بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
قال الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله :
"بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة المغرب العربي
رحلة قصيرة إلى أفريقيا الشمالية الشهيرة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعدَه.
وبعد: فبمناسبة ترشيح الجامعة الإسلامية إيّاي أنا حمّاد بن محمد الأنصاري والأخ عبد الرحمن بن إبراهيم السيف السفر إلى المغرب العربي بدوله الثلاث تونس، والجزائر، والمغرب الأقصى للبحث عن المخطوطات النادرة وتصويرها باسم الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
بهذه المناسبة توجهنا من المدينة النبوية يوم الثلاثاء بعد العصر في 16/7/1396ه وتوجهنا في الطائرة إلى جدة، فوصلناها قبل غروب الشمس فبتنا فيها منتظرين الحجز إلى تونس الخضراء، بتنا ليلتنا تلك بجدة في فندق الرحاب، وتقيّلنا يوما الأربعاء لعدم إمكان الحجز في ذلك اليوم إلى أن تيسّر الحجز إلى تونس عن طريق رومية بإيطاليا.
(...)
وفي يوم السبت الموافق 20/7/1396ه زرنا السفارة السعودية بنهج النمسا بتونس الخضراء، فوجدنا فيها قائم مقام السفير عباس البصراوي فاستقبلنا استقبالاً حارًّا، فذكرنا له مهمتنا، فرحّب بنا مخبرًا باستعداده للتعاون معنا بكل ما لديه من الإمكانيات، كما زرنا في نفس اليوم الملحق الثقافي في مكتبه بشارع الحرية، فرحّب بنا بالحفاوة والتكريم، ولا غرو فإن الملحق الثقافي في تونس من بيتٍ معروف، وهو أعني الملحق الثقافي الأخ عبد الملك بن عبد الله آل الشيخ.
(...)
وفي يوم الاثنين الموافق 22/7/1396ه زرنا كمال الدين التارزي مدير الشئون الدينية بالجمهورية التونسية فأخبرنا أنه مستعدّ للتعاون معنا على مهمتنا، وفعلاً ذهبنا معه إلى المكتبة الوطنية الواقعة في حيّ جامع الزيتونة في الحيّ الأصلي بتونس، فدخلنا في مكتب مدير المكتبة عزت القلوزي، ثم أخذنا إلى المسئول عن المخطوطات في المكتبة عبد الحفيظ بن منصور، فأخبرنا كلّ منهما أنه على أتم الاستعداد للتعاون معنا على ما نريد في المكتبة، وقال المدير وهو يقوم بتصوير ما نريد من الكتب: ولكن تبين لنا أن الآلة التي في المكتبة للتصوير قد أصابها خلل يحتاج إلى انتظار يومين، ولم يتبين لنا ذلك إلاّ في يوم الأربعاء الموافق 24/7/1396ه
(...)
وقد أنهينا استعراض الموجود من القوائم في المكتبة وانتقينا منها بعض الكتب التي أفردناها بقائمة خاصة بها، ومن أهمّها: الجزء الثالث من (الأحكام الكبرى) لابن كثير، وهو جزء من بقية الصلاة ابتداءً من الأذان، و (الجامع الكبير) للسيوطي، وقطعة من (تاريخ دمشق)، وغير ذلك مما ذكرنا في القائمة المختارة.
(...)
وقد زرنا كثيرًا من المسؤولين من طلبة العلم بتونس، منهم رئيس الشعائر الدينية كمال الدين التارزي، والحبيب بالخوجة عميد الجامعة بتونس، وأطلعَنا الأخير على أقسام الجامعة بفصولها ومكتبتها الكبيرة التي تحتوي على أهمّ المطبوعات العربية من مختلف الفنون.
وكذلك اتصلنا بالأديب الكبير محمد الشاذلي النيفر، وقد حظينا من الجميع بالتقدير والاحترام.
وفي تونس كنت أتناوب في إلقاء المحاضرات مع الأخ أبي بكر الجزائري، حيث أني ألقيت في جامع محرز بن خلف، وفي جامع الزيتونة، وفي جامع سبحان الله وغيرها من جوامع تونس الكثير التي لا يعمرها بالصلاة إلاّ التيجانيون من الشيب والشبان.
(...)
ومن الملاحظ: أن المسؤولين عن الشؤون الدينية والتعليمية من الأحناف، مع أن نسبة الأحناف في المالكية خمس في المائة، وهؤلاء الأحناف من بقايا الأتراك الذين كانوا حكّامًا على تونس قبل الاستعمار الفرنسي.
وفي شوارع تونس تلتقي بأسراب من النساء العاريات تونسيات وغيرهن، مما يدلّ على أن الاستعمار لا يخرج من بلد إلاّ بعد أن يترك تقاليده وعاداته في ذلك البلد، فلذا تجد من النساء العاريات والشباب المتفرنج عددًا لا يستهان به، تشاهد هؤلاء في جميع الشوارع في تلك البلاد التي محى الاستعمار كل أخلاق الإسلام وتقاليده وعاداته منها حتى لا تفرق بين الشاب المسلم والمرأة المسلمة وبين الشاب والمرأة من الإفرنج.
وفي أيام الآحاد وأيام عطل الاحتفالات التي صادفناها هناك من الاحتفال بالجمهورية وبميلاد الرئيس وبما يسمونه بتحرير المرأة، في كل هذه الأيام تجولنا للاطلاع على أكثر مدن تونس الخضراء ومن أهمها الميناء الكبير بنزرت شمال تونس على مسافة ستين كيلو مترًا، والقيروان العاصمة الأولى للإسلام في أفريقيا الشمالية وغيرها في جنوب تونس، وزرنا جامع أبي زمعة البلوي رضي الله عنه الصحابي الجليل، ووجدنا في داخل الجامع تابوتًا يزعمون أنه قبره، فزرناه ودعونا له بعد السلام عليه، ثم زرنا جامع عقبة بن نافع الفهري رضي الله عنه، وألقيت فيه درسًا نال القبول من الحاضرين.
ورزنا أيضًا قبر سحنون، وقبور الفقهاء العشرة الفقهاء الذين بعثهم عمر بن عبد العزيز لتعليم الافريقيين الدين الإسلامي، وقد ذكرهم صاحب (رياض النفوس) في شرق القيروان عند انتهاء العمران، ووجدنا سدنة يزعمون أنهم من حفدة سحنون، ولكنهم عوام يسكنون في جناح من العمارة التي فيها القبور.
ومما تنبغي الإشارة إليه: أن القبور في تونس وأنحائها يعتنى بها الناس أكثر من اعتنائهم بالمساجد.
وكذلك زرنا قصر الهلال وسوسة، والمنستير، والحمامات، وتابل، وهذه الأربعة الأخيرة من جملة الشطوط التونسية التي تجولنا فيها، ووجدنا عندها من جمال الطبيعة ما يبهر البصر، هذا كله إلى ما نشاهده من جمال البحر الأبيض المتوسط الممتد على شمال تونس، تواكبه غابات من أنواع الأشجار ومن الزيتون والرمّان والتين والسفرجل وغير ذلك، إلاّ أن السوّاح الإفرنج الذين اكتظت بهم تلك الشواطئ الجميلة بخلاعاتهم رجالهم ونسائهم شوّهوا منظر هذه الشطوط الجميلة.
هذا، وقد زرنا بلدًا آخر في غرب العاصمة يدعى (كاف(في طريق المار إلى الجزائر وهو أيضًا جميل كريم أهلُه.
وتونس كلها خضراء أشجارها وجبالها وتلولها طولها وعرضها، وهي تسير بسير الحضارة الأوربية بنسائها وشبابها وشيوخها، وقد سيطرت تلك الحضارة على تقاليد أهلها وعاداتهم، بحيث لا تكاد ترى من بين تلك الجحافل التي تواجهك من المطار أي: مطار قرطاج الدولي إلا أوربيًّا في لبسته وهيئته ولغته، هذا مع أنّ أهل تونس إمّا عربٌ أو متعرِّبون لا يوجد فيها عجمي إلا سائح، ومع هذا فاللغة الفرنسية متغلِّبةٌ على العربية الدارجة التونسية، وهذا هو مراد المستعمر في كل بلد سلخه من كلّ معنوايته حتى من لغته وإحلال لغته الأجنبية محلّ اللغة الوطنية.
هذا، وفي تونس الخضراء أقمنا 28 يومًا، ثم توجهنا إلى المغرب الأقصى رأسًا بطائرة كويتية كبيرة حديثة في مساء يوم الخميس الموافق 16/8/1396ه إلى الدار البيضاء بالمغرب العربي، فوصلنا إلى مطارها المسمى بمطار النواصر، وبينه وبين الدار البيضاء 30كم تقريبًا، وصلنا في الساعة العاشرة ليلاً بالتوقيت الافرنجي، وقطعنا المسافة بين مطار قرطاج بتونس ومطار النواصر بساعتين ونصف، وبتنا ليلة الجمعة الموافق 17/8/1396ه في الدار البيضاء، ومع الأسف لم يكن معنا من يدلّنا إلى محلّ مناسب في الدار البيضاء، فدرنا بتاكسي نبحث عن فندق ننام فيه إلى الصباح، وكل فندق نمرّ فيه نجده مسكونا إلى أن وقفنا بعد التعب على فنيدق غير كبير يسمى فندق كمبيطا، وفي هذا الفنيدق وجدنا غرفة صغيرة بسريرين، وبتنا إلى الصباح، حيث قمنا بالتجوّل في الأسواق، ثم صلينا الجمعة في جامع محمد الخامس
والتقينا هناك بأحد تلامذة الدكتور الهلالي اسمه علاّل، فصحبنا إلى منزل الدكتور فالتقينا به، ثم بعث معنا الأخ محمد الدرعاوي الطالب في الجامعة الإسلامية، فانتقلنا من فندق كمبيطا إلى فندق كبير يسمى بفندق الدار البيضاء، ويعد هذا الفندق أكبر فندق في أفريقيا في الدرجة الأولى في فنادق الدار البيضاء، وأقمنا فيه ثلاث ليال،
وفي الصباح من يوم الاثنين الموافق 20/8 توجهنا في تاكسي بصحبة الأخ محمد الدرعاوي الطالب في الجامعة الإسلامية إلى الرباط، ومررنا في طريقنا بقرى كثيرة مغطاة بالأشجار المزدهرة، ومن جملتها مصطاف الملك الحسن الثاني الصخيرات، وقد تلاقينا في طريقنا إلى الرباط مع الملك الحسن الثاني قاصدًا هذا المصيف مع موكبه وهو سائق سيارته بنفسه،
فوصلنا إلى الرباط ضحًى عاصمة المملكة المغربية، فبدأنا باستعراض الفهارس التي وجدناها في المكتبة، فانتقينا منها بعض الكتب المخطوطة، وهم يشتغلون في الصباح والمساء، فلذا تيسر لنا أن ننتقي جملة كبيرة من المخطوطات الموجودة في الخزانة العامة، ومن أهم المكتبات التي توجد فيها تلك المخطوطات مكتبة الكتانيين، واستمرّ عملُنا في الخزانة العامة من يوم الاثنين الموافق 20/8/1396ه إلى يوم الأحد الموافق 26/8/1396ه، فتوجهنا بعد ذلك إلى طنجة مدخل الأندلس أو عروس الأندلس على ما يقال، توجهنا إليها في قطار ممتاز في الدرجة الأولى، فوصلنا طنجة في نفس اليوم، واتجهنا إلى المكتبة التي فيها، فلم نجد شيئًا من المخطوطات، وأقمنا فيها ثلاثة أيام، وقد ألقيت فيها ثلاث محاضرات، إحداها ألقيتها في قاعة المحاضرات الدولية سابقًا في طنجة حينما كانت دولية، وتسمى هذه القاعة الآن قصر مارشان لأنها قرب جبل طارق،
(...)
ومن الجدير بالذكر: أن المكتبات في تونس والمغرب التي وقفنا عليها يغلب عليها طابع الفقه المالكي، ورسائل كثيرة في الأذكار والتصوّف إلاّ قليلاً مما انتقيناه.
(...)
وعند وصولنا لمكناس دخلنا مكتبة الجامع الكبير فاستعرضنا ما فيها من فهارس المخطوطات، ولم نجد في تلك الفهارس شيئًا يستحقّ التقييد، فلذا توجهنا مع فضيلة الدكتور تقي الدين الهلالي إلى فاس، توجهنا صباح الاثنين 6/9/1396ه إلى فاس، فوصلناها ضحى في نفس اليوم، وبينها وبين مكناس ستون كيلو، فمن حين وصولنا إلى البلد توجهنا إلى مكتبة جامع القرويين في المدينة القديمة، وفي هذا الجامع ستة آلاف مخطوط وبمكتبة الجامع الكبير بمكناس خمسمائة مخطوط، ولكن مع الأسف فجلُّ تلك المخطوطات متلاش غير صالح قد أكلت الأرضة منها كثيرًا من آثار الإهمال.
وبعد أن استعرضنا كل ما في الجامع من فهارس فلم نجد فيها جديدًا إلاّ (كتاب الزهد) لأبي داود السجستاني، وكتاب (ترتيب الأفراد) للدارقطني لابن طاهر، وما سوى الكتابين من المخطوطات وجدناه في الرباط وتطوان ومكناس.
(...)
ثم غادرنا مكناس عائدين إلى الرباط لاستكمال ما تبقّى من عملنا في المكتبة الملكية، فوصلنا إلى الرباط صباحاً، فلما بدء العمل ذهبنا إلى المكتبة الملكية بالقصر الملكي، فوجدناها مفتوحة، فاستعرضنا ما فيها من البطاقات والفهرس الكبير، فوجدناها مكتبة هامة ممتلئة بالمخطوطات، ولكن أغلب تلك المخطوطات مطبوع، وعدد المخطوطات المنظمة تبلغ (10.915) مخطوطًا في المكتبة الملكية الأصلية، وفيها المكتبة الزيدانية، وتبلغ (3.986) كتابًا ما بين مخطوط ومطبوع، ويقدّر المخطوط منها بنحو النصف، وفيها أيضًا خزانة مولاي أحمد العلوي المراكشي القاضي، ما زالت هذه المكتبة في الصناديق(1)، وفيها من الكتب ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف كتاب بين مخطوط ومطبوع.
وللمكتبة الملكية الأصلية فهرسٌ كبير فيه ثلاثة أجزاء مرتب على المؤلفين وأسماء مؤلفاتهم بجانب البطاقات التي وجدناها فيها، وهذا الفهرس الكبير لم يطبع،ولكن يعمل فيه ليخرج إلى الطبع إن شاء الله. وقد انتقينا من هذا الفهرس والبطاقات في المكتبة الملكية بعض المخطوطات التي لم نجدها في المكتبات التي مررنا عليها قبلَها، وفي الحقيقة وجدنا هذه المكتبة صالحةً لأن تكون مرجعًا لتصحيح الكتب التي يعاد طبعها مرة أخرى، لأنها كما ذكرت سابقًا مشتملة على أكثر المخطوطات التي قد سبق أن طبعت في الحديث أو غيره، وأما المخطوطات التي لم يسبق لها الطبع فهي غير كثير، بل إن الخزانة العامة أكثر منها مخطوطات بهذا الاعتبار.
ومن الملاحظ: أن المكتبات في المغرب تحتاج إلى تنظيم وترتيب فنّي ليسهل الكشف عنها، فالبطاقات التي وضعت لها غير مرتبة وغير فنيّة، فلهذا يتعب من يفتش فيها دون أن يجد ما يريد، مع أن المسؤولين عن المكتبات في تونس وفي المغرب قد ساعدونا غاية المساعدة على الحصول على ما نطلب جزاهم الله خير الجزاء، ولكن لعدم تنظيم الفهارس لتلك المكتبات فليس من السهل الاطلاع على كل شيء إلاّ بعد جهد جهيد وعمل متواصل مرهق.
الدين وأفريقيا الشمالية:
لاشك أن بلاد المغرب الشمالي أو أفريقيا البيضاء على ما يقال بدوله الثلاث كان قبل الاستعمار بلادًا تسودُها الأخلاق الإسلامية والآداب الشرعية، ولكن بعد تمكّن الاستعمار الفرنسي الغاشم والاستعمار الاسباني الدخيل من هذه البلاد الإفريقية قلبها هذا الاستعمار ظهرًا على بطن، ولم يخرج منها إلاّ وقد خلّف فيها من الجهل بالإسلام والتنكُّر لتعاليمِه وأنواع التفسّخ والانحلال الخلقي ما يلمسه ويراه كلّ من زار تلك البلاد الشقيقة من الغيورين على الأخلاق الإسلامية: ترى المساجد ولكن لا ترى المصلين، بل ترى من بقي باسم الإسلام من الطرقيين وأتباعهم يعكفون عند المشاهد يطوفون بها، أو يتفرّجون عليها، وفي تونس تجد التماثيل والصور الخليعة في أكثر البيوت وفي المكتبات، بل وفي بيوت من يتسمون بمشايخ الدين تجد هذه التماثيل في أكثر بيوتهم، والغالب على هذه التماثيل صور نساء عاريات ومنصوبات في جانب البيت.
وللتجانية والدرقاوية في تونس والمغرب انتشار واسع هائل في تلك الزوايا المتبعثرة في جميع مدنها بقببها المبنية على القبور، وتجد هؤلاء يعمرون تلك المشاهد ويهجرون ما عندهم من المساجد إلاّ قليل ممن يعدون بالأصابع، تجد هذا القليل منهم يصيحون عند كل مسجد تدخله يصيحون فيه قبل الصلاة وبعد الصلاة بدعوى الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على شكل ينكره كل من له ذوق سليم وعقل حكيم فضلاً عن المسلم المتسمك بأهداب السنة.
يغلب على هؤلاء الخرافيين طابع التيجانية الشاذة، أو طابع الدرقاوية الهزيلة، هذا كل ما بقي باسم الإسلام في تلك البلاد: لعبة التيجانية، ومهزلة الدرقاوية، ويواكب هاتين الخرافيتين البرهميتين بدعة التعصب المذهبي الذي يحمل اسم المذهب المالكي في المغرب واسم المذهب الحنفي والمالكي بتونس.
هذا، وفي تونس والمغرب ناسٌ ملتزمون بأخلاق الإسلام، ولكنهم قلّة
(...)
بل إن الاستعمار الافرنجي يستغل وجود هذه الخرافات للقضاء على الإسلام وتشويه سمعته بواسطة هؤلاء الدراويش من التيجانيين الدرقاويين والعيساويين والقادريين والمتعصبين باسم المذهب،
وقد اجتمعنا في طنجة بشخص مسئول كبير، يدعى (أحمدنية) متهم بالشيوعية وجرت بيننا وبينَه محاورة نحو الإسلام وأن الإسلام صالحٌ لكل زمان ومكان دولة وعقيدة وعمل، ولكن عارضنا بجرأة ووقاحة وقال ان الإسلام ناقص وليس شاملاً لكل القضايا الدينوية، وادعى أن الشيوعية والاشتراكية المادية العلمانية الإلحادية هي التي وحدها تقدر على تنظيم الحياة الدنيوية، فأبنّا له أن قوله هذا نشأ من الجهل بالإسلام ومن تقليده لأعدائه الذين شوّهوا سمعة الإسلام بمثل هذه الأقوال الباطلة،
وذكرنا له أن الله عزّ وجل قال في كتابه الكريم: {ما فرطنا في الكتاب من شيء}، وأن هذا الحق حق عرفه من عرفه وجهله من جهله،
وقلنا له: هل تعرف قضية لم يعالجها الإسلام حتى احتاجت إلى أن تعالجها الاشتراكية؟، فقال نعم إن التعامل بالبنوك منعه الإسلام مع أن الحياة متوقفة على هذا التعامل. فقلنا له: ليس الأمرُ كما زعمتَ، بل إن الإسلام لم يمنع التعامل بالنبوك مطلَقا، إنما منع التعامل بالربا الذي يتضمن التعامل به ظلم الآخرين وسلب أموالهم بغير حق، وهذا من عدالة الإسلام الشاملة أنْ منعَ الظلمَ بأيِّ وجهٍ كان الظلم، وأن الله حرم الظلم، وأن الظلمَ ظلماتٌ يوم القيامة،
وليس من الغريب أن تتعامل الشيوعية الاشتراكية بالربا ولا بغيره من المحرّمات، إذْ لا ذنبَ فوق الكفر، فإن الشيوعية كفرٌ بواحٌ كغيرِها من أنواع الكفر، سواء كان انفصاليا أو قوميا أو بعثيا فإنه لا يستبعد منه أن يتهم الإسلام بالتقصير حينما أن التقصير من الكفر والإلحاد لا من الإسلام فالإسلام كامل.
هذا، ولو تعاونت الجهات المسؤولة في الحكومة السعودية من دار الإفتاء والجامعة الإسلامية والرابطة والإشراف على الحرم المكي ووزارة المعارف ووزارة التعليم العالي لو تعاونت هذه الجهات على إرسال مرشدين إلى تلك البلاد مع قبول الراغبين في طلب العلم في مدارس الحكومة والجامعة الإسلامية وغيرها بدون التقيّد بالمراسم الحكومية في بلادهم، بل يكتفى بتزكية أناس معروفين بالصلاح هناك لكان هذا التعاون مفيدًا في تلك البلاد، لا سيّما وفي هذه البلاد شباب توّاقون للعلم يبحثون عنه ويسألون كل من يلقونه من أهل العلم الذين ينتابون بلادهم.
تنبيه:
قد التقينا في الدار البيضاء بالأخوين الكريمين الشيخ ناصر الدين الألباني والأخ محمد البنا في طريقهم إلى لندن مبعوثين للإرشاد في لندن، تمتعنا بهم ليلة الخميس التي سنغادر في صباحها بلاد المغرب، وكانت تلك الليلة مونسة سارّة عمرت بالأحاديث النبوية والإرشادات السنية، حضرنا في مساء الأربعاء محاضرة قيِّمة بعنوان (إقامة الصفوف في الصلاة من إقامة الصلاة) ألقاها الشيخ ناصر الدين الألباني في الجامع المحمدي في الدار البيضاء. "
منقول
السلام عليكم
قال الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله :
"بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة المغرب العربي
رحلة قصيرة إلى أفريقيا الشمالية الشهيرة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعدَه.
وبعد: فبمناسبة ترشيح الجامعة الإسلامية إيّاي أنا حمّاد بن محمد الأنصاري والأخ عبد الرحمن بن إبراهيم السيف السفر إلى المغرب العربي بدوله الثلاث تونس، والجزائر، والمغرب الأقصى للبحث عن المخطوطات النادرة وتصويرها باسم الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
بهذه المناسبة توجهنا من المدينة النبوية يوم الثلاثاء بعد العصر في 16/7/1396ه وتوجهنا في الطائرة إلى جدة، فوصلناها قبل غروب الشمس فبتنا فيها منتظرين الحجز إلى تونس الخضراء، بتنا ليلتنا تلك بجدة في فندق الرحاب، وتقيّلنا يوما الأربعاء لعدم إمكان الحجز في ذلك اليوم إلى أن تيسّر الحجز إلى تونس عن طريق رومية بإيطاليا.
(...)
وفي يوم السبت الموافق 20/7/1396ه زرنا السفارة السعودية بنهج النمسا بتونس الخضراء، فوجدنا فيها قائم مقام السفير عباس البصراوي فاستقبلنا استقبالاً حارًّا، فذكرنا له مهمتنا، فرحّب بنا مخبرًا باستعداده للتعاون معنا بكل ما لديه من الإمكانيات، كما زرنا في نفس اليوم الملحق الثقافي في مكتبه بشارع الحرية، فرحّب بنا بالحفاوة والتكريم، ولا غرو فإن الملحق الثقافي في تونس من بيتٍ معروف، وهو أعني الملحق الثقافي الأخ عبد الملك بن عبد الله آل الشيخ.
(...)
وفي يوم الاثنين الموافق 22/7/1396ه زرنا كمال الدين التارزي مدير الشئون الدينية بالجمهورية التونسية فأخبرنا أنه مستعدّ للتعاون معنا على مهمتنا، وفعلاً ذهبنا معه إلى المكتبة الوطنية الواقعة في حيّ جامع الزيتونة في الحيّ الأصلي بتونس، فدخلنا في مكتب مدير المكتبة عزت القلوزي، ثم أخذنا إلى المسئول عن المخطوطات في المكتبة عبد الحفيظ بن منصور، فأخبرنا كلّ منهما أنه على أتم الاستعداد للتعاون معنا على ما نريد في المكتبة، وقال المدير وهو يقوم بتصوير ما نريد من الكتب: ولكن تبين لنا أن الآلة التي في المكتبة للتصوير قد أصابها خلل يحتاج إلى انتظار يومين، ولم يتبين لنا ذلك إلاّ في يوم الأربعاء الموافق 24/7/1396ه
(...)
وقد أنهينا استعراض الموجود من القوائم في المكتبة وانتقينا منها بعض الكتب التي أفردناها بقائمة خاصة بها، ومن أهمّها: الجزء الثالث من (الأحكام الكبرى) لابن كثير، وهو جزء من بقية الصلاة ابتداءً من الأذان، و (الجامع الكبير) للسيوطي، وقطعة من (تاريخ دمشق)، وغير ذلك مما ذكرنا في القائمة المختارة.
(...)
وقد زرنا كثيرًا من المسؤولين من طلبة العلم بتونس، منهم رئيس الشعائر الدينية كمال الدين التارزي، والحبيب بالخوجة عميد الجامعة بتونس، وأطلعَنا الأخير على أقسام الجامعة بفصولها ومكتبتها الكبيرة التي تحتوي على أهمّ المطبوعات العربية من مختلف الفنون.
وكذلك اتصلنا بالأديب الكبير محمد الشاذلي النيفر، وقد حظينا من الجميع بالتقدير والاحترام.
وفي تونس كنت أتناوب في إلقاء المحاضرات مع الأخ أبي بكر الجزائري، حيث أني ألقيت في جامع محرز بن خلف، وفي جامع الزيتونة، وفي جامع سبحان الله وغيرها من جوامع تونس الكثير التي لا يعمرها بالصلاة إلاّ التيجانيون من الشيب والشبان.
(...)
ومن الملاحظ: أن المسؤولين عن الشؤون الدينية والتعليمية من الأحناف، مع أن نسبة الأحناف في المالكية خمس في المائة، وهؤلاء الأحناف من بقايا الأتراك الذين كانوا حكّامًا على تونس قبل الاستعمار الفرنسي.
وفي شوارع تونس تلتقي بأسراب من النساء العاريات تونسيات وغيرهن، مما يدلّ على أن الاستعمار لا يخرج من بلد إلاّ بعد أن يترك تقاليده وعاداته في ذلك البلد، فلذا تجد من النساء العاريات والشباب المتفرنج عددًا لا يستهان به، تشاهد هؤلاء في جميع الشوارع في تلك البلاد التي محى الاستعمار كل أخلاق الإسلام وتقاليده وعاداته منها حتى لا تفرق بين الشاب المسلم والمرأة المسلمة وبين الشاب والمرأة من الإفرنج.
وفي أيام الآحاد وأيام عطل الاحتفالات التي صادفناها هناك من الاحتفال بالجمهورية وبميلاد الرئيس وبما يسمونه بتحرير المرأة، في كل هذه الأيام تجولنا للاطلاع على أكثر مدن تونس الخضراء ومن أهمها الميناء الكبير بنزرت شمال تونس على مسافة ستين كيلو مترًا، والقيروان العاصمة الأولى للإسلام في أفريقيا الشمالية وغيرها في جنوب تونس، وزرنا جامع أبي زمعة البلوي رضي الله عنه الصحابي الجليل، ووجدنا في داخل الجامع تابوتًا يزعمون أنه قبره، فزرناه ودعونا له بعد السلام عليه، ثم زرنا جامع عقبة بن نافع الفهري رضي الله عنه، وألقيت فيه درسًا نال القبول من الحاضرين.
ورزنا أيضًا قبر سحنون، وقبور الفقهاء العشرة الفقهاء الذين بعثهم عمر بن عبد العزيز لتعليم الافريقيين الدين الإسلامي، وقد ذكرهم صاحب (رياض النفوس) في شرق القيروان عند انتهاء العمران، ووجدنا سدنة يزعمون أنهم من حفدة سحنون، ولكنهم عوام يسكنون في جناح من العمارة التي فيها القبور.
ومما تنبغي الإشارة إليه: أن القبور في تونس وأنحائها يعتنى بها الناس أكثر من اعتنائهم بالمساجد.
وكذلك زرنا قصر الهلال وسوسة، والمنستير، والحمامات، وتابل، وهذه الأربعة الأخيرة من جملة الشطوط التونسية التي تجولنا فيها، ووجدنا عندها من جمال الطبيعة ما يبهر البصر، هذا كله إلى ما نشاهده من جمال البحر الأبيض المتوسط الممتد على شمال تونس، تواكبه غابات من أنواع الأشجار ومن الزيتون والرمّان والتين والسفرجل وغير ذلك، إلاّ أن السوّاح الإفرنج الذين اكتظت بهم تلك الشواطئ الجميلة بخلاعاتهم رجالهم ونسائهم شوّهوا منظر هذه الشطوط الجميلة.
هذا، وقد زرنا بلدًا آخر في غرب العاصمة يدعى (كاف(في طريق المار إلى الجزائر وهو أيضًا جميل كريم أهلُه.
وتونس كلها خضراء أشجارها وجبالها وتلولها طولها وعرضها، وهي تسير بسير الحضارة الأوربية بنسائها وشبابها وشيوخها، وقد سيطرت تلك الحضارة على تقاليد أهلها وعاداتهم، بحيث لا تكاد ترى من بين تلك الجحافل التي تواجهك من المطار أي: مطار قرطاج الدولي إلا أوربيًّا في لبسته وهيئته ولغته، هذا مع أنّ أهل تونس إمّا عربٌ أو متعرِّبون لا يوجد فيها عجمي إلا سائح، ومع هذا فاللغة الفرنسية متغلِّبةٌ على العربية الدارجة التونسية، وهذا هو مراد المستعمر في كل بلد سلخه من كلّ معنوايته حتى من لغته وإحلال لغته الأجنبية محلّ اللغة الوطنية.
هذا، وفي تونس الخضراء أقمنا 28 يومًا، ثم توجهنا إلى المغرب الأقصى رأسًا بطائرة كويتية كبيرة حديثة في مساء يوم الخميس الموافق 16/8/1396ه إلى الدار البيضاء بالمغرب العربي، فوصلنا إلى مطارها المسمى بمطار النواصر، وبينه وبين الدار البيضاء 30كم تقريبًا، وصلنا في الساعة العاشرة ليلاً بالتوقيت الافرنجي، وقطعنا المسافة بين مطار قرطاج بتونس ومطار النواصر بساعتين ونصف، وبتنا ليلة الجمعة الموافق 17/8/1396ه في الدار البيضاء، ومع الأسف لم يكن معنا من يدلّنا إلى محلّ مناسب في الدار البيضاء، فدرنا بتاكسي نبحث عن فندق ننام فيه إلى الصباح، وكل فندق نمرّ فيه نجده مسكونا إلى أن وقفنا بعد التعب على فنيدق غير كبير يسمى فندق كمبيطا، وفي هذا الفنيدق وجدنا غرفة صغيرة بسريرين، وبتنا إلى الصباح، حيث قمنا بالتجوّل في الأسواق، ثم صلينا الجمعة في جامع محمد الخامس
والتقينا هناك بأحد تلامذة الدكتور الهلالي اسمه علاّل، فصحبنا إلى منزل الدكتور فالتقينا به، ثم بعث معنا الأخ محمد الدرعاوي الطالب في الجامعة الإسلامية، فانتقلنا من فندق كمبيطا إلى فندق كبير يسمى بفندق الدار البيضاء، ويعد هذا الفندق أكبر فندق في أفريقيا في الدرجة الأولى في فنادق الدار البيضاء، وأقمنا فيه ثلاث ليال،
وفي الصباح من يوم الاثنين الموافق 20/8 توجهنا في تاكسي بصحبة الأخ محمد الدرعاوي الطالب في الجامعة الإسلامية إلى الرباط، ومررنا في طريقنا بقرى كثيرة مغطاة بالأشجار المزدهرة، ومن جملتها مصطاف الملك الحسن الثاني الصخيرات، وقد تلاقينا في طريقنا إلى الرباط مع الملك الحسن الثاني قاصدًا هذا المصيف مع موكبه وهو سائق سيارته بنفسه،
فوصلنا إلى الرباط ضحًى عاصمة المملكة المغربية، فبدأنا باستعراض الفهارس التي وجدناها في المكتبة، فانتقينا منها بعض الكتب المخطوطة، وهم يشتغلون في الصباح والمساء، فلذا تيسر لنا أن ننتقي جملة كبيرة من المخطوطات الموجودة في الخزانة العامة، ومن أهم المكتبات التي توجد فيها تلك المخطوطات مكتبة الكتانيين، واستمرّ عملُنا في الخزانة العامة من يوم الاثنين الموافق 20/8/1396ه إلى يوم الأحد الموافق 26/8/1396ه، فتوجهنا بعد ذلك إلى طنجة مدخل الأندلس أو عروس الأندلس على ما يقال، توجهنا إليها في قطار ممتاز في الدرجة الأولى، فوصلنا طنجة في نفس اليوم، واتجهنا إلى المكتبة التي فيها، فلم نجد شيئًا من المخطوطات، وأقمنا فيها ثلاثة أيام، وقد ألقيت فيها ثلاث محاضرات، إحداها ألقيتها في قاعة المحاضرات الدولية سابقًا في طنجة حينما كانت دولية، وتسمى هذه القاعة الآن قصر مارشان لأنها قرب جبل طارق،
(...)
ومن الجدير بالذكر: أن المكتبات في تونس والمغرب التي وقفنا عليها يغلب عليها طابع الفقه المالكي، ورسائل كثيرة في الأذكار والتصوّف إلاّ قليلاً مما انتقيناه.
(...)
وعند وصولنا لمكناس دخلنا مكتبة الجامع الكبير فاستعرضنا ما فيها من فهارس المخطوطات، ولم نجد في تلك الفهارس شيئًا يستحقّ التقييد، فلذا توجهنا مع فضيلة الدكتور تقي الدين الهلالي إلى فاس، توجهنا صباح الاثنين 6/9/1396ه إلى فاس، فوصلناها ضحى في نفس اليوم، وبينها وبين مكناس ستون كيلو، فمن حين وصولنا إلى البلد توجهنا إلى مكتبة جامع القرويين في المدينة القديمة، وفي هذا الجامع ستة آلاف مخطوط وبمكتبة الجامع الكبير بمكناس خمسمائة مخطوط، ولكن مع الأسف فجلُّ تلك المخطوطات متلاش غير صالح قد أكلت الأرضة منها كثيرًا من آثار الإهمال.
وبعد أن استعرضنا كل ما في الجامع من فهارس فلم نجد فيها جديدًا إلاّ (كتاب الزهد) لأبي داود السجستاني، وكتاب (ترتيب الأفراد) للدارقطني لابن طاهر، وما سوى الكتابين من المخطوطات وجدناه في الرباط وتطوان ومكناس.
(...)
ثم غادرنا مكناس عائدين إلى الرباط لاستكمال ما تبقّى من عملنا في المكتبة الملكية، فوصلنا إلى الرباط صباحاً، فلما بدء العمل ذهبنا إلى المكتبة الملكية بالقصر الملكي، فوجدناها مفتوحة، فاستعرضنا ما فيها من البطاقات والفهرس الكبير، فوجدناها مكتبة هامة ممتلئة بالمخطوطات، ولكن أغلب تلك المخطوطات مطبوع، وعدد المخطوطات المنظمة تبلغ (10.915) مخطوطًا في المكتبة الملكية الأصلية، وفيها المكتبة الزيدانية، وتبلغ (3.986) كتابًا ما بين مخطوط ومطبوع، ويقدّر المخطوط منها بنحو النصف، وفيها أيضًا خزانة مولاي أحمد العلوي المراكشي القاضي، ما زالت هذه المكتبة في الصناديق(1)، وفيها من الكتب ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف كتاب بين مخطوط ومطبوع.
وللمكتبة الملكية الأصلية فهرسٌ كبير فيه ثلاثة أجزاء مرتب على المؤلفين وأسماء مؤلفاتهم بجانب البطاقات التي وجدناها فيها، وهذا الفهرس الكبير لم يطبع،ولكن يعمل فيه ليخرج إلى الطبع إن شاء الله. وقد انتقينا من هذا الفهرس والبطاقات في المكتبة الملكية بعض المخطوطات التي لم نجدها في المكتبات التي مررنا عليها قبلَها، وفي الحقيقة وجدنا هذه المكتبة صالحةً لأن تكون مرجعًا لتصحيح الكتب التي يعاد طبعها مرة أخرى، لأنها كما ذكرت سابقًا مشتملة على أكثر المخطوطات التي قد سبق أن طبعت في الحديث أو غيره، وأما المخطوطات التي لم يسبق لها الطبع فهي غير كثير، بل إن الخزانة العامة أكثر منها مخطوطات بهذا الاعتبار.
ومن الملاحظ: أن المكتبات في المغرب تحتاج إلى تنظيم وترتيب فنّي ليسهل الكشف عنها، فالبطاقات التي وضعت لها غير مرتبة وغير فنيّة، فلهذا يتعب من يفتش فيها دون أن يجد ما يريد، مع أن المسؤولين عن المكتبات في تونس وفي المغرب قد ساعدونا غاية المساعدة على الحصول على ما نطلب جزاهم الله خير الجزاء، ولكن لعدم تنظيم الفهارس لتلك المكتبات فليس من السهل الاطلاع على كل شيء إلاّ بعد جهد جهيد وعمل متواصل مرهق.
الدين وأفريقيا الشمالية:
لاشك أن بلاد المغرب الشمالي أو أفريقيا البيضاء على ما يقال بدوله الثلاث كان قبل الاستعمار بلادًا تسودُها الأخلاق الإسلامية والآداب الشرعية، ولكن بعد تمكّن الاستعمار الفرنسي الغاشم والاستعمار الاسباني الدخيل من هذه البلاد الإفريقية قلبها هذا الاستعمار ظهرًا على بطن، ولم يخرج منها إلاّ وقد خلّف فيها من الجهل بالإسلام والتنكُّر لتعاليمِه وأنواع التفسّخ والانحلال الخلقي ما يلمسه ويراه كلّ من زار تلك البلاد الشقيقة من الغيورين على الأخلاق الإسلامية: ترى المساجد ولكن لا ترى المصلين، بل ترى من بقي باسم الإسلام من الطرقيين وأتباعهم يعكفون عند المشاهد يطوفون بها، أو يتفرّجون عليها، وفي تونس تجد التماثيل والصور الخليعة في أكثر البيوت وفي المكتبات، بل وفي بيوت من يتسمون بمشايخ الدين تجد هذه التماثيل في أكثر بيوتهم، والغالب على هذه التماثيل صور نساء عاريات ومنصوبات في جانب البيت.
وللتجانية والدرقاوية في تونس والمغرب انتشار واسع هائل في تلك الزوايا المتبعثرة في جميع مدنها بقببها المبنية على القبور، وتجد هؤلاء يعمرون تلك المشاهد ويهجرون ما عندهم من المساجد إلاّ قليل ممن يعدون بالأصابع، تجد هذا القليل منهم يصيحون عند كل مسجد تدخله يصيحون فيه قبل الصلاة وبعد الصلاة بدعوى الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على شكل ينكره كل من له ذوق سليم وعقل حكيم فضلاً عن المسلم المتسمك بأهداب السنة.
يغلب على هؤلاء الخرافيين طابع التيجانية الشاذة، أو طابع الدرقاوية الهزيلة، هذا كل ما بقي باسم الإسلام في تلك البلاد: لعبة التيجانية، ومهزلة الدرقاوية، ويواكب هاتين الخرافيتين البرهميتين بدعة التعصب المذهبي الذي يحمل اسم المذهب المالكي في المغرب واسم المذهب الحنفي والمالكي بتونس.
هذا، وفي تونس والمغرب ناسٌ ملتزمون بأخلاق الإسلام، ولكنهم قلّة
(...)
بل إن الاستعمار الافرنجي يستغل وجود هذه الخرافات للقضاء على الإسلام وتشويه سمعته بواسطة هؤلاء الدراويش من التيجانيين الدرقاويين والعيساويين والقادريين والمتعصبين باسم المذهب،
وقد اجتمعنا في طنجة بشخص مسئول كبير، يدعى (أحمدنية) متهم بالشيوعية وجرت بيننا وبينَه محاورة نحو الإسلام وأن الإسلام صالحٌ لكل زمان ومكان دولة وعقيدة وعمل، ولكن عارضنا بجرأة ووقاحة وقال ان الإسلام ناقص وليس شاملاً لكل القضايا الدينوية، وادعى أن الشيوعية والاشتراكية المادية العلمانية الإلحادية هي التي وحدها تقدر على تنظيم الحياة الدنيوية، فأبنّا له أن قوله هذا نشأ من الجهل بالإسلام ومن تقليده لأعدائه الذين شوّهوا سمعة الإسلام بمثل هذه الأقوال الباطلة،
وذكرنا له أن الله عزّ وجل قال في كتابه الكريم: {ما فرطنا في الكتاب من شيء}، وأن هذا الحق حق عرفه من عرفه وجهله من جهله،
وقلنا له: هل تعرف قضية لم يعالجها الإسلام حتى احتاجت إلى أن تعالجها الاشتراكية؟، فقال نعم إن التعامل بالبنوك منعه الإسلام مع أن الحياة متوقفة على هذا التعامل. فقلنا له: ليس الأمرُ كما زعمتَ، بل إن الإسلام لم يمنع التعامل بالنبوك مطلَقا، إنما منع التعامل بالربا الذي يتضمن التعامل به ظلم الآخرين وسلب أموالهم بغير حق، وهذا من عدالة الإسلام الشاملة أنْ منعَ الظلمَ بأيِّ وجهٍ كان الظلم، وأن الله حرم الظلم، وأن الظلمَ ظلماتٌ يوم القيامة،
وليس من الغريب أن تتعامل الشيوعية الاشتراكية بالربا ولا بغيره من المحرّمات، إذْ لا ذنبَ فوق الكفر، فإن الشيوعية كفرٌ بواحٌ كغيرِها من أنواع الكفر، سواء كان انفصاليا أو قوميا أو بعثيا فإنه لا يستبعد منه أن يتهم الإسلام بالتقصير حينما أن التقصير من الكفر والإلحاد لا من الإسلام فالإسلام كامل.
هذا، ولو تعاونت الجهات المسؤولة في الحكومة السعودية من دار الإفتاء والجامعة الإسلامية والرابطة والإشراف على الحرم المكي ووزارة المعارف ووزارة التعليم العالي لو تعاونت هذه الجهات على إرسال مرشدين إلى تلك البلاد مع قبول الراغبين في طلب العلم في مدارس الحكومة والجامعة الإسلامية وغيرها بدون التقيّد بالمراسم الحكومية في بلادهم، بل يكتفى بتزكية أناس معروفين بالصلاح هناك لكان هذا التعاون مفيدًا في تلك البلاد، لا سيّما وفي هذه البلاد شباب توّاقون للعلم يبحثون عنه ويسألون كل من يلقونه من أهل العلم الذين ينتابون بلادهم.
تنبيه:
قد التقينا في الدار البيضاء بالأخوين الكريمين الشيخ ناصر الدين الألباني والأخ محمد البنا في طريقهم إلى لندن مبعوثين للإرشاد في لندن، تمتعنا بهم ليلة الخميس التي سنغادر في صباحها بلاد المغرب، وكانت تلك الليلة مونسة سارّة عمرت بالأحاديث النبوية والإرشادات السنية، حضرنا في مساء الأربعاء محاضرة قيِّمة بعنوان (إقامة الصفوف في الصلاة من إقامة الصلاة) ألقاها الشيخ ناصر الدين الألباني في الجامع المحمدي في الدار البيضاء. "
منقول
تعليق