طرف من ترجمة أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي وتوبته
وذكر شيء من العبر من ترجمته
وذكر شيء من العبر من ترجمته
الحمد لله وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم وبعد:
فهذا طرف من ترجمة ابن عقيل انتقيتها من كتاب طبقات أبي يعلى وأتبعتها بذكر بعض العبر والفوائد
لنستفيد منها في واقعنا اليوم والله الموفق
فصل فيه طرف من ترجمة أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي وتوبته
وذكر شيء من العبر من ترجمته :
علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن أحمد البغدادي
الظفري، المقرىء الفقيه، الأصولي، الواعظ المتكلم، أبو الوفاء، أحد الأئمة الأعلام، وشيحْ الإسلام: وُلد سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة في جمادى الآخرة. كذا نقله عنه ابن ناصر السلفي.
قال ابن الجوزي. ورأيتُه بخطّه.
ونقل عنه عَلي بن مسعود بن هبة الله البزار أنه قال: ولدت في جُمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين، وتفقهت في سنة سبع وأربعين.
وذكر أبو محمد بن السمرقندي عنه: أنه وُلد سنة ثلاثين. والأول أصح. وحفظ القرآن. وقرأ بالروايات القرآن على أبي الفتح بن شيطا، وغيره.
وكان يقول: شيخي في القراءة: ابن شيطا. وفي النحو والأدب: أبو القاسم بن برهان. وفي الزهد: أبو بكر الدينوري، وأبو بكر بن زيدان، وأبو الحسين القزويني، ذكر جماعة غيرهم من الرجال والنساء. وفي آداب التصوف: أبو منصور صاحب الزيادة العطار، وأثنى عليه بالزهد والتخلق بأخلاق متقدمي الصوفية. وفي الحديث: ابن النوري، وأبو بكر بن بشران، والعشاري، والجوهري وغيرهم. وفي الشعر والترسل: ابن شبل، وابن الفضل. وفي الفرائض: أبو الفضل الهمذاني. وفي الوعظ: أبو طاهر بن العلاف صاحب ابن سمعون. وفي الأصول: أبو الوليد وأبو القاسم بن التبان. وفي الفقه: القاضي أبو يعلى المملوء عقلاً وزهدًا وورعًا. قرأت عليه سنة سبع وأربعين، ولم أخل بمجالسه وخلوته التي تتسع لحضوري، والمشي معه ماشيًا وفي ركابه إلى أن توفي. وحظيت من قربه بما لم يحْظ به أحد من أصحابه مع حداثة سني. والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، إمام الدنيا وزاهِدُها، وفارسُ المناظرة وواحدها. كان يُعَلمني المناظرة، وانتفعتُ بمصنَّفاته. وأبو نصر بن الصباغ، وأبو عبد الله الدامغاني، حضرت مجالس درسه ونظره. وقاضي القضاة الشامي انتفعت به غاية النفع، وأبو الفضل الهمذاني. وأكبرهم سنًا وأكثرهم فضلاً: أبو الطيب الطبريّ حظيتُ برؤيته، ومشيت في ركابه. وكانت صحبتي له حين انقطاعه عن التدريس والمناظرة، فحظيت بالجمال والبركة.
ومن مشايخي: أبو محمد التميمي. كان حسنة العالم، وماشطة بغداد.
ومنهم: أبو بكر الخطيب. كان حافظ وقته. وكان أصحابنا الحنابلة يريدون مني هجران جماعة من العلماء. وكان ذلك يحرمني علمًا نافعًا. وأقبل علي أبو منصور بن يوسف، فحظيتُ منه بأكبر حظوة. وقدمني على الفتاوى، مع حضور من هو أسن مني، وأجلسني في حلقة البرامكة، بجامع المنصور، لما مات شيخي سنة ثمان وخمسين. وقام بكل مؤونتي وتحملي، فقمتُ من الحلقة أتتبع حلق العلماء لتلقط الفوائد.
وأما أهل بيتي: فإن بيت أبي كلهم أرباب أقلام، وكتابة، وشعر، وآداب. وكان جدّي محمد بن عقيل كاتب حضرة بهاء الدولة. وهو المنشىء لرسالة عزل الطايع وتولية القادر ووالدي أنظر الناس وأحسنهم جزلاً وعلمًا. وبيت أبي بيت الزهري صاحب الكلام والدرس على مذهب أبي حنيفة.
وعانيتُ من الفقر والنسخ بالأجرة، مع عفة وتقى. ولا أزاحم فقيهًا في حلقة، ولا تطلب نفسي رتبة من رتب أهل العلم القاطعة لي عن الفائدة. وتقلبت عليَّ الدول فما أخذتني دولة سلطان ولا عامة عما أعتقده أنه الحق، فأوذيت من أصحابي حتى طلب الدم وأوذيت في دولة النظام بالطلب والحبس- فيا من خفت الكل لأجله، لا تخيب ظني فيك- وعصمني الله تعالى في عنفوان شبابي بأنواع من العصمة، وقصر محبتي على العلم وأهله، فما خالطتُ لعَّابًا قط، ولا عاشرتُ إلا أمثالي من طلبة العلم.
قال: والغالب على أحداث طائفة أصحاب أحمد العفة، وعلى مشايخهم الزهادة والنظافة. آخر كلامه.
والأذية التي ذكرها من أصحابه له، وطلبهم منه هجران جماعة من العلماء، نذكر بعض شرحها. وذلك: أن أصحابنا كانوا ينقمون على ابن عقيل تردده إلى ابن الوليد، وابن التبان شيخي المعتزلة. وكان يقرأ عليهما في السر علم الكلام، ويظهر منه في بعض الأحيان نوع انحراف عن السنة، وتأول لبعض الصفات، ولم يزل فيه بعض ذلك إلى أن مات رحمه الله.
ففي سنة إحدى وستين اطلعوا له على كتب فيها شيء من تعظيم المعتزلة، والترحُّم على الحلاَّج وغير ذلك. ووقف على ذلك الشريف أبو جعفر وغيره، فاشتد ذلك عليهم، وطلبوا أذاه، فاختفى. ثم التجأ إلى دار السلطان، ولم يزل أمره في تخبيط إلى سنة خمس وستين، فحضر في أولها إلى الديوان، ومعه جماعة من الأصحاب، فاصطلحوا ولم يحضر الشريف أبو جعفر لأنه كان عاتبًا على ولاة الأمر بسبب إنكار منكر قد سبق ذكره في ترجمته.
فمضى ابن عقيل إلى بيت الشريف وصالحه وكتب خَطّه: يقول علي بن عقيل بن محمد: إني أبرأ إلى الله تعالى من مذاهب مبتدعة الاعتزال وغيره، ومن صحبة أربابه، وتعظيم أصحابه، والترحم على أسلافهم، والتكثر بأخلاقهم. وما كنت علّقته، ووُجد بخَطّي من مذاهبهم وضلالتهم فأنا تائب إلى الله تعالى من كتابته. ولا تَحل كتابته، ولا قراءته، ولا اعتقاده.
وإنني علقت مسألة في جملة ذلك. وإن قوماً قالوا: هو أجساد سود.
وقلت: الصحيح: ما سمعته من الشيخ أبي عليّ، وأنه قال: هو عَدمٌ ولا يسمى جسماً، ولا شيئًا أصلاً. واعتقدتُ أنا ذلك. وأنا تائب إلى الله تعالى منهم.
واعتقدتُ في الحلاج أنه من أهل الذَين والزُّهد والكرامات. ونصرتُ ذلك في جزء عملته. وأنا تَائب إلى الله تعالى منه، وأنه قتل بإجماع علماء عصره، وأصابوا في ذلك، وأخطأ هو. ومع ذلك فإني أستغفر اللّه تعالى، وأتوب إليه من مخالطة المعتزلة، والمبتدعة، وغير ذلك، والترحم عليهم، والتعظيم لهم فإن ذلك كله حرام. ولا يحل لمسلم فعله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من عظَّم صاحب بدعة فقد أعان على هَدْمِ الإسلام".
وقد كان الشريف أبو جعفر، ومن كان مَعه من الشيوخ، والأتباع، سادتي وإخواني- حرسهم الله تعالى- مصيبين في الإنكار عليَّ لما شاهدوه بخالي من الكتب التي أبرأ إلى الله تعالى منها، وأتحققُ أني كنتُ مخطئًا غير مصيب.
ومتى حفظ عليَّ ما ينافي هذا الخط وهذا الإقرار: فلإمام المسلمين مكافأتي على ذلك. وأشهدت الله وملائكته وأولي العلم، على ذلك غير مجبر، ولا مكرَه وباطني وظاهري- يعلم الله تعالى- في ذلك سواء. قال تعالى: "وَمنْ عَادَ فَيَنتقِمُ اللّهُ مِنْهُ، وَاللّهُ عَزِيز ذُو انْتِقَام" المائدة: 199.
وكتب يوم الأربعاء عاشر محرم سنة خمس وستين وأربعمائة.
وكانت كتابته قبل حضوره الديوان بيوم، فلما حضَر شَهِدَ عليه جماعة كثيرة من الشهود والعلماء.
قال ابن الجوزي: وأفتى ابن عقيل، ودرَسَ وناظر الفحول، واستفتى في الديوان في زمن القائم، في زمرة الكبار. وجمع علم الفروع والأصول وصنَّف فيها الكتب الكبار. وكان دائم التشاغل بالعلم، حتى أني رأيتُ بخطه: إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عُمري، حتى إذا تعطَّل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعةٍ، أعملتُ فكري في حال راحتي، وأنا مستطرح، فلا أنهض إلاَّ وقد خطر لي ما أسطره. وإني لأجدُ من حرصي على العلم. وأنا في عشر الثمانين أشدّ مما كنت أجدُه وأنا ابن عشرين سنة.
قال: وكان له الخاطر العاطر، والبحث عن الغامض والدقائق، وجعل كتابه المسمى ب "الفنون" مناطًا لخواطره وواقعاته. من تأمل واقعاته فيه عرف غور الرجل.
وتكلم على المنبر بلسان الوعظ مدة. فلما كانت سنة خمسٍ وسبعين وأربعمائة جرت فيها فتنٌ بين الحنابلة والأشاعرة فترك الوعظ واقتصر على التدريس. ومتعه الله تعالى بسمعه وبصره، وجميع جوارحه.
قال: وقرأت بخطه. قال: بلغتُ الاثنتي عشرة سنة، وأنا في سنة الثمانين وما أرى نقصًا في الخاطر والفكر والحفظ، وحدة النظر، وقوة البصر، لرؤية الأهلة الخفية، إلاّ أن القوة بالإضافة إلى قوة الشبيبة والكهولة ضعيفة.
قلتُ: وذكر ابن عقل، في فنونه: قال حنبلي- يعني نفسه-: أنا أقصرُ بغاية جهدي أوقات أكلي، حتى أختار سفّ الكعك وتحسيه بالماء على الخبزة لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ، توفرًا على مطالعة، أو تسطير فائدة، لم أدركها فيه. قال ابن الجوزي: وكان ابن عقيل قوي الدين، حافظًا للحدود. وتوفي له ولدان، فظهر منه من الصبر ما يتعجب منه. وكان كريمًا ينفق ما يجد، ولم يخلف سوى كتبه وثياب بدنه. وكانت بمقدار كفنه، وقضاء دينه......
ولما ورد الغزالي بغداد، ودرس بالنظامية، حضَره ابن عقيل، وأبو الخطاب، وغيرهُما. وكان ابن عقيل كثير المناظرة للكيا الهراسي. وكان الكيا ينشده في المناظرة:
ارفق بعبدك إنَّ فيه فهاهة جبلية ولك العراق وماؤها
قال السلفي: ما رأت عيناي مثل الشيخ أبي الوفاء بن عقيل ما كان أحد يقدر أن يتكلم معه لغزارة علمه، وحسن إيراده، وبلاغة كلامه، وقوة حجته. ولقد تكلم يومًا مع شيخنا أبي الحسن الكيا الهرّاسي في مسألة، فقال شيخنا: هذا ليس بمذهبك. فقال: أنا لي اجتهادٌ، متى ما طالبني خصمي بحجة كان عندي ما أدفع به عن نفسي، وأقوم له بحجتي، فقال له شيخنا: كذلك الظنُّ بك.
وذكر ابن النجار في تاريخه: أن ابن عقيل قرأ الفقه على القاضي أبي يعلى، وعلى أبي محمد التميمي، وقرأ الأصول والخلاف على القاضي أبي الطيّب الطبري، وأبي نصر بن الصباغ، وقاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني.
... ومن كلامه الحسن: أنهُ وَعظ يومًا فقال: يا من يجد في قلبه قسوة، احذر أن تكون نقضت عهداً فإن اللّه تعالى يقول: "فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُم لَعَنَاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَة" 5: 15.
وسُئل فقيل له: ما تقول في عزلة الجاهل? فقال: خبال ووبال، تضره ولا تنفعه.
فقيل له: فعزلة العالم? قال: مَا لَك ولها، معها حِذَاؤها وسِقاؤُها: ترد الماء وترعى الشجر، إلى أن يلقاها ربها.
...قال ابن النجار: قرأتُ في كتاب أبي نصر المعمر بن محمد بن الحسن البيع بخطه، وأنبأنا عنه أبو القاسم الأزجي، قال: أنشدنا أبو الوفاء عليّ بن عقيل بن محمد بن عقيل الحنبليّ لنفسه:
يقولون لي: ما بال جسمك ناحـلٌ ودمعك من آماق عينيك هاطـلُ.
وما بال لون الجسم بدل صـفـرةً وقد كان محمرًّا فلونـك حـائلُ.
فقلتُ: سقامًا حلّ في باطن الحشـا ولوعة قلب بلبلتـه الـبـلابـلُ
وأنَّى لمثلي أن يبـين لـنـاظـر ولكنني للعـالـمـين أُجـامـلُ
فلا تغتررْ يوماً ببشري وظاهـري فلي باطن قد قطّعته الـنـوازلُ
وما أنا إلا كالزناد تـضـمّـنـتْ لهيباً، ولكنّ اللـهـيبَ مُـداخـلُ
إذا حُمل المرء الذي فوق طـوره يرى عن قريب من تجلد عاطـلُ
لعمري إذا كان التجمّـل كـلـفة يكون كذا بين الأنام مـجـامِـلُ
فأما الذي أثنى له الدهر عطـفـه ولان له وعر الأمور مـواصـلُ
بألطاف قربٍ يسهل الصعب عندها وينعم فيها بـالـذي كـان يأمـلُ
تراه رخيّ البال من كل عـلـقةٍ وقد صميت منه الكَلا والمفاصلُ
توفي أبو الوفاء بن عقيل رحمه اللّه بكرة الجمعة، ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثلاثة عشرة وخمسمائة- وقيل: توفي سادس عشر الشهر- والأول أصح. وصُلي عليه في جامعي القصر والمنصور. وكان الإمام عليه في جامع القصر ابن شافع. وكان الجمعُ يفوت الإحصاء.
قال ابن ناصر: حزَرْتُهم بثلاثمائة ألف. ودُفن في دكة قبر الإمام أحمد رضي الله عنه. وقبره ظاهر رضي اللّه عنه. فما كان في مذهبنا أحدٌ مثله. آخر كلام ابن ناصر.
وذكر المبارك بن كامل الخفاف: أنه جرت فتنة- يعني: على حمله- قال: وتجارَحُوا، وقال الشيخ مطيع: كفن ونطع.
ذكر بعض العبر والفوائد :
1-دراسة الرجل على مشائخه مؤثرة عليه قدحا او مدحا .فنجد ان ابن عقيل درس في بدء أمره على صوفية وأشاعرة وكما قيل الصاحب ساحب :
ولننظر إلى بعض أقواله :
أ-(وفي آداب التصوف: أبو منصور صاحب الزيادة العطار، وأثنى عليه بالزهد والتخلق بأخلاق متقدمي الصوفية) .
ب-( والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، إمام الدنيا وزاهِدُها، وفارسُ المناظرة وواحدها. كان يُعَلمني المناظرة...).
-من الفوائد ينبغي الإنتفاع بالنصح من الإخوان وعدم التذمر منهم إن كان الصواب معهم :
ولننظر إلى بعض أقواله في هذا :
ا-قال ابن عقيل : (وكان أصحابنا الحنابلة يريدون مني هجران جماعة من العلماء).وكانوا يقصدون من كانوا على غير السنة .
ومما يؤيد ذلك قوله بعد ذلك ماجاء في ترجمته : (وطلبهم منه هجران جماعة من العلماء، نذكر بعض شرحها. وذلك: أن أصحابنا كانوا ينقمون على ابن عقيل تردده إلى ابن الوليد، وابن التبان شيخي المعتزلة. وكان يقرأ عليهما في السر علم الكلام، ويظهر منه في بعض الأحيان نوع انحراف عن السنة، وتأول لبعض الصفات، ولم يزل فيه بعض ذلك إلى أن مات رحمه الله )
وفي ترجمته (ففي سنة إحدى وستين اطلعوا له على كتب فيها شيء من تعظيم المعتزلة، والترحُّم على الحلاَّج وغير ذلك. ووقف على ذلك الشريف أبو جعفر وغيره، فاشتد ذلك عليهم، وطلبوا أذاه، فاختفى. ثم التجأ إلى دار السلطان، ولم يزل أمره في تخبيط إلى سنة خمس وستين، فحضر في أولها إلى الديوان، ومعه جماعة من الأصحاب، فاصطلحوا ولم يحضر الشريف أبو جعفر لأنه كان عاتبًا على ولاة الأمر بسبب إنكار منكر قد سبق ذكره في ترجمته).
ب- (وكذلك أنكر الشريف أبو جعفر على ابن عقيل تردده إلى ابن الوليد وغيره، فاختفى مدة ثم تاب وأظهر توبته).ذيل طبقات الحنابلة ج1 : 10
أقول:
فانظر ياعبد الله وتأمل كيف أن ابن عقيل رحمه الله تأثر بهؤلاء في عقيدته وأضلوه عما كان عليه من الفطرة الصحيحة حتى دفع الحنابلة إلى تضليله بل وبعضهم شدد عليه في الحكم مثل مافعل ابن قدامة رحمه الله في بعض كتبه مع ملاحظة أن الحنابلة لايكاد يذكر فيهم من هو أشعري او ماتريدي وإنما كان سائدا في أصحاب المذاهب الأخرى لمن تتبع تراجمهم ولكن أوتي هؤلاء من التفقه على بعض هؤلاء المذهبيين مثل ماكان من ابن عقيل هنا مع بعض مشائخه ومن ثم كان له تأثير على تلميذه ابن الجوزي فأثر عليه في المعتقد فكان ابن الجوازي قد انحرف عن معتقد أهل السنة وقد وجدنا هنا في ترجمة ابن عقيل توبة له ولكن لم اجد إلى الان توبة لابن الجوزي فالله اعلم بحاله بعد ذلك .
الإستفادة من الوقت وعدم ضياعه إلا في فائدة :
قال ابن الجوزي : (وكان دائم التشاغل بالعلم، حتى أني رأيتُ بخطه: إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عُمري، حتى إذا تعطَّل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعةٍ، أعملتُ فكري في حال راحتي، وأنا مستطرح، فلا أنهض إلاَّ وقد خطر لي ما أسطره. .....)
ويقول عن نفسه : (أنا أقصرُ بغاية جهدي أوقات أكلي، حتى أختار سفّ الكعك وتحسيه بالماء على الخبزة لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ، توفرًا على مطالعة، أو تسطير فائدة، لم أدركها فيه..)
الإستفادة من حلق العلم الموجودة حوله او ببلد قريب منه بالرحلة إليها فالعلم يأتي ولايؤتى كما هو حال كثير من الكسالى اليوم :
قال ابن عقيل : (فقمتُ من الحلقة أتتبع حلق العلماء لتلقط الفوائد ).
مع المعاناة الشديدة من الفقر وعزوفه عن الدنيا مع ملذاتها وشهواتها ومع ذلك لم ينقطع عن العلم بل النهمة حاصلة في الطلب وقد قال صلى الله عليه وسلم : ((منهومان لايشبعان : منهوم في طلب العلم ، ومنهوم في طلب الدنيا )).
قال ابن عقيل : (وعانيتُ من الفقر والنسخ بالأجرة، مع عفة وتقى. ولا أزاحم فقيهًا في حلقة...)
وإن تقلب طالب العلم في المناصب أو جاءته لم يهتم لها ولم يرفع لها رأسا، ولم تغيره الوظيفة مهما كانت رتبتها في تنسكه ،فهو ثابت لايتزعزع في تلك الفتن ، ويقول الحق لايخاف في الله لومة لائم؛ بضوابطه الشرعية المرعية، وكما صح عنه صلى الله عليه وسلم : ((وأن نقول الحق أينما كان لانخاف في الله لومة لائم ))مع الصبر لو حصل له إيذاء :
قال ابن عقيل : (وتقلبت عليَّ الدول فما أخذتني دولة سلطان ولا عامة عما أعتقده أنه الحق، فأوذيت من أصحابي حتى طلب الدم وأوذيت في دولة النظام بالطلب والحبس...)
ثم إن كان العالم يستطيع بذل النصح للسلطان أتاه أحيانا وإلا فليحذر أن يفتتن في دينه عياذا بالله فقد يكون باب مزلة قال صلى الله عليه وسلم : ((من أتى باب السلطان افتتن ))
دعاء الله وإحالة المور كلها إليه سبحانه والتوكل عليه لقطع العلائق عن التعلق بالدنيا وشهواتها :
قال ابن عقيل : (فيا من خفت الكل لأجله، لا تخيب ظني فيك)
عدم الإنشغال بالسعي للوظائف الرتب المشغلة عن العلم إلا مالابد منه للعيش :
قال ابن عقيل: (ولا تطلب نفسي رتبة من رتب أهل العلم القاطعة لي عن الفائدة.)
الحرص على فترة الشباب فالإنسان فيها أقوى مايكون وأكثر تحملا فلا يضيعها في القيل والقال وتتبع الشهوات والملذات المفسدة فلا يخالط البطالين وأهل البدع والشهوات وعليه بطلب العلم فيها ومصاحبة أهل العلم ولينظر من يختارهم لصحبته :
قال ابن عقيل : (وعصمني الله تعالى في عنفوان شبابي بأنواع من العصمة، وقصر محبتي على العلم وأهله، فما خالطتُ لعَّابًا قط، ولا عاشرتُ إلا أمثالي من طلبة العلم قال: والغالب على أحداث طائفة أصحاب أحمد العفة، وعلى مشايخهم الزهادة والنظافة. آخر كلامه.)
-ثم من صدر منه ضلا وانحراف في معتقده وكان قد أعلن ذلك في كتبه أو بصوته وجب عليه التوبة منه علنا حتى تقبل توبته ولايكفي أن يكون ذك سرا كما قال تعالى : {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }البقرة160
قال في التفسير الميسر : (إلا الذين رجعوا مستغفرين الله من خطاياهم, وأصلحوا ما أفسدوه, وبَيَّنوا ما كتموه, فأولئك أقبل توبتهم وأجازيهم بالمغفرة, وأنا التواب على من تاب من عبادي, الرحيم بهم; إذ وفقتُهم للتوبة وقبلتها منهم) .
يقول ابن عقيل ملعنا توبته كما في ترجمته من الطبقات :
(فمضى ابن عقيل إلى بيت الشريف وصالحه وكتب خَطّه: يقول علي بن عقيل بن محمد: إني أبرأ إلى الله تعالى من مذاهب مبتدعة الاعتزال وغيره، ومن صحبة أربابه، وتعظيم أصحابه، والترحم على أسلافهم، والتكثر بأخلاقهم. وما كنت علّقته، ووُجد بخَطّي من مذاهبهم وضلالتهم فأنا تائب إلى الله تعالى من كتابته. ولا تَحل كتابته، ولا قراءته، ولا اعتقاده.
وإنني علقت مسألة في جملة ذلك. وإن قوماً قالوا: هو أجساد سود.
وقلت: الصحيح: ما سمعته من الشيخ أبي عليّ، وأنه قال: هو عَدمٌ ولا يسمى جسماً، ولا شيئًا أصلاً. واعتقدتُ أنا ذلك. وأنا تائب إلى الله تعالى منهم.
واعتقدتُ في الحلاج أنه من أهل الذَين والزُّهد والكرامات. ونصرتُ ذلك في جزء عملته. وأنا تَائب إلى الله تعالى منه، وأنه قتل بإجماع علماء عصره، وأصابوا في ذلك، وأخطأ هو. ومع ذلك فإني أستغفر اللّه تعالى، وأتوب إليه من مخالطة المعتزلة، والمبتدعة، وغير ذلك، والترحم عليهم، والتعظيم لهم فإن ذلك كله حرام. ولا يحل لمسلم فعله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من عظَّم صاحب بدعة فقد أعان على هَدْمِ الإسلام".
وقد كان الشريف أبو جعفر، ومن كان مَعه من الشيوخ، والأتباع، سادتي وإخواني- حرسهم الله تعالى- مصيبين في الإنكار عليَّ لما شاهدوه بخالي من الكتب التي أبرأ إلى الله تعالى منها، وأتحققُ أني كنتُ مخطئًا غير مصيب.
ومتى حفظ عليَّ ما ينافي هذا الخط وهذا الإقرار: فلإمام المسلمين مكافأتي على ذلك. وأشهدت الله وملائكته وأولي العلم، على ذلك غير مجبر، ولا مكرَه وباطني وظاهري- يعلم الله تعالى- في ذلك سواء. قال تعالى: "وَمنْ عَادَ فَيَنتقِمُ اللّهُ مِنْهُ، وَاللّهُ عَزِيز ذُو انْتِقَام" المائدة: 199.وكتب يوم الأربعاء عاشر محرم سنة خمس وستين وأربعمائة).
-لو جعل طالب العلم له كناشة (كتاب لجمع الفوائد )لحصل على خير كبير في تتعلم الشرائد والفوائد لينتفع بها يوما ما .
قال ابن الجوزي في ترجمة شيخه ابن عقيل : (قال: وكان له الخاطر العاطر، والبحث عن الغامض والدقائق، وجعل كتابه المسمى ب "الفنون" مناطًا لخواطره وواقعاته. من تأمل واقعاته فيه عرف غور الرجل).
-إن لم يستطع العالم أن يلزم الوعظ فإنه يختار التدريس والمقصود لاينقطع عن التعليم بحال مادام له القدرة ووجد من الناس الإنتفاع :
وفي ترجمته : (وتكلم على المنبر بلسان الوعظ مدة. فلما كانت سنة خمسٍ وسبعين وأربعمائة جرت فيها فتنٌ بين الحنابلة والأشاعرة فترك الوعظ واقتصر على التدريس) والفائدة المستنبطة حاصلة وإن كان توقفه هنا لأجل ماكان بينهم في العقائد .
وانظر إلى حال صاحب العلم لعل الله يمتعه بسمعه وبصره في شبابه وكهولته ويبارك له فيها مادام هو متق لربه مااستطاع لذلك سبيلا :
قال ابن عقيل : (...بلغتُ الاثنتي عشرة سنة، وأنا في سنة الثمانين وما أرى نقصًا في الخاطر والفكر والحفظ، وحدة النظر، وقوة البصر، لرؤية الأهلة الخفية، إلاّ أن القوة بالإضافة إلى قوة الشبيبة والكهولة ضعيفة).
ينبغي على العالم أن يحافظ على دينه وتقواه لربه ويتخلق بأخلاق طالب العلم حقا من الحلم والصبر والآناة والتوقي في الفتيا وقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه صلى الله عليه وسلم فقالت : ((كان خلقه القرآن ))
وفي ترجمة ابن عقيل : (وكان ابن عقيل قوي الدين، حافظًا للحدود. وتوفي له ولدان، فظهر منه من الصبر ما يتعجب منه. وكان كريمًا ينفق ما يجد، ولم يخلف سوى كتبه وثياب بدنه. وكانت بمقدار كفنه، وقضاء دينه...... )
قد يضعف طالب العلم عن التعلم إذا كبر أو يقول لاأجد في نفسي حاجة للزيادة في الطلب
وقد يكون كبرا عياذا بالله :
فانظر رحمك الله مايقوله ابن عقيل في تلك الهمة وذلك العطاء : (وإني لأجدُ من حرصي على العلم. وأنا في عشر الثمانين أشدّ مما كنت أجدُه وأنا ابن عشرين سنة).
-إن بلغ العالم مرتبة في العلم يمكنه الإجتهاد فلايجوز له التقليد كما هو مقرر عند العلماء بل عليه اتباع الحجة :
وانظر لابن عقيل في تلك القصة :
(قال السلفي: ما رأت عيناي مثل الشيخ أبي الوفاء بن عقيل ما كان أحد يقدر أن يتكلم معه لغزارة علمه، وحسن إيراده، وبلاغة كلامه، وقوة حجته. ولقد تكلم يومًا مع شيخنا أبي الحسن الكيا الهرّاسي في مسألة، فقال شيخنا: هذا ليس بمذهبك. فقال: أنا لي اجتهادٌ، متى ما طالبني خصمي بحجة كان عندي ما أدفع به عن نفسي، وأقوم له بحجتي، فقال له شيخنا: كذلك الظنُّ بك).
-الكلام الحسن من العالم يجعل له قبولا في النفوس وأثرا طيبا :
وانظر معي إلى حسن هذا الكلام من ابن عقيل ومدى أثره البالغ ففي ترجمته جاء هذا النص : (ومن كلامه الحسن: أنهُ وَعظ يومًا فقال: يا من يجد في قلبه قسوة، احذر أن تكون نقضت عهداً فإن اللّه تعالى يقول: "فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُم لَعَنَاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَة" 5: 15.
وسُئل فقيل له: ما تقول في عزلة الجاهل? فقال: خبال ووبال، تضره ولا تنفعه.
فقيل له: فعزلة العالم? قال: مَا لَك ولها، معها حِذَاؤها وسِقاؤُها: ترد الماء وترعى الشجر، إلى أن يلقاها ربها).
-متى مات أهل السنة عرفوا عند الكثيرين وعرفت فضائلهم وانظر كم من مشيع لهم والله المستعان :
ففي ترجمة ابن عقيل : (توفي أبو الوفاء بن عقيل رحمه اللّه بكرة الجمعة، ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثلاثة عشرة وخمسمائة- وقيل: توفي سادس عشر الشهر- والأول أصح. وصُلي عليه في جامعي القصر والمنصور. وكان الإمام عليه في جامع القصر ابن شافع. وكان الجمعُ يفوت الإحصاء.)
تعليق