جهود الشَّيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله في نصرة الثورة الجزائرية
إعداد : بلال عدار
نُشر في مجلّة الإصلاح السنة الحادية عشرة، العدد السّادس والخمسون، رمضان/شوال 1438هـ، الموافق لـ ماي/جوان 2017م.
يُعتبر الجهاد في سبيل الله ذروة سَنَام الإسلام، والَّذين يُبيِّنون أحكامه ويفصِّلون آدابه هم العلماء، كما أنَّ لهم دورًا كبيرًا في حثِّ المسلمين على الجهاد وتحريضهم عليه، لما لهم من ثقة كبيرة عند النَّاس، وكلمة مسموعة وتأثير بليغ.
وجهاد الشَّعب الجزائريِّ الأبيِّ ضدَّ الاستعمار الفرنسي الشَّقيِّ في الفترة ما بين [1374-1382ه] الموافق: [1954-1962م] كان مضرب المثل في الشَّجاعة والبطولة، وبذل النَّفس والنَّفيس، وقد لاقى صدى واسعًا في الشَّرق وفي الغرب، تضامنت دول عربية عديدة مع الشَّعب الجزائري، وقامت بمساعدته، وتفاوتت تلك الدُّول في تقديم الدَّعم للجزائريِّين، ومِن تلكم الدُّول السبَّاقة لمساندة القضيَّة الجزائريَّة، وشارك في ذلك الرَّاعي والرَّعيَّة، المملكة العربيَّة السُّعودية، كما كانت أوَّل دولة تقوم بتقديم المساعدات الماديَّة، واستمرَّ ذلك الدَّعم إلى أن استردَّت الجزائر استقلالها [1].
وبعد، فهذا مقال استللته من فصلٍ ضمن بحث وثائقي -يسَّر الله جمعه- يتضمَّن وثائق مهمَّة حول جهود المملكة العربيَّة السُّعوديَّة في نُصرة جهاد الأمَّة الجزائريَّة ضدَّ الاستعمار الفرنسي الغاشم [2]، وذلك استجابةً لرغبة أحد مشايخي الفضلاء ممَّن رغبته تُعتبر أمرًا.
وضمن الفصل الـمُشار إليه، بيانٌ لثمرةٍ من الثَّمرات اليانعة للتَّواصل العلمي الأخويّ بين علماء الجزائر وعلماء المملكة، وهي: الإسهام في نصرة القضيَّة الجزائريَّة، وضمنه -أيضًا- بيانٌ لبعض الجهود المباركة في هذا المجال لكوكبةٍ من علماء الدَّعوة السَّلفيَّة الأعلام، منهم: الشَّيخ محمَّد البشير الإبراهيمي، والشَّيخ محمَّد بن إبراهيم آل الشَّيخ، والشَّيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، والشَّيخ محمَّد الأمين الشَّنقيطي، والشَّيخ عبد الرَّحمن ابن ناصر السَّعدي، والشَّيخ محمَّد ناصر الدِّين الألباني، والشَّيخ عبد العزيز ابن صالح، والشَّيخ عبد المحسن بن حمد العبَّاد، والشَّيخ زيد بن فياض، والشَّيخ عطيَّة سالم، رحم الله الجميع.
وفي جَمْع تلك المآثر ونشْرِ تلك المفاخر، إبرازٌ لجهود العلماء في نصرة قضايا المسلمين عامَّة والقضيَّة الجزائريَّة خاصَّة، وردٌّ لبعض جميلهم، وإحياء لذكرهم، ولفتُ نظرِ مَن خفي عليه فضلهم، خاصَّة إذا كانت تُعتبر في عداد المنسيَّات أو كانت من الـمُغيَّبات، وفي الحديث: «لاَ يَشْكُر اللهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ»، واقتصرتُ في هذا المقال على إبراز مآثر عَلَم من هؤلاء الأعلام، أطبق النَّاس على سَعة علمه وكبير فضله وعظيم نفعه للإسلام والمسلمين، ألا وهو: سماحة الشَّيخ العلاَّمة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله، مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء فيها [3]، والَّذي كانت له مواقف مُشرِّفة في نصرة القضيَّة الجزائريَّة.
فمن تلك الجهود المباركة الَّتي يسَّر الله الوقوف عليها:
أوَّلاً: كتابة سماحته رحمه الله لعدَّة مقالات في الجرائد، يدعو المسلمين عمومًا والشَّعب السُّعودي خصوصًا إلى دعم المجاهدين الجزائريِّين، ويستنهض هممهم لذلك.
ثانيًا: تبرُّع سماحته رحمه الله ماديًّا للجزائر، وجمعه للتَّبرُّعات.
أمَّا ما يتَّصل بموضوع المقالات، فقد يسَّر الله الوقوف على ثلاث منها:
المقال الأوَّل: نُشر في جريدة المدينة المنوَّرة، عدد:(1027)، وتاريخ:(28/7/1381هـ) [4].
والثَّاني: نُشر في جريدة المدينة المنوَّرة، عدد (1041)، وتاريخ:(18/9/1381هـ) [5]
والثَّالث: كتاب بعث به سماحته بتاريخ:(22/7/1377هــ) إلى رئيس تحرير صحيفة اليمامة [6]
أمَّا المقال الأوَّل: فقد نشره باسم رئاسة الجامعة الإسلاميَّة [7]، حيث كان نائبًا لرئيسها : سماحة الشَّيخ محمَّد ابن إبراهيم آل الشيخ، وهو مقال مطوَّل، مؤثِّر جدًّا في النُّفوس، بيَّن فيه رحمه الله وحشيَّة الاستعمار، والويلات الَّتي يقاسيها منه الشَّعب الجزائري، وبيَّن محاولات الفرنسيِّين إخراج الجزائريِّين من دينهم، وأكدَّ وجوبَ مساعدتهم على كلِّ مستطيع، ذاكرًا في كلِّ ذلك الأدلَّة الشَّرعيَّة، داعيًا الله في آخره أن ينصر الجزائريِّين ويهزم الفرنسيِّين.
وأمَّا المقال الثَّاني: فهي فتوى نشرها حول جواز إعطاء المجاهدين الجزائريِّين الزَّكاة، مبيِّنًا الأدلَّة الشَّرعيَّة على ذلك، وذاكرًا أنَّ جهاد الجزائريِّين جهاد شرعي.
وأمَّا المقال الثَّالث: فقد كتبه تعقيبًا على مقال لأحد الكُتَّاب، والَّذي دعا فيه لجعل يوم الخامس عشر من شعبان عيدًا قَوميًّا، فبيَّن سماحتُه رحمه الله أنَّ ذلك من البِدع، ثمَّ دعا فيه الأغنياء لمساعدة الجزائر، ودعا للجزائريِّين بالنَّصر والتَّمكين.
وإلى المقالات الثَّلاث:
المقال الأوَّل:
بسم الله الرحمن الرحيم
نداء من رئاسة الجامعة الإسلاميَّة إلى الجزائريِّين.
«إنَّ رئاسة الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة المنوَّرة تهيب بإخواننا المسلمين في كلِّ مكان، وخاصَّة في هذه المملكة، الَّتي أفاء الله عليها من نعمة اليُسر والرَّخاء والاطمئنان ما لم يكن متوفِّرًا لغيرها في كثير من أنحاء العالم.
إنَّها تهيب بالجميع أن يُسرعوا بمَدِّ يد المعونة إلى إخوانهم في الدِّين من أبناء الجزائر، الَّذين أذاقهم الحُكم الفرنسي الكافر شتَّى صنوف العذاب، وحاول طيلة مدَّة حكمه لبلادهم أن يُخرجهم من دينهم وعقيدتهم، بما غمر به بلادهم من مبادئ الإلحاد والزَّيغ.
أيها المسلمون!.. إنَّ الجزائريِّين إخوانٌ لكم في الدِّين، وإنَّهم يجاهدون للتَّخلُّص من حكم كافر ملحد، ولذلك فإنَّ مساعدتهم ومعاضدتهم واجبة على كلِّ مستطيع، وخاصَّة بالمال، فإنَّ الجهاد بالمال قد ورد في أكثر الآيات القرآنيَّة مُقدَّمًا على الجهاد بالنَّفس، كما في قوله تعالى : ï´؟ انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ غڑ ذَظ°لِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ï´¾ [سورة التوبة]، وقوله تعالى : ï´؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ غڑ وَأُولَظ°ئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا غڑ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ï´¾ [سورة التوبة]، وقوله تعالى : ï´؟ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ غڑ أُولَظ°ئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ï´¾ [سورة الحجرات]، وقدَّم النَّفس في آية واحدة، وهي قوله تعالى : ï´؟ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىظ° مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ غڑ ï´¾ [التوبة:111].
فيا أيُّها المؤمن الكريم!.. قد اشترى الله منك نفسك ومالك، ووعدك على ذلك الجنَّة، فقدِّم من هذا المال -الَّذي هو مال الله- ما تُرضي به الله، وتنفع إخوانك المحاويج، المضطرِّين إلى عونك ومساعدتك، تفز بالخُلف الكثير والأجر الجزيل، وتساهم بإحسانك في إنقاذ أمَّة عظيمة من المسلمين ممَّا أصيبوا به من البؤس والعوز.
أيُّها المسلمون!.. إنَّ إخوانكم في الجزائر بحاجة إلى أيِّ معونة تقدمونَّها، وإنَّ كل واحد منَّا يستطيع ذلك بقدر إمكانه وطاقته، قال تعالى : ï´؟ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ï´¾ [التغابن:16]، وقال سبحانه وتعالى : ï´؟ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ غ– فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ï´¾ [سورة الحديد]، وقال تعالى : ï´؟ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ï´¾ [سورة الزلزلة]، وأبشروا بالخُلف والأجر، كما في قوله تعالى : ï´؟ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا غڑï´¾ [المزمل:20]، وقوله عزَّ وجل : ï´؟ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ غ– وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ï´¾ [سورة سبأ]، إنَّنا جميعًا نستنكر تلك الأعمال الوحشيَّة المنافية للمبادئ الإسلاميَّة والأخلاق الإنسانيَّة الكريمة، الَّتي تقوم بها فرنسا ضدَّ أهل الجزائر المجاهدين، ولكن هذا لا يكفي، بل لابدَّ من العمل الَّذي يحقِّق ما نقول، وذلك بالمساعدة الفعَّالة لإخواننا، وكلُّ منَّا يستطيع أن يساهم في هذا العمل من قليل أو كثير، فإذا اجتمعت مساهمتك مع مساهمة غيرك، صارت كبيرة مُجدية.
إنَّ إخوانكم من اللاَّجئين الجزائريِّين، ما بين أيتام صغار وشيوخ وعجزة وأرامل مات عائلوهم، وهم يبلغون مئات الألوف نسمة حسب النَّشرات المعروفة للجميع، وهم محتاجون للصَّدقة بالنُّقود، والملابس، وغير ذلك من أنواع المال، فارحموهم، واعطفوا عليهم، ï´؟ وَأَحْسِنُوا غ› إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [سورة البقرة].
أيُّها المسلمون!.. تذكَّروا أنَّ هؤلاء المحتاجين ليس لهم في الحقيقة من يرعاهم من المخلوقين غيركم، أنتم إخوانهم وأهل الشَّفقة عليهم، فهل تنتظرون من الفرنسيِّين وإخوانهم في الكفر والإلحاد ومعاداة الإسلام أن يساعدوهم، أو أن يمسحوا جراحهم، أو يواسوهم في مصابهم؟!
وفي الحديث [عن] رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وَالله فيِ عَوْنِ العَبْدِ، مَا كَانَ العَبْدُ فيِ عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ» [8]
وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ فيِ حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ الله فيِ حَاجَتِه» [9]، وقال صلى الله عليه وسلم: «الـمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»، وشبَّك بين أصابعه [10]، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الـمُؤْمِنينَ فِي تَوَادّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَد، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى» [11]، وقال أيضًا: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلاَّ سَيُكَلَّمُهُ الله، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ عَنْ يَمينِهِ فَلا يَرى إلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ عَنْ شِمَالِهِ فَلاَ يَرى إلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَلاَ يَرَى إلاَّ النَّارَ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَة، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» [12].
أيُّها المسلمون!.. هذه آيات القرآن تتلى عليكم، وهذه أحاديث الرَّسول صلى الله عليه وسلم تُزفُّ إلى مسامعكم، فاتَّقوا الله في إخوانكم، وأحسنوا إليهم، وواسوهم بما تستطيعون، وحقِّقوا ما أمر الله به ورسوله، من الجهاد، والإحسان بالعمل المثمر، والمواساة الفعَّالة، والتَّشجيع على ذلك، والتَّرغيب فيه، تنالوا من الله الأجر الجزيل، والخُلف الكثير، والعاقبة الحميدة.
والله المسؤول أن يوفِّق الجميع لكلِّ خير، وأن يعيذنا وإيَّاكم من الشُّحَّ والبخل، وأن يحقِّق لإخواننا الجزائريين النَّصر والعاقبة الحميدة، وأن يُنزِل بأسه بأعدائه الكافرين، إنَّه على كلِّ شيء قدير.
وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نائب رئيس الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة المنوَّرة عبد العزيز بن عبد الله بن باز»
***
وقد قامت البعثة الجزائريِّة لدى المملكة بتعميم المقال المذكور، ويدلُّ لذلك وثيقة زوَّدني بصورة منها أخي البحّاثة مصطفى فوضيلي حفظه الله وهي رسالة موجَّهة من الشَّيخ العبَّاس الحسين [13] -رئيس البعثة الجزائريَّة لدى المملكة العربيَّة السُّعوديَّة - إلى الشَّيخ عبد الحميد عمَّار الجزائري [14] الأستاذ بمعهد إمام الدَّعوة العلمي بالرِّياض وذلك بتاريخ : (28/8/1381هــ) الموافق : (3/2/1962م)، أي بعد نداء الشَّيخ ابن باز -المتقدِّم- بشهر، وممَّا جاء في الرِّسالة:
الأخ الكريم الشَّيخ عبد الحميد عمَّار، الأستاذ بمعهد إمام الدَّعوة، الموقَّر حفظه الله
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
وبعد: اتَّصلت برسالتكم، وحمدت الله أن كنتم موفَّقين في مسعاكم، ناجحين في عملكم لبلادكم ... وسيصلكم من طرفنا منشور بالنِّداء الَّذي وجَّهه فضيلة الشَّيخ عبد العزيز ابن باز، نائب رئيس الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة المنوَّرة لصالح الجزائر، فقوموا بتوزيعه على التجَّار بمجرَّد ما تتَّصلون به ...
المقال الثَّاني:
سماحة نائب رئيس الجامعة الإسلاميَّة يفتي بجواز إخراج الزَّكاة لإخواننا الجزائريِّين.
بسم الله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.
أمَّا بعد: فلا شكَّ أنَّ المجاهدين الجزائريِّين في أمسِّ الحاجة إلى التَّعضيد والمساعدة، من الزَّكاة وغيرها، وقد سبق أن نشرنا من مدَّة قريبة -كما لا يخفاكم- نداء من الجامعة الإسلاميَّة لمساعدة المجاهدين الجزائريِّين على جهادهم الباسل ضدَّ المستعمر الكافر الغاشم [15]، وأوضحنا هناك أنَّ مساعدتهم بالمال من الجهاد الَّذي أوجبه الله على المسلمين وأمر به، في مثل قوله سبحانه: ï´؟ انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ غڑ ذَظ°لِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ï´¾ وفي مثل قوله تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ï´¾ [سورة الصف]، وفي مثل قول النَّبيِّ صلى الله وعليه وسلم : «جَاهِدُوا الـمُشْرِكينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ» [16]، والآيات والأحاديث في الأمر بالجهاد بالنَّفس والمال والتَّرغيب فيه ومضاعفة أجر النَّفقة في ذلك كثيرة معلومة، وأمَّا ما سألتم عنه من صرف الزَّكاة فيهم؟
فالجواب: أنَّه لا بأس بذلك، بل صرف الزَّكاة فيهم من أهمِّ المهمَّات، ومن أفضل النَّفقات، وقد اجتمع في المجاهدين الجزائريِّين مقتضيان يُسَوِّغان صرف الزَّكاة فيهم:
أحدهُما: كونهم فقراء.
والثَّاني: كونهم مجاهدين.
وقد قسَم الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم الزَّكاة بين أصناف ثمانية، فقال تعالى : ï´؟ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ غ– فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ غ— وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ï´¾ [سورة التوبة]، فأوضح -سبحانه وتعالى- بنفسه عزوجل- أصناف أهل الزَّكاة، وهو العليم بأحوال عباده، ومن يستحقُّ الزَّكاة من غيره، وهو الحكيم في شرعه وقدره، والمجاهدون الجزائريُّون داخلون في الصِّنفين الأوَّلين، وداخلون في الصِّنف السَّابع المنوَّه عنه بقول الله سبحانه: ï´؟ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ï´¾، والمراد به : المجاهدون من المسلمين، وقد ثبت لدينا من طُرق كثيرة فقر المجاهدين الجزائريِّين، واتِّصافهم بالإسلام والجهاد الشَّرعي، فمِن أفضل الجهاد، مساعدتهم بالمال والزَّكاة وغيرها، أمَّا ما قد يُشكل على الكثير من النَّاس في نقل الزَّكاة من بلد إلى بلد، فلا شكَّ أنَّ هذه المسألة مسألة خلاف بين العلماء والصَّواب: جواز ذلك إذا كان لمصلحة شرعيَّة وهو أصحُّ قوليْ العلماء، وقد ورد في الأدلَّة الشَّرعيَّة ما يدلُّ عليه
والمصلحة الشَّرعيَّة في مساعدة المجاهدين الجزائريِّين من الزَّكاة ظاهرة، لا تخفى على أحد عرف أحوالهم وجهادهم، ونسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجمع كلمة أمر المسلمين على الحقِّ والهدى، وأن يوفِّقهم لجهاد أعداء الإسلام، وأن يؤيِّد إخواننا المجاهدين الجزائريِّين بروح منه، وأن يثبِّتهم على الحقِّ، وأن ينصرهم على عدوِّهم الغاشم الظَّالم، وأن يجعل العاقبة الحميدة لهم، وأن يمنحهم الصَّبر والثَّبات والاستقامة، إنَّه خير مسؤول وأكرم مجيب، وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله سيِّدنا محمَّد وآله وصحبه.
المقال الثَّالث:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز، إلى حضرة الأخ المكرَّم، رئيس تحرير صحيفة اليمامة، وفَّقه الله، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بعده، قرأت في صحيفة اليمامة الصَّادرة في عشرين رجب، بإمضاء، فتى الخليج العربي، ما نصُّه: «تقرَّر رسميًّا أن يكون (15) شعبان من كلِّ عام عيدًا قوميًّا خالدًا لجمع التبرُّعات، من أجل إخواننا الجزائريِّين، وقوميَّتنا العربيَّة النَّامية» إلى آخره.
فاستغربت هذه التَّسمية، ورأيت أنَّ التَّنبيه على ما يجب نحوها متعيَّن، وذلك أنَّه ليس للمسلمين الأعياد الَّتي شرعها الله لعباده، كعيد الأضحى، والجمعة، ونحوها، ممَّا سمَّاه الشَّارع عيدًا، وما سوى ذلك لا يجوز لأحد من المسلمين أن يتَّخذه عيدًا، ولا أن يسمِّيه عيدًا، لما في ذلك من مخالفة الشَّرع، وتشريع أعيادٍ لم يأذن بها الله، ومشابهة الجاهليَّة في أعيادها الَّتي هدمها الإسلام، وقد قال الله تعالى منكرًا على أهل البدع: ï´؟ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ï´¾ [الشورى:21] وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ، فَهُوَ رَدٌ» [17]، وكون الكاتب سمَّاه: عيدًا قوميًّا، لا يخرجه عن كونه بدعة ومنكرًا، لأنَّ الاعتبار في الأشياء بحقائقها لا بأسمائها، فالبدعة بدعة، والمنكر منكر، وإن سمَّاها النَّاس بأسماء حسنة، ونشر مثل هذا والسُّكوت عنه، يفضي إلى تعظيم هذا اليوم بما لم يشرعه الله، ويفضي إلى إحداث بدع أخرى، ويكفي أن يقال في اليوم : إنَّه تقرَّر موعدًا أو وقتًا لمساعدة الجزائر، وإنِّي لأشكر الكاتب على مقصده الحسن، وأدعو له بالتَّوفيق والسَّداد في القول والفعل، وأهيب بالأثرياء جميعًا أن يساهموا في مساعدة إخوانهم الجزائريِّين، الَّذين هم في أمسِّ الحاجة إلى المساعدة والتَّشجيع ضدَّ المستعمر الظَّالم، وأسأل الله سبحانه أن ينصر دينه، ويخذل أعداءه، وأن يؤيَّد إخواننا الجزائريِّين، ويُثَّبت أقدامهم، وأن يوفِّق المسلمين جميعًا لمساعدتهم، والوقوف في صفِّهم، ضدَّ عدوِّ الجميع الغاشم، إنَّه سميع قريب، وأرجو نشر هذا الكتاب في صحيفتكم الغرَّاء، للتَّنبيه والنَّصيحة، والله يتولاَّكم والسَّلام (22/7/1377هــ).
***
انتهت المقالات الثَّلاث.
وعطفًا على ما تقدَّم، فقد أخبرني أخي مصطفي فوضيلي أنَّه وقف على خطاب مُرسَل من الشَّيخ عبد الحميد عمَّار الجزائري إلى الأستاذ محمَّد الغسيري [18]، يَذكر فيه أنَّ الشَّيخ ابن باز وعظ النِّساء موعظة بليغة حتَّى يتبرَّعن للجزائر، فجعلن ينزعن الذَّهب عن أيديهنَّ ويتبرَّعن به [19]، وهذا اقتداء منه رحمه الله بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم واقتداء منهن -جزاهنَّ الله خيرًا- بالصَّحابيَّات.
وأمَّا ما يتَّصل بتبرُّع سماحته رحمه الله مادّيًا للجزائر: ورود اسمه ضمن قائمة من المتبرِّعين للجزائر، نُشرت في جريدة المدينة المنوَّرة بتاريخ : (19/8/1381هـ) [20]، وقد تبرَّع رحمه الله بمبلغ : (1000) ريال ، ويعتبر في ذلك الوقت مبلغًا كبيرًا ، ووقتها عمدت الدَّولة لنشر قوائم أسماء المتبرِّعين في الجرائد، كي يقتدي بهم النَّاس، ويتنافسوا في فعل الخير [21].
وقد استوقفتني وثيقة مهمَّة تتعلَّق بهذا الموضوع، تبيِّن أنَّ سماحة الشَّيخ رحمه الله كان يجمع الأموال للشَّيخ العلاَّمة البشير الإبراهيمي رحمه الله، ولا شكَّ أنَّ تلك الأموال إمَّا كانت تذهب لجمعيَّة العلماء المسلمين الجزائريِّين، أو كانت تذهب للمجاهدين والمقصود واحد وهو دعم الجزائر.
والوثيقة هي مراسلة لسماحته عام 1375هــ، الموافق 1956م، حول مبلغ جمعه وأرسله للشَّيخ العلاَّمة البشير الإبراهيمي، هذا نصُّها [22] :
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن باز، إلى حضرة الأخ المكرَّم: علي بن ريس وفَّقه الله
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعده : يصلكم بيد حامله محمَّد ابن إبراهيم الباز، مبلغ : ألفين (2000) ريال ورق، أرجو أن تقيِّدوها عندكم للشَّيخ محمَّد البشير الإبراهيمي الجزائري، وتفيدونا تحت هذا الكتاب بوصولها، وذلك لأنَّ الأخ: سليمان بن عبد الله الغنيم قد أخبرنا عن رغبة الشَّيخ المذكور في تسليم ما يحصل له على يدنا للأخ سليمان، وقد وافق سليمان المذكور على تسليم ذلك لمحلِّه في الرِّياض، بارك الله فيكم وفيه
والله يتولاَّكم، والسَّلام (5/10/1375هــ)، ويصلكم خط لسليمان، أرجو تعجيل إرساله إليه.
ثمَّ أجابه علي بن ريس بالجواب التَّالي:
حضرة المحترم، فضيلة الشَّيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الموقَّر حفظه الله تعالى ..
بعد التحيَّة والاحترام، الموجب مرسلكم بيد : محمَّد بن إبراهيم الباز ألفين (2000) ريال ورق، اعتمدنا أمركم في قيدها للشَّيخ محمَّد البشير الإبراهيمي الجزائري، وحُرِّر هذا للعِلْم، وذلك بالحساب للشَّيخ المذكور مع سليمان العبد الله الغنيم.
في (5/10/1375هــ) علي بن ريس
هذا ما يسَّر الله جمعه حول الموضوع، أسأل الله جلَّ وعلا أن يغفر للشَّيخ عبد العزيز بن باز، ولجميع علماء المسلمين، وأن يجزيه خير الجزاء على ما قدَّم للجزائر، وأن ينفع بعلمه الإسلام والمسلمين، وأن يُعليَ درجته في عليِّين، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه، والله أعلم، وصلَّى وسلَّم على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إعداد : بلال عدار
نُشر في مجلّة الإصلاح السنة الحادية عشرة، العدد السّادس والخمسون، رمضان/شوال 1438هـ، الموافق لـ ماي/جوان 2017م.
يُعتبر الجهاد في سبيل الله ذروة سَنَام الإسلام، والَّذين يُبيِّنون أحكامه ويفصِّلون آدابه هم العلماء، كما أنَّ لهم دورًا كبيرًا في حثِّ المسلمين على الجهاد وتحريضهم عليه، لما لهم من ثقة كبيرة عند النَّاس، وكلمة مسموعة وتأثير بليغ.
وجهاد الشَّعب الجزائريِّ الأبيِّ ضدَّ الاستعمار الفرنسي الشَّقيِّ في الفترة ما بين [1374-1382ه] الموافق: [1954-1962م] كان مضرب المثل في الشَّجاعة والبطولة، وبذل النَّفس والنَّفيس، وقد لاقى صدى واسعًا في الشَّرق وفي الغرب، تضامنت دول عربية عديدة مع الشَّعب الجزائري، وقامت بمساعدته، وتفاوتت تلك الدُّول في تقديم الدَّعم للجزائريِّين، ومِن تلكم الدُّول السبَّاقة لمساندة القضيَّة الجزائريَّة، وشارك في ذلك الرَّاعي والرَّعيَّة، المملكة العربيَّة السُّعودية، كما كانت أوَّل دولة تقوم بتقديم المساعدات الماديَّة، واستمرَّ ذلك الدَّعم إلى أن استردَّت الجزائر استقلالها [1].
وبعد، فهذا مقال استللته من فصلٍ ضمن بحث وثائقي -يسَّر الله جمعه- يتضمَّن وثائق مهمَّة حول جهود المملكة العربيَّة السُّعوديَّة في نُصرة جهاد الأمَّة الجزائريَّة ضدَّ الاستعمار الفرنسي الغاشم [2]، وذلك استجابةً لرغبة أحد مشايخي الفضلاء ممَّن رغبته تُعتبر أمرًا.
وضمن الفصل الـمُشار إليه، بيانٌ لثمرةٍ من الثَّمرات اليانعة للتَّواصل العلمي الأخويّ بين علماء الجزائر وعلماء المملكة، وهي: الإسهام في نصرة القضيَّة الجزائريَّة، وضمنه -أيضًا- بيانٌ لبعض الجهود المباركة في هذا المجال لكوكبةٍ من علماء الدَّعوة السَّلفيَّة الأعلام، منهم: الشَّيخ محمَّد البشير الإبراهيمي، والشَّيخ محمَّد بن إبراهيم آل الشَّيخ، والشَّيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، والشَّيخ محمَّد الأمين الشَّنقيطي، والشَّيخ عبد الرَّحمن ابن ناصر السَّعدي، والشَّيخ محمَّد ناصر الدِّين الألباني، والشَّيخ عبد العزيز ابن صالح، والشَّيخ عبد المحسن بن حمد العبَّاد، والشَّيخ زيد بن فياض، والشَّيخ عطيَّة سالم، رحم الله الجميع.
وفي جَمْع تلك المآثر ونشْرِ تلك المفاخر، إبرازٌ لجهود العلماء في نصرة قضايا المسلمين عامَّة والقضيَّة الجزائريَّة خاصَّة، وردٌّ لبعض جميلهم، وإحياء لذكرهم، ولفتُ نظرِ مَن خفي عليه فضلهم، خاصَّة إذا كانت تُعتبر في عداد المنسيَّات أو كانت من الـمُغيَّبات، وفي الحديث: «لاَ يَشْكُر اللهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ»، واقتصرتُ في هذا المقال على إبراز مآثر عَلَم من هؤلاء الأعلام، أطبق النَّاس على سَعة علمه وكبير فضله وعظيم نفعه للإسلام والمسلمين، ألا وهو: سماحة الشَّيخ العلاَّمة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله، مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء فيها [3]، والَّذي كانت له مواقف مُشرِّفة في نصرة القضيَّة الجزائريَّة.
فمن تلك الجهود المباركة الَّتي يسَّر الله الوقوف عليها:
أوَّلاً: كتابة سماحته رحمه الله لعدَّة مقالات في الجرائد، يدعو المسلمين عمومًا والشَّعب السُّعودي خصوصًا إلى دعم المجاهدين الجزائريِّين، ويستنهض هممهم لذلك.
ثانيًا: تبرُّع سماحته رحمه الله ماديًّا للجزائر، وجمعه للتَّبرُّعات.
أمَّا ما يتَّصل بموضوع المقالات، فقد يسَّر الله الوقوف على ثلاث منها:
المقال الأوَّل: نُشر في جريدة المدينة المنوَّرة، عدد:(1027)، وتاريخ:(28/7/1381هـ) [4].
والثَّاني: نُشر في جريدة المدينة المنوَّرة، عدد (1041)، وتاريخ:(18/9/1381هـ) [5]
والثَّالث: كتاب بعث به سماحته بتاريخ:(22/7/1377هــ) إلى رئيس تحرير صحيفة اليمامة [6]
أمَّا المقال الأوَّل: فقد نشره باسم رئاسة الجامعة الإسلاميَّة [7]، حيث كان نائبًا لرئيسها : سماحة الشَّيخ محمَّد ابن إبراهيم آل الشيخ، وهو مقال مطوَّل، مؤثِّر جدًّا في النُّفوس، بيَّن فيه رحمه الله وحشيَّة الاستعمار، والويلات الَّتي يقاسيها منه الشَّعب الجزائري، وبيَّن محاولات الفرنسيِّين إخراج الجزائريِّين من دينهم، وأكدَّ وجوبَ مساعدتهم على كلِّ مستطيع، ذاكرًا في كلِّ ذلك الأدلَّة الشَّرعيَّة، داعيًا الله في آخره أن ينصر الجزائريِّين ويهزم الفرنسيِّين.
وأمَّا المقال الثَّاني: فهي فتوى نشرها حول جواز إعطاء المجاهدين الجزائريِّين الزَّكاة، مبيِّنًا الأدلَّة الشَّرعيَّة على ذلك، وذاكرًا أنَّ جهاد الجزائريِّين جهاد شرعي.
وأمَّا المقال الثَّالث: فقد كتبه تعقيبًا على مقال لأحد الكُتَّاب، والَّذي دعا فيه لجعل يوم الخامس عشر من شعبان عيدًا قَوميًّا، فبيَّن سماحتُه رحمه الله أنَّ ذلك من البِدع، ثمَّ دعا فيه الأغنياء لمساعدة الجزائر، ودعا للجزائريِّين بالنَّصر والتَّمكين.
وإلى المقالات الثَّلاث:
المقال الأوَّل:
بسم الله الرحمن الرحيم
نداء من رئاسة الجامعة الإسلاميَّة إلى الجزائريِّين.
«إنَّ رئاسة الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة المنوَّرة تهيب بإخواننا المسلمين في كلِّ مكان، وخاصَّة في هذه المملكة، الَّتي أفاء الله عليها من نعمة اليُسر والرَّخاء والاطمئنان ما لم يكن متوفِّرًا لغيرها في كثير من أنحاء العالم.
إنَّها تهيب بالجميع أن يُسرعوا بمَدِّ يد المعونة إلى إخوانهم في الدِّين من أبناء الجزائر، الَّذين أذاقهم الحُكم الفرنسي الكافر شتَّى صنوف العذاب، وحاول طيلة مدَّة حكمه لبلادهم أن يُخرجهم من دينهم وعقيدتهم، بما غمر به بلادهم من مبادئ الإلحاد والزَّيغ.
أيها المسلمون!.. إنَّ الجزائريِّين إخوانٌ لكم في الدِّين، وإنَّهم يجاهدون للتَّخلُّص من حكم كافر ملحد، ولذلك فإنَّ مساعدتهم ومعاضدتهم واجبة على كلِّ مستطيع، وخاصَّة بالمال، فإنَّ الجهاد بالمال قد ورد في أكثر الآيات القرآنيَّة مُقدَّمًا على الجهاد بالنَّفس، كما في قوله تعالى : ï´؟ انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ غڑ ذَظ°لِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ï´¾ [سورة التوبة]، وقوله تعالى : ï´؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ غڑ وَأُولَظ°ئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا غڑ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ï´¾ [سورة التوبة]، وقوله تعالى : ï´؟ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ غڑ أُولَظ°ئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ï´¾ [سورة الحجرات]، وقدَّم النَّفس في آية واحدة، وهي قوله تعالى : ï´؟ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىظ° مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ غڑ ï´¾ [التوبة:111].
فيا أيُّها المؤمن الكريم!.. قد اشترى الله منك نفسك ومالك، ووعدك على ذلك الجنَّة، فقدِّم من هذا المال -الَّذي هو مال الله- ما تُرضي به الله، وتنفع إخوانك المحاويج، المضطرِّين إلى عونك ومساعدتك، تفز بالخُلف الكثير والأجر الجزيل، وتساهم بإحسانك في إنقاذ أمَّة عظيمة من المسلمين ممَّا أصيبوا به من البؤس والعوز.
أيُّها المسلمون!.. إنَّ إخوانكم في الجزائر بحاجة إلى أيِّ معونة تقدمونَّها، وإنَّ كل واحد منَّا يستطيع ذلك بقدر إمكانه وطاقته، قال تعالى : ï´؟ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ï´¾ [التغابن:16]، وقال سبحانه وتعالى : ï´؟ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ غ– فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ï´¾ [سورة الحديد]، وقال تعالى : ï´؟ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ï´¾ [سورة الزلزلة]، وأبشروا بالخُلف والأجر، كما في قوله تعالى : ï´؟ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا غڑï´¾ [المزمل:20]، وقوله عزَّ وجل : ï´؟ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ غ– وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ï´¾ [سورة سبأ]، إنَّنا جميعًا نستنكر تلك الأعمال الوحشيَّة المنافية للمبادئ الإسلاميَّة والأخلاق الإنسانيَّة الكريمة، الَّتي تقوم بها فرنسا ضدَّ أهل الجزائر المجاهدين، ولكن هذا لا يكفي، بل لابدَّ من العمل الَّذي يحقِّق ما نقول، وذلك بالمساعدة الفعَّالة لإخواننا، وكلُّ منَّا يستطيع أن يساهم في هذا العمل من قليل أو كثير، فإذا اجتمعت مساهمتك مع مساهمة غيرك، صارت كبيرة مُجدية.
إنَّ إخوانكم من اللاَّجئين الجزائريِّين، ما بين أيتام صغار وشيوخ وعجزة وأرامل مات عائلوهم، وهم يبلغون مئات الألوف نسمة حسب النَّشرات المعروفة للجميع، وهم محتاجون للصَّدقة بالنُّقود، والملابس، وغير ذلك من أنواع المال، فارحموهم، واعطفوا عليهم، ï´؟ وَأَحْسِنُوا غ› إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [سورة البقرة].
أيُّها المسلمون!.. تذكَّروا أنَّ هؤلاء المحتاجين ليس لهم في الحقيقة من يرعاهم من المخلوقين غيركم، أنتم إخوانهم وأهل الشَّفقة عليهم، فهل تنتظرون من الفرنسيِّين وإخوانهم في الكفر والإلحاد ومعاداة الإسلام أن يساعدوهم، أو أن يمسحوا جراحهم، أو يواسوهم في مصابهم؟!
وفي الحديث [عن] رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وَالله فيِ عَوْنِ العَبْدِ، مَا كَانَ العَبْدُ فيِ عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ» [8]
وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ فيِ حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ الله فيِ حَاجَتِه» [9]، وقال صلى الله عليه وسلم: «الـمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»، وشبَّك بين أصابعه [10]، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الـمُؤْمِنينَ فِي تَوَادّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَد، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى» [11]، وقال أيضًا: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلاَّ سَيُكَلَّمُهُ الله، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ عَنْ يَمينِهِ فَلا يَرى إلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ عَنْ شِمَالِهِ فَلاَ يَرى إلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَلاَ يَرَى إلاَّ النَّارَ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَة، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» [12].
أيُّها المسلمون!.. هذه آيات القرآن تتلى عليكم، وهذه أحاديث الرَّسول صلى الله عليه وسلم تُزفُّ إلى مسامعكم، فاتَّقوا الله في إخوانكم، وأحسنوا إليهم، وواسوهم بما تستطيعون، وحقِّقوا ما أمر الله به ورسوله، من الجهاد، والإحسان بالعمل المثمر، والمواساة الفعَّالة، والتَّشجيع على ذلك، والتَّرغيب فيه، تنالوا من الله الأجر الجزيل، والخُلف الكثير، والعاقبة الحميدة.
والله المسؤول أن يوفِّق الجميع لكلِّ خير، وأن يعيذنا وإيَّاكم من الشُّحَّ والبخل، وأن يحقِّق لإخواننا الجزائريين النَّصر والعاقبة الحميدة، وأن يُنزِل بأسه بأعدائه الكافرين، إنَّه على كلِّ شيء قدير.
وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نائب رئيس الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة المنوَّرة عبد العزيز بن عبد الله بن باز»
***
وقد قامت البعثة الجزائريِّة لدى المملكة بتعميم المقال المذكور، ويدلُّ لذلك وثيقة زوَّدني بصورة منها أخي البحّاثة مصطفى فوضيلي حفظه الله وهي رسالة موجَّهة من الشَّيخ العبَّاس الحسين [13] -رئيس البعثة الجزائريَّة لدى المملكة العربيَّة السُّعوديَّة - إلى الشَّيخ عبد الحميد عمَّار الجزائري [14] الأستاذ بمعهد إمام الدَّعوة العلمي بالرِّياض وذلك بتاريخ : (28/8/1381هــ) الموافق : (3/2/1962م)، أي بعد نداء الشَّيخ ابن باز -المتقدِّم- بشهر، وممَّا جاء في الرِّسالة:
الأخ الكريم الشَّيخ عبد الحميد عمَّار، الأستاذ بمعهد إمام الدَّعوة، الموقَّر حفظه الله
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
وبعد: اتَّصلت برسالتكم، وحمدت الله أن كنتم موفَّقين في مسعاكم، ناجحين في عملكم لبلادكم ... وسيصلكم من طرفنا منشور بالنِّداء الَّذي وجَّهه فضيلة الشَّيخ عبد العزيز ابن باز، نائب رئيس الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة المنوَّرة لصالح الجزائر، فقوموا بتوزيعه على التجَّار بمجرَّد ما تتَّصلون به ...
المقال الثَّاني:
سماحة نائب رئيس الجامعة الإسلاميَّة يفتي بجواز إخراج الزَّكاة لإخواننا الجزائريِّين.
بسم الله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.
أمَّا بعد: فلا شكَّ أنَّ المجاهدين الجزائريِّين في أمسِّ الحاجة إلى التَّعضيد والمساعدة، من الزَّكاة وغيرها، وقد سبق أن نشرنا من مدَّة قريبة -كما لا يخفاكم- نداء من الجامعة الإسلاميَّة لمساعدة المجاهدين الجزائريِّين على جهادهم الباسل ضدَّ المستعمر الكافر الغاشم [15]، وأوضحنا هناك أنَّ مساعدتهم بالمال من الجهاد الَّذي أوجبه الله على المسلمين وأمر به، في مثل قوله سبحانه: ï´؟ انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ غڑ ذَظ°لِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ï´¾ وفي مثل قوله تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ï´¾ [سورة الصف]، وفي مثل قول النَّبيِّ صلى الله وعليه وسلم : «جَاهِدُوا الـمُشْرِكينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ» [16]، والآيات والأحاديث في الأمر بالجهاد بالنَّفس والمال والتَّرغيب فيه ومضاعفة أجر النَّفقة في ذلك كثيرة معلومة، وأمَّا ما سألتم عنه من صرف الزَّكاة فيهم؟
فالجواب: أنَّه لا بأس بذلك، بل صرف الزَّكاة فيهم من أهمِّ المهمَّات، ومن أفضل النَّفقات، وقد اجتمع في المجاهدين الجزائريِّين مقتضيان يُسَوِّغان صرف الزَّكاة فيهم:
أحدهُما: كونهم فقراء.
والثَّاني: كونهم مجاهدين.
وقد قسَم الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم الزَّكاة بين أصناف ثمانية، فقال تعالى : ï´؟ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ غ– فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ غ— وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ï´¾ [سورة التوبة]، فأوضح -سبحانه وتعالى- بنفسه عزوجل- أصناف أهل الزَّكاة، وهو العليم بأحوال عباده، ومن يستحقُّ الزَّكاة من غيره، وهو الحكيم في شرعه وقدره، والمجاهدون الجزائريُّون داخلون في الصِّنفين الأوَّلين، وداخلون في الصِّنف السَّابع المنوَّه عنه بقول الله سبحانه: ï´؟ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ï´¾، والمراد به : المجاهدون من المسلمين، وقد ثبت لدينا من طُرق كثيرة فقر المجاهدين الجزائريِّين، واتِّصافهم بالإسلام والجهاد الشَّرعي، فمِن أفضل الجهاد، مساعدتهم بالمال والزَّكاة وغيرها، أمَّا ما قد يُشكل على الكثير من النَّاس في نقل الزَّكاة من بلد إلى بلد، فلا شكَّ أنَّ هذه المسألة مسألة خلاف بين العلماء والصَّواب: جواز ذلك إذا كان لمصلحة شرعيَّة وهو أصحُّ قوليْ العلماء، وقد ورد في الأدلَّة الشَّرعيَّة ما يدلُّ عليه
والمصلحة الشَّرعيَّة في مساعدة المجاهدين الجزائريِّين من الزَّكاة ظاهرة، لا تخفى على أحد عرف أحوالهم وجهادهم، ونسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجمع كلمة أمر المسلمين على الحقِّ والهدى، وأن يوفِّقهم لجهاد أعداء الإسلام، وأن يؤيِّد إخواننا المجاهدين الجزائريِّين بروح منه، وأن يثبِّتهم على الحقِّ، وأن ينصرهم على عدوِّهم الغاشم الظَّالم، وأن يجعل العاقبة الحميدة لهم، وأن يمنحهم الصَّبر والثَّبات والاستقامة، إنَّه خير مسؤول وأكرم مجيب، وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله سيِّدنا محمَّد وآله وصحبه.
المقال الثَّالث:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز، إلى حضرة الأخ المكرَّم، رئيس تحرير صحيفة اليمامة، وفَّقه الله، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بعده، قرأت في صحيفة اليمامة الصَّادرة في عشرين رجب، بإمضاء، فتى الخليج العربي، ما نصُّه: «تقرَّر رسميًّا أن يكون (15) شعبان من كلِّ عام عيدًا قوميًّا خالدًا لجمع التبرُّعات، من أجل إخواننا الجزائريِّين، وقوميَّتنا العربيَّة النَّامية» إلى آخره.
فاستغربت هذه التَّسمية، ورأيت أنَّ التَّنبيه على ما يجب نحوها متعيَّن، وذلك أنَّه ليس للمسلمين الأعياد الَّتي شرعها الله لعباده، كعيد الأضحى، والجمعة، ونحوها، ممَّا سمَّاه الشَّارع عيدًا، وما سوى ذلك لا يجوز لأحد من المسلمين أن يتَّخذه عيدًا، ولا أن يسمِّيه عيدًا، لما في ذلك من مخالفة الشَّرع، وتشريع أعيادٍ لم يأذن بها الله، ومشابهة الجاهليَّة في أعيادها الَّتي هدمها الإسلام، وقد قال الله تعالى منكرًا على أهل البدع: ï´؟ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ï´¾ [الشورى:21] وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ، فَهُوَ رَدٌ» [17]، وكون الكاتب سمَّاه: عيدًا قوميًّا، لا يخرجه عن كونه بدعة ومنكرًا، لأنَّ الاعتبار في الأشياء بحقائقها لا بأسمائها، فالبدعة بدعة، والمنكر منكر، وإن سمَّاها النَّاس بأسماء حسنة، ونشر مثل هذا والسُّكوت عنه، يفضي إلى تعظيم هذا اليوم بما لم يشرعه الله، ويفضي إلى إحداث بدع أخرى، ويكفي أن يقال في اليوم : إنَّه تقرَّر موعدًا أو وقتًا لمساعدة الجزائر، وإنِّي لأشكر الكاتب على مقصده الحسن، وأدعو له بالتَّوفيق والسَّداد في القول والفعل، وأهيب بالأثرياء جميعًا أن يساهموا في مساعدة إخوانهم الجزائريِّين، الَّذين هم في أمسِّ الحاجة إلى المساعدة والتَّشجيع ضدَّ المستعمر الظَّالم، وأسأل الله سبحانه أن ينصر دينه، ويخذل أعداءه، وأن يؤيَّد إخواننا الجزائريِّين، ويُثَّبت أقدامهم، وأن يوفِّق المسلمين جميعًا لمساعدتهم، والوقوف في صفِّهم، ضدَّ عدوِّ الجميع الغاشم، إنَّه سميع قريب، وأرجو نشر هذا الكتاب في صحيفتكم الغرَّاء، للتَّنبيه والنَّصيحة، والله يتولاَّكم والسَّلام (22/7/1377هــ).
***
انتهت المقالات الثَّلاث.
وعطفًا على ما تقدَّم، فقد أخبرني أخي مصطفي فوضيلي أنَّه وقف على خطاب مُرسَل من الشَّيخ عبد الحميد عمَّار الجزائري إلى الأستاذ محمَّد الغسيري [18]، يَذكر فيه أنَّ الشَّيخ ابن باز وعظ النِّساء موعظة بليغة حتَّى يتبرَّعن للجزائر، فجعلن ينزعن الذَّهب عن أيديهنَّ ويتبرَّعن به [19]، وهذا اقتداء منه رحمه الله بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم واقتداء منهن -جزاهنَّ الله خيرًا- بالصَّحابيَّات.
وأمَّا ما يتَّصل بتبرُّع سماحته رحمه الله مادّيًا للجزائر: ورود اسمه ضمن قائمة من المتبرِّعين للجزائر، نُشرت في جريدة المدينة المنوَّرة بتاريخ : (19/8/1381هـ) [20]، وقد تبرَّع رحمه الله بمبلغ : (1000) ريال ، ويعتبر في ذلك الوقت مبلغًا كبيرًا ، ووقتها عمدت الدَّولة لنشر قوائم أسماء المتبرِّعين في الجرائد، كي يقتدي بهم النَّاس، ويتنافسوا في فعل الخير [21].
وقد استوقفتني وثيقة مهمَّة تتعلَّق بهذا الموضوع، تبيِّن أنَّ سماحة الشَّيخ رحمه الله كان يجمع الأموال للشَّيخ العلاَّمة البشير الإبراهيمي رحمه الله، ولا شكَّ أنَّ تلك الأموال إمَّا كانت تذهب لجمعيَّة العلماء المسلمين الجزائريِّين، أو كانت تذهب للمجاهدين والمقصود واحد وهو دعم الجزائر.
والوثيقة هي مراسلة لسماحته عام 1375هــ، الموافق 1956م، حول مبلغ جمعه وأرسله للشَّيخ العلاَّمة البشير الإبراهيمي، هذا نصُّها [22] :
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن باز، إلى حضرة الأخ المكرَّم: علي بن ريس وفَّقه الله
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعده : يصلكم بيد حامله محمَّد ابن إبراهيم الباز، مبلغ : ألفين (2000) ريال ورق، أرجو أن تقيِّدوها عندكم للشَّيخ محمَّد البشير الإبراهيمي الجزائري، وتفيدونا تحت هذا الكتاب بوصولها، وذلك لأنَّ الأخ: سليمان بن عبد الله الغنيم قد أخبرنا عن رغبة الشَّيخ المذكور في تسليم ما يحصل له على يدنا للأخ سليمان، وقد وافق سليمان المذكور على تسليم ذلك لمحلِّه في الرِّياض، بارك الله فيكم وفيه
والله يتولاَّكم، والسَّلام (5/10/1375هــ)، ويصلكم خط لسليمان، أرجو تعجيل إرساله إليه.
ثمَّ أجابه علي بن ريس بالجواب التَّالي:
حضرة المحترم، فضيلة الشَّيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الموقَّر حفظه الله تعالى ..
بعد التحيَّة والاحترام، الموجب مرسلكم بيد : محمَّد بن إبراهيم الباز ألفين (2000) ريال ورق، اعتمدنا أمركم في قيدها للشَّيخ محمَّد البشير الإبراهيمي الجزائري، وحُرِّر هذا للعِلْم، وذلك بالحساب للشَّيخ المذكور مع سليمان العبد الله الغنيم.
في (5/10/1375هــ) علي بن ريس
هذا ما يسَّر الله جمعه حول الموضوع، أسأل الله جلَّ وعلا أن يغفر للشَّيخ عبد العزيز بن باز، ولجميع علماء المسلمين، وأن يجزيه خير الجزاء على ما قدَّم للجزائر، وأن ينفع بعلمه الإسلام والمسلمين، وأن يُعليَ درجته في عليِّين، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه، والله أعلم، وصلَّى وسلَّم على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
=============================================
[1]: يقول المجاهد محمَّد خيضر رحمه الله في كلمة ألقاها خلال حفل استقبال أوَّل وفدٍ جزائريِّ رسميِّ يقوم بزيارة خارجيَّة بعد الاستقلال : «والحقيقة أنَّ الغرض الَّذي جئنا من أجله للبلاد العربيَّة بصفة عامَّة ولهذه المملكة الفتيَّة بصفة خاصَّة، هو قبل كلِّ شيء، توطيد العلاقات في كلِّ الميادين، وأحب أن أذكِّركم بما كنَّا قد عقدنا عليه العزم ونحن في وسط السُّجون، ولعلَّ ذلك جديد على مسامعكم، كنَّا عقدنا العزم هناك على أن نأتي لهذه البلاد العربيَّة الأبيَّة، ونزور إخوانًا لنا، لنشكرهم ونعبِّر لهم بقدومنا على الاعتراف بالجميل ليس بالنِّسبة لنا وحسب، بل وباسم كافَّة إخوانهم الجزائريِّين حكومةً وشعبًا، لما قدَّموه من مساعداتٍ قيِّمة في السَّنوات الثَّماني، ولهذا أكرِّر ثانية، وأقول : إنَّه ليس باسمي واسم الوفد نُعرب عن ذلك، ولكن باسم الحكومة والشَّعب، أكرِّر هذا الشُّكر الجزيل لإخواننا العرب كلَّهم بدون استثناء، كما كرَّرتُ من قبل، وفي الدَّرجة الأولى : لإخواننا في السُّعودية، لما قدَّمته لنا من مساعدات والتَّاريخ سيشهد بهذا كلَّه، ويدوِّنه، وإن كانت لي كلمة هنا، فأقول إرساءً للحقِّ والواقع : إنَّ هذه البلاد كانت من بين الشُّعوب العربيَّة السبَّاقة لمساندة الحركة التَّحريريَّة في الجزائر، ومن الأمانة أن نذكر بافتخار : أن المساعدة الماليَّة الأولى الَّتي تسلَّمناها من إخواننا العرب في عام (1955م) كانت من هذه البلاد، وبأمر من جلالة الملك المعظَّم، وكذلك وفي نفس العام كانت المبادرة من إخواننا في المملكة لإثارة القضيَّة الجزائريَّة في الأمم المتَّحدة، وكانت البلاد حكومةً وشعبًا في كلِّ مناسبة هي السبَّاقة لما فيه الخير والمساندة لأجل انتصار الحقِّ الجزائري، أمَّا عن دور الشَّعب فالشَّعب هنا كثيرًا ما عرفناه في الجزائر يقدِّم لنا المساعدات بشتَّى ألوانها وصورها، فكان أكثر الشُّعوب حماسة للقضيَّة الجزائريَّة، ومن أجل هذا كلِّه بدأنا نزور المملكة، حتَّى نعبِّر عن شكرنا العميق لإخواننا ومن تَجْمَعهُم بنا صلة العروبة الحقَّة المتأصِّلة»، [انظر تغطية تلك الزِّيارة في «مجلَّة المنهل» عدد: رمضان (1382هـ يناير 1963م)].
وجاء في «جريدة أمّ القرى» بتاريخ 24/12/1377هـ، الموافق: 11/7/1958م على الصَّفحة الرَّئيسة الخبر التَّالي : زار وفد جبهة التَّحرير الوطنيَّة الجزائريَّة المنتدب إلى المملكة العربيَّة السُّعودية دار الإذاعة السُّعوديَّة، وطلب إذاعة البيان الآتي: «يسرُّ وفد جبهة التَّحرير الوطنيَّة الجزائريَّة أن يعلن أنَّه تشرَّف بمقابلة جلالة الملك سُعود المعظَّم، للسَّلام عليه، والاطمئنان على صحَّة جلالته العالية، وإبلاغه سلام أبنائه المجاهدين الجزائريِّين ودعواتهم لجلالته بالصحَّة والعافية وطول العمر، كما يسرُّه أن يسجِّل بكامل الاغتباط والممنونيَّة طمأنينات جلالته لأعضاء الوفد فيما يرجع إلى القضيَّة الجزائريَّة، تلك الطّمأنينات الَّتي جاء فيها قول جلالته : «لقد كنَّا أوَّل من تبنَّى قضيَّة الجزائر، وسنبقى في طليعة العاملين لها مادِّيًّا وأدبيًّا، ممَّا يرضي العرب والمسلمين، ويحقِّق رغائب المجاهدين الجزائريِّين»
ونحن أعضاء وفد جبهة التَّحرير الجزائريَّة لا نملك إلاَّ أن نُدفع شكرنا لجلالة الملك المعظَّم، وتمجيدنا لمواقفه الكريمة السَّابقة منها واللاَّحقة لفائدة القضيَّة الجزائريَّة، سائلين المولى جلَّ جلاله أن يحفظ جلالته في صحَّة شاملة وعافية كاملة، وأن يُطيل عمره في خدمة العروبة والإسلام». عن وفد: «حامد روابحية»
[2]: وسبب البحث في الموضوع جاء عَرضًا، وذلك خلال العمل على إخراج كتاب: «الشَّيخ العلاَّمة عبد الله ابن عبد الله بن عقيل رحمه الله سيرته الذَّاتية وأهم مراسلاته»، حيث وقفت ضمن وثائق شيخنا رحمه الله على وثائق تتعلَّق بالموضوع، فكانت النَّواة الأولى لهذا البحث منها: رسالة والد شيخنا له، يذكر فيها جهود أهل عنيزة في جمع التبرُّعات، انظرها في الكتاب المتقدِّم (3/323).
[3]: ولد بمدينة الرِّياض عام (1330هـ)، حفظ القرآن، وتلقَّى العلم على يد كثير من العلماء. تعيَّن قاضيًا في الخَرْج، ثمَّ مدرِّسًا في المعهد العلمي بالرِّياض، ثمَّ مدرِّسًا في كليَّة الشَّريعة، تعيَّن نائبًا لرئيس الجامعة الإسلاميَّة عام (1381هـ)، ثمَّ رئيسًا لها عام (1391هـ)، ثمَّ رئيسًا عامًّا لإدارة البحوث العلميَّة والإفتاء والدَّعوة والإرشاد عام (1395هـ)، ثمَّ رئيسًا عامًّا لهيئة كبار العلماء ومفتيًا للمملكة، مع عضويَّات كثيرة، كان على جانب كبير من العلم والتَّقوى والأخلاق العالية والصِّفات الحسنة، وله وزنه لدى الجميع، أفنى عمره في العلم، وتخرَّج عليه الجمع الغفير، وألَّف كثيرًا من الكتب النَّافعة، حصل على جائزة الملك فيصل عام (1401هـ)، وتوفيَّ عام (1420هـ) بالطَّائف، وصلِّي عليه في المسجد الحرام، رحمه الله، انظر ترجمته الذَّاتية في مقدِّمة مجموع فتاويه.
[4]: انظر الوثيقة رقم (1)
[5]: انظر الوثيقة رقم (2)
[6]: نقلته من كتاب : «جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز ابن باز» إعداد: محمَّد بن إبراهيم الحمد، ومحمَّد ابن موسى الموسى، (ص:354)، وقد بحثت عن المقال في صحيفة اليمامة، فلم أجده.
[7]: أنشئت بالأمر الملكي رقم (11) وتاريخ: (25/3/1381هـ)، وتعتبر قضيَّة الجزائر من أوائل القضايا الَّتي اهتمَّت بها الجامعة، فالمقال المشار إليه نُشر بعد شهرين من افتتاحها.
[8]: مسلم (2699)
[9]: البخاري (2442)، ومسلم (2580)
[10]: البخاري (6026)، ومسلم (2585)
[11]: البخاري (6011)، ومسلم (2586)
[12]: البخاري (7512)، ومسلم (1016)
[13]: الشَّيخ عبَّاس بن إسماعيل بن دَحمان بن الشَّيخ الحسين، ولد سنة (1912م) قرب ميلة في ناحية قسنطينة، حفظ القرآن وتلقَّى تكوينه الأوَّل في الفقه المالكي واللُّغة العربيَّة، ثمَّ سافر إلى تونس للدِّراسة العليا في جامعة الزَّيتونة، ثمَّ إلى جامعة القرويين بفاس، وتخرَّج منها محصِّلاً على درجة العالميَّة، انخرط إثر عودته في صفوف جمعيَّة العلماء المسلمين، وأصبح عضوًا لمكتبها الدَّائم، صاحب الإمام ابن باديس وتأثَّر بنهجه الإصلاحي، ورافق الشَّيخ البشير الإبراهيمي في نضاله وتجديده، وعند اندلاع الثَّورة الجزائريَّة والحُكم عليه ورفاقه بالإعدام من قبل الاستعمار سافر متخفيًّا إلى فرنسا فسويسرا فالقاهرة، حيث شارك في تأسيس الحكومة الجزائريَّة المؤقَّتة برئاسة فرحات عبَّاس، ثمَّ ذهب ممثِّلاً لها وللثَّورة الجزائريَّة في المملكة العربيَّة السُّعوديَّة، ثُبّت الشَّيخ عبَّاس رسميًّا كأوَّل سفير للجزائر المستقلَّة في المملكة، لكنَّه ما لبث أن استقال، عيِّن أوَّل رئيس للمجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر، ثمَّ استقال تولَّى الخطابة تطوُّعًا بالجامع الكبير بالعاصمة، وفي سنة (1982م) وافق على تعيينه عميدًا للمعهد الإسلامي وإمامًا لمسجد باريس الكبير، وبقي هناك إلى أن وافته المنيَّة في: (3/5/1989م)، رحمه الله
[14]: الشَّيخ عبد الحميد عمَّار بوتمجَّت، ولد بتاريخ: (17 يناير 1926م) في دوَّار (أم العظائم) دائرة مداوروش من ولاية سوق هراس، تعلَّم بزاوية (سيدي مصطفى بلقبلي)، ثمَّ انتقل إلى منزل جدِّه، حيث واصل قراءة القرآن، وفي الوقت نفسه دخل إلى المدرسة العموميَّة الفرنسيَّة، انقطع عن المدرسة الفرنسيَّة، حيث رأى جدُّه حمو بن زديرة -وهو من أعضاء جمعيَّة العلماء- أن يرسله هو وعمِّه إلى مدرسة التَّربية والتَّعليم بقسنطينة سنة (1938م)، فالتحق بها ودرس على الأساتذه: محمَّد العابد الجيلاني، ومحمَّد الغسيري، ومحمَّد الصَّالح رمضان، وبعد وفاة الشَّيخ ابن باديس انتقل إلى تبسَّة وتتلمذ بمدرسة (تهذيب البنين والبنات)، هاجر إلى تونس لطلب العلم، والتحق بالجامع الأعظم، فحصل على (شهادة التَّحصيل) سنة (1950م)، وفي أثناء تتلمذه بالزَّيتونة كان نشاطه فيَّاضًا وعضوًا فعَّالاً في جمعيَّة الطَّلبة الجزائريِّين، ثمَّ أمين مالها، إلى أن عاد للجزائر حيث توجَّه نحو التَّعليم الحر، وقد حاكمته فرنسا وسجنته ثلاثة أشهر، ثمَّ واصل نشاطه التَّعليمي، فوضعته فرنسا نصب عينها، فاضطرَّ للخروج إلى مصر عام (1955م)، ثمَّ إلى السُّعوديَّة، فقام بواجبه في الصَّحافة تعريفًا بقضيَّة الجزائر، مع الاتِّصال بالإذاعات العربيَّة، انخرط في سلك التَّعليم بالمدينة المنوَّرة ثمَّ بالرِّياض، ولحق به جمعٌ من الطلبة الجزائريِّين في بعثات جمعيَّة العلماء، كان على اتِّصال وثيق بجبهة التَّحرير الوطني، ولـمَّا تأسَّست الحكومة المؤقَّتة وأنشئت السَّفارة الجزائريَّة بجدَّة، كان ممثِّل الحكومة فيها: الشَّيخ العبَّاس الحسيني، بمساعدة الشَّيخ السَّعيد البيباني، فكان مساعدًا لهما في الرِّياض، يقوم بالاتِّصالات مع الشَّخصيَّات والأمراء نيابة عنهما، وأثناء ذلك يقوم بالتَّدريس في معهد إمام الدَّعوة العلمي في مواد العربيَّة والشَّريعة، كما انتسب إلى جامعة الرِّياض، فحصل منها على (شهادة اللِّيسانس) في الأدب العربي وشهادة أخرى في التَّاريخ، إلى أن استقلَّت الجزائر، وعاد إليها، فكان نشاطه في مجال التَّعليم الحكومي، أحيل للتَّقاعد عام (1987م)، وتوِّفي بمدينة عنَّابة بتاريخ: (23 ربيع الثَّاني 1437هـ، الموافق: 2 فيفري 2016م)، ودفن من الغد، وكانت جنازته مشهودة رحمه الله، انظر ترجمته في كتاب: «من أعلام الإصلاح في الجزائر» لمحمَّد الحسن فضلاء (3/317)، ولأخي الفاضل مصطفى فوضيلي اهتمام خاص بهذا العَلم، وقد استفدت منه في إعداد التَّرجمة المذكورة
[15]: وهو الخطاب المتقدَّم
[16]: أخرجه أحمد (12246)، وأبو داود (2504)، والنّسائي (3096)، عن أنس رضي الله عنه، وصحَّحه الألباني في «صحيح الجامع» (3090)
[17]: البخاري (2697)، ومسلم (171)
[18]: محمَّد بن أحمد المنصوري الغسيري، ولد سنة (1915م) بمنطقة غسيرة بولاية باتنة، التحق بعدد من المدارس، ثمَّ التحق عام (1933م) بالإمام ابن باديس، فنهل من علمه، واقتبس من أدبه كما درس أيضًا على غيره من الأساتذة، أسَّس بقسنطينة رفقة عدد من زملائه الخليَّة الأوراسيَّة لجمعيَّة العلماء، والَّتي أقلق نشاطها الاستعمار وأذنابه، انخرط في صفوف الكشَّافة الإسلاميَّة الجزائريَّة، وقد كتب عدَّة نصوص لفائدتها، وبعد تخرُّجه عيَّنته الجمعيَّة في مناصب شتَّى، وكان يشارك بهمة كبيرة في أنشطتها، ويقوم بمهمَّات كثيرة، اعتقل من قبل الاستعمار بعد حوادث (8 ماي 1945م)، ثمَّ أطلق سراحه عام (1946م)، ليعود إلى مواصلة مهمَّته في ميدان التَّربية والتَّعليم، كان له نشاط كبير في دعم الثَّورة، وحشد الطَّاقات البشريَّة والإمكانات الماديَّة، ممَّا جعل المستعمر يراقب نشاطه ويتربَّص به، فاضطر إلى التخفِّي والخروج إلى العاصمة، وفي سنة (1956م) تمكَّن من السَّفر إلى فرنسا، فكلف بتأسيس خلايا جبهة التَّحرير الوطني بها، فقام بالمهمَّة بنجاح، غادر فرنسا إلى القاهرة، ثمَّ عيِّن ممثّلاً للجبهة في سوريا، فظلَّ يقوم بمهمَّة حشد الدَّعم للثَّورة الجزائريَّة، كما ظلَّ يشرف على الحصص الإذاعيَّة الموجَّهة من دمشق إلى الجزائر وثوارها، إلى غاية استقلال الجزائر سنة (1962م)، حيث عاد إليها، فتمَّ تعيينه سنة (1963م) سفيرًا للجزائر في السُّعوديَّة، وقد استطاع ببُعد نظره وحنكته السِّياسيَّة أن يربط علاقات ممتازة بين البلدين، ممَّا جعله محلّ تقدير بالغٍ من قبل القادة السُّعوديِّين، حيث منحوه السَّيف الذَّهبي لآل سعود ثمَّ انتقل من السُّعوديَّة إلى الكويت سنة (1970م) سفيرًا للجزائر بها، وممثّلاً أيضًا للجزائر في اليمن الجنوبيَّة والإمارات العربيَّة المتَّحدة، مع الإقامة في الكويت له جملة من الآثار العلميَّة، منها : «خلاصة الدُّروس الفقهيَّة»، «صورة من حياة ونضال الزَّعيم الإسلامي والمصلح الدِّيني الكبير الشَّيخ عبد الحميد ابن باديس»، توِّفي بتاريخ: (24/7/1974م)، رحمه الله انتهى.
ملخّصًا من ترجمة نشرها الدُّكتور مسعود فلوسي بالإنترنت، ومن المصادر الَّتي تناولت الغسيري رحمه الله بالبحث: «الحركة الإصلاحيَّة بالأوراس: محمَّد الغسيري أنموذجا»، من إعداد الطَّالبة خديجة كريد، وهي مذكِّرة مقدِّمة لنيل شهادة الماستر في التَّاريخ المعاصر بجامعة محمَّد خيضر ببسكرة، كليَّة العلوم الإنسانيَّة والاجتماعيَّة، وذكرت ضمن مصادر بحثها: كتاب: «محمَّد المنصوري الغسيري» لحفناوي بعلي.
[19]: أجرت جريدة «عكاظ السُّعوديَّة» في العدد رقم (1621)، وتاريخ (17/2/1432هـ) لقاءً مع الأستاذ الشَّاعر عبد الله العرفج، وكان من المسؤولين عن جمع التبرُّعات للجزائر في مدينة عنيزة، وله قصائد في الجزائر، فكان ممَّا قاله: «... وقمتُ بجمع التبرُّعات من الرِّجال والنِّساء، وحثثت النَّاس على التبرُّع، فكانت النِّساء يُخرجن ذهبهن من أياديهنَّ، ويضعنه في السيَّارة»، وقال الشَّيخ إبراهيم بن عبيد رحمه الله في كتابه: «تذكرة أولي النّهى والعرفان» (5/183-184) خلال كلامه على جمع التبرُّعات في يوم الجزائر بمدينة بريدة ما يلي: «وقد رأيت بعد صلاة العصر من ذلك اليوم رجلاً منطبقًا، يستغيث على المنصَّة، ويبكي، يقول: أيُّها المسلمون!.. انظروا إلى فعال فرنسا بأهل الجزائر، أما فيكم من فزعة؟ أما فيكم من فزعة؟ واستغرق في الاستغاثة، حتَّى جعل ممَّا يجده في صدره يقول: إيتوني برشاش لإعدام فرنسا، أيُّها المسلمون!.. لا يحقرَّن أحدكم من المعروف شيئًا، إنَّ شعب الجزائر بحاجة إلى دينار، إلى درهم، إلى قميص، إلى كساء، إلى سكِّين، فانفعل الحاضرون، وقام الرَّجل يقدِّم أحسن ما يملك، وتقدِّم المرأة أقراطها وأساورها، ويقدِّم الطِّفل ما في حصَّالته من دراهم، ويقدِّم الغنيُّ ما تجود به نفسه، وهكذا جعل الشُّيوخ والشَّباب يتدافعون ويتسابقون إلى لجان جمع التبرُّعات»
[20]: انظر الوثيقة رقم (3)
[21]: وكانت هذه الطَّريقة مسلوكة -أيضًا- في قضيَّة فلسطين عام (1948م)، وقد قام الأستاذ فهد المارك بجمع تلك القوائم، وضمَّها لقائمة المجاهدين السُّعوديِّين الَّذين جاهدوا في فلسطين ضمن الجيش السُّعودي الَّذي وجَّهه الملك عبد العزيز رحمه الله لقتال اليهود، وأخرجها جميعًا في كتاب أسماه «سجل الشَّرف»
[22]: انظر الوثيقة رقم (4)، وقد صوَّرتها من كتاب «الرَّسائل المتبادلة بين الشَّيخ ابن باز والعلماء» (ص:606)، إعداد: الشَّيخ محمَّد بن إبراهيم الحمد.
ملحق الوثائق:
الوثيقة رقم (1)، جريدة المدينة المنوَّرة عدد (1027)، وتاريخ: (28/7/1381هـ)
الوثيقة رقم (2)، جريدة المدينة المنوَّرة عدد (1041)، وتاريخ: (18/9/1381هـ)
الوثيقة رقم (3)، جريدة المدينة المنوَّرة بتاريخ: (19/8/1381هـ)
الوثيقة رقم (4)، رسالة من سماحة الشَّيخ عبد العزيز بن باز إلى علي ابن ريس حول جمعه للأموال للشَّيخ العلاَّمة البشير الإبراهيمي رحمهما الله.
=============================================
تجد البحث مع الوثائق في المرفقات ، ومن يستطيع تحويله على هيئة pdf ليعم به النفع ، ويسر الله طباعته من أهل الخير والمحسنين على شكل رسالة دعوية
ولما لا ؟ ... مترجمة إلى اللغة الفرنسية ، والله الموفق .
تعليق