ، فإن ذلك مما يوسع معرفة الطالب ويفتح أمامه آفاقا علمية .
وفي توحيد الأسماء والصفات : كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( الواسطية ) ، ثم ( الحموية ) ، ثم ( التدمرية ) ثم يتلوها شرح ابن أبي العز على ( العقيدة الطحاوية ) .
وفي الأحكام ومعرفة الحلال والحرام والمعاملات وما شاكل ذلك ، يأخذ ( بلوغ المرام ) أو ( عمدة الأحكام ) وإن استطاع حفظ ذلك فياحبذا ، ويرجع إلى شروح مثل هذين الكتابين .
ثم يتدرج بعد ذلك في هذه الأبواب الثلاثة فيأخذ من كتب اللغة ما يساعده على فهم مراد الله ـ تبارك وتعالى ـ ومن أبواب اللغة النحو والصرف والمعاني والبيان وما شاكل ذلك ، فإن هذه يعرف بها مراد الله من القرآن ، ويعرف بذلك إعجاز القرآن .
ويدرس كتب مصطلح الحديث يبدأ مثلا بـ ( نزهة النظر ) ثم ( دليل أرباب الفلاح ) للشيخ حافظ الحكمي ، ثم ( اختصار علوم الحديث ) لابن كثير ، ثم يترقى إلى دراسة الكتب الموسعة .
ويأخذ من أصول الفقه ، يتدرج مثلا من ( الورقات ) إلى ( الروضة )إلى ما شاكلها ، حتى تتوافر العلوم التي تساعده على فهم كتاب الله ـ تبارك وتعالى ـ وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهكذا .
هذه البداية وينطلق منها بعد ذلك إلى كتب العقائد الموسعة ، كتب السلف وهي كثيرة وإلى شروح السنة مثل ( سبل السلام ) ، ( المنتقى ) ، ( فتح الباري ) وما شاكل ذلك من الكتب التي اعتنت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شرحا وبيانا ، مع تجنب الإنحرافات العقدية التي قد توجد في بعض هذه الكتب ولا سيما ( فتح الباري ) ، صاحب الفتح رحمه الله وقع في تخبط في الصفات والعقيدة ليته كان تجنبها ، ولو تجنبها لكان شيخ الإسلام الثاني بعد ابن تيمية ، ولكن لله في خلقه شئون .
ثم يتدرج في كتب السنة يقرأ ( صحيح البخاري ) و( صحيح مسلم ) ، ( سنن أبي داود ) ، ( جامع الترمذي ) ،( سنن النسائي ) ، ( سنن ابن ماجه )، ويتوسع في علوم الحديث لأن العلوم كلها ما عدا الكتاب والسنة كلها وسائل ، بما في ذلك كتب الفقه ، كلها يجب أن يتخذها المسلم وسائل مساعدة ، تساعده على فهم مراد الله وفهم مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم من السنة .
ولا يركن إلى التقليد الأعمى الذي ضرب بجرانه الأمة وخلفها قرونا وقرونا وصارت في مؤخرة الأمم ، فوالله إن هذا التقليد لمن العوامل الشديدة التي أخرت المسلمين ، أنا لا أدعو الناس أن يخرجوا من أصل التقليد ، لكن الكثير الكثير من الناس يستطيعون أن ينهضوا بالأمة ، ويرفعوا راية الإجتهاد على طريقة السلف الصالح ، وعلى هذا الأمر استمرار الإجتهاد في هذه الأمة .
احتج الإمام أحمد ـ رضي الله عنه ورحمه ـ بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك " على استمرار الإجتهاد في هذه الأمة ، كذلك يبعث الله في هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها .
والأمة الآن بأمس الحاجة إلى علماء من أمثال أحمد وابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب علما وشجاعة وصدعا بالحق وقمعا للباطل ، وإلا فالمسلمون إذا استمروا على هذه الأوضاع فنسأل الله العافية ، ماذا سيستقبلهم من الكوارث ؟
تحتاج الأمة إلى مجددين ، فمن يأنس من نفسه الذكاء والفهم والوعي فعليه أن يجند نفسه ليتسنم مرتبة الراسخين في العلم المجتهدين المجاهدين الذين يبلغون رسالات الله على إثر الرسل ، ولا يخافون في الله لومة لائم ، فإن العلماء هم ورثة الرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ .
ولا يستحق هذه المرتبة مرتبة الوراثة إلا من سلك مسلكهم في الدعوة إلى الله ؛ إلى توحيد الله ، إلى إخلاص الدين لله ، إلى محاربة الرذائل والمعاصي والبدع ، كما هو شأن المصلحين في كل مكان وزمان ، فنحن لا نحتاج فقط إلى تحصيل العلم ، ثم نرقد ونجمد ونموت ونهبط بالأمة ، بل إلى علماء ينهضون بالأمة ، ينفخون فيها روح الحياة ، وأن يجنبوها طريق التقليد الأعمى والتعصب القاتل في العقيدة والعبادة والشريعة .
أعيد مرة أخرى ، لا يتصدى لهذا الجهاد والإجتهاد كل من هب ودب ؛ وإنما الأكفاء الذين يتمتعون بالمواهب والطاقات والعلم الواسع الذي يؤهلهم لهذه المرتبة والمنزلة الرفيعة في العلم .
فليدرك كل واحد من شباب الأمة أن الأمة بأمس الحاجة إلى هذه النوعيات الطيبة المباركة ، فمن أنس من نفسه قدرة تخدم الإسلام فليجند نفسه للعلم وليتخلص من أعباء الدنيا والمشاغل ، وليسخر طاقاته وإمكانياته كلها في تحصيل العلم والدعوة إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ على طريقة الرسل والمصلحين ، فنسأل الله أن يهيئ ذلك لهذه الأمة ، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير .
المصدر : فتاوى فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ [ج2 ص : 60]
المنهجية في طلب العلم لفضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ
السؤال :
هذان سؤالان يؤديان إلى سؤال واحد أما الأول يقول : يا شيخ كيف الطريقة لطلب العلم النافع ؟ والسائل الآخر يقول : يا شيخ إني أحبكم في الله ، وأسأل الله أن يجمعنا بكم في دار كرامته ، وأريد إن شاء الله أن أكون عالما سلفيا مدافعا عن السلفية حتى آخر نقطة من دمي فما توجيهكم ؟
الجواب :
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه .
أما بعد :
فإجابة على السؤال الأول : قد كتب العلماء في هذا الموضوع : الطريق في طلب العلم ، وكيف يتدرج الإنسان ويترقى فيه ، وما يلزم ذلك من التجرد والإخلاص لله رب العالمين ، الذي هو أساس في طلب العلم ؛ لأن طلب العلم عبادة ومن أفضل ما يتقرب به إلى الله ، بل وأفضل من جميع التطوعات ، التطوع في الجهاد والصلاة وغير ذلك من التطوعات ، لأن السعادة في الدنيا والآخرة متوقفة على العلم الذي جاء به الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ الذي أوحاه إليهم رب العباد ، الذي خلق الخلق لعبادته ، وأرسل الرسل لهداية البشر إلى ما يسعدهم في الدنيا والآخرة .
وعلى كل حال : الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ربّى أصحابه على القرآن ، وكان يعلمهم عشر آيات ، يحفظونها ، ويتفقهون فيها ، ولا ينتقلون إلى غيرها إلا بعد أن أتقنوها علما وعملا .
فأنصح طلاب العلم : بالعناية بالقرآن حفظا ودراسة وتفهما ، وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبدأ من العقائد بالمنهج الذي اختاره أئمة الدعوة فيبدأ في العقيدة في توحيد العبادة بكتاب التوحيد ، أو ( الأصول الثلاثة ) و ( كشف الشبهات ) وأعمها وأحسنها ترتيبا وأوفاها هو ( كتاب التوحيد ) الذي يندر أن يؤلف مثله في أبواب هذا التوحيد .
ثم شروح هذا الكتاب ( فتح المجيد ) و ( تيسيرالعزيز الحميد ) و ( قرة عيون الموحدين ) وما شاكل ذلك ، بالإضافة إلى الرجوع إلى كتب التفسير المتعلقة بالآيات التي تتصدر أبواب هذا الكتاب ، فإن ذلك مما يوسع معرفة الطالب ويفتح أمامه آفاقا علمية .
وفي توحيد الأسماء والصفات : كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( الواسطية ) ، ثم ( الحموية ) ، ثم ( التدمرية ) ثم يتلوها شرح ابن أبي العز على ( العقيدة الطحاوية ) .
وفي الأحكام ومعرفة الحلال والحرام والمعاملات وما شاكل ذلك ، يأخذ ( بلوغ المرام ) أو ( عمدة الأحكام ) وإن استطاع حفظ ذلك فياحبذا ، ويرجع إلى شروح مثل هذين الكتابين .
ثم يتدرج بعد ذلك في هذه الأبواب الثلاثة فيأخذ من كتب اللغة ما يساعده على فهم مراد الله ـ تبارك وتعالى ـ ومن أبواب اللغة النحو والصرف والمعاني والبيان وما شاكل ذلك ، فإن هذه يعرف بها مراد الله من القرآن ، ويعرف بذلك إعجاز القرآن .
ويدرس كتب مصطلح الحديث يبدأ مثلا بـ ( نزهة النظر ) ثم ( دليل أرباب الفلاح ) للشيخ حافظ الحكمي ، ثم ( اختصار علوم الحديث ) لابن كثير ، ثم يترقى إلى دراسة الكتب الموسعة .
ويأخذ من أصول الفقه ، يتدرج مثلا من ( الورقات ) إلى ( الروضة )إلى ما شاكلها ، حتى تتوافر العلوم التي تساعده على فهم كتاب الله ـ تبارك وتعالى ـ وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهكذا .
هذه البداية وينطلق منها بعد ذلك إلى كتب العقائد الموسعة ، كتب السلف وهي كثيرة وإلى شروح السنة مثل ( سبل السلام ) ، ( المنتقى ) ، ( فتح الباري ) وما شاكل ذلك من الكتب التي اعتنت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شرحا وبيانا ، مع تجنب الإنحرافات العقدية التي قد توجد في بعض هذه الكتب ولا سيما ( فتح الباري ) ، صاحب الفتح رحمه الله وقع في تخبط في الصفات والعقيدة ليته كان تجنبها ، ولو تجنبها لكان شيخ الإسلام الثاني بعد ابن تيمية ، ولكن لله في خلقه شئون .
ثم يتدرج في كتب السنة يقرأ ( صحيح البخاري ) و( صحيح مسلم ) ، ( سنن أبي داود ) ، ( جامع الترمذي ) ،( سنن النسائي ) ، ( سنن ابن ماجه )، ويتوسع في علوم الحديث لأن العلوم كلها ما عدا الكتاب والسنة كلها وسائل ، بما في ذلك كتب الفقه ، كلها يجب أن يتخذها المسلم وسائل مساعدة ، تساعده على فهم مراد الله وفهم مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم من السنة .
ولا يركن إلى التقليد الأعمى الذي ضرب بجرانه الأمة وخلفها قرونا وقرونا وصارت في مؤخرة الأمم ، فوالله إن هذا التقليد لمن العوامل الشديدة التي أخرت المسلمين ، أنا لا أدعو الناس أن يخرجوا من أصل التقليد ، لكن الكثير الكثير من الناس يستطيعون أن ينهضوا بالأمة ، ويرفعوا راية الإجتهاد على طريقة السلف الصالح ، وعلى هذا الأمر استمرار الإجتهاد في هذه الأمة .
احتج الإمام أحمد ـ رضي الله عنه ورحمه ـ بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك " على استمرار الإجتهاد في هذه الأمة ، كذلك يبعث الله في هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها .
والأمة الآن بأمس الحاجة إلى علماء من أمثال أحمد وابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب علما وشجاعة وصدعا بالحق وقمعا للباطل ، وإلا فالمسلمون إذا استمروا على هذه الأوضاع فنسأل الله العافية ، ماذا سيستقبلهم من الكوارث ؟
تحتاج الأمة إلى مجددين ، فمن يأنس من نفسه الذكاء والفهم والوعي فعليه أن يجند نفسه ليتسنم مرتبة الراسخين في العلم المجتهدين المجاهدين الذين يبلغون رسالات الله على إثر الرسل ، ولا يخافون في الله لومة لائم ، فإن العلماء هم ورثة الرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ .
ولا يستحق هذه المرتبة مرتبة الوراثة إلا من سلك مسلكهم في الدعوة إلى الله ؛ إلى توحيد الله ، إلى إخلاص الدين لله ، إلى محاربة الرذائل والمعاصي والبدع ، كما هو شأن المصلحين في كل مكان وزمان ، فنحن لا نحتاج فقط إلى تحصيل العلم ، ثم نرقد ونجمد ونموت ونهبط بالأمة ، بل إلى علماء ينهضون بالأمة ، ينفخون فيها روح الحياة ، وأن يجنبوها طريق التقليد الأعمى والتعصب القاتل في العقيدة والعبادة والشريعة .
أعيد مرة أخرى ، لا يتصدى لهذا الجهاد والإجتهاد كل من هب ودب ؛ وإنما الأكفاء الذين يتمتعون بالمواهب والطاقات والعلم الواسع الذي يؤهلهم لهذه المرتبة والمنزلة الرفيعة في العلم .
فليدرك كل واحد من شباب الأمة أن الأمة بأمس الحاجة إلى هذه النوعيات الطيبة المباركة ، فمن أنس من نفسه قدرة تخدم الإسلام فليجند نفسه للعلم وليتخلص من أعباء الدنيا والمشاغل ، وليسخر طاقاته وإمكانياته كلها في تحصيل العلم والدعوة إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ على طريقة الرسل والمصلحين ، فنسأل الله أن يهيئ ذلك لهذه الأمة ، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير .
المصدر : فتاوى فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ [ج2 ص : 60]
تعليق