*****
مطوية / مختصر سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
من كتاب/ تاريخ الخلفاء لسيوطي رحمه الله
----------------------
نسخة للطبع المنزلي بالابيض والاسود
سهلة للطبع العادي او النسخ -فوتوكوبي-
*****
*****
مختصر سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عمر بن الخطاب رضي الله عنه (تولى الخلافة سنة 13هـ، وحتى 23هـ): بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، أمير المؤمنين، أبو حفص، القرشي، العدوي، الفاروق،أسلم في السنة السادسة من النبوة،وله سبع وعشرون سنة، قاله الذهبي.
وقال النووي : ولد عمر بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، وكان من أشراف قريش، وإليه كانت السفارة في الجاهلية، فكانت قريش إذا وقعت الحرب بينهم أو بينهم وبين غيرهم بعثوه سفيرًا، أي: رسولًا، وإذا نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر، بعثوه منافرًا أو مفاخرًا.
وأسلم قديمًا بعد أربعين رجلًا وإحدى عشرة امرأة، وقيل : بعد تسعة وثلاثين رجلًا وثلاث وعشرين امرأة وقيل: بعد خمسة وأربعين رجلًا وإحدى عشرة امرأة فما هو إلا أن أسلم فظهر الإسلام بمكة وفرح به المسلمون ، قال : وهو أحد السابقين الأولين، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الخلفاء الراشدين، وأحد أصهار النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحد كبار علماء الصحابة وزهادهم ، روي له عن النبي خمسمائة حديث وتسعة وثلاثون حديثًا ، روى عنه عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وابن عباس، ..وخلائق آخرون من الصحابة وغيرهم رضي الله عنهم.
فصل : في الأخبار الواردة في إسلامه
أخرج الترمذي عن ابن عمر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بعمر بن الخطاب، أو بأبي جهل ابن هشام " (أخرجه الترمذي "3681/5"). أخرجه الطبراني من حديث ابن مسعود وأنس رضي الله عنهما.
وأخرج أحمد عن عمر قال : خرجت أتعرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أتعجب من تأليف القرآن، فقلت: والله هذا شاعر كما قالت قريش، فقرأ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ } [الحاقة: 40، 41] الآيات، فوقع في قلبي الإسلام كل موقع . (أخرجه أحمد في المسند "17/1")
وأخرج ابن سعد وأبو يعلى والحاكم والبيهقي في الدلائل عن أنس -رضي الله عنه- قال: خرج عمر متقلدًا سيفه، فلقيه رجل من بني زهرة، فقال: أين تعمد يا عمر؟ فقال: أريد أن أقتل محمدًا، قال: وكيف تأمن من بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمدًا؟ فقال: ما أراك إلى قد صبأت، قال: أفلا أدلك على العجب؟! إن ختنك(يطلق على أبي الزوجة، والأختان من قبل المرأة، والأحماء من قبل الرجل.( النهاية "10/2")) وأختك قد صبئا وتركا دينك، فمشى عمر فأتاهما وعندهما خباب، فلما سمع بحس عمر توارى بالبيت، فدخل، فقال: ما هذه الهينمة ؟ (الكلام الخفي الذي لا يفهم) وكانوا يقرءون طه، قالا: ما عدا حديثًا تحدثناه بيننا، قال: فلعلكما قد صبأتما، فقال له ختنه : يا عمر إن كان الحق في غير دينك، فوثب عليه عمر، فوطأه وطأ شديدًا، فجاءت أخته، لتدفعه عن زوجها، فنفحها نفحة بيد، فدمي وجهها، فقالت، وهي غضبى : وإن كان الحق في غير دينك، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، فقال عمر: أعطوني الكتاب الذي هو عندكم، فأقرأه، وكان عمر يقرأ الكتاب، فقالت أخته: إنك رجس، وإنه لا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل أو توضأ، فقام فتوضأ ثم أخذ الكتاب، فقرأ طه حتى انتهى إلى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي } [طه: 14] فقال عمر: دلوني على محمد، فلما سمع خباب قول عمر خرج، فقال: أبشر يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لك ليلة الخمس: " اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب، أو بعمرو بن هشام ". وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أصل الدار التي في أصل الصفا، فانطلق عمر حتى أتى الدار، وعلى بابها حمزة وطلحة وناس، فقال حمزة : هذا عمر إن يرد الله به خيرًا يسلم، وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هينًا، قال : والنبي -صلى الله عليه وسلم- داخل يوحى إليه، فخرج حتى أتى عمر، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف، فقال: " ما أنت بمنته يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة "، فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبد الله ورسوله (أخرجه ابن سعد في الطبقات "233/2").
..وأخرج ابن سعد والحاكم عن حذيفة: قال: لما أسلم عمر كان الإسلام كالرجل المقبل لا يزداد إلا قربًا، فلما قتل عمر كان الإسلام كالرجل المدبر لا يزداد إلا بعدًا (أخرجه ابن سعد في الطبقات "314/2"،) .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: أول من جهر بالإسلام عمر بن الخطاب. إسناده صحيح حسن، وأخرج ابن سعد عن صهيب قال: لما أسلم عمر -رضي الله عنه- أظهر الإسلام ودعا إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقًا، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتي به، وأخرج ابن سعد عن أسلم مولى عمر قال: أسلم عمر في ذي الحجة من السنة السادسة من النبوة، وهو ابن ست وعشرين سنة.
فصل: في هجرته رضي الله عنه
أخرج ابن عساكر عن علي قال: ما علمت أحدًا هاجرمختفيًا إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه وتنكب قوسه وانتضى في يده أسهمًا، وأتى الكعبة وأشراف قريش بفنائها، فطاف سبعًا، ثم صلى ركعتين عند المقام، ثم أتى حلقهم واحدة واحدة، فقال: شاهت الوجوه، من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده، وترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي، فما تبعه منهم أحد.
وأخرج عن البراء -رضي الله عنه- قال: أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير، ثم ابن أم مكتوم، ثم عمر بن الخطاب في عشرين راكبًا، فقلنا: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: هو على أثري، ثم قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر -رضي الله عنه- معه.
قال النووي: شهد عمر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المشاهد كلها، وكان ممن ثبت معه يوم أحد.
فصل : في الأحاديث الواردة في فضله
أخرج الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، قلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر، فذكرت غيرتك، فوليت مدبرًا". فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟ (أخرجه البخاري "3680/7"، ومسلم "2395/4")، وأخرج الشيخان عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "بينا أنا نائم شربت -يعني اللبن- حتى أنظر الري يجري في أظافري ثم ناولته عمر" قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: "العلم" (أخرجه البخاري "3681/7"، ومسلم "2391/4") ، وأخرج الشيخان عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: " بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علي عمر وعليه قميص يجره "، قالوا : فما أولته يا رسول الله ؟ قال: "الدين" (أخرجه البخاري "3691/7"، ومسلم "2390/4")، وأخرج الشيخان عن سعد بن أبي وقاص قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يابن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا قط إلا سلك فجًّا غير فجك" (أخرجه البخاري "3683/7"، ومسلم "2390/4") ،وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه سلم : " لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر " (أخرجه البخاري "3689/7") أي ملهمون.
فصل: في أقوال الصحابة والسلف فيه
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ما على ظهر الأرض رجل أحب إلي من عمر، أخرجه ابن عساكر ، وقيل لأبي بكر في مرضه: ماذا تقول لربك وقد وليت عمر؟ أقول له وليت عليهم خيرهم، أخرجه ابن سعد، وقال علي رضي الله عنه: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر، ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر. أخرجه الطبراني في الأوسط.
وقال ابن عمر رضي الله عنه: ما رأيت أحدًا قط بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- من حين قبض أحد ولا أجود من عمر، أخرجه ابن سعد.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : لو أن علم عمر وضع في كفة ميزان ووضع علم أحياء الأرض في كفة ميزان لرجح علم عمر بعلمهم، ولقد كانوا يرون أنه ذهب بتسعة أعشار العلم. أخرجه الطبراني في الكبير والحاكم ، وقال حذيفة رضي الله عنه: كأن علم الناس كان مدسوسًا في حجر عمر ، وقال حذيفة: والله ما أعرف رجلًا لا تأخذه في الله لومة لائم إلا عمر، وقالت عائشة رضي الله عنها -وذكرت عمر-: كان والله أحوذيًّا نسيجًا وحده.
وقال معاوية رضي الله عنه: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يردها، وأما نحن فتمرغنا فيها ظهرًا لبطن، أخرجه الزبير بن بكار في الموفقيات.
فصل: في نبذ من سيرته
أخرج ابن سعد عن الأحنف بن قيس قال: كنا جلوسًا بباب عمر، فمرت جارية، فقالوا: سرية أمير المؤمنين، قال: ما هي لأمير المؤمنين بسرية، ولا تحل له، إنها من مال الله، فقلنا: فماذا يحل له من مال الله تعالى؟ قال: إنه لا يحل لعمر من مال الله إلا حلتين: حلة للشتاء، وحلة للصيف، وما أحج به وأعتمر، وقوتي وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم، ثم أنا بعد رجل من المسلمين. (أخرجه ابن سعد "239/2").
وقال خزيمة بن ثابت : كان عمر إذا استعمل عاملاً كتب له، واشترط عليه ألا يركب برذونًا، ولا يأكل نقيًا، ولا يلبس رقيقًا، ولا يغلق بابه دون ذوي الحاجات، فإن فعل فقد حلت عليه العقوبة .. وقال قتادة: كان عمر يلبس -وهو خليفة- جبة من صوف مرقوعة بعضها بأدم، ويطوف في الأسواق على عاتقه الدرة يؤدب بها الناس، ويمر بالنكث(بالكسر هو الخيط الخلق من صوف أو شعر أو وبر) والنوى فيلتقطه ويلقيه في منازل الناس ينتفعون به.
وقال أنس : رأيت بين كتفي عمر أربع رقاع في قيمصه وقال أبو عثمان النهدي: رأيت على عمر إزارًا مرفوعًا بأدم، وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: حججت مع عمر، فما ضرب فسطاطًا ولا خباء، كان يلقي الكساء والنطع على الشجرة ويستظل تحته، وقال عبد الله ابن عيسى: كان في وجه عمر بن الخطاب خطان أسودان من البكاء، وقال الحسن: كان عمر يمر بالآية من ورده فيسقط حتى يعاد منها أيامًا، وقال أنس: دخلت حائطًا فسمعت عمر يقول، وبيني وبينه جدار، عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، بخ بخ والله لتتقين الله يابن الخطاب أو ليعذبنك الله، وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: رأيت عمر أخذ نبتة من الأرض فقال: ليتني كنت هذه النبتة، يا ليتني لم أكن شيئًا، ليت أمي لم تلدني، وقال عبد الله بن عمر بن حفص: حمل عمر بن الخطاب قربة على عنقه، فقيل له في ذلك، فقال: إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلها.
فصل : في خلافته رضي الله عنه
ولي الخلافة بعهد أبي بكر في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة ، قال الزهري: استخلف عمر يوم توفي أبو بكر، وهو يوم الثلاثاء لثمانٍ بقين من جمادى الآخرة، أخرجه الحاكم، فقام بالأمر أتم قيام ، وكثرت الفتوح في أيامه ففي سنة أربع عشرة فتحت دمشق ما بين صلح وعنوة، وحمص، وبعلبك صلحًا، والبصرة والأبلة، كلاهما عنوة؟؟، وفيها جمع عمر الناس على صلاة التراويح، قاله العسكري في الأوائل ، وفي سنة خمس عشرة فتحت الأردن كلها عنوة إلا طبرية فإنها فتحت صلحًا، وفيها كانت وقعت اليرموك والقادسية.
قال ابن جرير، وفيها مصر سعد الكوفة، وفيها فرض عمر الفروض، ودون الدواوين، وأعطى العطاء على السابقة ، وفي سنة ست عشرة فتحت الأهواز والمدائن، وأقام بها سعد الجمعة في إيوان كسرى، وهي أول جمعة جمعت بالعراق، وذلك في صفر، وفيها كانت وقعة جلولاء، وهزم يزدجرد بن كسرى وتقهقر إلى الري، وفيها فتحت تكريت، وفيها سار عمر ففتح بيت المقدس، وخطب بالجابية خطبته المشهورة، وفيها فتحت قنسرين عنوة، وحلب، وأنطاكية، ومنبج صلحًا، وسروج عنوة، وفيها فتحت قرقيسياء صلحًا، وفي ربيع الأول كتب التاريخ من الهجرة بمشورة علي ، وفي سنة سبع عشرة زاد عمر في المسجد النبوي، وفيها كان القحط بالحجاز، وسمي عام الرمادة واستقى عمر للناس بالعباس.
أخرج ابن سعد، عن نيار الأسلمي: أن عمر لما خرج يستسقي خرج وعليه برد الرسول صلى الله عليه وسلم (أخرجه ابن سعد "273/2").
وأخرج عن ابن عون قال: أخذ عمر بيد العباس ثم رفعها، وقال: اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبيك أن تذهب عنا المحل(عني انقطاع المطر )، وأن تسقينا الغيث، فلم يبرحوا حتى سقوا، فأطبقت السماء عليهم أيامًا(أخرجه ابن سعد "274/2").وفيها فتحت الأهواز صلحًا.
وفي سنة ثمان عشرة فتحت جنديسابور صلحًا، وحلوان عنوة، وفيها كان طاعون عمواس، وفيها فتحت الرها، وسيميساط عنوة، وحران ونصيبين وطائفة من الجزيرة عنوة وقيل: صلحًا والموصل ونواحيها عنوة، وفي سنة تسع عشرة فتحت قيسارية عنوة ، وفي سنة عشرين فتحت مصر عنوة، وقيل: مصر صلحًا إلا الإسكندرية فعنوة..
مقتله ووصيته
وفي آخرها كانت وفاة سيدنا عمر -رضي الله عنه- بعد صدوره من الحج، شهيدًا.
قال سعيد بن المسيب: لما نفر عمر من منى أناخ بالأبطح، ثم استلقى ورفع يديه إلى السماء، وقال: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط، فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل، أخرجه الحاكم (أخرجه الحاكم في المستدرك "92،91/3") ، وقال أبو صالح السمان: قال كعب الأحبار لعمر: أجدك في التوارة تقتل شهيدًا، قال: وأنى لي بالشهادة وأنا؟ بجزيرة العرب؟! وقال أسلم: قال عمر: اللهم ارزقني الشهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك. أخرجه البخاري ("1890/4") .
وقال معدان بن أبي طلحة: خطب عمر فقال: رأيت كأن ديكًا نقرني نقرة أو نقرتين، وإني لا أراه إلا حضور أجلي، وإن قومًا يأمرونني أن أستخلف وإن الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته، فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو راضٍ عنهم (أخرجه الحاكم في المستدرك "90/3").
أخرجه الحاكم ، وقال الزهري: كان عمر -رضي الله عنه- لا يأذن لصبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب إليه المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة يذكر له غلامًا عنده جملة صنائع، ويستأذنه أن يدخل المدنية، ويقول: إن عنده أعمالًا كثيرة فيها منافع للناس، إنه حداد، نقاش، نجار، فأذن له عمر أن يرسله إلى المدينة، وضرب عليه المغيرة مائة درهم في الشهر، فجاء إلى عمر يشتكي شدة الخراج، فقال: ما خراجك بكثير، فانصرف ساخطًا يتذمر، فلبث عمر ليالي ثم دعاه فقال: ألم أخبر أنك تقول: لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح؟ فالتفت إلى عمر عابسًا وقال: لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها، فلما ولى قال عمر لأصحابه: أوعدني العبد آنفًا، ثم اشتمل أبو لؤلؤة على خنجر ذي رأسين، نصابه في وسطه، فكمن بزاوية من زوايا المسجد في الغلس(ظلمة آخر الليل، مختار الصحاح "478")، فلم يزل هناك حتى خرج عمر يوقظ الناس للصلاة، فلما دنى منه طعنه ثلاث طعنات(أخرجه ابن سعد في الطبقات "292/2").
أخرجه ابن سعد ، وقال عمرو بن ميمون الأنصاري: إن أبا لؤلؤة عبد المغيرة طعن عمر بخنجر له رأسان، وطعن معه اثني عشر رجلًا مات منهم ستة، فألقى عليه رجل من أهل العراق ثوبًا، فلما اغتم فيه قتل نفسه ، وقال أبو رافع: كان أبو لؤلؤة عبد المغيرة يصنع الأرحاء، وكان المغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم، فلقى عمر فقال: يا أمير المؤمنين إن المغيرة قد أثقل علي فكلمه، فقال: أحسن إلى مولاك، ومن نية عمر أن يكلم المغيرة فيه، فغضب، وقال: يسع الناس كلهم عدله غيري، وأضمر قتله، واتخذ خنجرًا وشحذه وسَمَّه، وكان عمر يقول: أقيموا صفوفكم قبل أن يكبر، فجاء فقام حذاءه في الصف وضربه في كتفه وفي خاصرته فسقط عمر، وطعن ثلاثة عشر رجلًا معه فمات منهم ستة، وحمل عمر إلى أهله، وكادت الشمس تطلع، فصلى عبد الرحمن بن عوف بالناس بأقصر سورتين، وأتي عمر بنبيذ فشربه فخرج من جرحه فلم يتبين، فسقاه لبنًا فخرج من جرحه، فقالوا: لا باس عليك، فقال: إن يكن بالقتل بأس فقد قتلت فجعل الناس يثنون عليه ويقولون : كنت، وكنت، فقال: أما والله لوددت أني خرجت منهاكفافًا لا علي ولا لي، وأن صحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سلمت لي، وأثنى عليه ابن عباس فقال : لو أن لي طلاع الأرض ذهبًا لافتديت به من هول المطلع، وقد جعلتها شورى في عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد، وأمر صهيبًا أن يصلي بالناس، وأجل الستة ثلاثًا(أخرجه الحاكم في المستدرك "91/3") .
وقال ابن عباس : كان أبو لؤلؤة مجوسيًّا ، وقال عمرو بن ميمون: قال عمر: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام، ثم قال لابنه: يا عبد الله انظر ما علي من الدين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفًا أو نحوها، فقال: إن وفى مال آل عمر فأده من أموالهم، وإلا فاسأل في بني عدي، فإن لم تفِ أموالهم فاسأل في قريش، اذهب إلى أم المؤمنين عائشة فقل: يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه، فذهب إليها فقالت: كنت أريده -تعني المكان- لنفسي، ولأوثرنه اليوم على نفسي، فأتى عبد الله فقال: قد أذنت، فحمد الله تعالى وقيل له : أوصِ يا أمير المؤمنين واستخلف، قال: ما أرى أحدًا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو راضٍ عنهم، فسمى الستة، وقال: يشهد عبد الله بن عمر معهم وليس له من الأمر شيء، فإن أصابت الإمرة سعدًا فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة، ثم قال : أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله، وأوصيه بالمهاجرين والأنصار، وأوصيه بأهل الأمصار خيرًا في مثل ذلك من الوصية، فلما توفي خرجنا به نمشي، فسلم عبد الله بن عمر وقال: عمر يستأذن، فقالت عائشة : أدخلوه، فأدخل في موضع هناك مع صاحبيه، فلما فرغوا من دفنه ورجعوا اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبد الرحمن بن عوف: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن، وقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان، قال: فخلا هؤلاء الثلاثة، فقال عبد الرحمن: أنا لا أريدها، فأيكما يبرأ من هذا الأمر ونجعله إليه؟ والله عليه والإسلام لينظر أفضلهم في نفسه وليحرص على صلاح الأمة، فسكت الشيخان علي وعثمان، فقال عبد الرحمن: اجعلوه إلي، والله علي لا آلوكم عن أفضلكم، قالا: نعم، فخلا بعلي وقال: لك من القدم في الإسلام والقرابة من النبي -صلى الله عليه وسلم- ما قد علمت، والله عليك لئن أمرتك لتعدلن، ولئت أمرت عليك لتسمعن ولتطيعن ؟ قال: نعم، ثم خلا بالآخر فقال له كذلك، فلما أخذ ميثاقهما بايعه عثمان وبايعه علي .
وفي مسند أحمد عن عمر أنه قال: إن أدركني أجلي وأبو عبيدة بن الجراح حي استخلفته، فإن سألني ربي قلت: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن لكل نبي أمينًا، وأميني أبو عبيدة بن الجراح". فإن أدركني أجلي وقد توفي أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل، فإن سألني ربي: لم استخلفته؟ قلت: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: " إنه يحشر يوم القيامة بين يدي العلماء نبذة ". وقد ماتا في خلافته(أخرجه أحمد في مسنده "1/ 18") .
أصيب عمر يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة، ودفن يوم الأحد مستهل المحرم الحرام، وله ثلاث وستون سنة، وقيل: ست وستون سنة، وقيل: إحدى وستون، وقيل: ستون، ورجحه الواقدي وقيل: تسع وخمسون، وقيل: خمس أو أربع وخمسون، وصلى عليه صهيب في المسجد ، وفي تهذيب المزني: كان نقش خاتم عمر: كفى بالموت واعظًا يا عمر ،وأخرج الطبراني عن طارق بن شهاد قال: قالت أم أيمن يوم قتل عمر: اليوم وهي الإسلام(أخرجه الطبراني في الكبير "25/ 221").
فصل: في أوليات عمر رضي الله عنه
قال العسكري: هو أول من سُمّي أمير المؤمنين، وأول من كتب التاريخ من الهجرة، وأول من اتخذ بيت المال، وأول من سن قيام شهر رمضان، وأول من عس بالليل، وأول من عاقب على الهجاء، وأول من ضرب في الخمر ثمانين، وأول من حرم المتعة، وأول من نهى عن بيع أمهات الأولاد، وأول من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات، وأول من اتخذ الديوان، وأول من فتح الفتوح ومسح السواد، وأول من حمل الطعام من مصر في بحر أيلة إلى المدينة، وأول من احتبس صدقة في الإسلام، وأول من أعال الفرائض وأول من أخذ زكاة الخيل، وأول من قال: أطال الله بقاءك، قاله لعلي، وأول من قال: أيدك الله قاله لعلي. هذا آخر ما ذكره العسكري ، وقال النووي في تهذيبه : هو أول من اتخذ الدرة، وكذا ذكره ابن سعد في الطبقات قال: لقد قيل بعده: لدرة عمر أهيب من سيفكم، قال: وهو أول من استقضى القضاء في الأمصار، وأول من مصّر الأمصار: الكوفة، والبصرة، والجزيرة، والشام، ومصر، والموصل.وأخرج ابن عساكر عن إسماعيل بن زياد قال: مر علي بن أبي طالب على المساجد في رمضان وفيها القناديل فقال: نور الله على عمر في قبره كما نور علينا في مساجدنا.اه .
من كتاب/ تاريخ الخلفاء
للحافظ جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)
****
تعليق