الحمد لله الذي أنزل على عبده محمد الكتاب ليكون للعالمين نذيرا ، وأرسله بالهدى ودين الحق بشيرا ونذيرا ، وأوحى إليه القرآن والحكمة ليخرج الناس من الظلمات ويبدلهم بها نورا.
الحمد لله الذي وصف عبده ورسوله محمدا في كتابه العزيز بأجمل الأوصاف ، ونعته بأحسن النعوت وأروع الألطاف ، وجده يتيما فآواه ، وجده ضالا فهداه ، ووجده عائلا فأغناه ، شرح له صدره ، ووضع عنه وزره ، ورفع له ذكره ، شهد له بالرسالة ، وختم به النبوة ، وفتح له الفتح المبين ، وهداه الصراط المستقيم ، وصلى عليه هو ملائكته ، وأمر بذلك المؤمنين .
اللهم اجعل صلاتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين ، وإمام المتقين ، وخاتم النيين ، وإمام الخير ، وقائد الخير ، ورسول الرحمة ، اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
اللهم أنت سميته محمدا وأحمد والمتوكل ، وسمى نفسه الماحي الذي يمحو الله به الكفر ، والحاشر الذي يحشر الناس على قدميه ، والعاقب الذي ليس بعده نبيّ .
هو دعوة نبيك إبراهيم ، وبشارة نبيك عيسى ، ورؤيا أمه آمنة ، وهو عبد الله رسوله، وصفيه وخليله ، ونبي الرحمة ، ونبي الملحمة ، بعثه الله إلى الناس كافة شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، رحمة للعالمين ، وهداية للأميين، يأمرهم بالمعروف ، وينهاهم عن المنكر ، يحل لأمته الطيبات ، ويحرم عليهم الخبائث والموبقات ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا سخاب في الأسواق ، ولا يجزي السيئة بالسيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، يؤمن بالله وكلماته ، ويبلغ وحي الله إلى الناس ورسالاته ، من الله به على المؤمنين يتلو عليهم آياته ، ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ، وهو بهم رؤوف رحيم .
وهو حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر ، وأكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر، وصاحب المقام المحمود ولا فخر ، وأول شافع ومشفع ولا فخر ، وأول من يحرك حلقة الجنة فيفتح الله له ، فيدخلها ومعه فقراء المؤمنين ولا فخر ، وهو سيد ولد آدم أجمعين ولا فخر .
******************
أما بعد :
كنيته: أبو القاسم ، وأبوه عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركه بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة ، ومرضعتاه حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية ، وثويبة الأسلمية جارية أبى لهب ، وحاضنته أم أيمن بركة الحبشية كان ورثها من أبيه ، فلما كبر أعتقها ، وزوجها زيد بن حارثة .
اصطفاه الله من بني هاشم ، وجعله من خيرة خلقه : من خيرهم قبيلة ، ومن خيرهم بيتا ، ومن خيرهم نفسا ، بأبي وأمي هو .
مولده :بمكة بشعب بني هاشم ، يوم الإثنين في شهر ربيع الأول من عام الفيل سنة 571م ، مات أبوه عبد الله قبل ولادته ، وماتت أمه آمنة وهو ابن ستّ سنين .
كفله جده عبد المطلب ، ومات عنه ، وهو ابن ثماني سنين وشهرين وعشرة أيام ، فولي كفالته عمه أبو طالب ، ورعى الغنم على قراريط لأهل مكة .
ولما بلغ اثنتي عشرة سنة خرج مع عمّه أبي طالب إلى الشام ؛ فلما بلغ بُصرى رآه بحيرى الراهب ؛ فعرفه بصفته ، فجاءه وأخذه بيده ، وقال : « هذا سيد المرسلين ، هذا رسول رب العالمين ، يبعثه الله رحمة للعالمين ، إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خرّ ساجداً ، ولا يسجدان إلا لنبيّ ، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة » ، وقال لأبي طالب : لإن قدمت به إلى الشام لتقتلنه الروم ، فرده خوفاً عليه منهم .
فنشأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قومه ، وقد طهره الله تعالى من دنس الجاهلية ، فما هم بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون به ، وشهد مع قومه حلف المطيبين وحلف الفضول وهو غلام ، ولم يكن يعرف من بينهم إلا بالأمين .
وخرج مرّة ثانية إلى الشام ، مع ميسرة غلام خديجة بنت خويلد ، في تجارة لها ، قبل أن يتزوجها ، ولما رجع من سفره تزوج خديجة بنت خويلد ، وعمره خمس وعشرون سنة، وكان له منها القاسم وعبد الله وزينب وأم كلثوم ورقية وفاطمة ، وله إبراهيم من مارية القبطية ، ومن أزواجه أيضا سودة ، وعائشة ، وحفصة، وأم حبيبة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وميمونة ، وجويرية ، وصفية .
ولما بلغ خمساً وثلاثين سنة شهد بناء الكعبة ، وحكمته قريش بينها في وضع الحجر الأسود .
ولما بلغ أشده وبلغ أربعين سنة ابتعثه الله تعالى بشيراً ونذيراً ، وأول ما بديء به من الوحي الرؤيا ، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، وحبب إليه الخلاء ، وكان يتحنث الليالي بغار حراء ، حتى جاء الحق ، فجاءه الملك ، فقال : اقرأ ، قال : ما أنا بقاريء ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، فقال : اقرأ ، فقلت : ما أنا بقاريء ، فأخذني فغطني الثالثة ، ثم أرسلني ، فقال: ﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اٌقرأ وربك الأكرم ﴾ .
وكان مبدأ النبوة يوم الإثنين ثامن شهر ربيع الأول ، ثم فتر عنه الوحي ، حتى نزل عليه: ﴿ يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ﴾ ، ثم تتابع الوحي ، يأتيه مثل صلصلة الجرس ، وأحيانا يتمثل له الملك رجلا .
وكانت خديجة أول من آمن بما جاء به ، ثم آمن أبو بكر - رضي الله عنه - ، ثم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، وزيد بن حارثة ، وعمرو بن عبسة السلمي ، وبلال بن رباح ، وعامر بن فهيرة ، وأبو فكيهة مولى صفوان ، وشقران مولى النبي – صلى الله عليه وسلم - ، ثم أسلم بعد هؤلاء أم أيمن ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وسعد بن أبي وقاص ، وعثمان بن عفان ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله بن عثمان ، ثم كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه تمام الأربعين إسلاماً.
ولما نزل عليه : ﴿ وانذر عشيرتك الأقربين ﴾ ، جهر بالدعوة إلى الله ، فآذته قريش ، وحاصرته في شعاب مكة ، فأقام محصوراً ثلاث سنين ، هو وأهل بيته ، وخرج من الحصار وله تسع وأربعون سنة ، وبعد ذلك بثمانية أشهر وواحد وعشرين يوماً مات عمه أبو طالب، وماتت بعده خديجة -رضي الله عنها - بثلاثة أيام .
ولما بلغ خمسين سنة وثلاثة أشهر وفد عليه جن نصيبين فأسلموا ، ولما بلغ إحدى وخمسين سنة وتسعة أشهر أسرى الله به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى المبارك ، وأعرج به إلى السماء ، فرأى الأنبياء - صلوات الله عليهم وسلامه - ، ورأى من آيات ربه الكبرى ، وأوحى إليه ربه ما أوحى ، وفرض عليه الصلوات الخمس .
وواصل – صلى الله عليه وسلم – تبليغ رسالة الله ، فذهب إلى الطائف ، ودعا ثقيفا ، فأذاه سفهاؤها أشد الأذى ، ولم يستجب له أحد ، فرجع مهموما ، وقال : « أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده » ، وكان يتبع الناس بعكاظ ومجنة ، وفي الموسم بمنى يعرض نفسه على القبائل ، وكان ممن استجاب له وفد الأنصار ، فبايعوه على الإسلام والسمع والطاعة والنصرة .
ولما بلغ ثلاثاً وخمسين سنة هاجر إلى طابة هو وأبو بكر الصديق - رضي الله عنه - وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ، ودليلهم عبد الله بن الأريقط الليثي، وتبعتهم قريش فلم تفلح ، وفي الطريق مر بخيمة أم معبد الخزاعية ، فقالت تصفه : « رأيت رجلا ظاهر الوضاءة ، أبلج الوجه ، حسن الخلق ، لم تعبه نحلة ، ولم تزر به صعلة ، وسيم قسيم ، في عينيه دعج ، وفي أشفاره وطف ، وفي صوته صهل ، وفي عنقه سطع ، وفي لحيته كثاثة ، أزج أقرن ، إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء ، أجمل الناس وأبهاه من بعيد ، وأحسنه وأجمله من قريب ، حلو المنطق فصلا ، لا نزر ولا هذر ، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن ، ربعة لا تشنأه من طول ، ولا تقتحمه عين من قصر ، غصن بين غصنين ، فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا ، له رفقاء يحفون به ، إن قال ؛ سمعوا لقوله ، وإن أمر ؛ تبادروا إلى أمره ، محفود محشود ، لا عابس ولا مفند » .
ولما قدم المدينة فرحت بقدومه الأنصار ، وتلقاه في الطريق الصغار الكبار ، وصعدوا فوق البيوت ينادون : يا محمد ، يا رسول الله ، فما أنوره من يوم دخل فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر المدينة ! .
فأقام بها عشر سنين آخى فيها بين أصحابه ، وبنى فيها المساجد ، ودخل بعائشة أم المؤمنين ، وكانت أحب نسائه إليه بعد موت خديجة ، وشرع الأذان وأقام الصلوات ، وكان يصلي إلى بيت المقدس مدة إقامته بمكة وصلى إليها بعد قدومه المدينة سبعة عشر شهراً أو ستة عشر شهراً ، ثم ولاه الله المسجد الحرام ، فنصح الأمة ، وغزا الغزوات كالأبواء وبواط والعشيرة وبدر الكبرى وحمراء الأسد ، وبني النضير ، وبدر الثانية ، والمريسيع وغيرها ، وحدثت حادثة الإفك ، فبرأ الله عائشة حبيبة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مما قال المرجفون . ثم حدثت غزوة الأحزاب التي كفى الله فيها المؤمنين القتال، وأعز الله فيها جنده ، وهزم الأحزاب وحده، ثم غزا بني قريظة ، وتزوج زينب بنت جحش ، ثم غزا بني لحيان ، فالحديبية ، ثم غزا خيبر ، وتزوج بصفية بنت حيي ، ثم غزا نجدا ، وصلى بالمسلمين صلاة الخوف ، واعتمر عمرة القضية ، وتزوج بميمونة بنت الحارث ، وكاتب الملوك والرؤساء ، وفتح مكة الفتح المبين ، وكسر الأصنام ، وتوجه إلى حنين ، واعتمر من الجعرانة ، ثم غزا الروم في تبوك ، وقدمت عليه الوفود ، وأرسل السفراء.
وفي السنة العاشرة حج حجة الوداع ، وابتدأ به من الوجع صداع وتمادى به ، وكان ابتداء وجعه في بيت عائشة واشتد أمره في بيت ميمونة فطلب من نسائه أن يمرض في بيت عائشة - رضي الله عنه - فأذن له في ذلك ، فمرض أربعة عشر يوماً ، وفي يوم الإثنين حين اشتد الضحى لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول توفاه الله سبحانه وتعالى ، بعد أن خيره بين البقاء في الدنيا ولقاء ربه ، فاختار لقاء الله تعالى .
توفى – صلى الله عليه وسلم - وقد بلغ ثلاثاً وستين سنة ، ودفن ليلة الأربعاء ، وسجي ببرد حبرة ، وغسله في ثيابه علي والعباس والفضل وصالح مولاه ، وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ، ليس فيها قميص ولا عمامة ، بل لفائف من غير خياطة ، وصلى المسلمون عليه أفذاذاً لم يؤمهم أحد ، وألحد له في بيت عائشة حول فراشه – صلى الله عليه وسلم - ، فدفن – صلى الله عليه وسلم -، وأطبق عليه تسع لبنات ، فكان موته مصيبة لكل مسلم ، بأبي وأمي هو ، لا يجمع الله عليه موتين .
وما توفي حتى بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وكشف الغمة ، وفتح أعينا عميا ، وآذانا صما ، وجاهد في الله حق جهاده ، حتى أتاه اليقين .
ولم يورث – صلى الله عليه وسلم – دينارا ولا درهما ، وإنما ورث العلم ، وتَرَكْ فِي أمته أَمْرَيْنِ لَنْ تضِلُّ مَا تَمَسَّكْت بِهِمَا : كِتَابَ اللَّهِ ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ المنثورة في الصحاح والمستخرجات والموطآت ، والسنن والمسانيد والجوامع والمصنفات ، والمعاجم والزوائد والمسلسلات ، والأجزاء والفوائد والمختارات ، والآداب والدلائل والموسوعات .
وقد كان آخر كلام رسول - الله صلى الله عليه وسلم - : « الصلاة ، الصلاة ، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم » . اللهم صل على محمد النبي الأمي ، وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد النبي الأمي ، وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
وكتبه أبو طيبة محمد بن مبخوت .
الحمد لله الذي وصف عبده ورسوله محمدا في كتابه العزيز بأجمل الأوصاف ، ونعته بأحسن النعوت وأروع الألطاف ، وجده يتيما فآواه ، وجده ضالا فهداه ، ووجده عائلا فأغناه ، شرح له صدره ، ووضع عنه وزره ، ورفع له ذكره ، شهد له بالرسالة ، وختم به النبوة ، وفتح له الفتح المبين ، وهداه الصراط المستقيم ، وصلى عليه هو ملائكته ، وأمر بذلك المؤمنين .
اللهم اجعل صلاتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين ، وإمام المتقين ، وخاتم النيين ، وإمام الخير ، وقائد الخير ، ورسول الرحمة ، اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
اللهم أنت سميته محمدا وأحمد والمتوكل ، وسمى نفسه الماحي الذي يمحو الله به الكفر ، والحاشر الذي يحشر الناس على قدميه ، والعاقب الذي ليس بعده نبيّ .
هو دعوة نبيك إبراهيم ، وبشارة نبيك عيسى ، ورؤيا أمه آمنة ، وهو عبد الله رسوله، وصفيه وخليله ، ونبي الرحمة ، ونبي الملحمة ، بعثه الله إلى الناس كافة شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، رحمة للعالمين ، وهداية للأميين، يأمرهم بالمعروف ، وينهاهم عن المنكر ، يحل لأمته الطيبات ، ويحرم عليهم الخبائث والموبقات ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا سخاب في الأسواق ، ولا يجزي السيئة بالسيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، يؤمن بالله وكلماته ، ويبلغ وحي الله إلى الناس ورسالاته ، من الله به على المؤمنين يتلو عليهم آياته ، ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ، وهو بهم رؤوف رحيم .
وهو حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر ، وأكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر، وصاحب المقام المحمود ولا فخر ، وأول شافع ومشفع ولا فخر ، وأول من يحرك حلقة الجنة فيفتح الله له ، فيدخلها ومعه فقراء المؤمنين ولا فخر ، وهو سيد ولد آدم أجمعين ولا فخر .
******************
أما بعد :
فهذه "ترجمة النبي صلى الله عليه وسلم"،وقد ذكرت هكذا في الوافي بالوفيات للصفدي مرتين ، وفي تهذيب الكمال للمزي مرة ، وفي تاريخ الإسلام للذهبي مرة .
وأما كلمة "الترجمة النبوية " فقد ذكرت في فتح الباري فقط أربع عشرة مرة ، وفي الوافي بالوفيات ثلاث مرات ، وفي سبل الهدى والرشاد للصالحي مرة ، وفي الإصابة في معرفة الصحابة لابن حجر ثلاث مرات ، في تهذيب التهذيب مرتين ، وفي تهذيب الكمال مرة ، وفي ميزان الاعتدال مرة ، وفي تهذيب الأسماء واللغات للنووي مرة ، وفي سير أعلام النبلاء مرة ، وفي تاريخ الإسلام مرتين ، وفي سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة مرة واحدة .
****************وأما كلمة "الترجمة النبوية " فقد ذكرت في فتح الباري فقط أربع عشرة مرة ، وفي الوافي بالوفيات ثلاث مرات ، وفي سبل الهدى والرشاد للصالحي مرة ، وفي الإصابة في معرفة الصحابة لابن حجر ثلاث مرات ، في تهذيب التهذيب مرتين ، وفي تهذيب الكمال مرة ، وفي ميزان الاعتدال مرة ، وفي تهذيب الأسماء واللغات للنووي مرة ، وفي سير أعلام النبلاء مرة ، وفي تاريخ الإسلام مرتين ، وفي سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة مرة واحدة .
كنيته: أبو القاسم ، وأبوه عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركه بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة ، ومرضعتاه حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية ، وثويبة الأسلمية جارية أبى لهب ، وحاضنته أم أيمن بركة الحبشية كان ورثها من أبيه ، فلما كبر أعتقها ، وزوجها زيد بن حارثة .
اصطفاه الله من بني هاشم ، وجعله من خيرة خلقه : من خيرهم قبيلة ، ومن خيرهم بيتا ، ومن خيرهم نفسا ، بأبي وأمي هو .
مولده :بمكة بشعب بني هاشم ، يوم الإثنين في شهر ربيع الأول من عام الفيل سنة 571م ، مات أبوه عبد الله قبل ولادته ، وماتت أمه آمنة وهو ابن ستّ سنين .
كفله جده عبد المطلب ، ومات عنه ، وهو ابن ثماني سنين وشهرين وعشرة أيام ، فولي كفالته عمه أبو طالب ، ورعى الغنم على قراريط لأهل مكة .
ولما بلغ اثنتي عشرة سنة خرج مع عمّه أبي طالب إلى الشام ؛ فلما بلغ بُصرى رآه بحيرى الراهب ؛ فعرفه بصفته ، فجاءه وأخذه بيده ، وقال : « هذا سيد المرسلين ، هذا رسول رب العالمين ، يبعثه الله رحمة للعالمين ، إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خرّ ساجداً ، ولا يسجدان إلا لنبيّ ، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة » ، وقال لأبي طالب : لإن قدمت به إلى الشام لتقتلنه الروم ، فرده خوفاً عليه منهم .
فنشأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قومه ، وقد طهره الله تعالى من دنس الجاهلية ، فما هم بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون به ، وشهد مع قومه حلف المطيبين وحلف الفضول وهو غلام ، ولم يكن يعرف من بينهم إلا بالأمين .
وخرج مرّة ثانية إلى الشام ، مع ميسرة غلام خديجة بنت خويلد ، في تجارة لها ، قبل أن يتزوجها ، ولما رجع من سفره تزوج خديجة بنت خويلد ، وعمره خمس وعشرون سنة، وكان له منها القاسم وعبد الله وزينب وأم كلثوم ورقية وفاطمة ، وله إبراهيم من مارية القبطية ، ومن أزواجه أيضا سودة ، وعائشة ، وحفصة، وأم حبيبة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وميمونة ، وجويرية ، وصفية .
ولما بلغ خمساً وثلاثين سنة شهد بناء الكعبة ، وحكمته قريش بينها في وضع الحجر الأسود .
ولما بلغ أشده وبلغ أربعين سنة ابتعثه الله تعالى بشيراً ونذيراً ، وأول ما بديء به من الوحي الرؤيا ، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، وحبب إليه الخلاء ، وكان يتحنث الليالي بغار حراء ، حتى جاء الحق ، فجاءه الملك ، فقال : اقرأ ، قال : ما أنا بقاريء ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، فقال : اقرأ ، فقلت : ما أنا بقاريء ، فأخذني فغطني الثالثة ، ثم أرسلني ، فقال: ﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اٌقرأ وربك الأكرم ﴾ .
وكان مبدأ النبوة يوم الإثنين ثامن شهر ربيع الأول ، ثم فتر عنه الوحي ، حتى نزل عليه: ﴿ يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ﴾ ، ثم تتابع الوحي ، يأتيه مثل صلصلة الجرس ، وأحيانا يتمثل له الملك رجلا .
وكانت خديجة أول من آمن بما جاء به ، ثم آمن أبو بكر - رضي الله عنه - ، ثم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، وزيد بن حارثة ، وعمرو بن عبسة السلمي ، وبلال بن رباح ، وعامر بن فهيرة ، وأبو فكيهة مولى صفوان ، وشقران مولى النبي – صلى الله عليه وسلم - ، ثم أسلم بعد هؤلاء أم أيمن ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وسعد بن أبي وقاص ، وعثمان بن عفان ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله بن عثمان ، ثم كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه تمام الأربعين إسلاماً.
ولما نزل عليه : ﴿ وانذر عشيرتك الأقربين ﴾ ، جهر بالدعوة إلى الله ، فآذته قريش ، وحاصرته في شعاب مكة ، فأقام محصوراً ثلاث سنين ، هو وأهل بيته ، وخرج من الحصار وله تسع وأربعون سنة ، وبعد ذلك بثمانية أشهر وواحد وعشرين يوماً مات عمه أبو طالب، وماتت بعده خديجة -رضي الله عنها - بثلاثة أيام .
ولما بلغ خمسين سنة وثلاثة أشهر وفد عليه جن نصيبين فأسلموا ، ولما بلغ إحدى وخمسين سنة وتسعة أشهر أسرى الله به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى المبارك ، وأعرج به إلى السماء ، فرأى الأنبياء - صلوات الله عليهم وسلامه - ، ورأى من آيات ربه الكبرى ، وأوحى إليه ربه ما أوحى ، وفرض عليه الصلوات الخمس .
وواصل – صلى الله عليه وسلم – تبليغ رسالة الله ، فذهب إلى الطائف ، ودعا ثقيفا ، فأذاه سفهاؤها أشد الأذى ، ولم يستجب له أحد ، فرجع مهموما ، وقال : « أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده » ، وكان يتبع الناس بعكاظ ومجنة ، وفي الموسم بمنى يعرض نفسه على القبائل ، وكان ممن استجاب له وفد الأنصار ، فبايعوه على الإسلام والسمع والطاعة والنصرة .
ولما بلغ ثلاثاً وخمسين سنة هاجر إلى طابة هو وأبو بكر الصديق - رضي الله عنه - وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ، ودليلهم عبد الله بن الأريقط الليثي، وتبعتهم قريش فلم تفلح ، وفي الطريق مر بخيمة أم معبد الخزاعية ، فقالت تصفه : « رأيت رجلا ظاهر الوضاءة ، أبلج الوجه ، حسن الخلق ، لم تعبه نحلة ، ولم تزر به صعلة ، وسيم قسيم ، في عينيه دعج ، وفي أشفاره وطف ، وفي صوته صهل ، وفي عنقه سطع ، وفي لحيته كثاثة ، أزج أقرن ، إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء ، أجمل الناس وأبهاه من بعيد ، وأحسنه وأجمله من قريب ، حلو المنطق فصلا ، لا نزر ولا هذر ، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن ، ربعة لا تشنأه من طول ، ولا تقتحمه عين من قصر ، غصن بين غصنين ، فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا ، له رفقاء يحفون به ، إن قال ؛ سمعوا لقوله ، وإن أمر ؛ تبادروا إلى أمره ، محفود محشود ، لا عابس ولا مفند » .
ولما قدم المدينة فرحت بقدومه الأنصار ، وتلقاه في الطريق الصغار الكبار ، وصعدوا فوق البيوت ينادون : يا محمد ، يا رسول الله ، فما أنوره من يوم دخل فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر المدينة ! .
فأقام بها عشر سنين آخى فيها بين أصحابه ، وبنى فيها المساجد ، ودخل بعائشة أم المؤمنين ، وكانت أحب نسائه إليه بعد موت خديجة ، وشرع الأذان وأقام الصلوات ، وكان يصلي إلى بيت المقدس مدة إقامته بمكة وصلى إليها بعد قدومه المدينة سبعة عشر شهراً أو ستة عشر شهراً ، ثم ولاه الله المسجد الحرام ، فنصح الأمة ، وغزا الغزوات كالأبواء وبواط والعشيرة وبدر الكبرى وحمراء الأسد ، وبني النضير ، وبدر الثانية ، والمريسيع وغيرها ، وحدثت حادثة الإفك ، فبرأ الله عائشة حبيبة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مما قال المرجفون . ثم حدثت غزوة الأحزاب التي كفى الله فيها المؤمنين القتال، وأعز الله فيها جنده ، وهزم الأحزاب وحده، ثم غزا بني قريظة ، وتزوج زينب بنت جحش ، ثم غزا بني لحيان ، فالحديبية ، ثم غزا خيبر ، وتزوج بصفية بنت حيي ، ثم غزا نجدا ، وصلى بالمسلمين صلاة الخوف ، واعتمر عمرة القضية ، وتزوج بميمونة بنت الحارث ، وكاتب الملوك والرؤساء ، وفتح مكة الفتح المبين ، وكسر الأصنام ، وتوجه إلى حنين ، واعتمر من الجعرانة ، ثم غزا الروم في تبوك ، وقدمت عليه الوفود ، وأرسل السفراء.
وفي السنة العاشرة حج حجة الوداع ، وابتدأ به من الوجع صداع وتمادى به ، وكان ابتداء وجعه في بيت عائشة واشتد أمره في بيت ميمونة فطلب من نسائه أن يمرض في بيت عائشة - رضي الله عنه - فأذن له في ذلك ، فمرض أربعة عشر يوماً ، وفي يوم الإثنين حين اشتد الضحى لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول توفاه الله سبحانه وتعالى ، بعد أن خيره بين البقاء في الدنيا ولقاء ربه ، فاختار لقاء الله تعالى .
توفى – صلى الله عليه وسلم - وقد بلغ ثلاثاً وستين سنة ، ودفن ليلة الأربعاء ، وسجي ببرد حبرة ، وغسله في ثيابه علي والعباس والفضل وصالح مولاه ، وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ، ليس فيها قميص ولا عمامة ، بل لفائف من غير خياطة ، وصلى المسلمون عليه أفذاذاً لم يؤمهم أحد ، وألحد له في بيت عائشة حول فراشه – صلى الله عليه وسلم - ، فدفن – صلى الله عليه وسلم -، وأطبق عليه تسع لبنات ، فكان موته مصيبة لكل مسلم ، بأبي وأمي هو ، لا يجمع الله عليه موتين .
وما توفي حتى بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وكشف الغمة ، وفتح أعينا عميا ، وآذانا صما ، وجاهد في الله حق جهاده ، حتى أتاه اليقين .
ولم يورث – صلى الله عليه وسلم – دينارا ولا درهما ، وإنما ورث العلم ، وتَرَكْ فِي أمته أَمْرَيْنِ لَنْ تضِلُّ مَا تَمَسَّكْت بِهِمَا : كِتَابَ اللَّهِ ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ المنثورة في الصحاح والمستخرجات والموطآت ، والسنن والمسانيد والجوامع والمصنفات ، والمعاجم والزوائد والمسلسلات ، والأجزاء والفوائد والمختارات ، والآداب والدلائل والموسوعات .
وقد كان آخر كلام رسول - الله صلى الله عليه وسلم - : « الصلاة ، الصلاة ، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم » . اللهم صل على محمد النبي الأمي ، وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد النبي الأمي ، وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
وكتبه أبو طيبة محمد بن مبخوت .