الحمد لله ذي المحامد والآلاء ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء الذي قال: « إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء » ، ورضي الله عن الصحابة العدول الأتقياء ، وعن عثمان بن عفان الذي كان أصدقهم حياء ، وكان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته ، فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي من هذا ؟ فقال : إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : « إن القبر أول منزل من منازل الآخرة ، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه ، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه » ، وقال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : « ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه » .
اللهم ارض عن عثمان بن عفان ، صهر رسول رب العالمين ، وزوج الابنتين ، وصاحب الهجرتين الذي ضحى بنفسه من أجل حفظ دماء جماعة المسلمين ، ومن يطيق فعل ذلك غير الخليفة الأمين عثمان بن عفان ؟!
أبوه عفان بن أبي العاص بن أمية ، وأمه أروى بنت كريز ابنة عمة النبي – صلى الله عليه وسلم – معدودة فيمن أسلم ، ونسبته إلى قريش وبني أمية ، وكنيتاه أبو عمرو وأبو عبد الله ، وكان بعض من ينتقصه يكنيه أبا ليلى للين جانبه .
لقب بذي النورين لأن لا يعلم أحد جمع بين ابنتي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلاه ، ويدعى بالأمين لحفاظه على عهود رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ووصاياه .
ولد على الصحيح في السنة السادسة بعد عام الفيل بمكة ، وكان ذا وجاهة وشرف ومال ونبل ومروءة في الجاهلية ، وكان رجلا رقيقا لينا حييا ، ما شرب الخمر ولا زنى في جاهلية ولا إسلام ، وكان يضرب به المثل في حب قريش له ، فيقال : أحبك الرحمن حب قريش عثمان .
أسلم – رضي الله عنه - في الأولين على يد أبي بكر الصديق ، وكان رابع أربعة في الإسلام ، آذته قريش فصبر ، ولما اشتد به الأذى كان أول من هاجر إلى الحبشة مع زوجته رقية ابنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وكان منذ أسلم يغتسل كل يوم ، ويكثر من الصلاة وقراءة القرآن والصوم ، وكان لينا رحيما برا وصولا للرحم .
وهو أفضل الصحابة بعد أبي بكر وعمر ، جمع القرآن صدرا في عهد رسول الله – صلى الله عنه وسلم - ، وجمعه كتابة في خلافته في المصحف الإمام ، ووحد رسمه على ملإ من الصحابة ، وكتب الوحي للنبي – صلى الله عليه وسلم - ، كتب له المفصل ، وهو راوي حديث : « خيركم من تعلم القرآن وعلمه » ، وكان يحيي به الليل ، وقتل –رضي الله عنه - والمصحف بين يديه .
اشترى عثمان بئر رومة ووقفها على المسلمين فبشره النبي – صلى الله عليه وسلم - بالجنة ، وجهز جيش العسرة يوم تبوك مرتين فبشره النبي – صلى الله عليه وسلم - بالجنة ، ووسع مسجد رسول الله –صلى الله عليه وسلم - فبشره رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بالجنة ، وشهد له بالشهادة في سبيل الله على بلوى تصيبه ، وأوصاه ألا يخلع قميصا قمصه الله حتى يلقاه ، وأقر له بأنه أصدق الناس حياء ، وأخبر أن الملائكة تستحيي منه ، والحياء لا يأتي إلا بخير .
بايع له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بيعة الرضوان ، بعد أن بعثه إلى مكة مفاوضا ، وقال : « هذه يدي ، وهذه يد عثمان » ، وضرب له بسهم في غزوة بدر ، وكانت تحته ابنة رسول – صلى الله عليه وسلم – وكانت مريضة ، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم - : « إن لك أجر رجل شهد بدرا وسهمه » ، ولما ماتت رقية زوجه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بأم كلثوم ، وعفا الله - جل وعز – عنه وعمن تولى في غزوة أحد من صحابة النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال : ﴿ إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم ﴾ [آل عمران : 155] ، وشهد عثمان بقية المشاهد مع رسول –صلى الله عليه وسلم – واستخلفه الرسول– صلى الله عليه وسلم – في غزوتي ذات الرقاع وغطفان .
صحب – رضي الله عنه - رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فما عصاه ، ولا غشه، وحج معه آخر حجة ، ثم توفاه الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنه راض ، ثم استخلف بعده أبو بكر فبايعه ، وما عصاه ، وما غشه ، حتى توفاه الله ، ثم استخلف عمر فما عصاه ، ولا غشه ، حتى توفاه الله ، ثم بايعه الصحابة خليفة لهم بعد عمر في غرة المحرم سنة أربع وعشرين للهجرة ، فكانت مدة خلافته اثنتي عشرة سنة حجها كلها إلا سنتين ، وكان فيها خير الخيرة ، وأمير البررة ، فتحت في عهده أرمينية والقوقاز وخراسان، وفارس وقبرص وكرمان ، والإسكندرية وإفريقية وغيرها من البلدان ، وعم في عهده الخير ، وانتشر الحق ، وكانت خلافته على الهدى ومنهاج النبوة .
خلف - رضي الله عنه - من الأولاد عشرين نفسا ، عشرة من الذكور ، وعشرة من الإناث ، وهم : عبد الله وأمه رقية بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وعمرو وأبان وخالد وعمر ومريم ، وأمهم أم عمرو بنت جندب ، والوليد وسعيد وأم عثمان وأم سعيد ، وأمهم فاطمة بنت الوليد ، وعبد الملك ، وأمه أم البنين بنت عيينة ، وعبد الله الأصغر ، وأمه فاختة بنت غزوان ، وعائشة وأم أبان الكبرى وأم عمرو ، وأمهم رملة بنت شيبة ، وعنبسة وأم خالد وأروى وأم أبان الصغرى ، وأمهم نائلة بنت الفرافصة .
وكان – رضي الله عنه – رجلا ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير ، خفيف اللحم ، رقيق البشرة ، أسمر اللون ، حسن الوجه ، أقنى الأنف ، كثيف اللحية ، كثير الشعر ، ضخم الكراديس ، بعيد ما بين المنكبين ، وكان يخضب بالصفرة ، ويأتزر إلى أنصاف ساقيه، ويتقنع ، وكان يشد أسنانه بالذهب .
وفي أواخر خلافته أطلت رؤوس الخوارج ، وبدأت تقوى شوكتهم ، وهم قوم حدثاء الأسنان ، سفهاء الأحلام ، كلاب النار ، سيماهم التسبيد ، يقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم ، ويقولون من خير قول البرية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، يتعمقون في العبادة فلا تنفعهم ، ويمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، أخذوا على عثمان – رضي الله عنه- تمزيقه للمصاحف بعد جمع القرآن في المصحف الإمام ، وتأميره للفتيان ، وضربه للناس بالسياط والعصا ، وحماه لموضع الغمامة .
وأقبل عليه ذات يوم وفد أهل مصر ، فاستقبلهم ، وناظرهم حتى أقنعهم ، وأخذ عليهم ألا يشقوا عصا المسلمين ، ولا يفرقوا جماعتهم ، فرجعوا راضين ، وبينما هم بالطريق تعرض لهم راكب ، وزعم أنه رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر ، ولما فتشوه وجدوا عنده كتابا على لسان عثمان ، وعليه خاتمه ، يأمر فيه بقتلهم ، فولوا مدبرين إلى المدينة ، وعندما دخلوا على عثمان قال : « إنما هما اثنتان : أن تقيموا علي رجلين من المسلمين ، أو يميني بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت ولا علمت » - وكان هو الأمين - ، وقال : « تعلمون أن الكتاب يكتب على لسان الرجل ، وقد ينقش الخاتم على الخاتم » ، فلم يصدقوه ، ولم تنفعهم موعظته ، وحصروه في الدار أربعين يوما على المشهور ، منعوا عنه الطعام والشراب والمسجد ، ورغم ذلك صبر ، ونهى المسلمين عن القتال ، وأبى أن يكون أول من يخلف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أمته بالدماء ، وعزم أن يجود بدمه دون دماء المسلمين .
وفي ليلة الجمعة من شهر ذي الحجة بعد عيد الأضحى سنة خمس وثلاثين للهجرة رأى في المنام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ورأى أبا بكر وعمر – رضي الله عنهما- ، وكأنهم قالوا له : « اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة » ، ولما استيقظ أصبح صائما ، واعتق عشرين مملوكا ، وشد عليه سراويل لم يلبسها في جاهلية ولا إسلام ، ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه ، وفتح الباب ، فدخل رجل أسود من أهل مصر يقال له جبلة - أظن أنه هو عبد الله بن سبأ اليهودي - فخنقه وضربه بالسيف ، فاتقاه بيده فقطعها ، فوقعت نضحة من دمه على قوله تعالى : ﴿ فسيكفيكهم الله ﴾ [البقرة : 137] ، وقال عثمان – رضي الله عنه - : « والله ، إنها لأول يد خطت المفصل » ، وتمثل بقول الشاعر :
أرى الموت لا يبقي عزيزا ولم يدع ** لعاد ملاذا في البلاد ومرتقى
وقال أيضا :
يبيت أهل الحصن والحصن مغلق ** ويأتي الجبال في شماريخها العلا
واستشهد على المشهور يوم الجمعة لثماني عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة ، ودفن في ثيابه بالبقيع في حش كوكب ، وصلى عليه جبير بن مطعم ، وخلفه حكيم بن حزام ، وأبو جهم بن حذيفة ، ونيار بن مكرم الأسلمي، ونائلة وأم البنين بنت عيينة ، واخفي قبره ، ففقدوا بفقده الخيل البلق في المغازي ، والتبست عليهم الأهلة ، واختلفوا من بعده في رفع الصدقة ، وسل فيهم السيف فلم يغمد .
ولئن قام وفد مصر في القديم على عثمان بالسيف ؛ فلقد قام عليه في الحديث سيد وفد الإخوان بالحيف ، فطعن في خلافته ، وشمت بولايته ، في كتاب أسماه العدالة ، وإنما هو كتاب السفالة ، اعتمد فيه على الروايات الضعيفة ، وأشبع فيه رغبات نفسه السخيفة .
قال حسان يهجو قتلة عثمان :
أتركتمُ غزوَ الدروبِ وجئتمُ ** لقتالِ قومٍ عندَ قبرِ محمدِ
فَلَبِئْسَ هَدْيُ الصّالحينَ هَدَيتُمُ ** وَلَبِئْسَ فعْلُ الجاهِلِ المُتعمِّدِ
إن تُقبِلوا نجعَلْ قِرَى سَرَوَاتكم ** حولَ المدينة كلَّ لدنٍ مذودِ
أوْ تُدْبِروا فَلَبِئْسَ ما سافَرْتُمُ ** ولمثلُ أمرِ إمامكمْ لمْ يهتدِ
وكأنّ أصحابَ النبيّ عشية ** بدنٌ تنحرُ عندَ بابِ المسجدِ
فابكِ أبا عمروٍ لحسنِ بلائهِ ** أمسى مقيماً في بقيعِ الغرقدِ
وقال يرثيه :
ماذا أرَدتُمْ من أخي الخَيرِ بارَكَتْ ** يَدُ اللَّهِ في ذاكَ الأديمِ المُقَدَّدِ
قتَلْتُمْ وَليَّ اللَّهِ في جَوْفِ دارِهِ ** وَجِئْتُمْ بأمْرٍ جَائرٍ غَيْرِ مُهْتَدي
فَهَلاّ رَعَيْتُمْ ذِمّة َ اللَّهِ وَسْطَكُمْ ** وأوفيتمُ بالعهدِ عهدِ محمدِ
ألمْ يَكُ فيكُمْ ذا بَلاءٍ وَمَصْدَقٍ ** وأوفاكمُ عهداً لدى كلّ مشهدِ
فَلاَ ظَفِرَتْ أيْمَانُ قَوْمٍ تَظاهَرَتْ ** على قتلِ عثمانَ الرشيدِ المسددِ
وقال أيضا :
يا للرجالِ لدمعٍ هاجَ بالسننِ ** إنّي عجِبْتُ لمَنْ يبكي على الدِّمَنِ
إني رأيتُ أمينَ اللهِ مضطهداً ** عثمانَ رهناً لدى الأجداثِ والكفنِ
يا قاتلَ اللهُ قوماً كان شأنهمُ ** قتلُ الإمامِ الأمينِ المسلمِ الفطنِ
ما قاتَلوه على ذَنْبٍ ألَمّ بِهِ ** إلا الذي نطقوا زوراً ولم يكنِ
إذا تذكرتهُ فاضتْ بأربعة ** عَيني بدمْعٍ على الخَدّينِ مُحتتنِ
اللهم إني أسألك بأن لك الحمد ، لا إله إلا أنت ، يا منان ، أن تغفر لعثمان بن عفان ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وما أسر وما أعلن ، اللهم ارفع درجته في عليين ، واجعل له لسان صدق في الآخرين ، وارض اللهم عنه يا رب العالمين ، وألحقنا به غير مبدلين ولا مغيرين ، وقاتل من قتله أو سبه أو شتمه إلى يوم الدين .
اللهم إني أسالك بأن لك الحمد ، لا إله إلا أنت ، وحدك لا شريك لك ، المنان ، يا بديع السماوات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا حي ، يا قيوم ، إني أسألك الجنة ، وأعوذ بك من النار .
وكتبه أبو طيبة محمد بن مبخوت الجزائري للثاني من شعبان سنة 1430هـ.
اللهم ارض عن عثمان بن عفان ، صهر رسول رب العالمين ، وزوج الابنتين ، وصاحب الهجرتين الذي ضحى بنفسه من أجل حفظ دماء جماعة المسلمين ، ومن يطيق فعل ذلك غير الخليفة الأمين عثمان بن عفان ؟!
أبوه عفان بن أبي العاص بن أمية ، وأمه أروى بنت كريز ابنة عمة النبي – صلى الله عليه وسلم – معدودة فيمن أسلم ، ونسبته إلى قريش وبني أمية ، وكنيتاه أبو عمرو وأبو عبد الله ، وكان بعض من ينتقصه يكنيه أبا ليلى للين جانبه .
لقب بذي النورين لأن لا يعلم أحد جمع بين ابنتي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلاه ، ويدعى بالأمين لحفاظه على عهود رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ووصاياه .
ولد على الصحيح في السنة السادسة بعد عام الفيل بمكة ، وكان ذا وجاهة وشرف ومال ونبل ومروءة في الجاهلية ، وكان رجلا رقيقا لينا حييا ، ما شرب الخمر ولا زنى في جاهلية ولا إسلام ، وكان يضرب به المثل في حب قريش له ، فيقال : أحبك الرحمن حب قريش عثمان .
أسلم – رضي الله عنه - في الأولين على يد أبي بكر الصديق ، وكان رابع أربعة في الإسلام ، آذته قريش فصبر ، ولما اشتد به الأذى كان أول من هاجر إلى الحبشة مع زوجته رقية ابنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وكان منذ أسلم يغتسل كل يوم ، ويكثر من الصلاة وقراءة القرآن والصوم ، وكان لينا رحيما برا وصولا للرحم .
وهو أفضل الصحابة بعد أبي بكر وعمر ، جمع القرآن صدرا في عهد رسول الله – صلى الله عنه وسلم - ، وجمعه كتابة في خلافته في المصحف الإمام ، ووحد رسمه على ملإ من الصحابة ، وكتب الوحي للنبي – صلى الله عليه وسلم - ، كتب له المفصل ، وهو راوي حديث : « خيركم من تعلم القرآن وعلمه » ، وكان يحيي به الليل ، وقتل –رضي الله عنه - والمصحف بين يديه .
اشترى عثمان بئر رومة ووقفها على المسلمين فبشره النبي – صلى الله عليه وسلم - بالجنة ، وجهز جيش العسرة يوم تبوك مرتين فبشره النبي – صلى الله عليه وسلم - بالجنة ، ووسع مسجد رسول الله –صلى الله عليه وسلم - فبشره رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بالجنة ، وشهد له بالشهادة في سبيل الله على بلوى تصيبه ، وأوصاه ألا يخلع قميصا قمصه الله حتى يلقاه ، وأقر له بأنه أصدق الناس حياء ، وأخبر أن الملائكة تستحيي منه ، والحياء لا يأتي إلا بخير .
بايع له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بيعة الرضوان ، بعد أن بعثه إلى مكة مفاوضا ، وقال : « هذه يدي ، وهذه يد عثمان » ، وضرب له بسهم في غزوة بدر ، وكانت تحته ابنة رسول – صلى الله عليه وسلم – وكانت مريضة ، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم - : « إن لك أجر رجل شهد بدرا وسهمه » ، ولما ماتت رقية زوجه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بأم كلثوم ، وعفا الله - جل وعز – عنه وعمن تولى في غزوة أحد من صحابة النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال : ﴿ إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم ﴾ [آل عمران : 155] ، وشهد عثمان بقية المشاهد مع رسول –صلى الله عليه وسلم – واستخلفه الرسول– صلى الله عليه وسلم – في غزوتي ذات الرقاع وغطفان .
صحب – رضي الله عنه - رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فما عصاه ، ولا غشه، وحج معه آخر حجة ، ثم توفاه الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنه راض ، ثم استخلف بعده أبو بكر فبايعه ، وما عصاه ، وما غشه ، حتى توفاه الله ، ثم استخلف عمر فما عصاه ، ولا غشه ، حتى توفاه الله ، ثم بايعه الصحابة خليفة لهم بعد عمر في غرة المحرم سنة أربع وعشرين للهجرة ، فكانت مدة خلافته اثنتي عشرة سنة حجها كلها إلا سنتين ، وكان فيها خير الخيرة ، وأمير البررة ، فتحت في عهده أرمينية والقوقاز وخراسان، وفارس وقبرص وكرمان ، والإسكندرية وإفريقية وغيرها من البلدان ، وعم في عهده الخير ، وانتشر الحق ، وكانت خلافته على الهدى ومنهاج النبوة .
خلف - رضي الله عنه - من الأولاد عشرين نفسا ، عشرة من الذكور ، وعشرة من الإناث ، وهم : عبد الله وأمه رقية بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وعمرو وأبان وخالد وعمر ومريم ، وأمهم أم عمرو بنت جندب ، والوليد وسعيد وأم عثمان وأم سعيد ، وأمهم فاطمة بنت الوليد ، وعبد الملك ، وأمه أم البنين بنت عيينة ، وعبد الله الأصغر ، وأمه فاختة بنت غزوان ، وعائشة وأم أبان الكبرى وأم عمرو ، وأمهم رملة بنت شيبة ، وعنبسة وأم خالد وأروى وأم أبان الصغرى ، وأمهم نائلة بنت الفرافصة .
وكان – رضي الله عنه – رجلا ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير ، خفيف اللحم ، رقيق البشرة ، أسمر اللون ، حسن الوجه ، أقنى الأنف ، كثيف اللحية ، كثير الشعر ، ضخم الكراديس ، بعيد ما بين المنكبين ، وكان يخضب بالصفرة ، ويأتزر إلى أنصاف ساقيه، ويتقنع ، وكان يشد أسنانه بالذهب .
وفي أواخر خلافته أطلت رؤوس الخوارج ، وبدأت تقوى شوكتهم ، وهم قوم حدثاء الأسنان ، سفهاء الأحلام ، كلاب النار ، سيماهم التسبيد ، يقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم ، ويقولون من خير قول البرية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، يتعمقون في العبادة فلا تنفعهم ، ويمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، أخذوا على عثمان – رضي الله عنه- تمزيقه للمصاحف بعد جمع القرآن في المصحف الإمام ، وتأميره للفتيان ، وضربه للناس بالسياط والعصا ، وحماه لموضع الغمامة .
وأقبل عليه ذات يوم وفد أهل مصر ، فاستقبلهم ، وناظرهم حتى أقنعهم ، وأخذ عليهم ألا يشقوا عصا المسلمين ، ولا يفرقوا جماعتهم ، فرجعوا راضين ، وبينما هم بالطريق تعرض لهم راكب ، وزعم أنه رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر ، ولما فتشوه وجدوا عنده كتابا على لسان عثمان ، وعليه خاتمه ، يأمر فيه بقتلهم ، فولوا مدبرين إلى المدينة ، وعندما دخلوا على عثمان قال : « إنما هما اثنتان : أن تقيموا علي رجلين من المسلمين ، أو يميني بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت ولا علمت » - وكان هو الأمين - ، وقال : « تعلمون أن الكتاب يكتب على لسان الرجل ، وقد ينقش الخاتم على الخاتم » ، فلم يصدقوه ، ولم تنفعهم موعظته ، وحصروه في الدار أربعين يوما على المشهور ، منعوا عنه الطعام والشراب والمسجد ، ورغم ذلك صبر ، ونهى المسلمين عن القتال ، وأبى أن يكون أول من يخلف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أمته بالدماء ، وعزم أن يجود بدمه دون دماء المسلمين .
وفي ليلة الجمعة من شهر ذي الحجة بعد عيد الأضحى سنة خمس وثلاثين للهجرة رأى في المنام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ورأى أبا بكر وعمر – رضي الله عنهما- ، وكأنهم قالوا له : « اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة » ، ولما استيقظ أصبح صائما ، واعتق عشرين مملوكا ، وشد عليه سراويل لم يلبسها في جاهلية ولا إسلام ، ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه ، وفتح الباب ، فدخل رجل أسود من أهل مصر يقال له جبلة - أظن أنه هو عبد الله بن سبأ اليهودي - فخنقه وضربه بالسيف ، فاتقاه بيده فقطعها ، فوقعت نضحة من دمه على قوله تعالى : ﴿ فسيكفيكهم الله ﴾ [البقرة : 137] ، وقال عثمان – رضي الله عنه - : « والله ، إنها لأول يد خطت المفصل » ، وتمثل بقول الشاعر :
أرى الموت لا يبقي عزيزا ولم يدع ** لعاد ملاذا في البلاد ومرتقى
وقال أيضا :
يبيت أهل الحصن والحصن مغلق ** ويأتي الجبال في شماريخها العلا
واستشهد على المشهور يوم الجمعة لثماني عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة ، ودفن في ثيابه بالبقيع في حش كوكب ، وصلى عليه جبير بن مطعم ، وخلفه حكيم بن حزام ، وأبو جهم بن حذيفة ، ونيار بن مكرم الأسلمي، ونائلة وأم البنين بنت عيينة ، واخفي قبره ، ففقدوا بفقده الخيل البلق في المغازي ، والتبست عليهم الأهلة ، واختلفوا من بعده في رفع الصدقة ، وسل فيهم السيف فلم يغمد .
ولئن قام وفد مصر في القديم على عثمان بالسيف ؛ فلقد قام عليه في الحديث سيد وفد الإخوان بالحيف ، فطعن في خلافته ، وشمت بولايته ، في كتاب أسماه العدالة ، وإنما هو كتاب السفالة ، اعتمد فيه على الروايات الضعيفة ، وأشبع فيه رغبات نفسه السخيفة .
قال حسان يهجو قتلة عثمان :
أتركتمُ غزوَ الدروبِ وجئتمُ ** لقتالِ قومٍ عندَ قبرِ محمدِ
فَلَبِئْسَ هَدْيُ الصّالحينَ هَدَيتُمُ ** وَلَبِئْسَ فعْلُ الجاهِلِ المُتعمِّدِ
إن تُقبِلوا نجعَلْ قِرَى سَرَوَاتكم ** حولَ المدينة كلَّ لدنٍ مذودِ
أوْ تُدْبِروا فَلَبِئْسَ ما سافَرْتُمُ ** ولمثلُ أمرِ إمامكمْ لمْ يهتدِ
وكأنّ أصحابَ النبيّ عشية ** بدنٌ تنحرُ عندَ بابِ المسجدِ
فابكِ أبا عمروٍ لحسنِ بلائهِ ** أمسى مقيماً في بقيعِ الغرقدِ
وقال يرثيه :
ماذا أرَدتُمْ من أخي الخَيرِ بارَكَتْ ** يَدُ اللَّهِ في ذاكَ الأديمِ المُقَدَّدِ
قتَلْتُمْ وَليَّ اللَّهِ في جَوْفِ دارِهِ ** وَجِئْتُمْ بأمْرٍ جَائرٍ غَيْرِ مُهْتَدي
فَهَلاّ رَعَيْتُمْ ذِمّة َ اللَّهِ وَسْطَكُمْ ** وأوفيتمُ بالعهدِ عهدِ محمدِ
ألمْ يَكُ فيكُمْ ذا بَلاءٍ وَمَصْدَقٍ ** وأوفاكمُ عهداً لدى كلّ مشهدِ
فَلاَ ظَفِرَتْ أيْمَانُ قَوْمٍ تَظاهَرَتْ ** على قتلِ عثمانَ الرشيدِ المسددِ
وقال أيضا :
يا للرجالِ لدمعٍ هاجَ بالسننِ ** إنّي عجِبْتُ لمَنْ يبكي على الدِّمَنِ
إني رأيتُ أمينَ اللهِ مضطهداً ** عثمانَ رهناً لدى الأجداثِ والكفنِ
يا قاتلَ اللهُ قوماً كان شأنهمُ ** قتلُ الإمامِ الأمينِ المسلمِ الفطنِ
ما قاتَلوه على ذَنْبٍ ألَمّ بِهِ ** إلا الذي نطقوا زوراً ولم يكنِ
إذا تذكرتهُ فاضتْ بأربعة ** عَيني بدمْعٍ على الخَدّينِ مُحتتنِ
اللهم إني أسألك بأن لك الحمد ، لا إله إلا أنت ، يا منان ، أن تغفر لعثمان بن عفان ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وما أسر وما أعلن ، اللهم ارفع درجته في عليين ، واجعل له لسان صدق في الآخرين ، وارض اللهم عنه يا رب العالمين ، وألحقنا به غير مبدلين ولا مغيرين ، وقاتل من قتله أو سبه أو شتمه إلى يوم الدين .
اللهم إني أسالك بأن لك الحمد ، لا إله إلا أنت ، وحدك لا شريك لك ، المنان ، يا بديع السماوات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا حي ، يا قيوم ، إني أسألك الجنة ، وأعوذ بك من النار .
وكتبه أبو طيبة محمد بن مبخوت الجزائري للثاني من شعبان سنة 1430هـ.
تعليق