*****
مطوية / مختصر سيرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه
من كتاب / تاريخ الخلفاء لسيوطي رحمه الله
-----------------------
نسخة للطبع المنزلي بالابيض والاسود
سهلة للطبع العادي او النسخ -فوتوكوبي-
*****
نص المطوية :
الخليفة الرابع : علي بن أبي طالب رضي الله عنه
تولى الخلافة 35هـ وحتى40هـ.
واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب، واسمه شيبة بن هاشم، واسمه عمرو بن عبد مناف، واسمه المغيرة بن قصي، واسم زيد بن كلاب بن بمرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن نضر بن كنانة، أبو الحسن، وأبو تراب، كناه بها الرسول صلى الله عليه وسلم وأمه فاطمة بنت أسد بن هشام، وهي أول هاشمية ولدت هاشميًا، قد أسلمت وهاجرت.
وعلي رضي الله عنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأخو رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمؤاخاة، وصهره على فاطمة سيدة نساء العالمين -رضي الله عنها- وأحد السابقين إلى الإسلام، وأحد العلماء الربانيين، والشجعان المشهورين، والزهاد المذكورين، والخطباء المعروفين، وأحد من جمع القرآن وعرضه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرض عليه أبو الأسود الدؤلي وأبو عبد الرحمن السلمي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو أول خليفة من بني هاشم، وأبو السبطين، أسلم قديما، بل قال ابن عباس وأنس وزيد بن الأرقم وسليمان الفارسي وجماعة : إنه أول من أسلم، ونقل بعضهم الإجماع عليه.
وأخرج أبو يعلى عن علي -رضي الله عنه- قال: بعث الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وأسلمت يوم الثلاثاء وكان عمره حين أسلم عشر سنين، وقيل: تسع، وقيل: ثمان، وقيل: دون ذلك، قال الحسن بن زيد بن الحسن: ولم يعبد الأوثان قط لصغره، أخرجه ابن سعد(أخرجه أبو يعلى "446/1"، وابن سعد "55/2") ، ولما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أمره أن يقيم بعده بمكة أياما حتى يؤدي عنه أمانة الودائع والوصايا التي كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يلحقه بأهله، ففعل ذلك، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرًا وأحدًا وسائر المشاهد إلا تبوك فإن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه على المدينة، وله في جميع المشاهد آثار مشهورة، وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم اللواء في مواطن كثيرة، وقال سعيد بن المسيب: أصابت عليًا يوم أحد ست عشرة ضربة، وثبت في الصحيحن: أنه صلى الله عليه وسلم أعطاه الراية في يوم خيبر، وأخبر أن الفتح يكون على يديه (أخرجه البخاري "2942/6"، ومسلم "2405/4") وأحواله في الشجاعة وآثاره في الحروب مشهورة، وكان علي شيخًا سمينًا، أصلع، كثير الشعر، ربعة إلى القصر(أي مربوع الخلق لا طويل ولا قصير. مختار الصحاح "230".) عظيم البطن، عظيم اللحية جدًّا، قد ملأت ما بين منكبيه بيضاء كأنها قطن، آدم شديد الأدمة ، وقال جابر بن عبد الله: حمل علي الباب على ظهره يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها، وإنهم جروه بعد ذلك، فلم يحمله إلا أربعون رجلًا، أخرجه ابن عساكر.
وأخرج ابن إسحاق في المغازى وابن عساكر عن أبي رافع، أن عليًّا تناول بابًا عند الحصن حصن خيبر فتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله علينا، ثم ألقاه، فلقد رأيتنا ثمانية نفر نجهد أن نقلب ذلك الباب، فما استطعنا أن نقلبه ، وروى البخاري في الأدب عن سهل بن سعد قال: إن كان أحب أسماء علي -رضي الله عنه- إليه أبو تراب، وإن كان ليفرح أن يدعى به، وما سماه أبا تراب إلا النبي -صلى الله عليه وسلم- وذلك أنه غاضب يومًا فاطمة فخرج، فاضطجع إلى الجدار في المسجد، فجاءه النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد امتلأ ظهره ترابًا فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يمسح التراب عن ظهره ويقول: "اجلس أبا تراب" (أخرجه البخاري في الأدب المفرد "ح851") روي له عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثًا ، روى عنه بنوه الثلاثة: الحسن والحسين، ومحمد ابن الحنفية، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير.. وخلائق من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين.
فصل: في الأحاديث الواردة في فضله
قال الإمام أحمد بن حنبل: ما ورد لأحد من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الفضائل ما ورد لعلي -رضي الله عنه- أخرجه الحاكم ، وأخرج الشيخان عن سعد بن أبي وقاص: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلف علي بن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبي بعدي" (أخرجه البخاري "7/ 3706"، ومسلم "31/4). أخرجه أحمد والبزار من حديث أبي سعيد الخدري، والطبراني من حديث أسماء بنت قيس، وأم سلمة، وحبشي بن جنادة وابن عمر وابن عباس، وجابر بن سمرة، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم ، وأخرجا عن سهل بن سعد: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوم خيبر: "لأعطين الراية غدًا رجلًا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله"، فبات الناس يدكون ليلتهم أيهم يعطاها؟ فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: "أين علي بن أبي طالب؟ " فقيل: هو يشتكي عينيه، قال: "فأرسلوا إليه"، فأتي به، فبصق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عينيه ودعا له، فبرئ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية (أخرجه البخاري "3701/7"، ومسلم "2406/4"). يدكون: أي يخوضون ويتحدثون.
وأخرج مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: لما نزلت هذه الآية: {نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُم} [آل عمران: 61] دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليًّا، وفاطمة، وحسنًا، حسينًا فقال: "اللهم هؤلاء أهلي" (أخرجه مسلم "32/4 فضائل صحابة").
وأخرج الترمذي عن أبي سريحة، وأبو زيد بن الأرقم، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه" (أخرجه الترمذي "3713/5") ،وأخرجه أحمد عن علي، وأبي أيوب الأنصاري، وزيد بن أرقم، وعمرو ذي مر، وأبو يعلى عن أبي هريرة، والطبراني عن ابن عمر، ومالك بن الحويرث وحبشي بن جنادة، وجرير، وسعد بن أبي وقاص، وأبي سعيد الخدري، وأنس، والبزار عن ابن عباس، وعمارة، وبريدة، وفي أكثرها زيادة: "اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه" ..،وأخرج الترمذي والنسائي وابن ماجه عن حبشي بن جنادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علي مني، وأنا من علي" (أخرجه الترمذي "3719/5") ،.. وأخرج مسلم عن علي قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي إِلَيّ أنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق(أخرجه مسلم "78/1") ،وأخرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال عمر بن الخطاب: علي أقضانا، وأخرج الحاكم عن ابن مسعود -رضي الله عنهما قال: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي ، وأخرج عن عائشة رضي الله عنها: أن عليًّا ذكر عندها، فقالت: أما إنه أعلم من بقي بالسنة ، وقال مسروق: انتهى علم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى عمر، وعلي، وابن مسعود، وعبد الله رضي الله عنهم، وأخرج الطبراني، والحاكم وصححه، عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا غضب لم يجترئ أحد أن يكلمه إلا علي ، وأخرج أبو يعلى عن أبي هريرة قال: قال عمر بن الخطاب: لقد أعطي علي ثلاث خصال لأن تكون لي خصلة منها أحب إلي من أن أعطى حمر النعم، فسئل وما هن؟ قال: تزوجه ابنته فاطمة، وسكناه المسجد لا يحل لي فيه ما يحل له، والراية يوم خيبر.وروى أحمد بسند صحيح عن ابن عمر نحوه.وأخرج أحمد والحاكم بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي: "إنك تقاتل على القرآن كما قاتلت على تنزيله".
وأخرج البزار وأبو يعلى والحاكم عن علي، قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي إن فيك مثلًا من عيسى، أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به". ألا وإنه يهلك في اثنين: محب مفرط يفرطني بما ليس فيّ، مبغض مفترٍ يحمله شنآني على أن يبهتني.
فصل: في مبايعة علي رضي الله عنه بالخلافة وما نشأ عن ذلك
قال ابن سعد: بويع علي بالخلافة الغد من قتل عثمان بالمدينة فبايعه جميع من كان بها من الصحابة -رضي الله عنهم- وقال: إن طلحة والزبير بايعا كارهين غير طائعين، ثم خرجا إلى مكة وعائشة -رضي الله عنها- بها، فأخذاها وخرجا بها إلى البصرة يطلبون بدم عثمان، وبلغ ذلك عليًّا فخرج إلى العراق، فلقي بالبصرة طلحة والزبير وعائشة ومن معهم، وهي وقعة الجمل، وكانت في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وقتل بها طلحة والزبير وغيرهما وبلغت القتلى ثلاثة عشر ألفًا، وأقام علي بالبصرة خمس عشرة ليلة، ثم انصرف إلى الكوفة، ثم خرج عليه معاوية بن أبي سفيان ومن معه بالشام، فبلغ عليًّا فسار إليه، فالتقوا بصفين في صفر سنة سبع وثلاثين، ودام القتال بها أيامًا، فرفع أهل الشام المصاحف يدعون إلى ما فيها، ..، فكره الناس الحرب، وتداعوا إلى الصلح، وحكموا الحكمين، فحكم عليٌ أبا موسى الأشعري، وحكم معاوية عمرو بن العاص، وكتبوا بينهم كتابًا على أن يوافوا رأس الحول بأذرح، فينظروا في أمر الأمة فافترق الناس، ورجع معاوية إلى الشام، وعلي إلى الكوفة، فخرجت عليه الخوراج من أصحابه ومن كان معه وقالوا: لا حكم إلا لله، وعسكروا بحروراء، فبعث إليهم ابن عباس، فخاصمهم وحجهم، فرجع منهم قوم كثير، وثبت قوم، وساروا إلى النهروان، فعرضوا للسبيل، فسار إليهم على فقتلهم بالنهروان، وقتل منهم ذا الثدية، ذلك سنة ثمان وثلاثين..
وانتدب ثلاثة نفر من الخوارج : عبد الرحمن بن ملجم المرادي، والبرك بن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكير التميمي، فاجتمعوا بمكة وتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلن هؤلاء الثلاثة: علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، ويريحوا العباد منهم، فقال ابن ملجم: أنا لكم بعلي، وقال البرك: أنا لكم بمعاوية، وقال عمرو بن بكير: أنا أكفيكم عمرو بن العاص، وتعاهدوا على أن ذلك يكون في ليلة واحدة ليلة حادي عشر أو ليلة سابع عشر رمضان، ثم توجه كل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه، فقدم ابن ملجم الكوفة، فلقي أصحابه من الخوارج فكاتمهم ما يريدون إلى ليلة الجمعة سابع عشر رمضان سنة أربعين، فاستيقظ علي سحرًا، فقال لابنه الحسن، رأيت الليلة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله ما لقيت من أمتك من الأود واللدد؟ فقال لي: "ادع الله عليهم"، فقلت: اللهم أبدلني بهم خيرًا لي منهم، وأبدلهم بي شرًّا لهم مني، ودخل ابن الذباح المؤذن على علي، فقال: الصلاة، فخرج علي من الباب ينادي: أيها الناس الصلاة الصلاة، فاعترضه ابن ملجم، فضربه بالسيف، فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه، فشد عليه الناس من كل جانب، فأمسك وأوثق، وأقام علي الجمعة والسبت، وتوفي ليلة الأحد وغسله الحسن والحسين، وعبد الله بن جعفر، وصلى عليه الحسن، ودفن بدار الإمارة بالكوفة ليلًا، ثم قطعت أطراف ابن ملجم، وجعل في قوصرة وأحرقوه بالنار.
وهذا كله كلام ابن سعد، وقد أحسن في تلخيصه هذه الوقائع، ولم يوسع فيها الكلام كما صنع غيره؛ لأن هذا هو اللائق بهذا المقام، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا ذكر أصحابي فأمسكوا". وقال: "بحسب أصحابي القتل" (أخرجه ابن سعد "66/2") ، وفي المستدرك عن السدي، قال : كان عبد الرحمن بن ملجم المرادي عشق امرأة من الخوارج يقال لها: قطام، فنكحها وأصدقها ثلاثة آلاف درهم، وقتل علي(أخرجه الحاكم في المستدرك "143/3") ،
قال أبو بكر بن عياش: عمى قبر علي لئلا ينبشه الخوارج ، وقال شريك: نقله ابنه الحسن إلى المدينة ، .. وكان لعلي حين قتل ثلاث وستون سنة، وقيل: أربع وستون، وقيل: خمس وستون، وقيل: سبع وخمسون، وقيل: ثمان وخمسون، وكان له تسع عشرة سرية.
فصل : في نبذ من أخبار علي وقضاياه وكلماته رضي الله عنه
..وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال: لما قدم علي البصرة قام إليه ابن الكواء، وقيس بن عباد، فقالا له: ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت فيه، تتولى على الأمة تضرب بعضهم ببعض؟ أعهد من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليك؟ فحدثنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت، فقال: أما أن يكون عندي عهد من النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك فلا، والله لئن كنت أول من صدق به فلا أكون أول من كذب عليه، ولو كان عندي من النبي -صلى الله عليه وسلم- عهد في ذلك ما تركت أخا بني تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره، ولقاتلتهما بيدي، ولو لم أجد إلا بردي هذا، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يقتل قتلًا، ولم يمت فجأة، مكث في مرضه أيامًا وليالي، يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس وهو يرى مكاني، ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر، فأبى وغضب، وقال: "أنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر يصلي بالناس"، فلما قبض الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- نظرنا في أمورنا، فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي الله -صلى الله عليه وسلم- لديننا، وكانت الصلاة أصل الإسلام، وهي أمير الدين، وقوام الدين، فبايعنا أبا بكر، وكان لذلك أهلًا، ولم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم تقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزوا إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما قبض تولاها عمر، فأخذها بسنة صاحبه، وما يعرف من أمره، فبايعنا عمر،ولم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم تقطع منه البراءة، فأديت إلى عمر حقه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بيدي الحدود بسوطي، فلما قبض تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وسالفتي وفضلي، وأنا أظن ألا يعدل بي، ولكن خشى ألا يعمل الخليفة بعده ذنبًا إلا لحقه في قبره، فأخرج منها نفسه وولده، ولو كانت محاباة منه لآثر بها ولده، فبرئ منها إلى رهط من قريش ستة أنا أحدهم، فلما اجتمع الرهط ظننت ألا يعدلوا بي، فأخذ عبد الرحمن بن عوف مواثيقنا على أن نسمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنا، ثم أخذ بيد عثمان بن عفان وضرب بيده على يده، فنظرت في أمري، فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي، وإذا ميثاقي أخذ لغيري، فبايعنا عثمان، فأديت له حقه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني وأغزوا إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما أصيب نظرت في أمري، فإذا الخليفتان اللذان أخذاها بعهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليهما بالصلاة قد مضيا، وهذا الذي قد أخذ له الميثاق قد أصيب، فبايعني أهل الحرمين، وأهل هذين المصرين، فوثب فيها من ليس مثلي، ولا قرابته كقرابتي، ولا علمه كعلمي، ولا سابقته كسابقتي، وكنت أحق بها منه، وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: عرض لعلي رجلان في خصومة، فجلس في أصل جدار، فقال له رجل: الجدار يقع، فقال علي: امض، كفى بالله حارسًا، فقضى بينهما، فقام، ثم سقط الجدار.
وفي الطيوريات بسنده إلى جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال رجل لعلي بن أبي طالب: نسمعك تقول في الخطبة: اللهم أصلحنا بما أصلحت به الخلفاء الراشدين المهديين، فمن هم؟ فاغرورقت عيناه، فقال: هم حبيباي: أبو بكر وعمر، إماما الهدى، وشيخا الإسلام، ورجلا قريش، والمقتدى بهما بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من اقتدى بهما عصم، ومن اتبع آثارهما هدى الصراط المستقيم، ومن تمسك بهما فهو من حزب الله.
وأخرج عبد الرزاق عن حجر المدري قال: قال لي علي بن أبي طالب: كيف بك إذا أمرت أن تلعنني؟ قال: وكائن ذلك؟ قال: نعم، قلت: فكيف أصنع؟ قال: العني ولا تبرأ مني، قال: فأمرني محمد بن يوسف أخو الحجاج وكان أميرًا على اليمن، أن ألعن عليًّا، فقلت: إن الأمير أمرني أن ألعن عليًّا فالعنوه، لعنه الله، فما فطن لها إلا رجل.
وأخرج الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل(أخرجه الطبراني في الأوسط "ح1812".
) عن زاذان : أن عليًّا حدث بحديث فكذبه رجل، فقال له علي: أدعو عليك إن كانت كاذبًا؟ قال: ادع فدعا عليه، فلم يبرح حتى ذهب بصره.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن عطاء قال: أتي عليٌ برجل وشهد عليه رجلان أنه سرق، فأخذ في شيء من أمور الناس، وتهدد شهود الزور، وقال: لا أوتي بشاهد زور , إلا فعلت به كذا وكذا، ثم طلب الشاهدين، فلم يجدهما فخلى سبيله ، وأخرج عن مجمع: أن عليًّا كان يكنس بيت المال، ثم صلى فيه، رجاء أن يشهد له أنه لم يحبس فيه المال عن المسلمين.
وقال أبو القاسم الزجاجي في أماليه: حدثنا أبو جعفر محمد بن رستم الطبري، حدثنا أبو الحاتم السجستاني، حدثني يعقوب بن إسحاق الحضرمي، حدثنا سعيد بن سلم الباهلي، حدثنا أبي، عن جدي، عن أبي الأسود الدؤلي، أو قال: عن جدي أبي الأسود عن أبيه، قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فرأيته مطرقًا مفكرًا، فقلت: فيمَ تفكر يا أمير المؤمنين؟ قال: إني سمعت ببلدكم هذا لَحْنًا، فأردت أن أصنع كتابًافي أصول العربية، فقلت : إن فعلت هذا أحييتنا، وبقيت فينا هذه اللغة، ثم أتيته بعد ثلاثة، فألقى إلي صحيفة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم: الكلمة: اسم، وفعل، وحرف، فالاسم: ما أنبأ عن المسمى، والفعل: ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف: ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل، ثم قال: تتبعه وزد فيه ما وقع لك، واعلم يا أبا الأسود أن الأشياء ثلاثة: ظاهر، ومضمر، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر، وإنما يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر، ولا مضمر، قال أبو الأسود: فجمعت منه أشياء، وعرضتها عليه فكان من ذلك حروف النصب فذكرت منها: إن، أن، وليت، ولعل، وكأن، لم أذكر لكن فقال لي: لم تركتها؟ فقلت: لم أحسبها منها فقال: بل هي منها فزدها فيها.
وأما كلامه في تفسير القرآن فكثير، وهو مستوفي في كتابنا: التفسير المسند بأسانيده، وقد أخرج ابن سعد عن علي قال: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيمَ نزلت، وأين نزلت، وعلى من نزلت، إن ربي وهب لي قلبًا عقولًا، ولسانًا صادقًا ناطقًا(أخرجه ابن سعد في الطبقات "6/2".).
فصل: في نبذ من كلماته الوجيزة والمختصرة البديعة
قال علي رضي الله عنه : .. خمس خذوهن عني: لا يخافن أحد منكم إلا ذنبه، ولا يرجو إلا ربه، ولا يستحي من لا يعلم أن يتعلم، ولا يستحي من لا يعلم إذا سئل عمَّا لا يعلم أن يقول: الله أعلم، وإن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان، وإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، أخرجه سعيد بن منصور في سننه.
وقال: الفقيه كل الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يرخص لهم في معاصي الله، ولم يؤمنهم من عذاب الله، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره؛ لأنه لا خير في عبادة لا علم فيها ولا علم لا فهم معه ولا قراءة لا تدبر فيها، أخرجه ابن الضريس في فضائل القرآن.
فصل: فيمن مات في زمانه من الأعلام
مات في أيام علي من الأعلام موتًا وقتلًا: حذيفة بن اليمان، والزبير بن العوام، وطلحة، وزيد بن صوحان، وسلمان الفارسي، وهند بن أبي هالة، وأويس القرني، وخباب بن الأرت، وعمار بن ياسر، وسهل بن حنيف، وصهيب الرومي، ومحمد بن أبي بكر الصديق، وتميم الداري، وخوات بن جبير، وشرحبيل بن المسمط، وأبو ميسرة البدري، وصفوان بن عسال، وهشام بن حكيم، وأبو رافع مولى النبي -صلى الله عليه وسلم- وآخرون.
*****